الفصل الأول

11.4K 126 2
                                    


بقلمي مروى شيحه
.............
- هههههه أعلم قدرة مالك على إثارة الجنون لكن صدقيني هو الآن يجلس بكل أدب ..
وبعد حديث طال قليلا أغلقت الهاتف ، ووقفت تقترب من الصغيرين , حيث ابنتها روان تلعب بجنون بلعبتها وتكاد تعاقبها لأنها لا تستجيب لها ، بينما مالك يتمدد على الأريكة لا يشاركها اللعب ، ويبدو عليه التفكير العميق ، لذلك استغلت الفرصة وقالت لتجلب اهتمامهما..
_  يا صغار
نظرا لها بفضول لتلوح لهم بألواح شوكولا تحتفظ بها قائلة
- سأدخل لآخذ حمامي ، إن لم تشاغبا سأعطيكما هذه....
وتركتهما تدندن لحنا ما متوجهة لغرفتها تأخذ ثيابا نظيفة وعادت لتمر من أمامهما تلوح لهما ، و تدخل للحمام وخلال لحظات علا صوت تدفق المياه الجارية ، بينما مالك اتجه للتلفاز يشغله ليتابع البرامج المسلية ....
دقائق فقط و قفزت روان بملل و قد انتفض شعرها الأسود المجعد على جبينها وعنقها الصغير ، وشعت عينيها العسلية بالعزم فيما تشربت وجنتيها بحمرة ناعمة من المجهود الذي بذلته باللعب ، وبصوتها الطفولي قالت لمالك
- هيا لنذهب لخالتي منى ، لنلعب مع احمد ومحمد
لكن مالك تجاهلها يرفع صوت أغنية للأطفال يرد عليها بهدوء عجيب رغم جنونه المعتاد!
_ لا ، أريد أن آكل الشوكولا ولن اغضب خالتي.
_ غبي..
زمت شفتيها الجميلتين وعادت لدميتها
ولكن للحظة فقط لتكشر بغيظ وهي تسمعه يغني مع الأغنية ، وبخطواتها الصغيرة المغاضبة اتجهت للباب و وقفت على أطراف أصابعها الرقيقة وفتحت الباب بمجهود عظيم ، وخرجت مسرعة منه تعلو وجهها ضحكة شقية ، لكنها وقفت مضطرة خوفا من الشارع لكي تجتازه للناحية الأخر
- هل تريدين قطع الشارع؟
التفتت بتوجس لامرأة غريبة الشكل وقفت قربها ، وأومأت برأسها ، فابتسمت تلك المرأة تسألها
- أين أمك يا صغيرة؟
اتسعت ابتسامتها بشقاوة
- تركتها في البيت
لمعت عيني المرأة وقالت بمكر ما رأيك أن اشتري لك المثلجات أولا ثم أساعدك لاجتياز الشارع ؟
زمت شفتيها الورديتين وضيقت عينيها كأنها تفاضل في عقلها العرض المغري والمرأة أسرعت تمسك يدها الصغيرة تحدثها عن أنواع المثلجات ونكهاتها لتتسع عينيها اللوزية الشكل وهي تستمع لها بانبهار مما تعرفه وما تحدثها عنه ، و أعوامها التي لا تتعدى السنتين لا تساعدها لتعي أنها تبتعد أكثر و أكثر و أكثر.... خرجت وصال من الحمام مبتسمة للهدوء الذي ما زال يلف المكان ، وأخرجت ألواح الشوكولا ضاحكة مقرة باستحقاقهما لها ، رأت مالك مكانه يتفرج باستمتاع على الكرتون ، و روان..
قطبت تبحث بعينها عنها
- روان ؟
نادت بتسلية معتقدة أن ابنتها تلعب معها لعبة الاختفاء...
- روان؟
نادت مجددا ولم تسمع الرد ... أحست بغصة غريبة تنادي
- روان حبيبتي تعالي خذي الشوكولا بعدها نلعب....
لكنها لم تجد استجابة بينما مالك يطالبها
- أنا هنا خالتي هاتي نصيبي
دارت في غرف البيت الواسعة تبحث في الأماكن التي اعتادت ابنتها الاختباء فيها وهي تنادي باسمها جزعا مرارا دون رد ..
حتى رأت الباب بالكاد مغلق دون أن يطبق , رأت اللعبة مرمية بإهمال خارج الباب و الشارع مكتظ بالناس لتتراجع الدماء من وجهها ويشحب لونها تصرخ بعد أن أدركت أن ابنتها لا بد وقد خرجت من البيت في غفلة منها وإهمال لغبائها
- رواااااااااااااااان
........................
الفصل الأول
_ خالتي كفي عن فعل هذه الحركات أمامي أنا أبدا لن أفكر بتعلم هذا الأمر والتنقل به بين فتيات الجامعة ..
قالت ذلك متنمرة بينما أمواج شعرها الأهوج تتمايل حول وجهها وعيناها التي أزداد لونهما غرابة و كأنه تأقلم مع جمالها المجنون ليتلون بما تلبسه فازداد انعكاسا للسماء الصافية , لتشعان ببريق غريب تضيف مبعدة خصلها السوداء عن وجهها
_ جميلة هي المدينة خالتي , لما لا نسكن فيها ...
نظرت لها بعينين متوسلتين لطالما سلبتا قلبها وخلبتا لبها فلم تمانع يوما من تلبية طلباتها التي كانت رغما عنها موجودة فيها لم تقدر على إلغائها ..
_ خالتي دعينا نبقى هنا , ما معنى أن نبقى على رحالنا معهم وقد سجلت في الجامعة لهذا العام ..
رفرفت عينيها لترخي ملامح وجهها بدلال جلب الابتسامة لشفتي المرأة التي تنظر لها وللأصداف أمامها بريبة ولكنها رمشت بعينيها حين سمعتها تكمل
_ أعدك سأشارك في المهرجان هذا العام إذا قررت عدم الرحيل , فكيف سأهتم بدراستي !
رفعت العجوز التي تمثل للفتاة عائلتها الوحيدة أصدافها عن القطعة المخملية , مبتسمة بانتصار لكنها هزت رأسها رافضة
_ روح الغجر بدأت تطفو فيك غنجة , ولكن لا , أنت لن تشاركي بأي مهرجان ..
ونهضت تنفض عن فستانها المبهرج الغبار العالق من الأرض
_ ونعم سنبقى هنا , فأنا أريد أن أراك تلبسين ذاك الرداء الأسود الخاص بالمتخرجين , سيليق بك كالقمر في كماله ..
رفعت غنجة حاجبها بغرور معيدة بتلك الحركة التي لا تملها شعرها للخلف ليتطاير قبل أن يهف على كتفها مجددا كشلال أسود
_ خالتي حقا أنا لا أعرف لما كنت سابقا ترفضين الاستقرار هنا .
تركتها غالية المرأة التي لم تفارقها منذ صغرها , ولا تعرفها سوى أنها خالتها , عاشت معها كل مراحل حياتها , تذكر بضبابية لم تعطها أي أهمية كم كانت ترفض تماما الاستقرار في هذه المدينة لفترة طويلة , بل وتذكر تماما في مراهقتها أنها لم ترافق الفرقة الجوالة في زيارتهم لعدة سنوات وكانت تبقى معها , فلم يكن لها سواها , وعت لتكون لها كل عائلتها , والأهم كل طلباتها مستجابة ..
تبعتها غنجة بسرعة , تبرطم شفتيها بينما تراها انهمكت كالعادة بأصدافها وترتيبها , وهذا يعني أنها لن ترد عليها فتخلت عن فكرة النقاش معها ..
لذلك نفخت لتخرج مرة أخرى من الخيمة , بكنزة واسعة طويلة تغطي ردفيها و بنطال قطني قصير لا يكاد يصل لركبتيها , وحذاء مسطح مريح بينما ساقيها اللامعتان تظهران بفتنة طاغية , وأنوثة تفيض من قدها المثالي حتى خصرها الدقيق حتى الصدر النافر بدلال وعنقها الطويل الذي يختفي دائما تحت همجية شعرها الثائر باستمرار يرفض القيود ...
كل ذلك يتوجه وجه بريء طاغي الجمال إنما متمرد بجنون وذكاء ..
شيعتها غالية بنظرات قلقة , غنجة لم تعد طفلة ..
كبرت , وكبرت جدا , أصبحت شرسة , متمردة , طيبة ومجنونة , تعبت جدا حتى ربتها كما تريد وعلى ما تريد فنشأت متعلقة بين ما أرادت غالية أن تكونه حضرية , وبين الواقع الذي هي فيه غجرية ..
أعادت نظرها للصدفات أمامها تجمعها بقسوة وترميها بعيدا عن عينيها هامسة
_ كاذب أنت يا حجر فلن تجد طريق الفكاك مني حتى لو رغبت بذلك .
تحركت غنجة مبتعدة عن الخيمة المنصوبة فوق الرمال بينما كلبها السمين كنج يتبعها ما أن رآها تخطو بعيدا عن المخيم غير مبالية بنظرات عدم الرضا التي تنالها من الشيخ رجب المرافق لهم , ولا من أي أحد , هي فقط تقف هنا على الحافة تنظر للمدينة بلهفة وشوق لدخول غمار المجهول ..
جامعة .. حياة جديدة .. دراسة , وهي بين كل هذا وذاك هل ستقدر حقا على التأقلم بين أولئك الذين يعيشون المدينة .. وكيف ستكون علاقتها بهم ؟
تنهدت ترمي جسدها على الأرض تنظر للسماء بشمسها المائلة للغروب بينما كنج تمدد قربها كالحارس الأمين لتمسد فرائه سارحة النظرات .. والقلب ..
ضحكت بخفة متذكرة مراحل دراستها , لقد درست كل مرحلة في مكان , جربت كل المدن , تجولت في كل البلاد , لسبب لا تعرفه كان داخلها يرفض الحياة إلى فيها , لطالما تطلعت للفتيات في المدارس التي ترتادها بغيرة , جعلتها تشعر بالكره والحقد نحوهم , من ثيابهم القليلة والبسيطة التي زرعت أولى بذور الكراهية نحو ثيابها المبهرجة , والكثيرة , فكان أول ما رفضته هو لباسها , أرادت التميز , فكان لها وساعدتها غالية على ذلك , خاطت لها كل ما يخطر ببالها من ثياب وبالشكل الذي تريده , ليكون لها نظامها المحدد بالثياب ..
