الفصل الثالث عشر

3.5K 272 54
                                    

يستحسن تعيدوا قراءة الفصل الخامس والسادس أول عشان تفهموا الأشياء القادمة وما يتشتت ذهنكم.

------------------------

هيام.. هُيام قلبي.
أين تفضلين أن ابدأ؟ بما فعل وجودك بحياتي أم صدمتي بخروجك منها؟
كنت أبحث عنك لأسبوعين، أجول القطار ذهاباً وإياباً، أتفقد كل مقطورة. كل يوم أوجد عذراً أوهن من الأخر لسبب إختفائك، فلربما مللتي مني ومن مهزلة الحب التي كنا ندعيها ولكني كنت أعلم من صميم قلبي أن فؤادك يخفق باسمي، سمّها ما شئت، غروراً أم أنانية ولكنها بالنسبة لي ثقة!
أثق بك وبكل كلمة تفوهتها عني وبكل ليلة عبرت فيها ذهنك..
أيعقل أن يكون هذا وهماً وأنك لم تهتمي بي مطلقاً؟
كنت أتخبط معصب العينين بين هذا وذاك يكاد ينفجر ذهني من شدة التفكير، ربما كنت مريضة -وكنت ادعوا الله كثيراً أن أكون مخطئا- أو أنك ببساطة وجدتي سائقاً يقلك للجامعة!
لعنّت سراً كل محاولة قتلتها عندما أردت سؤالك عن رقم هاتفك.

أمل رؤيتك كان يتجدد كل صباح، أسرع للقطار ولكن ظني كان يخيب كل مرة، ولكني لم، ولن، أستسلم.
عندما وجدت لمياء في مقطورتنا (آه نعم، إنني أدعوها بمقطورتنا) علمت أن هناك اسوأ مما ظننت.
أخبرتني بهدوء بما حدث واستمعت انا بهدوء تام، هدوء يمزق الأعصاب، شعرت بانني أتساقط مني، قلبي أصبح ثقيلاً جداً وكأني اجرّه جراً.

السائل الذي يجري بعروقي أصبح يغلي وأنا أستمع لما تقوله لمياء "أتصلت عليها والدتها وأخبرتها بأن والدها أصابته نوبة تشنج مرة أخرى، وأنا.." غصت حنجرتها عند ذكر هذا الجزء فيبدو أنها تشعر بتأنيب ضمير "كنت متغيبة لذا لم يكن سائقي متوفراً، استوقفت هيام أجرة لتقلها للمشفى.. اتصلت بأمها لتخبرها بقدومها،عاتبتها أمها كثيراً فلم يكن هناك داعٍ لحضورها. ليتها منعتها تماماً ولكن ماذا سأقول؟ إنه القدر. ركبت تلك الأجرة ولم تعد.."
جزء مني أراد الصراخ في وجه لمياء "هذا هراء! لايمكن أن يكون حقيقة!"
وجزء أراد عتابها
وجزء أراد البكاء.. البكاء على أكتافك هيام،
والجزء الأكبر أراد تحطيم كل إنش من جسم ذلك القذر.

سلمتني المذكرة وخرجت من المقطورة ربما لم ترد أن أراها تبكي أو ربما فهمت أني على وشك البكاء.
حدّقت بالمذكرة طويلاً، كيف يمكن أن أستوعبت أنك لم تعودي هنا؟ وأن ماهذا الذي بين يدي إلا بقايا ذكرياتك -أو بالأحرى ذكرياتك كلها- ؟
مسكينة لمياء بغضتها ذاك اليوم كثيراً، تمنيت لو أنها لم تظهر. كنت أفضل أن أخلق كل يوم عذراً لغيابك على أن يكون هذا العذر هو الحقيقة!

قالت لي لمياء أن الكتابة في المذكرة أراحتها كثيراً كانت تشعر بأنكِ تقرأين ما تكتب، ظننت أنها جنّت. لكن أنظري إلي الآن ها أنا قد جُننت مثلها.

