الفصل 5

111 17 2
                                    

كان يعود لوعيه و يفقده. يا لقوته، ما زال يكافح للبقاء حتى بعدما زالت آثار الفطر المخدر تاركة إياه يتعامل مع آلام كل تلك الجروح بمفرده. و بعد ثلث ساعة تقريبًا استعاد وعيه من احدى اغماءاته القصيرة. رؤيته ضبابية إلا انه تمكن من رؤيتك جالسة بجانبه على طرف الأريكة منحنية فوقه حاجبة الإضاءة الساطعة خلفك مما خلق مشهدًا بديعًا، و بيدك قطعة قماش تمسحين بها قطرات العرق الباردة من على جبينه. ابتسامتك العفوية و الراحة البادية على وجهك عندما رأيته يفتح عيناه جعلته يظن انه في فالهالا بالفعل، وحدهن 'الفالكيريز' من يملكن ابتسامة عفوية تأسر القلوب كتلك.


هذا ما كان يظنه، حتى بدأت تناولينه رشفات من اليخنة التي طهوتها للتو و ما كان له إلا ان يبصقها من فوره.

"ما هذا الهراء..؟ كيف تتناولون هذا القرف؟!"

قال بصوت خشن و تعابير وجهه تصرخ "مقزز"

"ماذا؟"

"أريد شراب" قال و هو يحاول ان يشرح لك بالإيماءات. "شراب كحولي... كحول، كحول!"


كان يتحدث بلغته الأم، باللهجة النوردية الشرقية، و استخدم بعض الكلمات الانجليزية العتيقة التي يتذكرها. طبعا فهمت ماذا يريد عندما نطق بالانجليزية و لكنك فضلت التظاهر بالغباء على ان ترهقي نفسك و تشرح له انه لا يُسمح لك بشراء الكحول بسبب قانون حماية من هم دون السن القانونية في هذا البلد.

"اغغغه... سأكتفي بالعصير". سحب الكأس من يدك و تجرع منه بضع جرعات قبل ان توقفيه و تأخذيه منه.

"عليك ان تتعافى! لقد تكلفت عناء صنع هذه اليخنة بنفسي لذا حري بك ان تكون ممتنًا و تتناولها!"


أصدر بيورن صوت تذمر و انقلب على الجانب الآخر ليعطيك ظهره و يعود للنوم متجاهلًا إياك. لكنك لن تدع الموقف يمر مرور الكرام.

"هذا ليس وقت التشكي، هيا افتح فمك... آآه".

لوّح بيده ليبعدك دون ان يلتفت اليك و كاد الطبق الساخن ان يسكب. توقفتِ و نظرتِ إليه لثوانٍ معدودة، ثم قررتِ أخذ رشفة من الحساء لمعرفة أين يكمن الخطأ. كانت غلطة. لا عجب انه بصقه فقد كان طعمه رهيب و غير قابل للأكل تقريبًا، لا تعرفين أين اخطأتِ فقد وضعتِ كل المكونات المذكورة؛ اللحم، الفاصوليا، السبانخ و بقية الخضروات. هذه اول مرة تطبخين فيها و لكنك متأكدة من انك اتبعتِ التعليمات كما يجب. فقط عندما قرأت التعليمات مجددا ادركت انكِ نسيت إضافة الملح و هرعت الى المطبخ، إلا ان دولاب البهارات كان فارغًا. لم يكن هنالك احد يهتم بالمنزل طيلة الأسبوع الفائت إذ كنتِ تفوتين الوجبات و أحيانا تكتفين بالرامن و حسب. استوقفتك حالتك المزرية للحظه، و قررت انه يجب عليك وضع حد لهذا.

"بيورن..." قلتِ و انت تقتربين منه ببطء.

"سأذهب للخارج لن اتأخر سأعود قريبًا، لا تتحرك كثيرًا حتى لا تفتح جراحك، حسنًا؟؟"

"..."

عندما خرجتِ من المنزل وجدتِ ابن الجيران واقفًا في الردهة بالقرب من بابك. كان طالبًا معكِ في الصف، 'كيبي' كان اسمه إن لم تخنكِ الذاكرة. كان فتًا عاديًا مثلكِ تماما فلم يكن ذائع الصيت بين الفتية و لا الفتيات بالرغم من انه كان حسن المظهر و مهذب، قد يعود عدم امتلاكه لأصدقاء لكونه قليل الكلام و يفضل عدم الاحتكاك بالآخرين كثيرًا، مثلكِ تمامًا. كان يقف بجانبه رجل أكبر سنًا، طويل القامه و نحيل و كل شيء فيه يبدو مشبوهًا.

لم تعيري الأمر اهتمامًا كبيرًا، لوحتِ للفتى نصف تلويحة من بعيد موحية إياه أنك على عجلة من أمرك بعد محاولة منه لمناداتكِ. هرعتِ نحو أبعد بقاله و التي تقع في آخر الحي لأنها الوحيدة التي تبقى مفتوحة في مثل هذه الساعة المتأخرة بعد متنصف الليل. لقد كانت الساعة الثالثة و النصف صباحًا لذا فالبقالة أشبه ما تكون لمحلٍ مهجور.

ابتعتِ عدة موادٍ غذائية، صدور دجاجٌ مجمدة وبهارات متنوعة، قررت تأجيل شراء الخضار للغد صباحًا حينما يجيئون بالأوراق الخضراء المحصودة حديثا، بهذه الطريقة تستغلين فائدتها الغذائية الكاملة و التي تسرع من عملية التعافي، كان لديك الوقت للتفكير بكل تلك التفاصيل. كما اشتريت بضعة مسكنات وضمادات إضافية.

في طريقِ للعودة صادفتِ الرجل الطويل الذي كان ينزل من نفس السلالم التي تستخدمينها في العادة، كانت عيناه طائشتان فهو لم يستحي التحديق بك و بكل الأكياس التي اشتريتها، حتى أنه رمقكِ بنظرة يملأوها الانزعاج بشكل واضح ثم تابع طريقه. خالجك الخوف فبالتفكير في الأمر، وقوفه مع طالب مرحلة ثانوية في مثل هذه الساعة أمر يدعوا للقلق.

عندما وصلتِ إلى باب شقتكِ وضعت الأغراض على الأرض لتخرجي مفاتيحك، عندها أحسستِ بيدٍ تمسك كتفت من الخلف بشكل مفاجئ!

الأمير و الوحش - فينلاند ساغاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن