الفصل الثامن

3.3K 281 56
                                    

كنت قد أرتديت عبائتي وتجهزت. أتصلت لمياء بي لتستفسر عن رقم الغرفة التي أشغلها. خمس دقائق، وكانت لمياء تحيطني بذراعيها.

أخبرتها أنني أريد الذهاب لوالدي للإطمئنان عليه واقترحت أن تأتي معي. عندما هممنا بالخروج طُرق الباب ثم دخل ممرض بباقة ورد لطيفة، بعض من أزهار الإقحوان الرمادي ملفوفة بشريط بنفسجي معلق به بطاقة.

إبتسامتي لم تكن بهذا الحجم من قبل، أخذت الباقة من يديه وشكرته. فتحت البطاقة على عجل ، كُتب فيها بضع كلمات

"هل سأكون وقحاً إن قلت أنني سعيد لما حدث؟

باسل"

خفق قلبي بقوة وكأنه هو من أمامي وليست كلماته. ما الذي يفعله هذا الصبي بيّ إنه يفقدني صوابي.

أعادتني لمياء للواقع إذ جذبت مني البطاقة بقوة فقرأتها هي بدورها ثم رفعت بصرها لي وصرخت

"كييييووتت!!"

ضحكت بقوة من ردة فعلها ثم جذبت البطاقة ووضعتها في حقيبتي كإشارة لكي نذهب.

توجهنا إلى مدينة الملك فهد الطبية، المشفى الذي فيه والدي. في الطريق قصصت للمياء ماحدث بالتفصيل الممل، وعندما أقول بالتفصيل فأعني شرحت لها بالضبط ماحدث في كل ثانية. كانت لمياء تستمع لي وهي قابضة كلتا يديها معاً وعيناها متسعة جداً كعينا طفل صغير جذبته لعبة على الرف وتطلق تعليقات تارة "اوو" "كيوت" وتارة كان لي نصيب من صفعاتها عندما لم يعجبها ما قمت به.

وصلنا إلى المشفى أتصلت بأمي لتخبرني برقم الغرفة

"آلو" أجابني صوت أجش من صوت أمي سرعان ما تعرفت عليه

صرخت "أبي!!"

ضحك وقال "من دون صراخ، إذا سمحتي"

قلت ومطر عيناي قد أخذ مجراه "هل أنت بخير؟ قل لي الحقيقة أرجوك"

"بخير يا صغيرتي، لماذا لا تأتي وتتأكدي بنفسك؟"

"كم رقم الغرفة؟"

"٣٠١"

"حسناً" أغلقت الهاتف.

وطرت كما البرق للغرفة وقد سحبت معي لمياء. عندما وصلنا للغرفة اعتذرت لمياء عن الدخول مفسرة بأنه اجتماع عائلي لا تريد أن تفسده. لم أتجادل معها لأنها كانت محقة.

دفعت باب الغرفة بهدوء كان أبي مستلقي على الفراش ممداً ساقاه واضعاً واحدة فوق الأخرى وبيده جهاز التحكم للتلفاز وكان ينظر للتلفاز باهتمام.

دخلت بهدوء، وبخجل لما فعلت، فأنا كنت السبب الرئيسي لما حدث. لن أستطيع أن أسامح نفسي إن حدث لأبي مكروه بسببي، حمداً لك يالله إنه بخير.

تقدمت من السرير، أحس أبي بوجودي فالتفت إلي وارتسمت على محياه ابتسامة دافئة أود لأن أدفع عمري ثمناً لرؤيتها. عانقته بكل قوتي وهو كذلك.

تمتمت بـ "أنا آسفة" وأنا بين أحضانه

ربت على كتفي وقال "لا تتأسفي، قدر الله وما شاء فعل"

قبلت يداه وقلت "قل لي الحقيقة هل أنت بخير؟"

ضحك وقال "إذا ظللتي ترددين هذا السؤال كثيراً سوف أطلب من الدكتور أن يمدد فترة مكوثي بالمشفى"

ابتسمت، لطالما أغرمت بحس فكاهة أبي، ثم قمت بحركة إغلاق فمي بمفتاح بمعنى إنني لن أتحدث.

دخلت أمي الغرفة وفي يدها علبة شوكولاتة أبي المفضلة "ماكنتوش" ابتسمت لرؤيتي فعانقتها هي الأخرى.

"كيف أتيت هنا؟" سألت أمي

"مع سائق لمياء.. اوه لمياء!! لقد نسيتها بالخارج"

"دعيها تدخل"

"لممييياااااءء" صرخت "يمكنك الدخول الآن"

دخلت وبصوت هادئ "السلام عليكم.. الحمدلله على السلامة يا عمي"

"سلمك الله من كل شر"

أتعجب لقدرة لمياء في التحول لفتاة هادئة وتتكلم بصوت منخفض والبراءة تلوح على محياها، لطالما قلت أن التمثيل هي المهنة المناسبة لها.

"هيام" همست أمي، التفت إليها وأشارت بإبهامها إلى يدي ثم إلى أبي. ملامح وجهي تحولت لعلامة إستفهام، لم أفهم ماتعنيه. فوخزتني لمياء بمرفقها وقالت وهي تعض على أسنانها حتى لا يُسمع صوتها "أمك تظن أن باقة الورد التي بين يديك أحضرتيها لوالدك".

فقلت محاولة أن أبدو كأني نسيت ذلك مصطنعة إبتسامة "اوه.. كيف نسيت ذلك! تفضل" ناولت والدي الباقة.

وخزتني لمياء مرة أخرى ولكن هالمرة كانت أقوى وهمست "البطاقة.. نسيتي البطاقة". اتسعت عيناي وبالكاد تمالكت أعصابي ولكن تذكرت أنني وضعتها بشنطتي.

قضت لمياء معنا ساعة ثم استأذنت للذهاب وقضيت أنا وأمي اليوم كله مع والدي.

وفي الرابعة عصراً أحضر خالي محمد إخوتي.

عند الثامنة مساءاً سمحوا لوالدي بالخروج وعدنا جميعاً للمنزل.

وجَمع بيْنهُما كِتاب!Where stories live. Discover now