البحر ✔️

194 17 0
                                    

بعد خروج بيري من دكان العجوز سيجا ، ظل كلامها يتردد في أذنها لمدة ثلاثة أسابيع و بيري تجابه نفسها و تمنعها من الانصات لمثل تلك السخافات . لم يحدث ان سألها ريمون عن العجوز سيجا كما وعد في الواقع لم يزورها منذ آخر مرة تقابلا فيها عند الدكان و أدركت بعدها انه أنطلق في رحلة اخرى مع طاقم السفينة . لقد كانت بيري غاضبة منه . لقد كانت غاضبة من كل شيء

لقد أوضح لها أن ما شجعه على اقتراح الذهاب الى تلك العجوز هو قصيصة الورقة التى وجدتها و ذلك الخط الاحمر تحت كلمة العجوز .. فهو لم يجد له معنى سوى العجوز سيجا .. كان ريمون في الواقع شديد الايمان بمثل تلك الأشياء فهو لا يذهب في رحلة و لا يأتي بعمل قبل ان يكشف عن طالعه .. لكنها لن تستطيع أن تنكر أن تلك الزيارة تعتبر تقدما في سير بحثها عن أمها .. فبرغم أنها لم تفهم شيئا من ترهات تلك العجوز و لكنها قد اعطتها بعض الخيوط التي تستطيع ان تمسك بأطرافها .

قد راجعت كلامها في عقلها و كتبته على ورقة أمامها حتى حفظته ظهرا عن قلب .. و ما استطاعت استنتاجه بايجاز أنه يوجد عهد بين ذات الشعر الفضي و بين القمر ! .. و أنه على ما يبدو ذات الشعر الفضي هي أمها !

كلام لا يعقل !

و لكن عندما يتملك اليأس من انسان يجعله قادرا على تصديق أكثر الأشياء تفاهة و التعلق بها كطوق نجاة من فوهة الاحباط.

و لكن الجزء الأكثر حيرة بالنسبة لها هو نصحيتها الأخيرة أن تحدثي الى صديقها الأول .. فذلك هو الطلب الوحيد الذي قالته العجوزة لها .. الأمر الوحيد الذي من المفترض ان يخبرها المزيد .. و لكن ! ماذا تعنيه تلك الخرفاء بتحدثي لصديقها الاول؟! ..
لم تعرف لوالدتها أي اصدقاء في تلك القرية المتهالكة .. حتى أنها بحثت في كتب والدها لتعرف من أين جاءت والدتها بالظبط .. و لترى ان ذكر والدها اي شيذ عن وجود أصدقاء لأمها و لكنها لم تجد شيئا .. و رغم أنها فكرت في سرقة السفينة و الذهاب الى مملكة كينجدوم لكنه لم يكن من المنطقي أن تفتش المملكة باكملها و هي لا تدرك عن ماذا تبحث.

تراود الى ذهنها في اخر الامر انها تقصد البحر .. ففي حكاية تلك الشمطاء ؛ أول ما وجدت عنده الفتاة نفسها هو ضفاف البحر ..

" و هل سيجيب البحر اذا كلمته ؟!" صرخت بيري في غضب ممتزج بالاستسلام ملقية بقطعة القماش التي كانت تستخدمها في تنظيف الكوب الذي في يدها ..

رغم انكار بيرسلنت الشديد لكلام سيجا الا انها لم تملك نفسها من الذهاب الى شاطىء البحر عدة مرات و تحاول أن تتحدث اليه و هي تشعر بالغباء التام و لا يجيبها غير الموجات التي تمسح قدماها في هدوء . ربما فهمت ذلك اللغز بطريقة خاطئة و لكنها لم تستطع أن تجد حلا آخر له بأي وسيلة كانت .. فرغم أنها لم تفهم بالظبط معنى النصف الأول منه ،ألا و هو " عنده انتهت حياتها " الا أن الجزء الثاني منه جاء واضحا للغاية و هو " و عنده وكلت مهمتها " فعلى حسب حديث العجوز سيجا كانت والدتها على ضفاف البحر عندما حدثها القمر

مرت الأيام بعد ذلك و الاسابيع و الشهور و تنسى بيري تماما أمر البحر و العجوز سيجا . لقد بدأ عقلها في الاسترخاء و بدأت تعتاد العيش الكليل بدون نفس أمها الهادىء في الفراش. أصبحت ترى كل شيء بطريقة مختلفة الآن كانها نضجت في ظرف يوم و ليلة و كأنها لم تعد بيري . بل شخص آخر شاحب خالي من الالوان .

