ربما..

84 8 0
                                    

غادرت القاعة إذا و أنا محملة بذكريات بنيتها لجانبهم،توقعت أن يكون يوما مختلفا لكني لم أتوقع أن تعاد برمجتي فيه..يومها تمنيت لو أن تلك الساعات إمتدت أكثر.. لو أني لم أغادر.. لو أن الوقت تجمد كما يحدث له في الثقوب السوداء الكونية..
ربما كنت في حاجة لأن تتم إغاثتي..
أحيانا لا ننجوا إلا بعد أن نعلم البشر النجاة..
الحياة ليست مجرد معادلة رياضية كما يزعم الأغلبية.. الحياة ليست سوى كتاب كتب.. و كل ما علينا هو أن نختار الأدوار..نختار العناوين نختار الرحم الذي سنحيى فيه.. لست هنا لأكتب عن الكآبة التي قد تتسبب بتحجر الدموع بداخلنا.. لست هنا لأكون واقعية جدا،لتخنقني الواقعية فأنسى كيف أعيش..
لست هنا لأكتب عن السعادة و لا عن السرور الذي قد غادر صدور الغالبية..
أنا هنا،لأذكركم بأن ما يحدث لك حدث لكثيرين قبلك.. و أن الإستمرار ليس خيار بل هو الطريق الوحيد..فإستمروا!
ركبت سيارتي..وضعت وشاحي..أدرت محرك سيارتي و شققت طريقي.. كانت الساعة تشير لتمام السابعة مساءا.. أردت بكل جوارحي أن أزور ذلك المقهى.. لكن الوقت تأخر نسبيا.. و الإزدحام كعادته كان خانقا..
عاندت الظروف و توجهت إليه رغم كل شيئ.. وصلت بعد قرابة الساعة..كانت المصابيح مضاءة لم يقفل المقهى بعد..
-مرحبا!
كان المقهى خاليا تماما..
-مرحبا! رد صوت أحد الجالسين هناك.. لم أتمكن من تمييز ملامحه..
-تشربين القهوة في وقت متأخر كهذا إذا !
-عفوا!
-إقتربت من الصوت أكثر..تمكنت من رأيته بشكل أوضح!
-أقمت بتتبعي..!
-صدفة..
-لا أؤمن بالصدف..
هممت بالمغادرة حين رأيته..أردت أن أصرخ في وجهه.. أربعيني و لازال يقوم بحركات صبيانية..
لحقني إلى باب المقهى..
-سيدتي!
-ماذا تريد! لا أحظر لأي دورات.. ألا تفهم،و حتى لو حظرت فسأمنع دخولك..لا أريدك
-تمنعين دخولي!
-نعم أمنع دخولك.. لا يشرفني أن أساعد ..
لم أتمم جملتي.. حتى قاطعني..
- سيدتي! ألم تلاحظي بأنك تجاوزتي حدودك قليلا،أتفهم، ليس من السهل أن تعملي لستة ساعات متتالية لكن هذا لا يفسر أبدا عدوانيتك الزائدة..
تلعثمت لحظتها.. شعرت بأني إنفجرت كالقنبلة في وجهه من غير عذر منطقي..
-ليس من اللائق أن تلحقني إلى هنا..! "إنخفضت نبرتي"
-أنا لم أقم بملاحقتك..! الأمر حدث صدفة، و هذا ما لا يفهمه الواقعيون الذين لا يؤمنون بالصدف.. ثم غمز لي و غادر بإبتسامته الباردة..
ثرت لحظتها.. أردت أن أفعل ألف شيئ ماعاد تجاهله كيف يصفني بالواقعية..لست واقعية مطلقا.. آه أردت صفعه.. "غبي"تمتمت بداخلي..
-بنيتي..
إلتفت ..
-أنت هنا! إحتظنته بقوة 
-إشتقت لك..
-كيف حالك؟
-بخير،أتيت لأحدثك عن ما حدث اليوم،لن تصدق حجم سعادتي..
بقيت أتحدث لما يقارب ساعتين..نسيت نفسي و أنا أحكي عن مشاعري.. هي أشهر مضت منذ آخر مرة فتحت أي موضوع مع أي كان،شعرت و كأني أتعلم الكلام لأول المرة فبت أنتهز الفرصة لأخرج ما بداخلي،و أحكي عن ما بداخلي..و كان هو كعادته ينصت لقصصي و كأنه ينصت لآخر مرة..كان ينصت كمن ينصت لإبنة تلفظت بكلمة أبي لأول مرة..  أنا سعيدة جدا سيدي..!
-هز على كتفي! أخبرتك بأن الأمور قد تتحسن!
-هي لم تتحسن، هي تستمر ! "إبتسمت"
-مشاغبة..!
-أخبريني،كيف تتعاملين مع أربعيني بفضاضة..
-لنقل بأنه سوء تفاهم..
-أمممم سوء تفاهم،ترفضين الإقرار بأن الخطأ خطأك !
-سيدي!
-نعم بنيتي!
-شكرا على كل شيئ..
-تتشكرينني..؟
- نعم..!
-ما السبب؟
- لكونك لم تسمح للحياة أن تأخذ إنسانيتك..
إبتسم،شرد لولهة .. ثم خاطبني: "فلنقل أن الحياة لم تفعل.."
-ما قصدك؟
-الوقت تأخر بنيتي.. علي أن أقفل المقهى..
-تهرب!
- لا أهرب،أتفاد ذكائك!
-حسنا..لنا موعد آخر..
غادرت المقهى.. كانت تلك أول مرة أغادر فيها المقهى.. من غير أن أفكر في شيئ..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرWhere stories live. Discover now