الفصل الثالث والثلاثون

24K 1.8K 295
                                    

الفصل الثالث والثلاثون...

جلست أمام سليم في مقهى قريب من المنزل، اجوائه هادئة تتناغم مع سكون الليل الذي يطبق بظلمته على السماء وروحها التي باتت في تلك اللحظة كـ سُخام ليلة شتوية قاسية، لقد تملك منها الضياع وهي تنظر له كالطفلة التي وقع عليها ذنب وهي لم تقترفه، مجددًا غزت الدموع مقلتيها وهددت بترك سجنها لتسلك طريقها فوق صفحات وجهها السابحة في حزن موجع..كادت تتعالى شهقاتها لعدم قدرتها على التعبير..أو اخباره ببراءتها! حتى تلك فقدتها من شدة ضعفها حيث كان ينحر بها كالذبيحة التي لا حول لها ولا قوة!

اكتفى سليم من تلك الدقائق الطويلة المغلفة بالصمت من قبلهما، اكتفى بعد أن وزن الأمور بداخله قبل أن يعلو نبرته الهادئة التي كانت تناقض ملامحه المبهمة:

-محتاج اسمع منك.

همست بنبرة مخنوقة:،

-أنا...

انسابت دموعها بغزارة وكأنه فتحت ابواب سد منيع لتنهمر بلا توقف، فقال هو بنبرة متوازنة واثقة:

-قبل أي حاجة أنا سمعت كل حاجة، وأكيد سمعت انك مظلومة، بس اللي شاغل دماغي حاجة أهم؟

استطاع سرق انتباهها من فلك الضياع المسيطر عليه، فنظرت له باهتمام كبير، جعله يستكمل برزانة:

-ليه سكتي عن الظلم دا؟

اطرقت رأسها دون أن ترد في بادئ الأمر، فمرت الثوان عليها وهي بتلك الحالة قبل أن ترفعها وتردف بحرقة:

-ومين هيساعدني! جوز ماما الراجل الغلبان هيقف في وش دكتور ماجد بنفوذه وفلوسه، ولا زيدان اللي شغله مأثر عليه واوقات بحس انه بيشك كتير، تفتكر لو كنت قولت لزيدان ان في واحد بيهددني بصور نصها حقيقي والنص التاني مفبرك كان هيبقى ايه موقفه!

صمتت لوهلة ثم استكملت بنبرة مجروحة:

-عارفة انه بيحبني، بس هو عصبي مبيقدرش يتحكم في اعصابه ما بالك بقى لو حاجة تخص الشرف، كان هيوجعني...كان هيسيب كل حاجة ويقولي ازاي اخد صورك بشعرك..

عادت تصمت ومن بعدها بكت بضعف:

-وأنا مش هستحمل...مش هستحمل اشوف نظرة شك في عينه أو اسمع كلمة تكسرني، دا الشخص الوحيد اللي باقيلي.

-وانك تخبي عليه دا حل؟!

قالها بجدية حاول اخفاء سخريته بقدر كبير، ولكنها وصلتها كالشهاب فأحرقتها أكثر مردفه بنبرة بائسة:

-كنت متخيلة لما اتجوز زيدان واسافر بعيد محدش هيعرفلي طريق وماجد هينساني.

انفعل سليم رغم محاولاته في تهدئة ذاته:

-دي سذاجة، انتي مغلطتيش عشان تهربي.

جاهد التحكم في نفسه واخفض نبرته التي كانت تقسو شيء فـ شيء:

 رواية منكَ وإليكَ اِهتديتُWhere stories live. Discover now