الفصل الرابع عشر

3K 266 17
                                    

منذ استلامي للمذكرة، كنت في حالة من اليأس لايعلم بها إلا الله.. أشعر بفراغ داخليّ فظيع، ابتسامتي الجانبية تلك التي تغيضك لا تكاد تُرى، فضلاً عن الابتسامة الكاملة.
أمي توبخني كثيراً لعدم رغبتي في تناول الطعام وكانت الإمتحانات هي العذر المختلق لذلك. أما أبي أكاد أكون متأكداً بأن ميساء أخبرته بكل شيء فأنا قد حدثتها عنك من قبل، وأخبرتها بما حدث لك الآن وأعلم أنها مقربة لأبي كثيراً وتعلم هي أن ما تفعله صحيح لأن أبي متفهم جداً عكس طبيعة أمي.

اقترحت ميساء بأن أستخدم نفوذ والدي بالمجال العسكري لأبحث عنكِ وأشك بصراحة بأنها من أفكار ميساء العبقرية، وأبي هو من أقترح الفكرة لأنه يريد أن اخبره بنفسي. استسلمت لما أراد وذهبت بإخباره فحتى إن كنت مخطئاً ورفض علاقتنا أي فرق سيشكله ذلك؟ أنتي لستِ هنا على أية حال..
ولكن كان كما توقعت تفهم الموضوع جيداً وتحدث مطولاً عن مرحلة الشباب والحب في هذا الفترة وكل تلك الخرافات التي لا تعنيني، قطعت حديثه بسؤال "هل ستساعدني في البحث عنها؟"
فأجابني بسؤال "هل حقاً تحبها؟"
وكلتا إجابتينا كانت نعم.

ذهبنا لقسم الشرطة واستقبلنا المدير العام في مكتبه بحكم منصب والدي وأخبرناه عن البلاغ المتقدم عن اختطاف هيام المحيا وأننا نريد تكثيف البحث عنكِ. أبدى موافقته وأصبح في متناولي خيط يقود إليكِ.

آه هُيامي لو تعلمين!
اشتقت لرؤية وجهك كثيراً.. أريد أن اعتصرك عناقاً.. أريدك بين ذراعي الآن.. وفي الحال.
غيابك لا يحتمل.
فكيف إذا علمتُ إنكِ ربما تكوني في خطر وفي مكان نتنً قذر؟
يا الله، اسقني صبراً.

أتمنى بشدة لو أنتي كنتُ رساماً، لأرسم تفاصيل وجهكِ وأخبئها تحت وسادتي. كلما حاولت أن أتذكر وجهك وأحتفظ بملامحه كلما يتلاشى أكثر..
كل يوم، قبل أن أنام أسترجع كل دقيقة قضيتها معك كل ابتسامة، ضحكة، أو حتى دمعة..

أتذكر بالتفصيل يوم حادثة تشنج والدك وكأنها حدثت بالأمس.. كيف سقطت على الأرضية وأنت تتمتمين بكلام لم أفهمه، لم أعلم ماذا أفعل! نفسك بدأ يضيق وسعالك يزداد أكثر فأكثر. اتصلت بالاسعاف وأخبرتهم بما حدث قالوا أنهم سيقابلوننا عند المحطة وأنه يجب أن يُفسح مجال لتنفسك، انتزعت نقابك ثم فتحت النافذة وبعد عدة ثوانٍ توقفتي عن السعال. اخذت أقلبك يمنة ويسرة أحاول إيقاظك ولكن لم يكن ذي نافعة. استسلمت حتى وصلنا للمحطة وحملوك المسعفون وحملتُ حقائبنا وانطلقت معهم.

أدخلوكِ غرفة ما أستغرقتِ بداخلها نصف ساعة ثم خرجوا وانهلوا عليّ بالأسئلة
"اسمها بالكامل؟"
"هل تملك رقم أحد من أفراد عائلتها؟"
"هل تعرضت لضغوط مؤخراً؟"
كان لكل سؤال يُسأل، سؤال يُجاب
"هل هي بخير؟"
"استيقظت أم مازلت فاقدة وعيها؟"
"هل أستطيع رؤيتها؟"
لم يرضوا أن يجيبوني حتى أجبتهم بالتفصيل بما حدث ثم أخبروني إنك بخير إنما هي صدمة -وربما تكون عاطفية- أثرت في أعصابك وسببت أيضاً انخفاض في ضغط الدم، على الرغم أنه قال بالحرف الواحد أنك بخير إلا أن ما تلى ذلك من مصطلحات طبية شككتني في ما قاله. سألت الدكتور إن كان باستطاعتي رؤيتك؟ فاومأ بالإيجاب وأشار إلى باب الغرفة بمعنى تفضل.

كنت الغرفة مقسمة لثلاث أسرّة محاط كل منها بستائر فأخبرني الدكتور بأنك في السرير الأيمن. كنت مستلقية وشعرك قد وضع بجانبك الأيسر، بنيّ فاتح أقرب إلى الأحمرار، يصل إلى منتصف ظهرك. رغم أن تقسمات وجهك وحاجباك المنعقدين يدلان على اضطرابك وإنك خائرة القوى إلا إنه مايزال يتضح وجهك الطفولي الملائكي، مع "غمازة" ذقنك تجعله بريئاً أكثر.. آه أشتقت إليك.

أكتب كل هذا وأنا على متن الطائرة في طريقي إليك أدعوا الله أن لا يكون أبي مخطئاً. فلا تعلمين كيف اضائت دنياي عندما هاتفني والدي وقال "هناك قضية تثُار في تايلند عن مجموعة من الفتيات السعوديات المختطفات وجدن في أحد مستودعات الميناء والآن السفارة السعودية في تايلند تحتفظ بهم".

وجَمع بيْنهُما كِتاب!Where stories live. Discover now