بيرسلنت✔️

300 24 8
                                    

كانت بيري كعادتها قابعة في مكتبة المدرسة تقرأ كتاب والدها و قد اتسعت عيناها حتى كادا أن يقفزا من محاجرهما بينما ترسم الكلمات أروع الصور في ذهنها .. لقد كان والدها يخبرها بالكثير و الكثير من الحكايات كلما عاد من أسفاره و لكن لا مجال الآن لتلك القصص سوى هذا الكتاب الرائع الذي قرأته العديد من المرات حتى كادت أن تحفظه ظهرا عن قلب .

كم ودت أن تغادر تلك القرية الصغيرة لترى ذلك العالم الذي زاره والدها و لكن لم يكن باستطاعتها أن تترك أمها المريضة وحدها كما أن طاقم السفينة لم يقبل بها رغم أن السفينة ملك لوالدها .. لقد زعموا أن الأمر خطير جدا لفتاة و لكن كان ذلك طبعا امتدادا للتمييز العنصري الذي عاد يمارسه رجال القرية على النساء بعد وفاة والدها .

أغمضت عينيها قليلا لتتخيل أنها ارتدت قبعة والدها و ذهبت على سطح السفينة التى ودعته عليها مرارا ثم أبحرت شمالا نحو مملكة "كينجدوم" التى تعد جزيرة بالاس تابعة لها .. حيث توجد القصور و القلاع و مدينة رويال المركزية التى تتوسطها قلعة مزينة بالأعلام و تحاوطها الجيوش لحماية الملك القابع بداخلها . حيث يوجد السحرة .. القلة القليلة المختارة الذين يملكون قوة لا يدركها العقل .

مجرد التفكير في تلك الخاطرة جعلها تبتسم و لكنها عادت للواقع سريعا و أغلقت الكتاب بسرعة لتذهب مسرعة للاعتناء بوالدتها .. فقد سرقتها التخيلات و لم تدرك أن الوقت انقضى سريعا و أن الظلام قد خيم بالخارج .

______________

" هل كنت تقرئين وحدك مجددا ؟"

قالت والدتها بابتسامة متعبة بينما تتناول الطعام الذي حضرته بيرسلنت فور عودتها

" آسفة لأني تأخرت" أجابت بيرسلنت بينما تضع ملعقة أخرى في فم والدتها بحرص .

لقد كانت لورا والدة بيرسلنت دوما ضعيفة و لكن ازداد ضعفها بعد وفاة والدها شيئا فشيئا حتى اشتد بها المرض هذا العام فأصبحت لا تقوى حتى على مغادرة فراشها الأمر الذي دمر بيرسلنت من الداخل و لكنها لم تقوى على اظهار اليأس أمام والدتها

لقد جربت جميع الوصفات المذكورة في كتاب الشافون و لم ينجح أي منها في التغلب على مرض والدتها و لو قليلا . هذا المرض التى لا تدري ما كنهه سوى أنه يجعل والدتها ضعيفة للغاية كأنها ورقة شجر في رياح الخريف .

" لا أعني هذا عزيزتي و لكني لا أريدك أن تكوني وحيدة "

"ليس لدي خيار في هذا "

" ربما يمكنك المحاولة بجهد أكبر "

" لقد حاولت بما فيه الكفاية الأعوام الماضية ، ثم اني لا احتاج أحد غيرك " قالت هذا بابتهاج زائف و هي تقرص خد والدتها

" لا اعتقد اني أستطيع أن ابقى صديقتك بعد الان " تمتمت والدتها بتلك الكلمات التى عصرت قلب ابنتها . جاهدت بيرسلنت للسيطرة على دموعها و لكن والدتها مسحت على شعرها برقة و قالت " لا أستطيع أن أكون صديقة أحد يصنع طعاما بهذا االسوء "

"أمي !" ثذمرت بيرسلنت من المزحة القاسية و لكن لم تستطع أن تخفى البسمة التي انفرجت على فاهها

لقد كانت والدتها صديقتها الوحيدة .. و كانت هي صديقة والدتها الوحيدة ، فرغم حب القرية لتوبيان و احترامهم له الا أنهم كانوا يتجنبون زوجته الأجنبية و بنته .. ربما بدافع الغيرة أو ربما بدافع الرهبة .. الا انهم على أية حال لم يحاولوا التقرب منهم بأي شكل و هكذا انقضت السنين ما بين أسفار توبيان و عزلة زوجته حتى تحول التجنب الى نفور

فقد ساد اعتقاد راسخ بأن تلك الفتاة تجلب الحظ السيء فقد مرضت لورابهذا المرض الغريب بعد ولادتها الذي لم يفلح أي من الشافون في مداواته .. ثم توفى والدها أثناء رحلاته للبحث عن شفاء لهذا المرض .

لقد حاولت بيري العديد من المرات التقرب من الأطفال في عمرها عندما دخلت المدرسة و لكن بائت كل محاولاتها بالفشل حتى اقتنعت أن ذلك نتيجة عيب ما فيها و أنها لا تقدر على تكويين الصداقات .. لم تحاول بعدها أن تتكلم مع أحد و قابلت التجاهل بتجاهل أشد منه حتى صدق الجميع أنها كتلة من الغرور و الاستعلاء و لم يقوى أحد على النظر لعينيها الجليدية .

و اعتادت بيرسلنت الوضع ..اعتادت النظرات الجانبية و التمتمات اللاذعة و التعليقات السخيفة و لم تعد تلق للأمر بالا أو هكذا حاولت أن تقنع نفسها . ركزت كل طاقتها على محاولة أن تحصل على دواء يقدر أن يشفى والدتها , لكن بعد سنين من المحاولة أدركت أن هذا الدواء ان وجد فانها لن تعثر عليه في بالاس، و لكن يقبع الأمل بالعالم ما بعد المحيط .. حيث يوجد السحرة ذوى القوة العجيبة الذي يستطيع أحدهم أن يشفى من الطاعون بمجرد مسحة من يده .. لذلك حاولت كثيرا أن تنضم لطاقم السفينة و لكنها قوبلت كل مرة بالرفض .. حتى انها تسللت أكثر من مرة و لكن قبض عليها قبل أن تبحر السفينة .

" يبدو أني نسيت أن أضيف الملح " قالت بيرسلنت بعد أن تذوقت الحساء الذي أعدته لوالدتها

"يبدو أنك نسيتي أن تضيفي الحساء "

"هاها ، مضحك جدا " لفت بيري عينيها ثم قالت " يمكنك أن تعديه أنت المرة القادمة "

"كم أتمنى "

" أخبريني مرة أخرى عن العالم بالخارج "

" مجددا؟"

" نعم ، أحب أن أسمع رواياتك "

"حسنا صغيرتي "

استلقت بيرسلنت على السرير الصغير بين ذراعي والدتيها الهشة لتسمع مجددا عن العالم الواسع السحري الموجود خارج حدود تلك القرية المنسية .

The Moon stones | أحجار القمرWhere stories live. Discover now