أعدني!

110 5 0
                                    

إستيقضت في اليوم الموالي على صوت الأذان،صليت و جلست أشاهد الأفلام التي حملتها منذ فترة و لأسباب عديدة أجلت مشاهدتها.. دخلت أمي علي الغرفة:
- ما الذي يحدث!
-لا شيئ.. " رددت بنبرة خافتة"
- جامعتك؟
- لا رغبة لي في الذهاب و لا الخروج اليوم و لا الدراسة و لا حتى الدردشة..
- ما الأمر..
- أمي لا تصري أترجاك،لا رغبة لي في الكلام
إرتبكت أمي كثيرا،لاحظت توترها لكنها حاولت أن تشد زمام الأمور كحالها دائما..
-ما رأيك في الخروج..
- أمي كل ما أريده أن أبقى في البيت،أشاهد فيلما، الأمر بسيط، أنا بخير لا تقلقي..
- أنا في المطبخ إن أردت الحديث..
- شكرا..
أقفلت الباب،و جلست أشاهد فيلمي.. شاهدت عدة أفلام في اليوم الواحد، بقيت في غرفتي طيلة اليوم،لم أغادر سريري حتى،كان الأمر بسيطا ،من السهل جدا أن ندفن أنفسنا من السهل جدا أن نعتزل العالم،مر أسبوع إذا و أنا في البيت،كنت أحتاج لفترة أعتزل فيها كل شيئ و كان هذا التوقيت الملائم لم يكن عجزا! لا على الإطلاق، و لم يكن إستسلاما، كان فترة نقاهة إحتاجتها روحي كي تتنفس من جديد!
كانت تلك أول مرة لم تعارض فيها أمي، لم تعلق على مكوثي بالبيت جل ما كنت أفعله هو ترميم ما هدمته الأيام بداخلي..
أتذكر بأنه كان يوم خميس حين دخل أبي علي الغرفة..
-بنيتي شخص من الشركة يطلب مقابلتك..
-من الشركة؟" تعجبت لولهة فقد ألغيت جل إلتزاماتي منذ قرابة الشهر"
- قومي، متأكد بأن الأمر متعلق بتقصيرك،!
-أبي! " لا إلتزام عندي"
غادرت الغرفة مسرعة،لم أحظر نفسي حتى لمقابلته
كان واقفا ينتظر أمام الباب، من الواضح أن عناد أبي لم يتجاوز عناده فيستحيل أن يستقبل أبي ضيفا من دون أن يدعوه إلى الدخول..
-أنت! وقح! وصل بك الأمر إلى دخول البيت!
- صبيانية كالعادة!
-ما الذي تريده!
- ليس هنا !
-ماذا ! هل أنت جاد ! في منزلي! ما هاته الوقاحة أخرج الآن و إلا ناديت أبي..
- أنا قلق! و لن أغادر قبل أن يخمد الحريق بداخلي ! "خاطبني بصرامة و عيونه السوداء تلتهم عيوني"
- أبي..أبي.. أبي
-مجنونة!
-وقح
قدم أبي مسرعا..
-ما الذي يحدث!
-السيد ليس من الشركة!
ثار أبي لحظتها،شد قميص السيد ..
-سيدي إبنتك لم تمنحني الفرصة للتكلم حتى، بيننا و بينها عقد و قد ألغت جميع إلتزاماتها،على أساس كونها ستكون مشغولة، لكن الشركة لن تتحمل تأجيلات أخرى..
-كاااذب!
نظر إلي أبي بصرامة،فهمت بأني تخطيت حدودي،لكني لم أحتمل كذبه..
- و ما يثبت صحة قولك..؟ خاطبه أبي
فتح حقيبته  بهدوء،تزعجني رزانته،يزعجني كونه هادئا فوق اللازم، يزعجني بروده..بقيت أحدق فيه و أتأمل طريقته المرموقة في الكذب.. لكن الأمر بدأ يأخذ منحى جاد هاته المرة.. أخرج مجموعة من العقود التي وقعتها منذ حوالي السنة مع الشركة التي أتعامل معها.. لم يكذب هو حقا من الشركة!
- تفضل سيدي،بإمكانك أن تقرأ العقد و حتى البنود التي ينص عليها.. إبنتك لم تلتزم بالعقد !
إصفر وجه أبي،كان يشيط غضبا، فهو شخص ملتزم يكره هاته الهفوات التي تدل على قلة نضج صاحبها كما كان يخبرني دائما..
- نعتذر حقا! فالآنسة كانت مشغولة " رد والدي و هو يرفع أحد حاجبيه و هو ينظر إلي"
- لا عليك نحن نقدر هذا،لكننا قد لا نتقبل هفوة أخرى..
تصمرت مكاني،شعرت بأني خيبت ظن أبي،إلا ظنك أبي أفديه بسنوات عمري،إلا ثقتك..إلا فخرك بي..
و لأطيب خاطر أبي حاولت الإعتذار على طريقتي:
- و ما المطلوب!
تجاهل سؤالي،لم يكلف نفسه عناء الإلتفاة حتى، عدل قميصه و واصل حديثه مع أبي..
