P25

738 65 218
                                    

مبعثر25

.
.
.
.

لم يكُن لأحلامنا يومًا أيُّ رغبة للحياةِ بتحقيقها لنا .. فقط نظل نسير في طُرقات الحياة نضع أهدافًا و أحلامًا نبنيها بابتسامةٍ طفولية مع عزمٍ و تصميم ، فتصدمنا الحياة بأشواكها التي تنغرز في سنوات عُمرنا،  فنغدوا نعلَم بأنَّ الحياة ما كانت هنا لتحقيقِ الأحلام! .. و كل ما بنيناهُ ما كان سوى منازلٍ مِن رمالٍ غادرة،  تتلاشى مع مرور نَسمة هواءٍ عليها! .. و أنَّ الحياةِ في أعُيننا و نحن صِغار تختلفُ كثيرًا كلما كبِرنا ، ثم نكتشِف أننا كنا هنا ليس لنحيَى بقدرِ ما نجمعُ منها دروسٍ مؤلمة ،  نُدرك من خِلالها ما معنى أن نستشعِر الألم و الحزن و الندم و نُقارنه بمشاعرٍ أخرى مُعاكسة لما سبق!  ..  فنُحاول بكل قُوَّتنا أن نُحارب لأجل سعادتنا دون أن نصِل لها بشكلٍ كامل،  و لكن .. رُغم كل ذلك دائمًا يتم دهسنا تحت عجلاتِ الزمن! .. حيثُ يَمُر بسُرعةٍ دون أن نُدرِك أننا كبِرنا و ما عاد بإمكاننا أن نحلُم! .. لا،  فببساطةٍ الأحلام لا تتحقق كما نرغب أن تفعل! .. و إن تحققت فستأخد مُقابلها الكثير من التضحية! .. و التي ستكون بحقٍ أشدُّ فتكًا مِن خسارتنا للأحلام!

و لأنَّ الحياة لم تكن عادلة يومًا، هو كان يُحدق بأعيُنِهِ  تِلك في عيناه دون القُدرة على التصديق ، فرُبما يُهلوِس بسبب ما لاقاهُ مِن عذابٍ .. لذا هو ابتسم بوهنٍ ساخرًا من نفسِه و مِن حظِهِ السئ بينما يفقِد قُوته تدريجيًا ليجِد رأسه يتكئ على كتفٍ مألوفًا لديه بينما يدًا حانية تحتضِن رأسه بشوقٍ عابثة بخُصلاته المُتناثرة بفوضى ليشعُر فجأةً أنَّ جسده المُتيبس عاد ليتحرر،  فغرقت رماديتيهِ بخوفٍ بأن يكون وهمًا بينما يهمِس بتوسلٍ مُتألم:
" فقط لا تكن وهمًا هذه المرة! أرجوك!"

مسحَ على جانبي رأسِه يُبادله نظرة قوية مُطمئنة ثم انحنى يُقبِّل جبهته برفقٍ هامسًا:
"لا تقلق، أنا هنا لأجلك."

ابتسم بوهنٍ تنغلِق عيناه باستسلامٍ سامحًا ببعضِ الراحة بالتسلُل إلى قلبه المُتعَب،  و الأكبر تنهد بألم بينما يحملُه بين يديه مُقررًا مُغادرة هذا المكان ، و حين استدار لمح الطاولات المُتحركة التي امتلأتا بأدواتٍ حادة مُلوثة للدماء،  فضلًا عن الثلاث جُثث لرجالٍ من رجال أورلاندو مقتولين،  و لوهلةٍ سمح لعيناه أن تُلقي بنظرة لحظيةنحو مكان ابنه السابق فتتلاشى رؤيته بعدم قُدرة على إكمال المشهد الذي نوعًا ما تكوَّن في عقلهِ عما حدث لطِفلهِ الذي رباه و الذي دماءِه قد صبغت بُقعةٍ كبيرة نوعًا ما في المقعد و انتهت بالأرضِ أسفل المقعد! .. و لو لم يكُن قد اعتاد على الأمر لكثرة ما يراه في عملهِ كطبيب،  ما كانت لقدميه أن تسمح له بالبقاء ثابتًا و قد انهار فورًا عاجزًا!

عيناه تجوَّلت بحُزنٍ مؤلم نحو جسد ابنه يلمح الجروح العميقة و الكدمات التي أصابتهُ بقسوة،  بينما هو كان فاقدًا وعيه بملامح مُرهقة،  فزفر أنفاسِه بسخطٍ و عصبية،  يود الآن أن يقتل الجميع بحق لما صار لصغيرِه! و لو كان يملُك وقتًا لنسفَ المكان بكلِّ ما فيه انتقامًا لساجد! لكِنّهُ رغب وحسب الآن أن يذهب ليُعاجله أولًا ، فهذا أهم ما يشغلُ باله،  و حينها فقط لن يستطيع أحدٌ حتى اذا كان أرسلان نفسه بأن يُعيد الفتى إليه!

مُبعثَر! "مكتملة"Où les histoires vivent. Découvrez maintenant