ما زالت لم تقرر اذا كان عليها الذهاب الى المدرسة الكبيرة أم لا . و لكن مدير المدرسة الكبيرة و لكونه صديق عزيز لوالدها منحها مهلة أخرى لتعيد التفكير رغم أن المقرر الدراسي لسلك الشافون قد بدأ بالفعل ..

و لكن بيري على الرغم من عدم تأكدها من المدرسة الكبيرة الا أنها لم تترك معمل أباها مهجورا بل كانت تزوره باستمرار. لقد كرست وقتها لذلك المعمل باخلاص شديد تحسد عليه.

فان لم تجد ما تفعله ستصاب بالجنون بالتأكيد . أصبح البحث عن النباتات و صنع الوصفات هو شغلها الشاغل الذي يمنعها من معاودة التفكير في لغز امها الذي أمضت ال٦ شهور الاخيرة في محاولة سبر اغواره

فقد كانت تبحث عن جميع أنواع النباتات التي كان يذكرها في كتبه و تحاول أن تقلد وصفاته .. لقد نجحت حتى الان في صنع ترياق السعال فقط و الآن كانت تحاول صنع ترياق لمعالجة التسمم ..

كانت قد وجدت جميع مكونات الترياق و لم تبقى الا نبتة وحيدة تسمى السينا .. تلك النبتة كانت تعيش عند الصخور البحرية فقط و رغم أن بيري لم تغادر منزلها منذ اكثر من شهر الا انها شدت الرحال مستعدة لتبحث في همة عن نبتة السينا ..

وصلت بيري لشط البحر في منتصف الليل و هي تحمل مصباحا صغيرا . تجولت بعينيها في المكان و لكن لم تجد أثر لذلك النبات . كان يفترض أن تكون ورقاته صغيرة و حمراء و مسننة . اقتربت اكثر من البحر و لامست المياه الصافية أقدامها و لكن ما زالت لا ترى شيئأ ، و لكن فجأة وقعت عيناها على مبتغاها . كانت تقف نبتة وحيدة حمراء على صخرة عند أقصى اليسار و لكن المشكلة أن تلك الصخرة كانت تقع تقريبا على بعد خمسين قدما داخل المياه و رغم ان بيري تتقن السباحة الا انها تخاف البحر و لا تثق به غير أن الجو كان في غاية البرودة

استجمعت بيري شجاعتها و خطت خطوة وراء اخرى للداخل حتى غمرها الماء حتى خصرها . لقد كان الماء يثلج اعصابها و يكاد يكسرها و لكن لا شيء سيمنعها من الحصول على تلك السينا . تسلقت بيري الصخرة و هي ترتجف من رأسها لقدميها من شدة البرودة و و الهواء البارد يصفع وجهها . و ما ان امسكت بالنبات حتى ارتجفت يداها بعنف و اسقطت النبات في البحر .

جلست بيري على الصخرة و هي تحاول تدفئة نفسها ، تريد أن تقفز في البحر باحثة عن النبتة و لكنها تثق أنها لن تجدها وسط أمواج البحر . ضمت قدميها الى صدرها و مسحت الدموع التى تسربت بدون اذن منها و فكرت فقط لو ينشق البحر و يسمح لي أن ابحث دون اي تشتيت من مياهه العنيفة .

و جاء الرد على تفكيرها في صورة في غاية الدهشة . لقد تحقق ما تمنته في منظر مهيب ، انفلج البحر و ارتفعت مياهه لأعلى كاشفة عن أرضه الرملية التى ترقد فوقها السينا في استكانة .

لم يكن بامكان بيري اكثر من الجلوس منبهرة فاغره فاهها و قد ازداد ارتجافهها و لكن تلك المرة من الرعب . همست بين اصطكاك اسنانها "كيف ذلك ؟!"

و جاء صوتا يرد على سؤالها !

The Moon stones | أحجار القمرUnde poveștirile trăiesc. Descoperă acum