سمعت كنج يشخر بحدة وقد انتفض من تمدده غير مرحب بالشخص القادم , ولكن دون أهمية جلس ذاك الشاب قربها على الأرض , لتنفخ بملل دون أن تعدل تمددها بل زادت لتضع ساقا فوق الأخرى متكلمة غير مرحبة
_ ألا يبدو لك إني أنشد الخلوة لمك ؟
كان سماره يلمع من الشمس الغاربة بينما عينيه ترمقانها بعدم رضا واضح عن تصرفها , يعرف أنها تمادت ولكن لا أحد يملك أمر ردعها , لطالما تمكنت هذه الشقية من التمرد واستغلال نظراتها لتحصل على ما تريد من كل الكبار , لذلك شبّت محبوبة من الجميع واستغلت ذلك بجدارة ..
..
لم يرد بينما زفر بعصبية , لتنظر له , بدا خلابا بحق !
وهل هناك من لا تقع في سحر لمك , بكل جنونه و عنجهيته , عينيه لا تنظران لها , فابتسمت باستفزاز تعرف رفضه تماما لثيابها المجنونة فكيف الآن وهي تظهر ساقيها بطولهما وجمالهما أمامه دون خجل ..
فهي غنجة لا تعرف الخجل ..
حادت عينيها للسلاسل الكثيرة المتدلية من عنقه على صدره المفتوح القميص , بينما بنطاله يلف ساقيه الطويلتين وقد بدت السلاسل متنافرة مع صدره العضلي , فقفزت جالسة تمد يدها لإحدى السلاسل لكنه لم يسمح لها أن تسحبها ليقول بحدة اعتادتها منه .
_ غنجة قلت لك إلا هذه لن تأخذيها مهما حصل ..
عبست تنفض يدها من قبضته
_ لكني أريدها ..
رفع حاجبه باستعلاء ليقول متهكما
_ أنا لست أحد المهووسين بإرضائك لذلك لا يهمني ما تريدينه ..
ارتفعت زاوية فكها باستهزاء
_ تذكرك بعروسك التي فضلت مكسيم عليك ..
لم يرد , نظر لها بحدة فقط بينما أنفاسه تلفحها رغم بعدها فعرفت أنها أصابت الهدف مباشرة , فعادت لتتمدد من جديد بينما سمعت صوته يقول كصدى
_ هل حقا انتسبت للجامعة ؟
لمعت عينيها تؤكد
_  بالطبع سأدرس هنا التاريخ .. لطالما أحببته في غمرة بحثي عن ماضينا ..
كشر باستياء ليقف ويرمي على جسدها لفحة كانت بيده علها تخفي المكشوف منها أمامه ليقول بتصميم يرفض أي مجال للرفض مستغلا صحة كلامه ..
_  إذن ليكن بعلمك , كل تصرفاتك ستكون تحت عيوننا , ولن تذهبي وتعودي بمفردك , سيوصلك أحدنا باستمرار ..
انتفضت ترمي لفحته عليه لتقف تتحداه
_ و هل أنا طفلة ؟ لن يكون لي حارسا منكم أريد أن أكون حرة ..
أمسك ذراعها بينما تزمجر هي بغضب لكنه لم يبالي يشد قبضته حتى تأوهت
_  لن نسمح لما حصل مع بدور أن يتكرر معك , أنا بنفسي سأشرف عليك ..
حاولت التخلص منه ترفض الفكرة تماما لكنه قربها ليتناثر شعرها بجنون بينما يتكلم هو ببطء
_  في الواقع لن تتمكني من استغلال غنجك للحصول على ما تريدينه فالشيخ رجب ومن معه يؤيدني ...
صرت على أسنانها بغيظ منه وكره تنفض ذراعها علها تهرب من قبضته دون نجاح
_ لا هم لي بذلك في الواقع ستغادرون بعد أيام قبل الدراسة حتى , وسنبقى أنا وخالتي هنا ..
لكنه ابتسم بغرور ليترك ذراعها
_  ونحن أخذنا موافقة مجلس المدينة لنبقى هنا ..
و اقترب ببطء متجاهلا فمها المفتوح بصدمة , ترفض ما تسمعه .. لا , لا تريدهم أن يبقوا , لا تريد أن تتقيد بهم حولها ...
رباه ما هذا التشتت الذي تعيشه , تريدهم ولا تريدهم , تشعر بالاختناق وكأنها طير وضع في قفص مفتوح غير قادر على الطيران ..
ارتعشت شعيرات صغيرة قرب أذنها على همساته المقتربة دون أن تشعر
_ سنة دراسية موفقة يا غجرية ..
ضربته على كتفه بقهر بينما ابتعد لمك تجلجل ضحكاته خلفه , نظرت لكنج الذي كان ينظر لها بتعاطف , فانحنت نحوه تمرغ وجهها في وبره الطويل وتشكيه
_ أرأيت يا كنج , يريدون تقييدي .. قل لهم إنني أختنق ... وأضيع ..
...............................
خرجت غالية من مجلس الشيخ رجب راضية داخلا مزمجرة خارجا , كانت أكثر من سعيدة لموافقة المدينة على تخييمهم هنا , وقد وافقوا بدورهم على إحياء مهرجانات عدة خلال المدة التي سيقيمونها , تعرف أن ربيبتها ستجن وتثور ولكن لا بأس بذلك , فقد أصبحت شديدة التمرد وباتت عاجزة عن ردعها .. كيف وهي لا تتمكن من رفض طلب لها ..