- أعتذر سيدي!  على إبنتك أن تتوجه للشركة لنحاول التوصل إلى حل..
- قادمة!
- هكذا ؟ " رد في حالة ذهل، و هو ينظر إلى ملابسي"
- نعم هكذا !
- سأعود فورا أبي..لا تقلق.
غادرت البيت مسرعة،لم أغير ملابسي حتى.. ركبت سيارتي بغية الذهاب إلى الشركة علي أفهم ما المشكلة.. حتى وقف أمام الشباك
-ماذا تريد!
-إنزلي!  سنذهب في سيارة الشركة!
-لن أفعل! عندي سيارتي..
- توقفي عن العناد،ألم تلاحظي بأن صبيانيتك ما يخلق المشاكل بإستمرار!
- ألم تلاحظ أنت بأنك صرت تتدخل في كل شيئ، بدءا من حذائي الرياضي،وصولا إلى هنا ..
- ألا ينص العقد على إرتداء ملابس رسمية..
تجمدت مكاني،فقد كان محقا،العقد ينص على إرتداء ملابس رسمية بل و يحذر من إرتداء الملابس الرياضية في ساعات العمل، لكني لم أعر هذا الجانب الكثير من الإهتمام لأني دائما ما أرى بأن الرسميات تفسد الأشياء،دائما ما أشعر بأن الشكليات تجرد البشر من إنسانيتهم،أكره القوانين التي تقيد الواحد فينا و تجعله يبدوا آليا و كأن عدم إلتزامه  قد يخرب برمجته. من يكون هذا الشخص إذا، و لما يعرف الكثير عني.. لم أشأ أن أعاند ركبت إلى جانبه و أنا أتمنى أن تتقلص المسافة بين البيت و المكتب.. كل شيئ فيه بات يخنقني!
- ثمانية أيام! "خاطبني من غير أن يستدير "
- لست من سيدفع أجري،إرتح!
- ما الذي حدث؟
- بربك إشرح لي ما شأنك بما يحدث معي, ! حقا الأمر لا يحتمل..
بدأت أصواتنا تعلوا تدريجيا..
- لما أغلقت الهاتف! لما لم تردي على الرسائل الإلكترونية،لما ترفضين التصرف برشد رغم كل ما يحمله عقلك،لما تصرين على دفعي للجنون!
- أنت من يلحقني بإستمرار! ما الذي تريده ، أنت تخنق حريتي " أجبته و أنا أضرب زجاج السيارة بيدي" إختنقت أتفهم،! لست النوع الذي تبحث عنه لن ألبي طلباتك..!
ركن السيارة و هو يشيط غضبا..
- و ماذا تدرين عن رغباتي..
- ما الذي تريده،كن صريحا! أنت لا تعرفني حتى..
- إشرحي سبب غيابك لثمانية أيام!
-لا تغير الموضوع!
- لما بكيت ليلتها!
-لا أذكر!
لم يتفوه بكلمة بعدها،أرعبني سكونه،أدار المحرك .. كنت أتأمله خفية و هو يسوق،لاحظت بأن أوردته كانت بارزة لابد و أنه رياضي.. كنت أتساءل عن عدد الجميلات اللواتي قام  بإغرائهن قبلي.. عن عدد النساء
اللواتي تمنين الحياة تحت سقف واحد معه..
وصلنا بعدها إلى الشركة،صعدت الدرج طلبت من المستشار أن أقابل المدير.. مر قليل الذوق من أمامي دخل مكتب المدير بدون طرق الباب.. " هو محاميه إذا .." دمدمت بداخلي!
- تفضلي!
دخلت مكتب المدير لأول مرة، فلم يسبق أن تعاملت شخصيا معه،كان دائم الإلتزام و لطالما ماتم توقيع السندات بحظور موكله لأنه حسب ما سمعت شديد الإنشغال.. و نادرا ما يتواجد بالبلد! كان المكتب خاليا لم يكن هناك غير قليل الذوق ذاك..
- متى تباشرين العمل!  " خاطبني قليل الذوق"لنضع النقاط على الحروف، سيدتي ! الملابس الرياضية ممنوعة،! الإعتزال عن العمل في غياب عذر طبي، ممنوع! الغياب عن الإجتماعات الرسمية ممنوع أيضا!
واصل تعديد قوانين الشركة..حتى قاطعته
- مفهوم،أين المدير..
إبتسم بإستهزاء..
-تشرفنا سيدتي! 
-كف عن المزاح،أنا جادة.. أين المدير!
و بينما أنا أخاطبه حتى دخل المستشار الذي لطالما ما تعاقدت معه..
-سيدي المستشار من فضلك أريد أن أقابل المدير شخصيا الأمر لا يقبل التأجيل..
تلعثم و هو ينظر إلى الأربعيني.. و أجابني بإرتباك..
-المدير أمامك..!

إنتظرتك في زاوية الطريق.. لكنك نسيت أن تستديرWhere stories live. Discover now