المحاضرة العاشرة

41 6 0
                                    

دلف الأستاذ إلى قاعة المحاضرات بخطواتٍ رزينة ثابتة، وقبل أَن يعدّل من وضعيّة الأوراق الّتي أخرجها من محفظته الجلديّة، أخذ يعيد ترتيب الرّبطة التي أحاطت عنقه، ثمّ نفض عن بدلته البنيّة الغبار في إشارة إلى اِستعداده لإلقاء الدّرس، أو على الأحرى اِستعداده لاِستجواب الطّلبة المكلّفين بدراسة سيرة وأعمال النّقاد المَعروفينَ عبر التّاريخ، والّذين قد اِنتبهوا لحمحمة الأستاذ وأطبقوا أفواههم منتظرين منه أخذ المبادرة في الحديث.
«مرحبًا جميعًا.»

تحدث المحاضر وهو يعدل نظّاراته المستطيلة مخاطبًا الجمهور اليافع المرتص على المدرّجات حياله، صمت قليلًا وهو يحدّق في الوجوه الجديدة التي تكاد تعدّ على الأصابع، ثمّ اِسترسل في حديثه:
«فِي البداية أوّدّ التّرحيب بالقلائل الجدد بيننا، ثمّ لا يسعني إلاّ أن أعرّف لكم عن نفسي. أنا الدّكتور مازن، وسأكون محاضركم اليوم. كنت قد طلبت من طلاّبي إعداد مقالة عن ناقدين أدبيّين سبق واِخترتهما بنفسي، وسأقوم باِستجوابهم الآن لأقيّم أعمالهم، وستكون هذه فرصة عظيمة لكم أيّها الطّلبة المستحدثون لتتعرّفوا على آليّتي في العمل.»

ختم  مازن كلامه بسؤال الطّلبة عن من سيقدّم مقالته أوَّلًا، فراحت عيُونه الخضراء تجوب أركان القاعة باحثة عن مُجيب حتّى اِستقرّت عليّ عندما لوّحت بيدي ببعضٍ من الاِضطراب الجلي.

«جيّد جدّا! ذكّريني باِسمك يا آنسَة، فإنّي لست بجيّد في حفظ الأسماء.»

تحدّث المُحاضر بمرح محاولًا إزاحة سحابة التوتّر الّتي استقرّت فوقي.
«أنَا...»

تلعثمتُ في قولي لبضع ثوان، ثمّ استعدتُ رباطة جأشي وقلت:
«أنا اِسمي وسَن يا حضرة الدّكتور.»

علَت على ملامح المعنيّ اِبتسامة جانبيّة، وبعدئذ راح يتفقّد اِسمي على القائمة الّتي ما لبثت حتّى صارت بين يديه، وردّ بعد برهة من الزّمن:
«حسنٌ وسَن. اِسمك قد بان على ورقتي هذه، مطلوب منك دراسة موجزة عن النّاقدين فيساريون بلنسكي وأمبرتو إيكو، أليس كذلك؟»

«هذا صحيح، لقد أعددت بحثي وأنا جاهزة لإلقاءه، أعني... سأنطلق بمجرّد إعطائك لي الإذن بالطّبع!»

أجبتُ بصوتٍ شبه منخفض لحفه الخجل.
«جيّد إذًا، وأنتِ يا وسن تعلمين أسلوبي في تقييم عمل كهذا، أم أنّي على خطأ؟»

«بلى؛ بلى أنا على علم بهذا، نظام الأسئلة وما يشابه ذلك.»

«لكِ إذني للبدأ إذا يا آنسة وسن، تستطيعين اِختيار النّاقد الّذي ستباشرين به الإلقاء، ثمّ يمكنكِ إعطائنا نبذة عن حياته.»

قلّبتُ رزمة الأوراق ثمّ انتشلت إحداها بسرعة فائقة، وبدأت أقرأ ما كتب فيها بصوت عالٍ دون أن أزيح عيني عنها:
«ولد أمبرتو إيكو في الخامس من يناير/كانون الثاني في عام ألف وتسعمائة واثنين وثلاثين من الميلاد في مدينة أليساندريا بإقليم بيدمونت شماليّ إيطاليا، لأسرة متوسّطة الحال يعمل والدها في مجال المحاسبة المالية.

مقبع النقادWhere stories live. Discover now