لكننا لم نمت..

113 8 0
                                    

عدت إلى البيت و أنا محملة بذكريات تختلف عن تلك التي تصورتها يوما.. صنعت لي عالما يختلف عن العالم الذي كنت أحلم به منذ سنوات،ربما سيبقى ذلك العالم الذي رسمته مدفونا بداخلي مذعورا و هو يتأمل ولادة أشياء لا تشبهه،لا تمده بصلة..
طرقت باب البيت كانت أمي كعادتها تنتظر عودتي،لم يكن أبي قد عاد بعد..
-مرحبا! أمي..
-كان يفترض أن تتصلي،لتعلميني بوقت عودتك..
-نسيت..
-أين كنت؟
-ذهبت إلى الدورة،ثم توجهت إلى ذلك المقهى..
-ذلك المقهى! "ردت بصوت صارم"
-نعم أمي ذلك المقهى,أين المشكل في ذلك ؟
-كنت لوحدك؟
-لم أكن لوحدي،كنت مع صاحب المقهى الذي يفترض أن يكبر أبي بسنوات..
شعرت بأن أمي لم تصدقني.. أتراها تعتقد بأني كنت معك.. شعرت بضيق لحظتها،أكره أن أثبت للأشخاص صدق نيتي.. و أن أبرر تصرفاتي لأحد.. فمابالك بأمي التي تعرفني حق المعرفة..إستجمعت أنفاسي، ثم رددت بنبرة خافتة:
-أمي! لم أقابل أحدا.. سوى صاحب المقهى و أربعيني أدهشته فضاضتي.. قبلت رأسها و غادرت القاعة..
تضايقت من تصرفها،ما ضايقني حقا كونها لم تتجاوز خوفها بعد،لازالت تخاف علي من هبوط إظطراري قد تكون أنت سببه..
توجهت إلى غرفتي..جلست على الأرضية و بقيت أتأمل جدرانها لفترة.. مرت الأمور بسرعة.. لم أعد أحمل نفس الأشياء بداخلي..تغيرت و كأن زلزال عنيفا هز ما بداخلي و قلب موازيني رأسا على عقب..
ربما إنكسرت أجنحتي آلاف المرات خلال هاته السنة، ربما تمنيت لمرات عديدة أن تحدث الأمور بطريقة أقل تعقيدا.. لم تكن سنة عادية مطلقا.. كانت هاته السنة التي أخذت مني برائتي.. كانت هاته السنة من أكثر السنوات قسوة،من أكثرها برودا رغم أن الأمطار لم تهطل كما ينبغي إلا أنها بلتني من الداخل.. رغم أني كنت قوية جدا،إلا أنها أخذت حروفي آلاف المرات و تركتني كاليتيم وسط أناس يجهلهم..
كانت هاته السنة.. من أكثر السنوات إنهاكا.. من أكثرها جفاءا.. لكني و رغم كل شيئ بذلت قصار جهدي لكي أنقضني من نفسي،من أفكاري ممن أذاني.. ربما أردت الهروب مرات عديدة.. إلا أني كنت دائما أجد بأن جل المسارات تأخذني إلي.. جل المسارات كانت تسوقني إلى مصحفي.. علمتني هاته السنة بأن الكل سيكون مشغولا جدا بجراحه لذا كان علي أن أهتم بجراحي.. أن أرمم ما تبقى مني.. أن أربث على كتفي و أخبرني في كل مرة أنهار فيها بأن الأمور و لأسباب عديدة قد تتحسن..
و فعلا.. بدأت تتحسن..
"كانت هاته السنة.. السنة التي أخذت مني حب حياتي"
توضأت بعدها،صليت،و إستلقيت في سريري.. حين وصلتني رسالة " سنة سعيدة" كان رقما أجهله، ثم إن طريقة الكتابة بدت جد تقليدية،جد باردة.. أكره الرسائل القصيرة و ما أكرهه أكثر تلك الرسائل المرتبة حد الهديان،تشعرني و كأني أقرأ مقالا في أحد الجرائد اليومية.. أحب الأشياء العميقة، قد لا تستهويني الأشياء العادية مطلقا.. و لا الأشخاص العاديون أيضا.. أكره ما هو عادي.. أشعر بأن كل ما هو عادي يقبع في منتصف الأشياء.. ففلسفتي في الحياة تكره أنصاف الأشياء،أنصاف الرسائل..أنصاف العشاق،أنصاف الرجال.. أنصاف الأحلام..
وضعت هاتفي على الصامت،إستدرت لأقرأ أدعيتي.. حتى لمحت ضوء الهاتف مرة أخرى.. تفقدت الهاتف كانت تلك رسالة أخرى " لا ترتدي حذاء رياضيا في لقاء رسمي.." جننت لحظتها.. قمت بسرعة من مكاني أنرت ضوء غرفتي.. و بدأت أرطم وسادتي على الحائط..
-غبي.. من يخال نفسه! من أين أحظر رقمي .. غبي غدا سأراسل الشركة و أسأل عن رقمي.. كيف تمت مشاركة رقمي مع شخص غريب .. ثرت لحظتها أردت أن أجيب على رسالته الفضة، و أعلم شخصا مثله كيف يقلل قليلا من طول أجنحته حتى لا تتسبب له بحوادث ..
إلا أني هدأت بعدها.. أقفلت هاتفي.. و نمت كان يوما حافلا .. كان يوما آخر من أيام هاته السنة و لعله كان الأخير..

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرDonde viven las historias. Descúbrelo ahora