0_《فَرِيقُ الوَرَقَةِ الرابِحَةِ》

3.4K 174 109
                                    

بشركة لتطوير الألعاب وتحديدا بإحدى الغرف العصرية التي تحتوي على الكثير من الأجهزة التقنية، يجلس شاب بالثلاثينيات، شعره أسود لامع مرتب، عيناه زرقاء، يمتلك بَشَرَة بيضاء شاحبة وطوله متوسط وبنيته الجسدية متوسطة أيضا، ويرتدي نظارة طبية.

جالسا على مَقْعَد مع مسند للقدم، ومسند للرأس، كتلك المقاعد الخاصة، بمدمني الألعاب الإلكترونية، حيث أمامه شاشة عرض حديثة، ويقوم ببعض النقرات السريعة والمزعجة على لوحة المفاتيح قاطعه شاب على الناحية الأخرى من الغرفة، الذي كان طويل القامة، يملك بَشَرَة حنطية وعيونا بنية وشعر كستنائي اللون، غير مرتب وبه القليل من التجعدات، يدعى "إدوارد ماكس"، الذي كان منزعجا بسبب هذا الصوت قائلا:
- فريدي... من فضلك!
- أوقف هذه العادة أو تمهل في الأقل، أنت تعلم هذا الصوت يزعجني، وهو إلى ذلك يزيد من توتري.
- هل تعتقد إذا أسرعت من وتيرة النقر... سوف تجد حلا أسرع لمشكلتك!.

لم يهتم فريدي بحديث زميله، ولم يلتفت إليه، ولكن هذا ليس بجديد على "فريدي سالار"، الذي يعمل كمطور بشركة «الإمبراطورية الخضراء» للألعاب وهي من أكبر شركات العالم في هذا المجال.

صديقنا هذا ذكي حد العبقرية وانطوائي، ذو شخصية حازمة لا تعرف شيئا عن المرونة، فكل من يقابله يتساءل داخله، إن كان هناك فرد على هذا الكوكب يتحمله... حتى إن زملاءه بالعمل أطلقوا عليه العديد من الألقاب مثل: الروبوت الأحمق، الوغد الذكي؛ وبالرغم من أن فريدي لديه علم بكل تلك الألقاب، ولكنه لا يهتم بما يظنه الآخرون، إلا "إيزابيل إيكارد".

إيزابيل هي قائدة فريق التسويق بالشركة ذاتها.

انضمت إلى الفريق منذ خمس سنوات تعرف، بأنها ذكية وشغوفة بعملها، وذات شخصية مستقلة.

هي امرأة بأواخر العشرينيات، طويلة القامة وبشرتها برونزية يخالطها القليل من الحمرة، تمتلك عيون زرقاء وشعراً أشقر مجعدا قليلا، وغالبا ما تعقد شعرها على هيئة تصفيفة الكعكة... حتى لا تهدر وقتا باختيار واحدة لها بالصباح.

طوال سنين عمله معها، لم يستطع التطرق إلى أي مواضيع خارج إطار العمل، فكل أحاديثهم تدور حول المهام المطلوبة فقط، وبالرغم من اهتمامه بها، فإنه ما زال يحتفظ بإعجابه لنفسه.

ثلاثتهم بالفريق المتخصص بتطوير الألعاب العبقرية والفريدة بهدف جذب المزيد من المستخدمين، هذا الفريق يشتهر بأهميته في الشركة؛ نظرا لنسب نجاحه المرتفعة، مما جعل باقي موظفي الشركة يطلقون على هذا الفريق اسم "الورقة الرابحة للإمبراطورية".

