القلوب التي في الصدور

45 4 0
                                    

جلست في تلك الشرفة..إتصل بي مرات متعددة لم أجب.. بعث برسالة:" أمل دعينا نتناقش لا شيئ يستحق.." لم أرد على تلك الرسالة..
ما الذي كان يقصده بلاشيئ يستحق؟ بل كل شيئ يستحق،حياتي تستحق،تضحياتي تستحق..
بعد ولهة تلقيت رسالة أخرى..
- أمل..هي من الماضي!
لم أكن أهتم لحظتها إن كانت من الماضي،إن كنت أنا الماضي..إن كان كل ما عشته لم يعد موجودا..
كل ما شغلني يومها هو كوني ،صدقت كذبة و بأن الكاذب كان من توعدني بالوفاء..
يومها لم أجرح منك مطلقا،بالقدر الذي جرحت فيه من نفسي! كيف سمحت لشخص أن يمثل علي لأربع سنوات مسرحية حبنا و أن أوافق أنا على تمثيل دور البطولة..
لكني لن أقع من جديد،لن أنهار بعد كل ما بنيته بيني و بين نفسي،أنا لن أسمح لأي كان بأن يضعني في مكان كنت قد غادرته يوما، لن أسمح لأي كان بأن يتلذذ و هو يراني أنهار أمامه..
بعثت رسالة: " هناك أمور علينا أن نناقشها،سنلتقي بعد أسبوع في نفس المقهى إن كانت حالتك الصحية تسمح."
وردني رده بعد خمس دقائق " أشكرك أمل "
فكرت جيدا في الأمر، كان و لابد أن أتحصل على إجابات لكل شيئ،تنتهي الأشياء بالنسبة لي كذلك لكن ليس قبل أن أرتب الإجابات بداخلي،ليس قبل أن أرتطم بالواقع فأصحوا بعده كإمرأة..
نحن لا نكبر بمرور الأيام،نحن نكبر بمرور الأشخاص بمرور الأحداث،بمرور الصدمات..
نحن لا نفقد أحدا ما لم نفقد أنفسنا،ما لم نفقد أهدافنا،ما لم نفقد قدرتنا على الوقوف على رأس حطامنا..
مرت الأيام ثقيلة جدا،أحيانا كنت أفيق مقطوعة النفس أستشعر الأيام و هي تنخر عظامي و هي تلتهمني ببطأ،لكني كنت أستيقض في اليوم الموالي لأمارس حياتي كما ينبغي..
كنت متعبة.. لكني لم أرد لي نهاية كتلك..
مر الأسبوع مسرعا،راسلني ليلة لقائنا..
- " آمل أن زوجتي لم تنس موعد لقائنا"
- " لم تنسى!"

نحن لا ننسى من شد بكتفنا يوما،فمابالك إن.
كان نفس الوتد الذي دك بداخلنا...