لذلك جاء الأمر في صالحها , غنجة رغم تمردها إلا أنها تخشى اجتماع مجلس الشيخ رجب , فهي تعرف نتائجه , خوفها من المصير الذي لاقته بدور لا تزال تذكره , كم بدت خائفة على الفتاة التي تم لفظها تماما من القبيلة فتركت لوحدها رغم محاولاتها العودة لكنهم رفضوا تماما , كسرت بدور القاعدة الأولى والأهم لهم , ألا تسلم جسدها لأحد فكيف وقد كان ذاك الأحد من خارج الغجر نفسهم , أغراها وأغواها وحصل عليها , ليتركها بعد ما حصل على ما يريد ..
حاولت إخفاء الأمر لكنها لم تتمكن مع حملها الذي ظهر , فكان النتيجة لاجتماع مجلس الشيخ أنها غير مرحب وقد تم نفيها من المكان حيث أخذها الرجال ليلا ليتركوها على أعتاب المدينة . . وحيدة منفية , وحامل .. دون أن تأخذهم فيها رحمة ولا شفقة , وهي تعلم أنها مهما تمردت وجنّت إلا أنه كله في حدود المعقول بل تمردها رغم اعتراض الشيخ رجب عليه إلا أنه يسمح لها بالتفرد , سحرتهم غنجة .. رغم تمردها على كل شيء إلا أنها محافظة على كل شيء , ولا تخل ولا حتى بكلمة على القبيلة ...
_ خــــالــــتــــي ...
سمعت صوتها الغاضب يهدر من بعيد بينما كنج يشاركها الصراخ بنباحه المزعج , فتوقفت على باب الخيمة وقد هبط الظلام نسبيا , واستحضرت عصبيتها لترد
_ تعالي غنجة أنا في الداخل
ودخلت لتجلس أرضا مكشرة تستعد لدخول غنجة العاصف والذي لم يتأخر
_ هل سمعت خالتي ؟ لا يريدون الرحيل ... ألم نتفق أن نجرب حياة المدينة أنا وأنت ؟
ضربت غالية كفا بكف لتتكلم بغضب هي الأخرى
_ يرفضون ذلك تماما والشيخ رجب بنفسه يرفض الأمر و يريدك أن تذهبي إليه ..
توترت غنجة تمد يدها بارتباك تحك عنقها لتسأل وقد أخافها طلب الشيخ رجب لها لا تريد أن يجتمع المجلس لأجلها
_ ما الذي يريده ؟
هزت غالية كتفيها بينما ترفع فستانها لتخلعه عن جسدها ترميه جانبا لتبقى بقميص داخلي طويل مكشوف الكتفين والساقين وتمددت على الأرض
_ غنجة أعتقد أني أصبت بالصداع من كثرة النقاش دعيني أغفو قليلا وبعدها سنشارك السهرة ..
غطت عينيها بذراعها معلنة صراحة رغبتها بعدم الإزعاج , تترك غنجة على ارتباكها من طلب الشيخ لها , فتوجهت لقسمها من الخيمة تبحث بين ثيابها حتى وجدت فستانا أصفر اللون يصل حتى كاحليها أصرت على غالية ألا تضع عليه أي نوع من أنواع البهرج بقبة صدر واسعة وكمين قصيرين جدا ..
كان أفضل ما لديها لتقابل به الشيخ رجب !
ودون تأخير كانت تأخذ الطريق متوجهة إليه تدعو ألا تكون قد تأخرت تمتمت بسرها  " سحقا لك بدور فلتتعفني أينما كنت لولا جنونك لما كنت الآن محاصرة من الجميع "
لكنها رسمت ابتسامة على شفتيها لتدخل الخيمة , كان لمك يجلس قربه أرضا فأدركت أن له يدا فيما حصل فتجاهلته تماما تلقي التحية على الشيخ رجب لتنحني مقبلة يده باحترام ,جلست مع إشارة يده التي امتدت لمكان ما قرب لمك , فنفخت دون صوت لتجلس قربه تربع قدميها تحتها
_ طلبتني شيخي ..
ابتسم الرجل الستيني في وجهها يقول بفخر
_ إذا لقد انتسبت جميلتنا للجامعة .
شاركته الابتسامة بسعادة
_ نعم شيخي لقد سجلت التاريخ أنت تعرف بحبي له ولطالما شجعتني على الغوص به ..
هز رأسه محتفظا بابتسامته
_ كنت دوما صغيرة طفولية , تتعلقين بأذيالي وتسالي عن كل شيء لأضطر نهاية للتخلص منك برميك على حصان أحدهم ..
عضت شفتها بشقاوة تتذكر طفولتها
_ ولذلك أنا فارسة رائعة للخيل .
نفخ الشيخ وقد ذهبت ابتسامته وكست ملاحه الجدية لتذبل ابتسامتها بدورها , تدرك أن ما ستسمعه لن يعجبها , خاصة و لمك بقربها يتابع حديثهما بقلة صبر
_ غنجة .
نادها الشيخ لتركز في حديثه جيدا
_ تعرفين بعد قصة بدور , أصبح أمر خروجك من المضارب وحدك أمرا ممنوعا وعليه يجب أن يرافقك أحدهم .
