الفصل السابع عشر

28 1 6
                                    


تجاهلوا الأخطاء الإملائية.

🌿 🌿 🌿 🌿

إنهيار الحصن المنيع بمثابة نهاية الحياة، فما أصعب و أضنى أن تكتشف خلال بضع دقائق أن حياتها ليست حياتها، و أن ما عاشته و ما تعرفه من معلومات عن نفسها كله خاطىء، كانت داخل عالم اعتبرته طول حياتها هو المأوى و الملجأ، هو السند و الظهر و الحقيقة الوحيدة و العظيمة ، فتصطدم بواقع مرير يقلب الموازين رأسا على عقب، وهذه المرة الضربة حقا قاضية، فخصاص حاسة واحدة كان أمرا مرعبا، لكن صدمة العمر و عاصفة الخذلان هذه المرة كانت أقوى و أرعب ،لتطمس الحواس المتبقية، فتشعر هذه المرة أنها حقا تعيش في الظلام وحيدة وليس فقط هاجسا كان يراودها،. هذه المرة هي توقن حقيقةََ أن لا مجال لانبعاث الضوء من جديد، فقد حاولت التأقلم منذ صغرها مع كذبة كانت تعتقدها حقيقة، فتجد أن كل شيء مجرد وهم،وهم يقتلها ببطء في هذه اللحظة.

نهضت بوجه هادئ الملامح كسائر حواسها و أطرافها، بنفس الهدوء المقلق أخذت تتحسس محيطها فتتأكد أنها بالفعل في سرير غريب ليس لها، أنزلت قدميها أرضا ثم وقفت تمد يديها أمامها تستكشف اتجاه الباب عبر الجدران، و بعد جهد بدأت تمقته وصلت أخيرا تفتح الباب فتخرج بقدمين بدأتا ترتجفان.
وقف وليد بسرعة عن الكرسي المقابل لغرفتها عندما وجد الباب يفتح من الداخل، أسرع يتقدم نحوها بقلق بسبب شحوب وجهها الواضح، وقف يقطع عنها الطريق بعد أن وجدها تمشي دون اتجاه محدد " آنستي هل انت بخير؟".
توقفت آستر مكانها حافية القدمين تدير رأسها هنا وهناك، فترمش للحظات ثم تهمس بصوت متحشرج "و.. وليد!".
أجابها على الفور يمسك ذراها بلطف يساعدها على العودة نحو الداخل " أجل هذا أنا، أتريدين شيء؟".

أمسكت رأسها بكفها الحرة ترتجف شفتها السفلى تسأله بنفس النبرة" أين أنا؟ ".
وسط الغرفة أجابها " نحن بالمشفى، لقد ارتفع ضغطك و أغمي عليك فنقلناك إلى هنا ".
همهمت بخمول يزداد ارتجاف شفتها السفلى و مغص خفيف تشعر به ينبض في بطنها.
" أريد أن أغسل وجهي " راقب وليد وجهها وهي تخبره بطلبها بقلق، فهز رأسه يقودها نحو الداخل أكثر" الحمام من هنا".
داخل الحمام وقفت تتحسس الحوض أمامها، مدت يدها تفتح الصنبور ليتدفق الماء البارد كبرود داخلها في هذه اللحظة، وضعت كفيها تحت الماء تملؤهما به فتغسل وجهها، حركة كانت رتيبة فتصبح مرة تلو الأخرى أكثر حدة تسكب الماء البارد على وجهها سكبا عنيفا بلل شعرها و ثيابها، ازداد عنف أنفاسها و الارتجاف صاحب كل عضلاتها، فتمسك بطنها بيديها بعد أن ازداد المغص أكثر تعود نحو الخلف بخطوات مرتجفة حتى التصقت بالجدار، صدرها يعلو و يهبط بتسارع يمنح الرئتين الفرصة للامتلاء بالهواء الذي تشعر به منعدما الآن.
ذكرياتها مرت في عقلها بسرعة البرق، ذكريات كانت الكنز الثمين بالنسبة لها، لكنه الآن مجرد تلة أوهام كانت تعايشها بكل سذاجة و غباء.
ازدادت قوة تنفسها و المغص اشتد أكثر ليصبح سيوفا تقطع أحشاءها من الداخل، فتنهمر دموعها ساخنة حارقة تكوي وجنتيها الشاحبتين.
التنفس العالي أصبح صياحا و أنينا، فيتفشى ألم القلب و العقل كالسم يشحذ ألم البطن فتصرخ ملئ صوتها الكسير، انكمشت على نفسها ترتجف و صوت وليد يأتيها من الخارج هلعا يطرق الباب بعنف، فلا يجد جوابا إلا صرخات يشعر بها تحكي و تفيض بألم لا يمكن استيعابه، فاستدار بسرعة يخرج نحو الممر صارخا " أريد ممرضة بسرعة... أسرعوا ،أين الطبيب؟".
صراخه الغاضب جعل ثلاث ممرضات يهرعن نحوه فاشار لهن نحو الداخل، اقتربت اثنتان بينما الثالثة التي تبدو أكبر سنا تقول بهدوء " انتظر خارجا لو سمحت، ستكون بخير".
بينما في الداخل فتحت الممرضة الباب بسرعة لتجد آستر بوضع الجنين أرضا تبكي و تصرخ بألم واضح، فساعدتها زميلتها على نقلها نحو السرير رغم ملابسها المبتلة و أسرعت الأكبر عمرا لتنادي الطبيب.
رفع وليد الهاتف نحو أذنه يتصل بأول شخص خطر على باله، من تحتجز هاتف آنسته بحوزتها بكل استبداد، وبعد رنتين متتاليتين فتحت الخط في وجهه فأسرع بالقول بصوت قلق كمن لا يعلم أي اتجاه يسلك " آنسة عاليا، أرجوك تعالي بسرعة".
سألته بسرعة تدير مفتاح السيارة لتشغلها " وليد، ماذا حدث؟".
نظر نحو باب الغرفة و صراخ آستر ما يزال يصم الآذان ويقطع القلب، صراخ متألم وصل عبر الاثير لأذني عاليا التي اتسعت عيناها تصرخ بجزع " هل هذه آستر؟".
أجابها بسرعة " نعم، لقد استيقظت و بدأت تصرخ هكذا، لا أعلم ماذا أفعل لذا أرجو أن تعودي بسرعة، فعمك و السيد ريس أيضا مختفيان".
أجابته بسرعة و قلب يتخبط في صدرها قلقا " أنا في الطريق"،ثم أغلقت الخط تتصل بريس الذي مازالت سيارته ساكنة تبتلعها الظلمة المقبلة عبر الغسق ، أجابها بصوت منهك" نعم ".
" يجب أن نذهب للمستشفى بسرعة، آستر بحالة هائجة " فأغلقت الخط لتتحرك بسيارتها وسط الأمطار التي اشتدت...
شغل ريس السيارة بسرعة أيضا و يديه ترتجفان بينما تأثير ما أخبرته به عاليا من معلومات قبل قليل يجعل قلبه منقبضا بألم قاطع للأنفاس، فيهمس و مساحات الزجاج الأمامي تلعب أمام ناظريه" اللهم ليس لي سواك، أعني لأساعدها و أعوضها يا رب".

  ثمار الماضي  || FRUITS OF THE PAST Where stories live. Discover now