أتعلمين فيما قضيت الإسبوعيين الماضيين هُيامي؟ كنت اقرأ رواية السجينة تلك التي حدثتني عنها، أتذكرين؟ لم أعتقد أنني سأنسجم مع الروايات ولكن هذا ما حدث، الشكر يعود لك بالطبع، أيسعني أن أشكرك بقُبلة إن قررتي العودة؟

أشكر ربي كثيراً لذلك اليوم الذي خرجت فيه من تلك المقطورة المزدحمة المزعجة لأبحث عن مقطورة هادئة للقراءة وأجدِك فيها.
وعندما نسيتِ هاتفك والتقطته أنا، لم أستطع أن أمنع عيني من التمتع بما رأت. تسمرّت قليلاً والهاتف بيدي أنظر إلى خلفية هاتفك، ثم أستوعبت ذلك ولحقت بك.
لا أعلم لماذا لم أستطع أن أوقف إعجابي بكِ عن النمو،
"هل أنا الرجل الذي يهتم لأي امرأة عابرة؟... لا. هل لأنك تحملين كتاب وتقرأين باهتمام؟.. ممكن.. فأنا أفضل التي تقرأ"*

أتذكرين عندما حضرت معك لمياء للقطار كنت أفكرالليلة الماضية بما سأقوله وكيف ابدأ حواري معك ولكن كل تلك الخطط باءت بالفشل عند أول ضحكة أطلقتها لمياء ذلك اليوم، ظننت أن وجودي سيكون مزعجاً لذا غادرت.. ولكني ترددت قليلاً عند باب المقطورة وأردت الرجوع وسمعتك تعاتبين لمياء على ضحكتها، لا شعورياً انفرجت شفاهي عن ابتسامة مالبثت أن اختفت، عندما سمعتك تقولين للمياء وبكل حماس عن شاب ما قد تقدم لخطبتك.. غضبت من نفسي كثيراً يومها فكيف كنت أتوهم بأنك.. أنتي وأنا.. ربما كنا من نصيبيّ بعضنا وأنك لربما فكرتِ فيني ولكن هاأنتي ذي أبوابك مشرعة للخطاب، لم أستطع أن أستمع إلى أكثر من ذلك وذهبت بعيداً.
وأني لأغضب مني الآن كثيراً لأني فكرت هكذا فيك.
من ذلك اليوم وحضور لمياء مرتبط بالأخبار السيئة..

حاولت أن أتناساك وأن أحاول ما استطعت أقلل من احتكاكي بك، لم أستطع أن أترك المقصورة ولكني حاولت على الأقل أن لا أتحدث معك مطلقاً.. أحضر معي كتاب وسماعات الأذن لأتجاهلك.. عبثاً كنت أحاول.
كنت اقرأ علامات الامتعاض من عيناكِ الصغيرتان ولكن مازلت أقنع نفسي بأنها أوهام وأنك الآن لشخص آخر.. ليس أنا.

بعدها بأسبوع تلقيتِ إتصالاً، لم أعلم من طرفه الآخر إلا بعد قراءة المذكرة، لم أستطع أن أمنع نفسي عن إيقاف الموسيقى والاستماع لصوتك.. أشتقت إليه.. وكم أنا متلهف للاستماع إليه الآن.. قلتي أشياء لم أسمعها جيداً ولم أفهمها سوى جملة واحدة سمعتها جيداً وحفظتها عن ظهر قلب "ولكنك خنتي ميثاق عهدنا أن نرفض الخطّاب حتى ننهي الجامعة أولاً ثم نفكر بالزواج" وهذا لا يعني سوى شيئاً واحداً أنت لست مخطوبة لأحد وأنت لست ملكاً لأحد وأنك ستكونين لي!!!

أردت أن أعانقك بشدة من فرط فرحتي، ابتسامة التصقت بشفاهي لم أحاول أن امنعها ولكنها اسرعت بالإختباء عندما أدركت بأنك تنظري إلي وعلامات الإستفهام تعلو محياك..

تلك الذكريات ذي كيف يسعني أن أمحوها من مخيلتي الآن؟؟ كيف تهديني شيئاً ثم تسلبيني منه هيامي؟
بأي أرض أنتِ الآن وأي هواء تستنشقين؟

أشتقت إليك كثيراً.. كثيراً جداً.

--------
*: مقتبس من كتاب محاولة ثالثة لمحمد الرطيان..

وجَمع بيْنهُما كِتاب!Where stories live. Discover now