الفصل الواحد والخمسين ( نية الإستقامة مع دوام التوبة)

2.5K 216 116
                                    

بالمسجد، وبعدما أستقام من سجود دام لوقت ليس بقليل، ليبدأ بالتشهد وهو يشعر بشلالات على وجهه، نبرة صوته المرتشعة التى حاربت لتكون طبيعية، أنتهى أخيراً من صلاته، ليعتدل مُحاوطاً ركبتيه بكلتا ذراعيه وهو ينظر للفراغ من أمامه بشرود وملامح شاحبة.

أقترب منه ذلك الشاب ذو الوجه البشوش وهو يطالعه بأعينه التى تشبه الخُضرة في لونها، مُرتدياً جبة وقفطان ويمسك بيده مسبحته، ليجلس أمامه قائلاً بنبرة هادئة وهو يطالعه:

-" بقالك يومين تيجي تقعد نفس القعدة دي وتبكي، حاسس أنك أرتاحت ولا لسة".

رفع عمر أعينه الدامعة والتى كان لا يظهر لونها من لون الدماء أثر تلك السيول الحمراء التى تظهر بكُثرة على مقلتيه، ليقول بنبرة محشرجة:

-" بحاول أرتاح، بس مش عارف، حاسس إني عملت ذنب كبير أوي".

إبتسم ذلك الشاب، ليقول بنبرة هادئة وهو يطالع عمر بأعينه التى بمجرد النظر إليها تشعر براحة:

-" لكنك قررت التوبة ".

أومأ له عمر برأسه إيماءة بسيطة، ليمسك ذلك الشاب بمسبحته وهو ينظر إلى عمر قائلاً بإبتسامة لطيفة:

-" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

كان عمر ينظر إليه وهو يستمع إلى صوته العذب الذي رتل به تلك الآيات التى أستمعها عمر بقلبه، ليسترسل ذلك الشاب حديثه بنفس النبرة الهادئة:

-" صدق الله العظيم، أنت قررت التوبة، تفتكر ربنا هيرُدك مكسور الخاطر؟ أنت باين عليك شاب كويس، بس عايزك تعرف حاجة مهمة، مادام نويت التوبة يبقى متتوبش بس عن الموضوع إللي زعلك أوي كدة، لا .. توب عن كل حاجة غلط عملتها في حياتك".

مسح عمر الدموع الباقية على وجهه ليبتلع ريقه وهو يقول بنبرة هادئة أظهرت القليل من الخوف والقلق الذي طغى عليه:

-" أنا فعلاً في نيتي أعمل كدة، بس خايف بردوا، حاسس أنه مش كفاية".

تنهد الشاب وهو ينظر للفراغ من أمامه، ليعود بنظره إلى عمر وهو يبتسم تلك البسمة الصافية، حتى أردف بنبرته الهادئة يقول بعدما أعتدل في جلسته:

-" ربنا من رحمته وكرمه علينا سابلنا باب التوبة مفتوح لأي حد مُذنب، أنت حاسس أن إللي بتعمله مش كفاية ف حين أن ربك بيحب التوبة وبيحب إللى يتوب بصدق، بيفرح بيه وبيهديه وبيثبته، دايماً بيكون في داء، ودواء، وشفاء، الداء هو الذنوب، والدواء هو الإستغفار، والشفاء هو أن تتوب فلا تعود، متيأسش مهما بلغت أوزارك، ربنا تواب، غفور، رحيم، وبيعفي عن ذنوبك، خلي إيمانك بالله كبير، وأعقد النية مع نفسك أنك مترجعش للمعاصي إللي توجعلك قلبك بالشكل دة تاني، وخليك فاكر أن ربنا جعل في القرآن شفاء لما في الصدور، يوم ما تتعب ألجأله، لأنك هتفضل تايه لحد ما تعود إليه، وأنت قررت أنك تعود، يبقى أهم حاجة تعملها هي نية الإستقامة مع دوام التوبة".

أليف الروح حيث تعيش القصص. اكتشف الآن