P18

718 68 220
                                    


قبل بِدء البارت لا تنسو ذكر الله و الصلاة ع رسولِه الكريم ﷺ ♡︎'.

مبعثر18

.
.

منذ اثنَى عشر عامًا .. أمام مشفى مونتريال.

الأمطار هذا اليوم قد أغرقت الشوارع بغزارتها،  و تلألأت السماء بحباتِ الغيوم الضخمة،  كما انتشر البرق ليُنير العالم للحظاتٍ قبل أن يُعاد انطفاءه بألم!

تحرَّكت قدميها بـِتعَثُّرٍ تسير مُتشبثة بذاك الطفل النائم بأمان بين ذراعيها ، ثِيابها باليَة مُبللة و اكتفت بتغطية طِفلها مِن المَطر بشالٍ ذا لون بُنِّي باهت ، بالإضافة إلى جُروح و كدمات غطّت ذراعيّها العاريان و قدميها المُشققة مِن الركض حافية على طول الطريق التي سلَكتَهُ! .. غير مُراعية لحالِة الجو و فضلَّت الركض مُبتعدة فقط و بأيّ طريقة مُمكنة للهرب .. كانت عيناها تجوب الشارع الفارِغ مِن الكائنات الحية بخوف تكادُ تخرُج مِن مَحجريها مِن شِدة الذعر .. خائفة هي إنْ رآها رِجال زوجها و تعقبوها! .. ضربات قلبها تدُق بعنف و بقسوةٍ تُزيد مِن ألم روحها و جسدها المُتهالِك! ..

توقفت هي أخيرًا أمام بِناء المشفى الشاهِق على بُعد مِترات قليلة مِنه و قد غَشت طبقة مِن التشوش عيناها ، فراحت تُبصِر تِلك المرأة الفاتنة تِلك المشفى بصعوبة بالغة ، لا عِلم لها ما أرادَهُ القدر بتوقُفها هنا؟! .. لكنها كانت تُعاني بحق من مرضها و ألامها! و ودَّت أن تحتمي في مكانٍ ما،  لكنها فقط لزِمَت الصمت بينما تُفكر بخطوتها التالية؟

تحرَّكت قَدماها نحو تِلك المشفَى بتردد مع بداية صُراخ الطِفل و انهياره مِن البكاء فجأة،  هي أبعدته عن حُضنها لـِ تُحدق برماديتيهِ التي لا تُشبِه  ظلمة عيناها ، و التي لانت بحُزن بينما تمسحُ بأناملها المُرتجفة تِلك الدموع العالِقة على رموش عينيه الواسعة حيث حدّق بها للحظاتٍ حتى انفرجَت ملامحه يبتسم لها مع تقاطُر المطر على وجهه بلُطف يُدغدغه بنقراتِه! .. وجدت لحظتها دموعها تخونها و هي تهمِس للصغير الجاهِل باكية بألم فاق حدودها بينما تتذكر كلَّ مُعاناتها مع ذاك الذي أحبتهُ و سافرت معه رُغمًا عن أهلها:
" أسفة صغيري .. أسفة على كَونَك وُلدت لوالدٍ كذاك الرجل! .. لقد كان نصيبُك سيئًا في أبيك و أمك مُنذ وُلِدتْ .. أنا جِد أسفة لأني لا أعلم كيف يُمكنني الهرب أكثر بمرضِي و بك مِن ذاك المجرم! .. و لكنِّي سأحميك حتى لو كلَّفني ذلك حياتي .. لكن أودُّ مِنك أن تُسامحني! .. سامِح والدتُك صغيري! "

همسَت أخِرًا بجوار أذنِه و هي تُعيد جسده المُغطى لها كي تُبعده عن المطرِ الذي كان بالفِعل قد أغرق كِلاهما! و الصغير فقط تشبث بملابسها يبتسم بعذوبة،  دون أن يُدرِك كلماتها و ما خلفَّها مِن مُعاناة لكليهما.

مُبعثَر! "مكتملة"Where stories live. Discover now