الفصل 24 (END)

143 15 37
                                    

مات بيورن...

هذا ما تناقله المحاربين فيما بينهم طيلة الأسبوع الماضي بعد انتهاء المعركة، هانو لم يرِد تصديق الأمر حتى يعثروا على الجثة. آخر مرة شوهد فيها بيورن كانت عند مدخل الغابة الكثيفة بعد أن حاصرهم الجنود الإنجليز. شهِد الجميع كيف كان هائجًا وقتها كما لم يفعل من قبل في ذلك اليوم المهيب الذي لم يكد فيه قرع طبول الحرب أن يتوقف.

ما كان لشيء أن يهدئ هذا الوحش الأشبه بالدب الذي عجز عن السبات هذا الشتاء، هل علمتم أنها أخطر أنواع الدببة؟ طبعًا فهي معلومة عامة يعرفها الجميع إلا أن هانو بدا غافلًا كفاية ليقف أمام بيورن في محاولة السيطرة عليه، ليخرجه من المصيدة التي نصبها الأعداء لاستدراجه.

وقف الأمير هانو بضئالته أمام الوحش الهائج و مد ذراعه لتهدئته ثم سحبها بعد ثانية فقط لئلا تُقتلع من بطش الوحش الماثل أمامه. حاول و لكن دون جدوى فـ بيورن لا يميز بين عدو و حليف في هذه المرحلة، صرخ بيورن و انطلق ليمزق الفتى لكنه قوبل بصرخة حادة و أعلى نبرةً في وجهه، جاءته على حين غرة.

ذُهل الجميع من المشهد، كان الأمير هانو كالهريرة الصغيرة التي تزمجر بكل قوتها رغم عجز قوامها على حملها، في وجه دبِّ ضخم كان على وشك أن يُنزل كفّه العملاق لينهي حياتها في لمحة و لكن... لصدمته، عاد لوعيه.

جاءت الصرخة محمّلة بعزيمةٍ قوية لم يرَ مثلها من قبل؛ عزيمةً لم يكن منبعها رغبة في التهديد بل في الحماية، فيها قليلٌ من الحزن و مشاعر أخرى لم يستطع تمييزها. توقف ليلتقط أنفاسه للحظات و يتفقد محيطه، لقد كان هانو واضعًا يديه على كتفيه و يرجوه أن يعودا للديار. بدا الوقت بطيئًا للحظةٍ قبل أن يسمع صوت اختراق السهم لظهر هانو الواقف أمامه ليقع على الأرض المكسوة بالثلج. الإنجليز الأنذال لن يسمحوا له بالراحة! لم يضيّع بيورن ثانيةً واحدة في مطاردتهم واحدًا تلو الآخر، تاركًا الأمير خلفه، حتى انتهى به المطاف متغلغلًا في أعماق الغابة ليُفقد أثره بعدها لمدة أسبوع، دون أن يعلم بقية رفاقه ما حل به.

أجل، نحمد الله أننا عشنا حتى حلول عام 1012 و قد حان الوقت تقريبا. هذا ما كان هانو يخبر نفسه به بينما كان يحرث الأرض حينما هبّت نسمة هواء عنيفة صادرة من وسط الغابة التي تقع خلف القرية.

و في الغابة حيث عصفت الرياح، حطّت قدما بيورن أرضًا يعرفها جيدًا، إنها الغابة التي يحفظها عن ظهر قلب فقد اعتاد التجوال و جمع الفطر و الأعشاب هنا و هناك. أجل، إنه في عالمه الذي جاء منه، يمكنه الجزم بذلك من خلال رائحة الهواء النقية الخالية من دخان المصانع و المدن المتحضرة. سيستغرقه الأمر بضع سويعاتٍ من المشي حتى يصل إلى البلدة.

و عندما همّ بالمشي خُيّل إليه أنه لا يزال يستطيع سماع صوتكِ، بل في الواقع قد سمع كلمة واحدةً فقط و بالرغم من أنه ليس متأكدًا التفتَ. ليراكِ جاثيةً على ركبتيكِ تمسحين دموعكِ غير قادرة على كتم صيحات البكاء التي تخرج منكِ رغمًا عنك. عندها اعتُصر قبله و تيقن أن رغبته في العودة إلى حياته الطبيعية لا تُقارن أمام رغبته في البقاء و قضاء ما تبقى من أيامه معكِ. اتخذ قراره بأن يعود أدراجه إلا أن البوابة كانت تُغلق بحركة متسارعة غير منتظمة، ركض نحوها و تعثر بغصنٍ فوقع أرضًا و كأَنّ الكون أجمع ألا يشاء له العودة. مدّ يده و لكن الأوان قد فات، لقد تلاشت البوابة... و أنتِ معها.

الأمير و الوحش - فينلاند ساغاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن