الفصل الأخير

4.6K 376 259
                                    

احسست بانسحابك من السرير ولم أرد أن اشعرك بأني استيقظت لكيلا ندخل في امواج من احمرار الوجنتين، دخلتِ دورة المياة، خرجتِ. صليتِ.
استغليت وقت صلاتك وتحركت من السرير لدورة المياه، ثم خرجت.
كنتِ تنتظرين خارج دورة المياة وبيدك كيس الملابس الجديدة الذي أحضرتها، ابتسمت ولكنكِ كنتِ تتحاشين النظر.
صليت الفجر وكانت الساعة تقريباً ٧:٣٠. اتصلت بوالدي لا أعلم كم ساعة اختلاف التوقيت بيننا وبين تايلد ولكن دعوت الله أن يكون الوقت مناسباً. اتصلت مراراً فلم يجب أبي، طرقت باب الحمام
"هيام كم فرق الساعات بيننا وبين تايلند؟"
"يسبقوننا بأربع ساعات، كم الساعة الآن؟"
"السابعة والنصف"
"إذن ستكون الحادية عشر ظهراً في السعودية"
"حسناً"
فتحتِ الباب وكنت امامه فكدتي أن تصدمي بي، ثم عدتي للخلف قليلاً وجعلت خصلات شعرك خلف إذنك، وهذا بالمناسبة ماتفعليه عادةً عندما تخجلين "اوه آسفة" نظرتي للأعلي إليّ
ابتسمت - الابتسامة الجانبية بالطبع- وقلت "صباح الخير"
"امم.. صباح النور"
حرفياً! لا أستطيع مقاومتك عندما تخجلين.. حقيقةً هيامي أتفعلين هذا عن عمد لتعذيبي؟

اتصلت بأبي مراراً، لا يجيب. اتصلت بأمي أخيراً ادعوا الله سراً أن لا تجيب كي لا تقحمني في عاصفة لماذا-لم-تخبرني-بقدومك-سوى-قبل-ساعتين-من-رحلتك ولكنها اجابت "مرحباً" بصوت ناعس
"مرحباً أمي"
"باسل؟ اهلاً.. كيف حالك؟"
"بأحسن حال.. لقـ.."
"اه حمداً لله انك على قيد الحياة.. متى ستعود؟ ستخبرني بذلك أم ستجعل والدك يفعل"
"اه أمي.. كنت على وشك قول ذلك لو لم تقاطعيني.. حسناً سوف أعود اليوم"
"اليوم؟"
"اليوم"
ابتعد صوت أمي وهي تصرخ على أبي "ابراهيم! أسرع!"
بدأ صوت ابي يقترب "ماذا؟ ماذا هناك؟"
"باسل سيعود اليوم"
"اليوم؟"
"اليوم"
لا أعلم لم الكل يكرر كلمة اليوم!
اخذ أبي الهاتف "باسل حقاً؟"
"نعم لم أنتم في صدمة؟ يبدوا أن اعجبكم الحال من دوني"
"لا تقل كلاماً كهذا! إنها الفرحة انظر إلى أمك بالكاد تلتقط انفاسها"
"كنت امزح.. قليلاً"
"حسناً يابني اعتن بنفسك وبفتاتك"
اضاءت عيناي بالفرح وبفتاتك.. فتاتك! فتاتي أنا.. هيام.
"امرك سيدي"
اغلقت الهاتف والتفت إليك "هل اتصلت بأهلك؟"
"نعم عندما كنت تتسوق.. وبالمناسبة شكراً.. لقد خمنت مقاسي جيداً"
"لا داعي لشكر الخبير" قلت بكبرياء مصنطع
ضحكتِ. فابتسمت.
طرق الطبيب الباب "جاهزون؟"
"جاهز.. هيام؟"
"جاهزة"
تجمعنا نحن والفتيات عند باب المشفى ثم انطلقنا إلى السفارة.. بدأوا بالاستفسار عن معلوماتنا الشخصية وأرقام هواتفنا ورقم الجوال وما إلى ذلك.
خرجنا مع أحد من رجالهم كان هو من يقود بنا الحافلة، كنتِ قد اتخذتي مقعداً مجاوراً للنافذة وانا المقعد الذي بجانبك.
"ألا يبدو مألوفاً؟" سألتِ
"بلى.. القطار ومقصورتنا"
ضحكتِ وقلتِ "مقصورتنا؟"
"هكذا أسميها"
"انظر!" اشرتِ للسماء من النافذة "اتمنى أن اكون بجمال السحب.. ألا تدهشك السماء؟ نقية جداً رغم ذلك عندما تغضب تمطر علينا أعاصير.. سبحان خالقها"
"وأنتي كذلك"
"انا ماذا؟"
"جميلة كالسحاب"
"كلا.. بعيدة كل البعد"
"الجميل لايرى سوى الجمال"
كل مرة اتأملك، اتسائل إن كان هذا اخر لقاء لنا؟ إن كانت الحياة ستفرقنا؟ فاستشعر النعمة التي انا فيها واتأملك.. اتأملك أكثر.

(٢)
وصلنا للمطار قبل الرحلة بخمس واربعون دقيقة، انتظرنا مع البقية في صالة الانتظار.
"إنني جائع حقاً، سأذهب لشراء أي شيء يرضي معدتي.. ماذا تريدين؟"
"لاشيء"
"إجابة خاطئة! ستأكلين، لم نتناول اي شيء منذ الصباح، لاتدعيني أخمن ماتحبين أكله فانا أسوا من يخمن في الأطعمة"
ابتسمت "هذا يبدو أنه اختصاصي، انت تستطيع تخمين مقاس الشخص وانا استطيع ان اخمن ما يحب أن يأكل"
"إذاً خمني طعامي"
"حسناً.. انت لست من مدمني القهوة البتة وإن كنت تشربها فلا تفضلها سوداء لذا ربما ستجلب لك عصيراً طازجاً بعد قليل" فغرت فاهي "تفضل الشطائر والبيض، عموماً وجبة الافطار هي وجبتك المفضلة"
"كيف عرفتِ؟"
"حسناً أنت لست مزاجي وهذه من صفات محبي القهوة وخصوصاً السوداء ودائماً ما تلاحظ تأخر الممرضة في إحضار وجبة الافطار حتى لو تأخرت لدقيقة وهذا ما لا تفعله في الوجبات الأخرى"
"واو! لم أعلم بأنني سأتزوج ساحرة.. هذا بالضبط ماكنت سأشتريه عصير طازج وشطيرة"
هل حقاً قلت سأتزوج؟ نعم قلتها! فوجنتيك بدأت بالاحمرار واخذتي تنظرين للأسفل. حسناً منذ أن قال أبي بأنكِ فتاتي فأستطيع أن أقول أننا سنتزوج.
تداركت الموقف ونهضت "سأحضر لكِ مثل وجبتي"

أحضرت شطيرتا بيض وعصيرا برتقال طازج، التهمناها بسرعة لأن رجل السفارة طلب من الجميع التجمع لأنه تم النداء على رحلتنا.

كان مقعدي بجانب النافذة هذه المرة وانتِ خلفي بصفين طلبت من الشاب الذي بجواري إن كان لا يمانع استبدال مقعده معك فوافق وأصبحت بجانبي.
اقلعت الطائرة، آخر محطة هنا في تايلند الذكريات التي بدأت ببشاعة ثم تحولت سحرياً إلى ربما أجمل ذكريات حياتي، بعد عشر دقائق هممتِ بالنهوض وقلتِ بصوت خافت "سأذهب لدورات المياه".
رائع! إنها الفرصة المناسبة.
نهضت وتأكدت أنه بجيب بنطالي توقفت في منتصف الممر الذي خرجتِ منه، قلبي ينبض بقوة.
خرجتِ اخيراً، "ماذا تفعل هنا باسل؟"
"أفعل هذا.." جثوت على ركبتي، التفت من في الطائرة وصمتوا.. يا إلهي إنهم يصعبونها عليّ.
أخرجت العلبة من جيبي بيد ترتجف فتحتها لتنفرج عن خاتم في منتصفه حجرنيلي اللون.. اتسعت عيناك ووضعت كفيك على فمك. قلت أخيراً بصوت ركيك "هيامي هل.." فقاطعني احد الركاب بصراخه بالانجليزية "تحدث بالإنجليزية هذا ليس عدلاً"
التفت إليه وابتسمت قلت بالإنجليزية "حسناً"
التفت إليك وكنت في نفس وضعك السابق مع قطرات من سحبك التي اسرعت بالنزول
قلت بالانجليزية "هيامي.. قلت لي مرة أنه لا أحب لقلبك سوى السحاب وأنا.. هنا بين السحاب هل تقبلين الزواج بي؟"
وقف الجميع بانتظار ردك ووقفت نبضات قلبي قبلهم
فتحتِ فمك للحديث فانطلقت امطار عينيك وقلت بصوت خافت "نعم.. نعم اقبل" صرخ الجميع ونهضت فعانقتك.. عناق يختلف عن كل مرة فهذه المرة أنت لي!
اخرجت الخاتم من العلبة ووضعته في اصبعك.. صرخ ذات الشخص نفسه "اتمنى لكم حياة سعيدة"
التفت إليه "شكراً"
عدنا لمقاعدنا ومازلتِ تبكين، مسكت يدك ذات الخاتم، التفت إلي مسحتُ دمعك
"أعلم أن هذا (مشيراً للخاتم) لايعني بأنك رسمياً لي ولكن قبولك هو مايعنيني"
فبدأت بالبكاء مجدداً
قلت وانا اضع وجهك بين كفيّ وامسح ادمعك "ماذا هناك؟"
"لا أعلم.. ماذا.. اقول"
"لا تقولي شيئاً يعجبني ذلك"
همستي "أحبك"
فصرخت "أحبك"
ضحكت. فابتسمت.

النهاية...

وجَمع بيْنهُما كِتاب!Where stories live. Discover now