هزت رأسها تسترجع حديثها مع لمك , تلعنه سرا على وجوده الآن وكأنه يشهد إذلالها وإطفاء شعلة تمردها , فالكل يعرف أن غنجة لا تنحني إلا للشيخ رجب , ربما يرجع الأمر لكونه شيخا لا أكثر ..
_ أعرف ذلك وقد أخبرني لمك أنه سيكون مسئولا عن ذلك .
حملت نظراتها الكثير من الرجاء للشيخ الذي لم يخطئ قراءة نظراتها الرافضة لكنه تجاهل الأمر تماما ليقول بحزم
_ لا , لمك لا يعرف ما المطلوب .
تنهدت براحة حمل كبير وانزاح عن كاهلها بينما توتر لمك في جلسته معترضا وقد استفزته ابتسامتها ونظراتها المنتصرة
_ شيخي !
أنهى اعتراضه حالا بكلام جعلها تنتفض واقفة رافضة بقوة
_ أنت ستعلن خطبتك على غنجة قبل التحاقها بالجامعة
_ ولكن شيخي أرجوك أنا لا أريد الزواج , أرجوك ..
كان لمك ينظر لها بحقد من رفضها له , والشيخ بهدوء متوقعا ثورتها
_ أنا لا ارغب الارتباط بلمك شيخي , أنت تعرف أني لم أحب أحدهم أنا أخبرك بكل شيء , وكنت تعرف أني لا أعطي الارتباط أهمية ..
اجلسي ..
طالبها الشيخ بذلك , بينما لمك على حاله بحضرة الشيخ , متزن , محترم , لا يتكلم إلا للضرورة , لكنها لم تكن بقابلة للتطويع في هذه اللحظة يريد منها الجلوس وهو يخطط لمستقبلها كما يريد
_ لا أستطيع الجلوس , أريد دراستي ولا أريد الزواج , حتى إني مستعدة للاشتراك بالمهرجانات كلها لتقبل أن أتابع دراستي ..
_ غنجة ..
هدر الشيخ بصوت حازم لتبتلع عبراتها وتجلس قريبا منه , تكاد تواجهه توجه له نظراتها المقهورة وعينيها الدامعة وكأنها تخبره بكل براءة أنت سبب جحيمي !
لكنه لم يأبه لعينيها الغشاشتين , لطالما كانتا سلاحها السري الذي تقصف به قلبه ليحن ويفعل ما تريد , لكنه اليوم لن يحن ..
ليس هناك مجال ... ليس والمدينة على مشارف مضاربهم , وليست أي مدينة !
ذلك وحده كفيل بإبطال سحر عينيها ..
غنجة .. مدينة ...
" آسف صغيرتي ليس هذه المرة "
قالها بسره يبعد عينيه عن وجهها موجها نظراته للمك الذي أخفى غضبه وانزعاجه من تغير الخطة التي لا يعلم عنه شيئا ليعلن الشيخ
_ ستعلن الخطبة , ولكن لا زواج حتى توافق غنجة عليه , تكون مجرد خطبة تعطيك الحق بمرافقتها والعودة بها والدفاع عنها ..
_ جدي ..
نطقت بها بانكسار , بقلب محطم وهي تراه لأول مرة يخرج من نطاقها , ابتسم وفتح ذراعيه لها فانهارت ترمي نفسها بينهما تتعالى شهقاتها معترضة
_ لا أريد جدي .. لا أريد ...
أشار للمك أن يخرج , فنفذ حالا وتكرهما وحدهما تبكي على صدره لا تتوقف عن الرفض علها تستمل قلب الشيخ ويرضخ لها .. لكنه داعب شعرها المجنون برقة يؤكد بينما قلبها يشتعل غضبا كرها للمك
_ لقد قضي الأمر..
دفنت وجهها في عنقه مستمرة بالبكاء بينما هو مستمر بالترويح عنها , هذه الصغيرة المغناجة دائما ما كانت تنجح بفرض إرادتها منذ طفولتها لم تخف منه , كانت الوحيدة الذي تآلفت معه ونادته جدي , رغم أنه ليس متزوجا , ولكنه عشق اللقب من بين شفتيها وكبر وهرم وما زال أسيره ولذلك همس بصوت خفيض مواسٍ
_ إذن ما رأيك أن يكون الأمر مجرد كلام ولن يكون هناك أي زواج حتى تقرري أنت ذلك ...
رفع وجهها الباكي يمسح دموعها مبتسما
_ اتفقنا ؟
قالت من بين نحيبها
_ تعدني بذلك ؟
_ بالطبع أعدك ..
......................................
_ مالك هل أنت جاهز ؟
نفخ بملل فيما لا يزال متمددا على سريره ليجيب بصوت متكاسل
_ لا لست جاهزا لن أذهب ..
فتحت أمه باب غرفته لتطالعه بنظرات لوم ابتسم لها ببراءة فضحكت لتضعف أمامه , لا تستطيع سوى ذلك , منذ أعوام وهي تخشى أن يضيع , فكيف تلومه على أي شيء وهي تحمد الله في كل ثانية انه لا يزال معها
_ ألن تغير رأيك وتأتي ؟
سحب الغطاء على جسده مبتسما لخطواتها المقتربة لتعطيه قبلتها كما اعتاد
_ لا أمي لا رغبة لي بالخروج , أشعر بالصداع وارغب حقا بالنوم ..
