المحاضرة الأخيرة

106 9 3
                                    

في ختام كتابنا والذي استضفنا فيه ثلة من النقاد وأكثرهم تميزًا وإبداعًا، تلقينا في ثنايا مقبعنا أن الناقد هو شخص ذو خبرة ودراية كافية، كما ثقافة عالية في المجتمع تكاد تنتهز في بسوقها السماء، بحيث يستطيع تحليل، وتفسير الأشكال أو الأعمال الفنية -المُنتجة من قبل المبدعين- الذين يحفونه بالصورة الصحيحة، الكاملة، والتامة، علمًا أن كل شخص موجود في المجتمع يستطيع أن يكون ناقدًا لكن بدرجات مُختلفة، فكل حسب مدى بذوخ خبرته ومعرفته وثقافته. ولكن الناقد الحقيقي هو الذي يقوى على أن يقدم نقدًا مؤثرًا فعالًا يتوجه على أساس دراية شاملة، وكذلك تساعد الخبرة والممارسة على تقديم نتاجات أفضل، فهي بمثابة تحويل أو توصيف للعملية الإبداعية.

مفهوم الناقد مفهوم قديم يكاد يناهز قدم الإنسان نفسه، فهو سابق في وجوده على وجود العمل، والأسلوب عام وليس للمتخصصين في الفنون التشكيلية أو الأدب، كما هو في الوقت الحاضر الذي اتضحت أهميته بعد اختراع الطباعة والصحف في أوروبا، كما أن مفهوم النقد مرتبط بوثاق مُحكم بالإنسان صاحب الخبرة والعقل والحكمة، وهذا الموضوع واضح، وجلي عند الفلاسفة الإغريق، وبخاصة: (أفلاطون) و(أرسطو).

لجأ الباحثون والفلاسفة منذ أقدم العصور إلى معطيات المعارف العقلية والخبرات المتوارثة لتقويم الفن، ومعظم الذين كتبوا في النقد بدءًا ( بسقراط) حتى القرن العشرين هم رجال الفكر.

فالناقد وسط جمالي وثقافي يجمع في بحثه الفنان، والمجتمع أو المتلقي بحوار فني، يعمق من كون الفن ظاهرة إنسانية خالدة تمتد جذورها وتأريخها مع الإنسان وتأريخه على هذه الأرض. والناقد كائن سياقي يتأثر بعوامل عديدة منها ما هو قابع خارج العمل الفني، كالعوامل الاجتماعية، والسياسية، والثقافية، ومنها ما موجود جوفه ويطوي مزاج الشخصية أو تركيبتها النفسية، وخبرتها، وثقافتها وتربتها.

وقد قال جورجي زيدان عن النقد في مجلة الهلال: إن النقد يعني إبراز جوانب الاستحسان والنقص على حد سواء وأن كلمة (انتقاد) ليست تعني إحصاء العيوب وحدها، وإنما المحاسن والعيوب سويًا.

وإذا أردنا تعريف النقد فيمكننا أن نقول أن النَّقْد لغةً تُعرف بأنّها تميز الدراهم وتخراج الزائف منها، ويأتي بمعنى فَحْص الشيء وكَشْف عيوبه. أمّا في الاصطلاح، فالنَّقْد هو تمحيص العمل الأدبي بشكلٍ متكاملٍ حال الانتهاء من كتابته؛ إذ يتمّ تقدير النصّ الأدبيّ تقديرًا صحيحًا يكشِفُ مواطن الجودة والرداءة فيه، ويبيّن درجته وقيمته، ومن ثمّ الحكم عليه بمعايير مُعيّنة، وتصنيفه مع من يشابهه منزلة.

والنَّقْد يختلف بمعاييره وأحكامه باختلاف الفن الذي يُمارَس فيه النَّقْد؛ فالنَّقْد الذي يُوجَّه للأدباء والنُّقاد يختلف عن النَّقْد المُوجَّه للفقهاء، كما أنّ نَقْد الأصوليّين يختلف عن نَقْد المُحدِّثين؛ فلكلٍّ منهم أسلوبه وأحكامه، إلّا أنّ المشترك بينهم هو النَّظر في الأثر الأدبيّ وتحليله مضمونًا وشكلًا، ثمّ الحكم عليه وتقويمه، والنَّقْد قد يكون في مجال الأدب، كما السياسة، والفلسفة، وأيضًا في مختلف المجالات الأُخرى، ومن الجدير بالذّكر أنّ هناك مفردات مقاربة للنَّقْد، كالتقييم، الردود، المناظرات، المحاورات، الجدل، والمباحثة، إلّا أنّ لكلِّ مصطلحٍ ما يميِّزه عن غيره من حيث الأساليب، والأحكام، والغايات.

كما أن عمل الناقد ليس مقتصرًا علی النقد فكما رأينا في كتابنا توجه النقاد في عملهم لعدة مجالات متغايرة ومتباينة من بينها الصحافة والتعليم، والكتابة، والشعر، ودونه. ودائمًا ما كانت كتابات أولئك النقاد مميزة ومليئة بالإبداع، حيث تظهر خبرة الناقد وتجعلها تتجلى في صف سطوره بقالبٍ مختلف جميل.

وفي النهاية بعد رؤية إنجازات نقادنا وخاصةً العرب منهم لا بد أن فخرًا واعتزازًا عظيمًا تكّون في قلوبكم، ودربًا منيرًا وُضع أمامكم كي تتابعوا من بعدهم طريقًا لن ينتهي وسنورثه لجميع أجيالنا، فمن يعلم ربما تكون أنت الناقد التالي؟

-كان معكم الناقد آرمي.

تذكروا أن فريق النقد دائمًا في الجوار💜

🎉 لقد انتهيت من قراءة مقبع النقاد 🎉
مقبع النقادحيث تعيش القصص. اكتشف الآن