P23

753 57 95
                                    

مبعثر 23
.
.
.

مُلتزم الصمت يُحدق في ركن غرفته التي لازمها لعِدة أيام ، لم يُجبره والده حتى الآن على مُغادرتها و رغم أنَّها أصبحت سِجنًا له الّا أنَّهُ لم يُمانع إذ أنَّ سديم كان يتسلل كل يوم لأجله كي يراه .. هو يمُر بحالة اكتئاب شديدة و هذا وحدَهُ منعَه عن منعِ سديم مِن المجيئ خَشيةٍ عليه مِن الامساكِ به!

استلقى على سريرهِ دون رغبة لفِعل شئ و هذا وحدَهُ كان كفيلٌ بجعلهِ يُغمض عينُه بتعبٍ و إرهاق ،  يسمح لتِلك الأفكار السوداوية بأن تنبثِق و تتكاثر كما تتكاثر الخلايا ،  و لكن هذه لم تكن سوى خلايا سرطانية تنبعث على هيئة ذِكرياتٍ و أفكارٍ مُميتة لصاحبها!  .. و لقد كان يُعاني بالفِعل مِن أفكارِه! لذا و بكُل استياء رمى ظهرَهُ للخلف يُحدق في مظهر السقف بينما تَتتَابع تِلك الأفكار المُهلكة و التي لم تكُن سوى نِيَّتِه بأن ينتهي مِن حياته ككُل .. لكنه ليس بضعيفٍ ليفعل! .. قَطعًا الانتحار لم يُخلق سوى للضُعفاء! .. فكيف به هو مَن مرَّ بتجارُبٍ عِدة أسوأ ، أن يُفكر بالانتحار؟!

طرقات خفيضة على زُجاج نافذته جعلته يلتفِت برأسهِ نحو المعني ليتنهد بضيق قبل أن ينهض سائرًا نحو النافذة في خُطواتٍ كئيبة ،  هو وقف للحظات قليلة ينظر فيها لرفيقِهِ ثم هَمَّ يفتح له النافذة ، و ما إن فعل حتى شهق الأصغر بتفاجؤ عندما قفز سديم فوقَهُ ليسقطا أرضًا!

هو تأوه بألم يُحاول الإعتدال قبل أن يَدفَعُ صاحبه عنهُ بغيظِ ، و الذي ما إن إرتمى أرضًا حتى أطلق ضِحكته المكتومة مما جعل الأخر يعبس و هو يرمقه بنظراتٍ غاضبة!

اعتدل أحدهُما و نهض ، فتبعه الأخر يُوقف ضَحِكته اللطيفة قائلًا باستنكارٍ حينما تركه و سار مُبتعدًا:
" لما أنتَ غاضب أيُّها المزعج؟ .. ألم تُحب رؤيتي؟! "

أوقف خُطواته الغاضبة للسرير و استدار بعُنف مع توَقُف صاحبِه العابس بدورِه ،  ليجيب بتذمر:
" ليس بتِلك الطريقة!.. ألا تخشى أن يُمسك بكَ أحد؟!"

نفى بهز رأسِه للجانبين ثم ابتسم بخفة يقترب مِن ساجد ليُمسك بيده فقط رادفًا:
" حتى لو حدث ، فسأكون سعيدًا ما دامَ لأجلك."

و إجابته لم تُزِد الأمر الا سوءً! .. و هذا ليس ما أرادَهُ ساجد ، أن يُزهَق روحٌ أخرى بسببهِ و خاصةً لو كانت لشخصٍ أصبح جُزء لا يتجزأ مِن عالمِه!

هو جلس على طرفِ السرير يُحدق في الأرض بعُبوس و رفض للرد عليه ،  بينما تحرَّك صاحبه ليُجاوره هاتفًا لمُراضاتِه و كأنَّه يُحدِّث أخيه الصغير ذو السبعِ سنوات:
" ماذا أفعل إذًا لتشعُر بتحسُّن؟ .. ساجد حقًا أعتذر!"

هنا انفجر بعصبية في وجهِه:
" سديم لما لا تفهم وحسب أنني خائف عليك؟!"

ظل سديم صامتًا يتركُه لينفجر بما في قلبِه و هذا ما حدث حين نهض بانفعالٍ يطرُق الغُرفة بخطواتِه الغاضبة،  كعصفورٍ غاضب لأنَّ صاحبَهُ سجنه و لم يرغب بإطلاقِه لأجل إطعام إخوتِه:
" لما تتسلل إلى هنا كل يوم؟! .. لما تفعل ذلك مُنذ ذلك اليوم؟! .. أعرِف أنًّك رأيتَ ما حدث .. لا أعرف كيف؟! . و لا أعلم كيف وجدتني! .. أو مِن الممكن بسبب ذلك القلم لكني لا أريد! .. لما لا تفهم أنني لا أُريد! .."

مُبعثَر! "مكتملة"Kde žijí příběhy. Začni objevovat