الفصل 3

122 18 2
                                    

جلس بيورن مذهولا يراقبك في صمت.

رفعت رأسك لتأخذ نفسا عميقا و وضعت يدا على عينيك و كأنك تريدين من المشهد أن يتوقف هنا، لم يعد في قلبك أي مساحة اضافية لخوض نزاعٍ الآن، ليس و أنت لم تحسم النزاع الداخلي الخاص بك بعد.


"لا ادري لماذا اعبأ بالحديث حتى، ليس و كأنك ستفهم ما أقول، لا احد يفهم على اية حال... "

جلستِ بجانبه على الطرف الآخر من الاريكة، رأسك مائل للأمام و مستند على يدك، تحاولين الهدوء غير مبالية لوجود رجل غريب يحتمل ان يكون بيرسيركيًا همجيًا بجانبك، برغم احساسك بنظراته التي لا تزال مركزة عليك.

مضت عدة لحظات من الصمت.

"انا..." نطق بيورن.

و احسست بيده الكبيرة تمسك بمعصمك و تسحبه ناحيته برفق. ان قبضة يده قوية لكن لمسته كانت لطيفه عليك، يمكنك الشعور بأن أجزاء من كفه كانت ناعمة و أخرى خشنة من كثرة استخدامه للسيف، هكذا ظننت. رمقته بطرف عينك باستغراب و رأسك ما زال مطأطأ، لكن الهدوء كان طاغٍ على ملامحك، في إشارة منك له ليكمل. حتى ادركت ان نظراته لا تزال مسلطة على معصمك، الى رسغك، و العلامات الحديثة لمحاولات الانتحار التي باءت بالفشل.

كرهتِ فكرة أن تبدي ضعيفة في نظره الآن، أو في نظر أي أحد كان. ان نظرات الشفقة التي يرمقك بها الناس عندما تحاولين التعبير عن ألمك وحدها كفيلة بجعلكِ تكتمين الأمر في داخلك و تغلقين على مشاعرك بإحكام. لأن كل ما سيقولونه لكِ عبارة عن هراء يبدأ بـ "كلنا نعاني، هكذا هي الحياة لا تتذمري" و انتهاءً بـ "يمكنك التغلب على هذا لو أردتِ"... ليت الأمر كان بهذه البساطة، هناك لحظات يغشاك فيها الشعور بأنك إنسان آلي أو أنك لا تتحكمين في كلامك أو حركاتك. الشعور بأن جسمك أو ساقيك أو ذراعيك تبدو مشوهة أو متضخمة أو متقلصة، أو أن رأسك محشو بالقطن. خدَرٌ عاطفي و جسدي لحواسك و استجاباتك للعالم من حولك، وكأنما تشاهدين نفسك من بعيد و أنت تقومين بالمهام اليومية العادية و التي تبدو ثقيلة جدًا على قلبك، و إن كانت بسيطة. ليتهم يفهمون أن هذا الشعور طاغٍ و لا يمكن الفرار منه بالإيجابية و التفاؤل، ناهيك عن محاولة إنكارهم وجود المشكلة من الأساس.

كنت على وشك أن تسحبي يدك منه لكنه رفع بصره لينظر مباشرة الى عينيك:

"انا افهم..."

قال بصوت عميق هادئ، بلغته الإنجليزية الركيكة.

وقتها، كل ما تتذكرينه هو تقلب وجهك و تجمع الدموع في عينيك، و محاولتك اليائسة لجمع شتات نفسك و التماسك.

"البكاء... لا بأس".

انهمرت الدموع بغزارة بعدما غادرت تلك الكلمات شفتاه، لم يكن باستطاعتك حبسها اكثر من ذلك، ما كان لأحد ان يستطيع. اخذت شهيقا عميقا دون ان تشعر و بدأت تجهشين بالبكاء بصوت مسموع. لقد كان يعلم، منذ اللحظة التي رأى فيها عينيك، انك كنت تبكين طلبًا النجدة في اعماقك بصمت طيلة هذا الوقت، كم مضى عليك و انت في هذه الحالة البائسة؟

"انا... لا ابكي... إنما... عينياي... قد اشفقتا... علي لا اكثر... "

قلت بين شهيقك و زفيرك متظاهرة بأنك بخير، و انك لا تحتاجين الى شفقة احد. شعرت بيده الأخرى تربت على ظهرك. لم يسعك سوى الاستمرار بالبكاء اكثر و اكثر، حتى تخرجي كل ما هو مكبوت في داخلك. كيف لا و أحدهم يتفهمك، و يخبرك انه لا بأس بالاستناد على كتف أحدهم و بالانهيار أحيانًا، لأنه سيكون هناك الى جانبك ليتكفل بجمع شتاتك. شخصٌ يراك و يلاحظ وجودك.

الأمير و الوحش - فينلاند ساغاحيث تعيش القصص. اكتشف الآن