الفصل الثاني و الاربعون

9.6K 470 37
                                    

-لقد إشتقت إلى أمي كثيرا، و أريد أن أراها.

غمغمت سيلا و هي تقضم شفتها السفلى
مانعة نفسها من ترديد المزيد من الشهقات
و الآهات المتألمة التي تلت إعترافها الذي كانت
تكتمه بداخل ثنايا عقلها و قلبها
منذ مدة، لكنها فشلت في الصمود أكثر
بعد أن إنهارت حصون صبرها و فشل
لسانها على الصمت بعد الآن و تلك الرغبة
تتنامى بداخلها و تقتات على روحها دون رحمة.
رواية لياسمين عزيز

ذكريات من ماضيها الجميل تتسرب إلى
عقلها من حين إلى آخر خاصة و أنها معظم
الوقت تكون بمفردها في المنزل بعد مغادرة
ماكس إلى عمله، فتتذكر كم كانت سعيدة
و هي تنعم بحنان والديها و إهتمام أشقائها
و دراستها في الجامعة.

ضحكت تاركة الدموع تسيل على وجنتيها
بغزارة و هي تتذكر فتحية عضلات إحدى
معيدات الجامعة التي تتميز بتزمتها و صعوبة امتحاناتها،
جميع الطلبة كانوا يشتكون منها و ينفرون من
صفها، حتى هي اشتاقت إليها كثيرا و تتمنى
لو باستطاعتها العودة يوما واحدا فقط و حضور
كل حصصها، لن تدع شبرا واحدا من مصر
إلا و تذهب إليه فقد إشتاقت لكل شيئ هناك
إلى عائلتها، منزلها، مدينتها، حتى الشمس و القمر
تبدوان مختلفان هناك.

مسدت بطنها التي بدأت في البروز قليلا
رغم أنها لم تتجاوز الشهر الثاني فمدة حملها
كما أخبرتها باتريسيا والدة ماكس التي
كانت تزورها يوميا و تعتني بها ستكون ستة أشهر
و ليس تسعة كما عند البشر و هي تجهش
ببكاء عنيف لا تدري سببه الحقيقي هل هو إشتياقها
الذي فاق الحدود لعائلتها أم بسبب ما يسمى
الوحم الذي جعل أيامها صعبة للغاية و مشاعرها
متقلبة حتى ظنت انها على وشك أن تجن فعليا.
رواية لياسمين عزيز

تأوهت بصوت مسموع و هي تنحني
نحو الأمام حتى تأخذ علبة المناديل
الثانية بعد أن انهت الأولى و طلبت من
إحدى الخادمات ان تحضر لها علبة جديدة
تجفف بها دموعها العنيدة التي أبت أن
تطيعها و تتوقف عن الأنهمار و كأنها شلال لا
ينضب.

رفعت رأسها لتقع عيناها على زوجها ماكس
الذي دلف للتو من الباب بوجه ميت خال من
أي تعبير، كتفاه متهدلتان و كأنه يحمل هموم
الكون بأسرها فوق ظهره.

رمى بجسده على أقرب كرسي دون أن
يلقي عليها التحية او يقبلها و يحتضنها
بلهفة و يشكو لها غيابها عنه كما تعود
أن يفعل كل يوم عندما يعود من العمل،
وقفت بصعوبة من مكانها تحمل جسدها
المرهق و الذي كان يغوص داخل الاريكة
بسبب مكوثها لفترة طويلة في نفس المكان
ثم سارت نحوه، كان شاردا و كأن عقله
إنتقل إلى عالم آخر بعيد جدا
لدرجة انه لم يرها أو يشعر بها.

ببطئ شديد دنت منه ثم وضعت يدها
الناعمة على كتفه بنبرة حنونة:

-ماكس، حبيبي هل هناك خطب ما؟
أنت لا تبدو بخير، هل حدث شيئ لا أعلمه؟

مجنونة في بلاد المستذئبين حيث تعيش القصص. اكتشف الآن