_ هل أحضر لك أي شيء ؟
سألته بلهفة ليهز رأسه نافيا
_ فقط استمتعوا بوقتكم ..
تركته ليحظى بالنوم الذي يريده وخرجت من غرفته تغلق الباب خلفه , كلما خرجت لتتركه وحده تشعر بانقباضه في صدرها تخنقها , نظرت لصورته الكبيرة المعلقة على الحائط , وصور العائلة المنتهية بصورة أختها رحمها الله وابنتها روان رحمها الله كذلك , لقد اختفت تماما .. وأختها لم تتحمل الأمر لتموت فجأة بعد أيام بأزمة قلبية حادة ..
منذ ذلك اليوم والعائلة تعيش نكبة حقيقية , اختفاء روان كان ضربة صعبة للجميع يليها موت أختها , وبعدها غادر صهرها المدينة بأكملها ولم يعرفوا عنه شيئا من يومها , نظرت لروان بحسرة كانت طفلة جميلة .. جميلة جدا ...
علا صوت صفاء من خلفها
_ ها ماما هل مالك جاهز ؟
صفاء الابنة الكبرى لها تشبه مالك نوعا ما , بشعر بندقي اللون وعينين تماثلانه , ووجه أبيض مثلث الشكل و فم صغير مغر , كانت هي بدورها جميلة , لكنها لم تصل لجمال روان , دائما كانت تشعر بالغيرة من المقارنة بين جمال البنتين , و ها قد اختفت روان فأصبحت صفاء جميلة العائلة بلا منازع , لكنها مستعدة للتضحية بهذا اللقب على أن يعود الزمن للوراء فتعود روان وأختها ..
_ مالك سينام هيا بنا ..
تقدمتها صفاء بفستانها الطويل الأزرق اللون , لترى أن خصر ابنتها يزداد نحولا فتعبس بغير رضا ستوقفين نظامك الغذائي هذا يا صفاء , لقد ذبت تماما !
ابتسمت صفاء لأمها تفتح الباب وتنحني نفسها بحركة تمثيلية
_ تفضلي يا جميلة ..
خطت ناهد للخارج ضاحكة من مكر ابنتها مؤكدة
_ لن يفيدك لسانك المعسول ستتوقفين عنه .
اتجهت صفاء نحو سيارتها , تركب فيها وتستعد للانطلاق
_ ماما , زفافي اقترب ويجب أن يكون جسدي مثاليا .
نفخت ناهد بضيق
_ لا , هذا مرفوض تماما , لا مزيد من الأنظمة الغذائية .
_ يكفي ماما , دعينا اليوم نستمتع بالحفل المقام على شرف الأميرة روز ..
أخرجت ناهد هاتفها من حقيبتها الجلدية الفاخرة , لتكلم زوجها تؤكد عليه موافاتهم للحفل , فجمانة لن تمرر عدم حضورهم على خير , ولكنه بالطبع لن يغفل عن حضور حفل روز ابنة أخته السمجة الثقيلة الدم حد الاختناق ..
_ نيمار سيحضر أيضا ..
رفعت ناهد حاجبا لترد مستحسنة
_ سيكون من الجيد حضوره فجمانة لا تكف عن الشكوى أنه لا يقترب من العائلة .
أمالت صفاء شفتيها باستياء
_ بالطبع كانت تريدني لابنها الأحمق مهاب .
ضحكت ناهد رغما عنها
_ أعتقد أنه يخاف من اسمه !
شاركتها صفاء الضحكة بتواطؤ
_ مهاب يخاف حتى من النسمة إذا حركت رمشه !
_ ها هو نيمار ..
أشارت بفرح حين رأت سيارة نيمار متوقفة وبالقرب منها وقف شاب فارع الطول ويلبس تماما كما طلبت منه , بنطالا كحلي اللون مع قميص مماثل وربطة عنق باللون الأزرق المماثل للون ثوبها ودون جاكيت مع حذاء مناسب , حسنا ستصاب جمانة بأزمة قلبية حينما تراهما معا وبنفس الألوان ...
أوقفت سيارتها لتترجل منها مع أمها , وما أن رآهما حتى أقبل نحوهما , بوجهه الأبيض البشوش الدائري الشكل وعينيه الواسعتين , شكله يعطيه عمرا أقل من سنواته الخمس والثلاثين ..
استقبلها بابتسامة تخصها وحدها , تبلغها بأنها أجمل النساء ..
_ حبيبي ..
تقبلت يده التي التفت حول خصرها بفرح لتقبل خده بلطف بينما يمناه تصافح والدتها ليدخلوا معا نحو الصالة تضحك بنعومة على شيء همسه في أذنها جعلها تحمر خجلا , ووالدتها خلفهما تقرأ في قلبها المعوذات عليهما وخاصة لترد عين جمانة فهي لا تطيقهما أبدا ..
تركتهما ليستمتعا بالحفل وتوجهت لحيث جمانة حتى تقف معها آخر ما تريده نقاش حاد بعد الحفل تتهمها فيه بالتقصير ..
بحثت صفاء بعينيها عن روز ولكنها لم ترها
_أيعقل أن روز ماتت !
قالت ذلك بسخرية ليضحك نيمار , بينما سحي كأسين من العصير له ولها
_ لماذا لأن عمرها انتهى أم لأنك تريدين ذلك ..
