الفصل الأول

15.8K 525 153
                                    

صعدت قطار الأنفاق بخطى واثقة كما يبدو للآخرين ولكن كما يبدو لي فهي خطى مترددة.. خائفة من أن أسقط سهواً أو ربما أصطدم بأحدهم خطأ، ماذا سأقول حينها؟ وكم سيكون الموقف محرجاً !

يا إلهي كم أنت جبانة ألا تستطيعين أن تأخذي مقعداً في القطار من دون هذه الفوضى الذهنية!

ولكن...

ولكن ماذا؟ حتى لو سقطت لن يلحظ أحد ذلك ولِم يلحظوا؟ لا شيء ملفتٌ فيك لينظروا إليك على أية حال!

نعم.. صدقت!

وقطُع حبل مناقشتي من "نفسي" الأخرى المعاكسه لي تماماً عندما طلبت مني فتاة أن أتنحى قليلاً عن الطريق فقد كنت متسمرة في منتصفه أهذي مع نفسي.

آه نعم.. إنني أتحدث مع نفسي أحياناً، ألا يفعل الجميع ذلك؟

أحياناً!!!

حسناً حسناً، طوال الوقت!

وقعت عيناي على مقصورة خالية تماماً فأسرعت إليها فهناك يمكن أن أخذ "راحتي" قليلاً إن لم يأت أحد ويفسد علي ذلك.

فقد كانت كل مقصورة تحتوي على أربع مقاعد وأبوابها تطل على مقصورة مقابلة.. آه والأبواب لا أحد يغلقها هنا فسوف يسئ الجميع الظن بما تفعله بالداخل.

وضعت حقيبتي بالمقعد المجاور لي، نظرت يمنة ويسرة لأتأكد أن لا أحد ينظر قبل أن "أتمغط" ثم مددت قدماي وأخرجت هاتفي لأتسلى به قليلاً فلدي خمس وأربعون دقيقة في الطريق لفعل لاشيء.. لا شيء مطلقاً!

لو أنني أحضرت كتاباً. يا لغبائي المؤبد!

لا ألوم أخوتي عندما يتعجبوا كيف أصبحت الأولى على دفعتي في الثانوية.

حسناً.. أن أكون ذكية في حل مسائل الرياضيات والفيزياء مختلف تماماً عن نسيان كتابي في المنزل.

بالفعل! "كفك يا شيخة!"

"أحم.. لو سمحتي!"

التفت لمصدر الصوت فرأيت شاباً يقف عند باب مقصورتي، يا إلهي منذ متى وهو هنا؟

"تفضل؟"

"هل بإمكاني الجلوس هنا فأنا أبحث عن مكان هادئ للقراءة" فاخرج كتاباً من شنطته ربما ليأكد على كلامه! "إن لم يزعجك ذلك.. بإمكاني البحث عن مقصورات أخرى"

"كلا لا يزعجني ذلك تفضل"

يا إلهي كيف نطقت بهذا لم أفكر لثانيتين حتى!

تعلمين أن والديك سمحوا لك بالذهاب بالقطار لوحدك لأنهم يثقوا بك!

وماذا فعلت أنا؟ فقط سمحت له بالجلوس في نفس المقصورة!

في نفس المقصورة ولوحدكم!! وأخاك لو علم بذلك تعلمين بالطبع ماذا يمكن أن يفعل!

هل سأطرده الآن مثلاً؟

رفعت نظري إلى الشاب المنهمك في قراءة الكتاب.. هممم أسمر، حاجباه كثيفان، عظام وجنتيه بارزتين قليلاً وطويل حوالي ١٧٥سم أطول مني بكثير على أية حال!

منظم على ما يبدو لي، يضع كتبه في حقيبة ليس كالآخرون يحملوها بيديهم بإهمال.

كان يضع بطاقته الجامعية حول عنقه.. يبدو أنه طالب في جامعة الملك سعود مثلي، حاولت أن أقرأ أسمه على البطاقة ولم تجدي محاولاتي نفعاً.

توقف القطار علمت أننا وصلنا إلى الجامعة حملت حقيبتي وخرجت من المقطورة، نظرت إلى الخلف والشاب لم يغادر مكانه ربما لم يشعر أننا وصلنا فأنا أعلم كيف بعض الكتب مثيرة حتى أنها تفقدك حواسك بالعالم

الخارجي.

هل أنبهه؟

كلا.. وما علاقتك به؟

ارتجلت من القطار وأنا متوجه للجامعة سمعت أحدهم يهتف خلفي "لو سمحتي!! يا آنسة!!" التفت فإذا بالشاب نفسه من المقصورة

"أنا؟"

"نعم.. ألم تفقدي شيءٌ ما؟"

"شيءٌ ما.. حقيبتي.. هاتفي.. محفظتي.." ثم صرخت "هاتفي!!!!!"

ابتسم وأخرجه من جيبه وناولني إياه

"شكراً .. شكراً جزيلاً"

"لا داعي للشكر" ثم غادر.

وماعلاقتي به هاه؟؟؟ أنظري ماذا فعل الشاب كان بإمكانه سرقته ولكنه أعاده. وأنا؟ لم أخبره

حتى بأننا توقفنا!!

نظرت إلى ساعتي .. آه خمس عشر دقيقة وتبدأ

المحاضرة. يجب أن أسرع!

فتحت هاتفي وأخذت أتجول بين جهات الإتصال حتى وجدت ضالتي لمياء -صديقتي الثانوية والجامعية أشعر بإني الأكثر حظاً على الآطلاق عندما أتذكر أنني وهي نجلس في مقعدين متجاورين منذ الصف الأول الثانوي وحتى المستوى السادس في نفس الفصل الدراسي فأنا لم أستطع بأن أجد شخص يفهمني كما تفعل هي.. أشعر بأنها آخر قطعة لتكمل أحجيتي.. إنها بالفعل توأمي!-

اتصلت بها وعندما أجابت لم يتسنى لها الوقت لتقل شيء لأنني صرخت بها "لميااااء!! هل حضرت المعلمة؟ لقد تأخرت ولا أعلم ماذا سأقول لها؟ أرجوك لفقي لي عذر لديها.. آآه ماذا أفعل؟؟؟" فأجابتني بصوت ناعس "هيام! أجيبيني على سؤال واحد فقط أرجوك!!"

"ماذا؟"

"هل تعيشين بنفس العالم الذي أعيش به؟ المعلمة ألغت المحاضرة"

"ماذا؟؟"

"أرسلت لنا بريداً إلكترونياً بالأمس بذلك"

"أرجوك.. كفى مزاحاً!!!!"

"أرجوك أنتِ أن تدعيني أكمل نومتي!"

"سوف أبكي. لايوجد محاضرة أخرى سواها.. كيف لم أرى تلك الرسالة اللعينة؟"

"وكأنه شيء جديد يا "فاهية"" ثم أغلقت الخط بوجهي.

حسناً إنها ليست توأماً مثالياً...

أخذت أقلب الأمور في رأسي حتى توصلت للنتيجة التالية "من المستحيل أن يأتي أبي أو أخي ليقلني لأن كلاهما في العمل. والقطار العائد للرياض(*) يكون عند الساعة التاسعة إذاً أمامي ساعتان "لأكل تبن""

--------------

*:بما أن القصة خيالية فيتسنى لي وضع قطار خيالي أيضاً. أليس هذا ممتعاً؟

وجَمع بيْنهُما كِتاب!Where stories live. Discover now