بعد مرور بضع دقائق لم يتخل فريدي خلالهم عن عادته في النقر، فجأة اعتدل بجلسته، وتنهد ثم ابتسم ابتسامة جانبية، وأغلق شاشة العرض، ثم نهض من مقعده، ليجد إيزابيل تقف أمامه عاقدة ذراعيها أمام صدرها؛ المسكينة كانت تقف أمامه منتظرة ردا منه على أمر يخص اللعبة المتوقع إطلاقها، ولكن صديقنا هذا، كعادته لم يستمع، فأردف:
- هل هناك ما تريدينه؟

أجابته إيزابيل بعد أن أطلقت تنهيدة خفيفة:
- سيد فريدي... ألا تعرف شيئا عن تحية زملائك!

- على كل حال، كنت أقف هنا منذ دقائق لأسألك عن تطوير اللعبة... هل انتهيت من النسخة الأولية؟ من المتوقع غدا أن نقيم اجتماعا مع الإدارة بخصوص هذا الأمر.

قاطعهم إدوارد وأردف بشكل واثق:
- لقد انتهى منها

نظرت له إيزابيل بحيرة، فابتسم لها ثم اتكأ على مسند مَقْعَد فريدي، وأشار بعينيه إليه ثم أردف:
- إليك معلومة مؤكدة يا إيزابيل، خلال سنين عملي مع هذا الرجل... هو لا يبتسم إلا عندما ينتهي من مهامه فقط.

ابتسمت إيزابيل باتجاه إدوارد وشكرته، ثم نظرت باتجاه فريدي الذي ما زال صامتا، وأردفت على نحو ساخر حيث كان واضحا على محياها:
-سيد فريدي يجب أن تعطي، إدوارد جزء من راتبك؛ لمساعدته بعملك... منذ انضمامي للشركة، وأنا أراه يترجم عدم إجابتك علينا لأقوال مفهومة!

بعدما أردفت جملتها هذه، غادرت الغرفة فسريعا قام إدوارد بوخز كتف فريدي قائلا:
- أنت حقا ميؤوس منك.... لقد مرت خمس سنوات منذ انضمامها وأنت ما زلت تتعامل معها بهذه الطريقة!.

فنظر له فريدي بنظرة لا مبالاة، وأردف:
- هذه طريقتي مع الجميع... إذن ما الغريب؟

رمقه إدوارد، وتنهد ثم قالك:
- أجل لقد تعودنا طريقتك هذه... لكن أنا أعرف أن إيزابيل لها مكانة في قلبك...

تنهد مجددا، وأردف:
- يا إلهي... كأن الذكاء كله الذي حصلت عليه... صب بعملك فقط... صديقي في الأقل تعامل معها بطريقة مختلفة... فقط كن أكثر لطفاً

إدوارد صديق إيزابيل وزميلا مقربا لفريدي، شخصية مجتهدة بعملها، ولكن ليس لحد الإدمان كما الحال مع صديقينا، فهو يرى أن إدمان العمل فكرة سيئة، كما يقولون نحن نعمل حتى نعيش، وليس العكس لذا كانت نظرته لفريدي دائما، أنه رجل مثير للشفقة حيث يعيش حياته للعمل فقط، يغرق نفسه في العمل والرموز البرمجية وهو بعمر الثلاثينيات، حتى إنه لا يستخدم الألعاب التي يطورها بعدما يتحقق جودة خوارزمياتها، ليس لديه أصدقاء أو أحباء فهو ممل بدرجة كبيرة، يعتمد على رتابة واحدة في حياته اليومية، ولا يسعى لإدخال أي تعديل جديد بها، مثل تغيير مواعيد نومه، أو طريقة لباسه، أو تغيير سيارته أو حتى ديكور منزله!.

الجميع يعرف بأنه شخصية مملة، عبقرية، انطوائية وجادة، هذا المزيج من الصفات، لا أحد يفضله إطلاقا، لذا من الصعب جدا أن يكون لديه أصدقاء، وحاول إدوارد معه مرارا أن يغير من أسلوبه، ولكن لا فائدة... حتى إنه نصحه بأن يذهب لطبيب نفسي أو حتى معالج روحي!.

صخرة الفِرتاس. ✓Where stories live. Discover now