هزت كتفها الرقيق وهي تأخذ مشروبها منه
_ لا بل ليلغى هذا الحفل السخيف لأني لن أحتمل سماجتها ..
وما أن أنهت كلامها حتى ظهرت المذكورة تدخل من الباب بينما ركضت عمتها جمانة تستقبلها بتكلف واضح جعلها تكشر , وهي تراها تشمخ برأسها عاليا فهمست لنيمار
_ مسكينة أخشى أن يطير رأسها ..
كبت ضحكته بيده , و روز تدخل القاعة بثوبها الفيروزي القصير الذي يلامس ركبتيها بالكاد ودون أكمام والكثير من الكريستالات اللامعة على صدره , وزينة وجه صارخة تماما كما توقعت صفاء , كانت تراقبها بملل واضح وكأنها تفكر بالقدرة العجيبة التي ستبذلها لتجاملها!
_ هل أخبرتك كم أنت جميلة صوفي ..
تنبهت له وأبعدت روز عن فكرا لتدير جسدها نحوه تعطيه كامل انتباهها
_ لا لم تقل وهذا إهمال وتقصير ومشاعري مجروحة ..
اقترب منها حتى همس بالقرب من أذنها بصوت أجش حسي
_ وما الذي يرضي مشاعر صوفي الأميرة ..
احمرت خجلا وعضت شفتها فأمسك يدها بينما عاد ليهمس من جديد
_ اتركي شفتك أنا كفيل بها لاحقا ..
..
ضحكت بنعومة لتطرق برأسها هامسة
_ لن أقول لك تأدب فذاك أمر مفقود الأمل فيه ..
وبذات الصوت قال بمكر يرفع حاجبا واحدا
_ أمر جيد اقتناعك بذلك ..
ابتعدت عنه خطوة وقد اقترب كثيرا وجذب الأنظار لهما , وبحثت عن روز حتى يباركا لها ويتخلصا من هذا الحمل الكبير وبعدها يمكنها الانصراف فلا بد أن أمها ستعود مع والدها ..
وما أن وجدتها حتى أشارت له فأخرج من جيبه علبة مخملية وأعطاها لها وتقدما نحوها بينما الصداع بدأ يعزف في رأسيهما من الأغاني الصارخة والصوت المرتفع جدا في الواقع ..
اقتربت منها تجبر نفسها على الابتسام بينما بدا نيمار مستمتع بما يحصل هنا , صافحتها مجبرة مع الكثير من القبل التي ترافق هذه العادة السيئة
_ كل عام وأنت بخير روز , عيد ميلاد سعيد ..
ووضعت هديتها على طاولة بالقرب منهما لترد روز
_ شكرا لك صفصف ..
اتسعت ابتسامة صفاء المجاملة لتقول من بين أسنانها محاولة إظهار المرح
_ لا أحب هذا اللقب ومتأكدة من كونك نسيت الأمر ..
ضحكت روز بميوعة
_ أجل نسيت ..
التزم نيمار بالصمت بعد أن تمتم بكلمات مجاملة لها حتى تلتقط الكاميرا الصور لهم , فلم تقاوم روز نفسها أكثر وعصرت على أنفها ليمونة بالغة الحموضة كما يقولون وسالت تتظاهر بعدم الاهتمام
_ أين مالك , لا أره ..
وجدتها صفاء فرصة للتشفي فقالت ضاحكة
_ فضل مالك النوم على حضور الحفل تخيلي ذلك يا للرجال ..
وتركتها لتبتعد مع نيمار الذي قال ضاحكا بمرح _ لقد تم القصف بنجاح .
فشمخت برأسها عليا سعيدة بانتصارها بينما تركت خلفها تلك تبتلع غصتها مرغمة على الابتسام تجامل من يكلمها وقلبها يكاد ينزف , لقد قتلت تلك الكلمات قلبها وبنجاح , وضعت آمالا كبيرة على هذه الحفلة أرادت شد مالك لها , خاصة مع اقتراب ميرا الشديد منه , لقد وعدها , قال أنه سيأتي فكيف قدر على النوم بينما هي تنتظر أن يدخل في أي لحظة ..
دارت غصتها بنجاح , إلا أن عينيها الراقصة اغتمت ولم تنجح كل محاولتها لإعادتهما مرة أخرى للمرح فلم يعد هناك سبب لذلك حتى الحفل الضخم بهت وأصبح لا معنى له ..
كل هذا كان من أجله وهو يفضل النوم على عيد ميلادها , يفضل النوم عليها ,هل من إهانة أكبر ؟؟
في تلك اللحظة دخل عمها مروان من باب القاعة , فتحرك أمل خفي داخلها واندفعت نحوه تتعلق برقبته مرحبة به تعبر عن شوقها له لطالما كانت مدللته ويحب شقاوتها على عكس هدوء صفاء كانت هي حيوية جدا ..
وعاشقة جدا جدا جدا ..
_ عمي اشتقت لك لم أرك منذ وقت طويل ..
ضمها لصدره بينما بدوره أخرج هديتها بعد أن رافقه رجل يحمل العشرات من البالونات التي أطلقها داخلا فقفزت تصفق فرحا والكل يضحك لطفوليتها و غنجها ودلالها بينما صفاء زفرت بملل من سخفها ..
