المحاضرة الثانية عشرة

51 5 0
                                    

كنت أراقب قطرات المطر التي تلفح زجاج فصلنا في حين رأسي يرسو عُل الطاولة قبالي، يتجلى لي الجو كئيبًا ويستوجب الكثير من الدفء، أتوق وأشتاق شيئًا يشعل توقدي وحماستي له بل وأتوق أيضًا لو أستمد منه قوةً تعيني على إكمال يومي هذا، لحظة! اليوم هو موعد درس الأستاذ مازن أي...

كان بدني سيأخذ له مقعدًا في الهواء الطلق لولا معرفتي التامة بأنني سأنزلق على الأرض ببعثرة مضحكة جدًا؛ لذا ترجرجت في كرسي من الحماس؛ فهذا اليوم سيمدني بطاقة مغايرة عن دونها، سأشهد إنجازات أجدادي الذين أفخر بهم وفي المجال الذي أعشقه بل أكاد أُتيم به، وتلو ذلك سأفقه عن ما خلفوه لكي استقي من نبع علمه، إن هذا اليوم...

قاطع حديثي الداخلي ولوج الأستاذ بعدما حيا طلابه، وبعد أن ردد جميعنا التحية بحماسٍ تشدق فاهه ببسمة مبتهجة، ومن ثم شرع في محاضرة اليوم، فتح الكتاب البني نفسه وعدل نظارته الشهيرة، لكنه لم يقرأ شيئًا بل جال بحدقتيه في القاعة لترسو عيناه علي وبادهني بغتة بجملة:
«آرمي، حاورنا عن ناقدٍ تعرفه وتعرف عن سيرته.»

تفاجأت لوهلة من طلب أستاذي؛ لكنني علمت أنه بطلبه يشجعني لفعل ما أحبذه فأردفت بسعادة: «بالطبع، سأتحدث عن الناقدة العراقية حياة جاسم».

أعربت عن الناقدة التي سأتحدث عنها اليوم ثم أتبعت قائلًا:
«حياة جاسم ولدت في بعقوبة وحصلت علی الإجازة في اللغة العربية وآدابها، كذلك الماجستير في الأدب العربي من جامعة بغداد، فضلًا عن الماجستير في الأدب الغربي، ثم الدكتوراه في النقد الأدبي من جامعة أنديانا، بعدها درست اللغة في عدة جامعات.»

توقفت قليلًا محاولًا استذكار أحد أعمالها ثم أكملت بعجلة «أكثر عملين أحبهما لها هو سيزيف يتمرد وخارج الأطار داخل اللوحة، وهذه فقط معلوماتي المتواضعه عنها».

«أحسنت، معلومات جيدة أما أنا فسأتحدث عن الناقد الذي وُلد في ذات الدولة، ألا وهو حسن نجم البياتي.»

كان جميع زملائي مشدودين بشدة لما يُقال في قاعتنا الهادئة بعد أن امتلأت بالدفء، كما شدوا لصوت الأستاذ الرزين الذي أعرب قائلًا:
«ولد في محافظة ديالي ثم انتقل إلی بغداد، حصل علی الليسانس في الآداب من دار المعلمين العالية بمرتبة شرفٍ، والدكتوراه في اللغة والأدب من جامعة موسكو.»

تنحنح قليلًا يُبدل موضعه، ثم أكمل: «عمل مدرسًا في ثانوياتٍ بمحافظاتٍ مختلفة، وبعدها أُحيل للتقاعد؛ لكنه لم يتوقف هنا بل عاد للعمل في كلية التربية للبنات بجامعة الكوفة ثم أستاذ في اليمن، كما أنه كان عضوًا في إتحاد الأدباء العراقيين، وجمعية المترجمين العراقيين، ونادي الفنون في البصرة، وإتحاد الأكاديميين العراقيين في المملكة المتحدة؛ وأما عن مؤلفاته التي ستُمتعكم وتضفي جوًا رائعًا لوقتكم فأذكر منها «الشعر العراقي الحديث» و«جراح الغضا»».

اختتم الأستاذ الجملة الأخيرة ليستفهم منا إن كان أحدنا قد استلهم نصيحة أو عبرة مما قرأه عن الأسطورة التي تحدثنا عنها؛ لذا سريعًا جال بخاطري أمر أحببته كثيرًا حينما قرأت عنه بالصدفة وبهذا بدأت أقصه علی أستاذي بعدما أقمت يدي وأشر لي بالإجابة.

«قرأت مرةً أنه وقع علی رأسه وبعدها فقد بصره؛ لكنه واصل تدوين كتاباته بمساعدة ابنه الطبيب؛ لذا تكون النصيحة الواضحة من ذلك هي أن لا نستسلم ونواصل في طريق حلمنا مهما كانت الصعاب.»

ابتسم الأستاذ برضا ثم أعلن انتهاء الدرس، ولكون المحاضرة لم تُختتم بعد أسند جسده عُل كرسيه وشرع بمبادلتنا أطراف الحديث بخفة اعتنقها حديثه.

كان معكم آرمي الطالب الوسيم.

دمتم نجومًا لمجرتنا💜

المراجع:
ويكيبيديا:
حسن نجم البياتي.
حياة جاسم.

مقبع النقادWhere stories live. Discover now