إستيقضت باكرا في اليوم الموالي،حملت وشاحي و ضعت عطري..
كانت الساعة تشير لتمام الثامنة..
حين رن هاتفي..
- آلوا..
- مرحبا أمل..
- أهلا..
- كيف حالك؟
-بخير ماذا عنك؟
- مشتاق...
كانت تلك الكلمة تبدوا جدا عادية و هي تدق أذني.. لم يكن لها نفس الوقع على قلبي..لم أشعر بما يفترظ أن يشعر به قلب محب و هو يسمع كلمات حبيبه..
يومها شعرت بشيئ واحد فقط : إنعدام الأمان الذي كنت أتحسسه في وجوده.
- وصلت؟
- أنا أمام باب المقهى،أين أجدك..؟
- في شرفة المقهى..
كنت مستديرة،لكني إستطعت أن أميز خطواته من بين كل تلك الخطوات المحيطة بي..
- صباح الخير أمل
- صباح الخير آدم،تفضل!
- حبيبتي،الأمر ليس كما يبدوا صدقيني.. أنا لم أخنك لم أفكر بخيانتك حتى..أخفيت الأمر فقط.
لم يكن بوسعي أن أخبرك بأني تزوجت يوما بإمرأة فخانتني بعد سنة من زواجنا،إسمعي مني، أنا تزوجتها و أنا لا أتجاوز العشرين من عمري،خانتني فغادرت،غادرت البلد و أتيت إلى هنا و بنيت نفسي.. إكتشفت بعد فترة بأنها كانت حامل و بأن لي إبنا،لم أصدق في البداية أن الولد مني و رفعت قضية طلاق إلا أن أهلي وقفوا في وجهي،كل هذا حدث من قرابة الخمسة عشرة سنة، أخبريني أمل ما ذنبي؟ كيف تتهمينني بخيانتك.. أنا لم أخنك أمل! لم أفعل و لن أفعل!
أمل تعلمين بأن حبي لك شيئ مختلف،أنت مختلفة بكل تفاصيلك،بكل براءتك.. بكل شيئ لم أقارنك بها يوما،لا مجال للمقارنة أصلا..
حبيبتي،إسمعي مني،ذهبت لمقابلة إبني يوم سمعت عن مرضي،ضعفت،خفت، فقدت نفسي يومها لكني لم أشكك و لو للحظة،و لو لثانية بحبي لك.. يستحيل !
ضعفت أمام فكرة الموت،الموت و تركه يتيما ورائي!
- و كأنه لم يكن يتيما في وجودك * أجبته بنبرتي الصارمة..*
- أنا من كان يتيما أمل... أنا من كان يلعن نفسه كل يوم لأنه لم يستطع أن يعيش مع إمرأة خائنة.. و لم أستطع حرمان إبني من أمه..
أمل ما كان سيكون موقفك، لو كنت مكاني.. لم أستطع حرمان إبني من أمه..
- لكنك حرمته من دفئك،من حنانك،من وجودك،من دعمك.. من فرحة تواجدك..كان بإمكانك أن تسانده،أن تدعمه،أن تتواجد في أول يوم له في المدرسة،كان بإمكانك أن تكون والده.. أن تسأل إن نام و كيف نام،إن مرض.. إن غضب.. إن..
- أمل،لا تقسي علي،أرجوك! لم أستطع،حاولت لستة سنوات،لم أستطع،أنا أهتم بكل تكاليفه،لكني لم أستطع أن أكون أقرب،كنت خائف..خااائف من فكرة قربي منه و من أمه..من فكرة كونه قد لايحمل دمي..
ثم تعرفت عليك أمل حاولت فتح الموضوع آلاف المرات لكني كنت أعود أدراجي.. أنا إهتممت بإبني صدقيني إهتممت لكني لم أستطع أن أكون أقرب فقربي منه كان يعني بالضرورة قربي منها.. و أنا كنت أكره فكرة تواجدي معها في أي مكان..
- لم تتعرف علي صدقني،لم تعرفني يوما, أتفهم كل ما حكيته الآن..أتفهم كونك كنت مصدوما،فكرة خوفك من مواجهة إبنك،صدقني، أعلم جيدا بأننا أحيانا نتعثر فتختل كل الموازين أمامنا..فلا ندري ما العمل.. لكنك كنت مختلفا في نظري،لو أن شخصا آخر قام بما قمت به.. لخفت حدة الأمر معي.. لكنك كنت مختلفا في نظري،كنت ذاك الشخص الرزين المتزن،لا يعقل أن ترد منك هفوات كتلك،لم تحسب لها كما كان يفترظ أن تفعل.
آدم ! خاب ظني فيك صدقني،ليس للأمر علاقة بخطأك بقدر ماله علاقة بغياب تقديرك للأمور..أنا لا ألومك مطلقا ربما كان الأمر صعبا عليك لتلك الدرجة،لكنك كنت تعيش كل يوم بعبئ كذاك، و لم يزل لسانك يوما لمصارحتي.. كنا نتشاطر نفس السقف لأربع سنوات،نفس النظرات،نفس الأحاسيس و لم تفكر ليوم بأن تصارحني.. لم تكلف نفسك عناء إمساك يدي و سرد كل شيئ لي... تركتني أكتشف كذبك بمفردي،لوحدي، !
فلنفترض أنك لم تعش،فلنفترض أن الحياة لم تمنحك يوما آخر،فلنفترض أنك غادرتني و أنت في نظري خائن؟؟ أفكرت في ليوم؟ أفكرت في الطريقة التي كنت سأستقبل بها الخبر.. من كنت في نظرك!
كيف كنت سأبكي على قبرك؟ أنا مصدومة من كل شيئ، من قصة شقراءك،و زواجك،و حبك،و عدم مسؤولياتك،و عروبتك، و شرقيتك... أنا مصدومة من كل شيئ أحببته فيك صدقني.. و لا أعتقد بأن هنالك مبررا واحدا لعدم تقديرك للأمور،لا أعتقد مطلقا بأني قد أستطيع أن ألتمس لك عذرا واحدا.. رغم أني حقا أتفهم وضعك،لكني لا أبرر لك أي شيئ.. لم أجد تفسيرا لك صدقني..
- أمل أرجوك،أنا زوجك.. سنرمم كل شيئ خطوة خطوة،سترين.. رجل الأعمال خاصتك لم يكن خائنا...
- لم يكن خائنا،لكنه كان طائشا..أراك و رغم كل رزانتك و إتزانك طائشا،صبيانيا...
- أعلم،لكني لم أكن لأخسرك.. لم تكن تلك الفكرة واردة في قاموسي أمل..
- لا يهم،فأنت لست موضوع اليوم،و لأول مرة سأكون أنانية،و أفكر في نفسي بدل التفكير فينا. أنا يستحيل أن أثق بك بعد اليوم،هناك شيئ بيننا لن ترممه السنين كيفما حاولت،لن تجبره الأحداث كيفما حدثت،فإنها لا تعمى الأبصار لكن تعمى القلوب التي في الصدور و قلبي لم يعد يراك..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرحيث تعيش القصص. اكتشف الآن