الفصل الأول

40.5K 803 141
                                    

في إحدى حارات مصر القديمة و تحديدا
في شقة صغيرة تقع في الطابق الثاني....

لوت فرح شفتيها الجميلتين بسخرية و هي تمسك بجهاز التحكم الخاص بالتلفاز حتى ترفع من صوته
قليلا ليتغلب على أصوات المفرقعات الخفيفة
التي تعالت من وراء ذلك الباب المقفل حيث
تقبع خالتها المجنونة منذ ساعات طويلة لا تتذكر
عددها بين أغراضها العجيبة التي لم تكن
تدري حتى من أين تحصل عليها....
فهي نادرا ما تخرج من المنزل إلا للضرورة
القصوى و مع ذلك كانت تلمح بين يديها
أشياء غريبة بعضها تراه لأول مرة...

فرح الرواي فتاة أقل ما يقال عنها أنها رائعة
الجمال ببشرتها البيضاء الصافية و عيونها العسلية
ذات الرموش الكثيفة....شفاهها الوردية و وجنتيها
المحمرتان بسحر طبيعي دون اللجوء إلى وضع
مساحيق التجميل... شعرها البني الرائع الذي كان
ينسدل كشلال وراء ظهرها و الذي كاد يصل
إلى أسفل ظهرها حتى انها رغبت أكثر من مرة
في تقصيره لكن خالتها رفضت...

والديها توفيا منذ سنوات في حادث مرور
عندما كانا عائدين من زيارة أحد أقاربها
ماتا و تركاها تحت رعاية
خالتها أو بالأحرى لا أحد يدري من منهما كانت
برعاية الأخرى...
سميحة الأنصاري تبلغ من العمر
حوالي خمسة و أربعون سنة، لكن في الحقيقة من يراها يظن أنها في الثلاثينات فقط...بشرتها بيضاء
صافية خالية من التجاعيد و شعرها لازال محافظا
على لونه الطبيعي خال من أي شعرة بيضاء...
كانت تعمل عالمة في الولايات المتحدة الأمريكية قبل أن تستقيل و تعود للإعتناء بإبنة شقيقتها...

لم يكن ذلك فقط السبب الحقيقي لعودتها بل
كانت تريد أخذ حريتها في القيام بتجاربها
العلمية الفاشلة و هكذا قضت أغلب حياتها
في هذا الركن الضيق من منزلها و الذي إتخذته
مختبرا لها...أو شيئا يشبه المختبر حيث كان
يحتوي على طاولة عريضة في نهايتها من
الجهتين أرفف كتلك التي ملأت بها الجدار
أيضا تملأها زجاجات بلورية باحجام مختلفة
تحتوي على
سوائل غريبة ملونة بعضها يتصاعد منها
بخار و في داخلها أسلاك و أنابيب
تشبه تلك التي نراها في المسلسلات او أفلام
الكرتون....

تراجعت سميحة إلى الخلف و إرتدت قناعها
الواقي بسرعة فوق نظارتها الشفافة السميكة
التي تشبه خاصة الغواصين بعد أن لاحظت
إرتعاش بعض الزجاجات و التي تزايد البخار
الذي كان يصعد منها بصفة ملحوظة حتى
أصبح دخانا كثيفا قبل أن...تنفجر.
أربعة فرقعات واحدة تلو الأخرى
شهدت على تحطم بعض الزجاجات
و تعالي دخانها ليزيد من إسوداد السقف
في الأعلى الذي تعب من تجاربها الفاشلة
و لم تكلف نفسها حتى لطلائه ...

نظرت حولها بلا مبالاة و دون أي ردة فعل
تقيم الخسائر الجديدة حتى تحضر بدلا منها
لاحقا...نزعت قناعها الواقي الذي لم يستطع
حماية شعره الذي إحترقت أطرافه بسبب
الانفجار و هي تلتفت باتجاه الباب حيث
دلفت إبنة شقيقتها الحبيبة للاطمئنان عليها
ككل مرة مخافة أن يصيبها مكروه بسبب
تلك الانفجارات التي إعتادها جميع سكان
منطقتهم اللذين كانوا يلقبونها بالساحرة
المجنونة....

مجنونة في بلاد المستذئبين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن