الفصل الثامن عشر

30 4 6
                                    


تجاهلوا الأخطاء الإملائية.

🌿 🌿 🌿 🌿 🌿 🌿 🌿

الحزن الدفين طفح مرابطا يعلن عن وجوده أخيرا، بعينين حمراوين و دموع تنهمر أنهارا على خدود أرهقت حيلها الأيام و الذكريات، القلب يدوي بصداع في الصدر معارضا، بينما المخ يعالج الخبر ليستوعبه، فيقف الضمير شبحا مظلما بنظرات مخيفة عنيفة ترتعد لها الأوصال، شبح يذكره بما فعله في الماضي و انقطعت سبل التصحيح أو الاعتذار، فيظل الواقع المر جدارا عتيدا يذكره أن الطريق مقطوع فلا تحاول.

لم يعلم كم استغرق من الوقت ولا حتى كيف قطع كل هذه المسافة ليصل إلى هنا، لكن الروح تعلم جيدا أنها تحتاج خليلا ينهار أمامه دون خجل أو خزي، بيدين مرتعشتين رن جرس الباب عدة مرات على غير العادة، فخرج عبد السلام بحلته المنزلية البسيطة متفاجئا من هكذا فعل غريب، فزاد اندهاشه أكثر و رنت أجراس القلق في عقله وهو يرى يحيى في هيئته تلك، كتفيه ثقيلين و رأسه مطرق أرضا بانكسار رهيب لم يشهده عليه من قبل.
أسرع إليه يقف أمامه متسائلا بقلق " يحيى ما الأمر؟".
ازدادت صدمة عبد السلام حينما رفع يحيى وجهه إليه، إنه لا يتخيل، إنها بالتأكيد دموع ملتهبة تجتمع عند ذقنه لغزارتها.
فيجيبه يحيى بصوت متعب، متعب جدا " ظننتها ابنتي، ظننتها قطعة مني".
تحكم عبد السلام في رد فعله يسحب صديقه نحو الداخل، فتبعه يحيى منساقا دون اعتراض و قلبه يكاد يتوقف، وصلا حيث الجلسة المنعزلة في الحديقة الخلفية " اجلس يحيى و أخبرني ما بك؟، انت لست على ما يرام".

أمسك يحيى جوار قلبه يضغط عليه كأنما ألم السنين الذي حاول دفنه مرارا تجدد كأنه لم يذهب يوما،. و بيده الثانية مد الورقة المجعدة التي في يده نحو عبد السلام، أخذها منه هذا الأخير باستغراب متسائل تحول لدهشة ثم لغضب عارم فينتصب واقفا هادرا بقوة" هل جننت يحيى؟، ألهذه الدرجة صور لك عقلك أن آستر من الممكن أن تكون ابنتك؟".

رفع يحيى وجهه المبلل بدموع السنين التي سكنت القلب و خرجت أخيرا للعلن، التزم الصمت دون جواب فأسرع نحوه عبد السلام يسحبه من تلابيب قميصه المفتوح أزراره الأولى يخضه للأمام و الخلف " هل أنت يائس لهذه الدرجة يحيى؟، هذا غباء فعلي "
نفضه يحيى عنه بعنف فيضرب صدره بكفه كأنما الألم يمزق الأحشاء تمزيقا عنيفا " أجل يائس، لقد تأملت أن تكون تلك الفتاة  ابنتي بعد كل هذه السنين، تمنيت لو كانت ابنتي يا عبد السلام، حينها ما تبقى من عمري سيتغير، سأفنيه في إسعادها و تعويضها ".
" إخرس يحيى ، أنت غير مدرك لما تفعله الآن،. سليمة رأت منك الويل و الآن بعد موتها بسنين عديدة تطعن في شرفها و تنسب ابنتها مع رجل آخر لك، كيف تجرأت على التفكير بهذا الموضوع أساسا؟ ".
اتسعت عينا يحيى يهز رأسه للجانبين مكررا بصدمة" أنا لم أتهمها، أنا فقط شككت... لا أعلم ، لقد ولدت البنت بعد شهور قليلة من زواجها، و انت تعلم أن زواجها جاء بعد انقضاء العدة بيوم  واحد ..... ".
صرخ فيه عبد السلام مجددا، يشعر بتشنج رهيب في أعصابه" يحيى هذا يكفي، أنت شككت في شيء غير معقول ولم تتحرى صحة تاريخ ولادة آستر أساسا، ما لا تعرفه أن الفتاة ولدت في الشهر السابع من الحمل، و اضطرت لتبقى في قسم إنعاش حديثي الولادة لمدة معينة كي يكتمل تطور جلدها، فعلتك هذه غير مراعية أبدا يا يحيى".
أطرق الأخير أرضا يهتز كتفاه من كبته لبكاء يلح للخروج للعلن، بكاء لَيَّن عتاب عبد السلام ليحضنه حضنا خشنا فيضرب على كتفه بمواساة قائلا" استغفر الله يا صديقي، دع الماضي للماضي و حاول تجاوز ما حدث ".
فيهمس يحيى بتعب مختنق" إنها تشبهها جدا ".
اغمض عبد السلام عينيه تأثرا " أعلم".

  ثمار الماضي  || FRUITS OF THE PAST Where stories live. Discover now