ولكنها أبعدتها عن فكرها بكل سخافتها مركزة مع كلام نيمار ..
....................
دخلت غنجة الخيمة الخاصة بهم قبيل منتصف الليل بقليل عابسة الوجه وما أن رأت خالتها حتى هتفت بقهر
_ ذلك السخيف لمك متى سأتخلص منه وكيف ؟
قابلتها غالية كذلك بثورة غاضبة
_ أين كنت حتى هذا الوقت يا بنت ؟
أطرقت غنجة معترفة بخطئها مخفضة نبرة صوتها
_كنت أتمشى في الخارج خالتي آسفة لأني أثرت قلقك ..
نفخت غالية بغضب محتفظة بعبوسها لتسحبها من يدها نحو المجلس وتجلسها أرضا بالقوة بينما غنجة لا زالت على غضبها إنما بصمت احترما لخالتها التي سألت
_ ما الذي أراده الشيخ رجب .
حينها انتفضت غنجة تشير بيدها على نفسها بصوت عال
_ يريد إعلان خطبتي على السخيف لمك تخيلي ذلك خالتي , تخيلي , أنا يعلنون خطبتي وكأن لا قيمة لرأيي ..
توترت غالية من ملامح الثورة والتمرد البادية على وجهها , ربما بعد كل ذلك لم يكن من الحكمة أن يظلوا في المدينة !وسالت بقلق
_ وما الذي كان ردك ..
انحنت كتفي غنجة باستسلام فزفرت غالية براحة من فورها فذاك يبدوا مبشرا بالخير
_ لم يقبل الجدل لكن على الأقل خالتي اقتنع أن يبقى الأمر مجرد كلام حتى أقرر أنا الخطوة القادمة ..
سكتت لبرهة وعادت لتنظر لها بثورة وعينين متقدتين
_ وتلك الخطوة لن تكون أبدا الزواج من ذاك المغفل حبيب راميا ..
_ غنجة اصمتي حالا ..
زجرتها خالتها حالا تمنعها من متابعة كلامها لكنها أكملت حانقة
_ ولماذا أصمت الجميع يعرف تلك القصة ..
غنجة قلت لك كفى واذهبي للنوم ..
هدرت بها غالية مجددا تشير بيدها نحو قسم النوم بحزم أدركت معه غنجة أنها تجاوزت الحد فنهضت تخفي ما في قلبها من قهر ولكن غالية أمسكت ذراعها بقوة حتى تألمت حقا مطلقة صرخة خافتة وهي تسمع تقريع غالية
_ والله لو سمعت ذاك الكلام منك مرة أخرى يا غنجة لن يحصل ما يرضيك ..
سألتها بقهر
_ وهل ما يحدث يرضيك خالتي حتى يرضيني ..
لكن غالية لم تتأثر بالدموع متمسكة بموقفها
_ وحتى لو لم يكن يرضيك لا يعطيك الحق بإيذاء راميا بالكلام ..
أطرقت غنجة رأسها معترفة سرا بصواب كلام غالية لكنها لم تكن لتسحب كلامها أبدا وغالية تعرف ذلك , فتركت ذراعها لتفر نحو المنامة تتخلص من فستانها السخيف بسرعة بينما عادت للبنطال القصير وتلك القطعة الخفيفة التي تضعها وتسمى كنزة .. ورمت نفسها مكانها غاضبة حانقة تقذف لمك بكل أنواع السباب الذي يخطر في بالها وكأنه سبب مشاكل الكون كله ..
بينما هو كذلك يكاد يجن منها ومن غرورها وغنجها وكأن اسمها عليها فهي تحمل غنج الكون بأكمله , غنج يثير سخطه عليها وعدم تقبله لها حتى يبتلي الآن بهذه الخطبة , وافق فقط من أجل سمعة القبيلة يكفي ما حصل مع بدور , أن تخرج غنجة أمر غير مقبول تماما مع أن الجميع متأكد من كون خروجها أمر مستحيل , فهي حمائية عن القبيلة مندفعة لهم بشكل كبير وأول من ثارت ضد بدور وكما يصعب على أي كان استمالتها أو محاولة جرها لما ليست مقتنعة به فالشيخ رجب بكل مقامه وبالكاد تمكن من إخماد ثورتها ..
رأى كنج يدور في المكان فابتسم للكلب الذي لا يفارقها مستغربا وجوده هنا في هذا الوقت لا بد أن خرج من خيمتهم ليحصل على نزهة ليلية لا يرغب بالنوم ..
نفخ بتعب من المهمة التي تنتظره لا يعرف حقا كيف يعالجها ولا كيف يتصرف لكنه ترك الأمور على حالها فلا رغبة له بالتفكير ..
وفي النهاية قد تكون فترة قصيرة ويتخلص من عبئها فهذه الفتاة آخر من يفكر يوما بالارتباط بها ..
هذا لو فكر ......
...........................
تقلب مالك بعد أن أنهى صلاة الفجر غير قادر على النوم , يشعر بالحيرة والتشتت ولا يعرف سببا للحالة التي هو فيها الآن ..
ربما حقا السبب تلك الفتاة لقد أثارت انتباهه ..
ميرا ..
هادئة جميلة ناعمة , شعر برغبة للتقرب منها وحصل , منحته الفرصة التي أرادها حتى تعلقت به كما يبدو له , ومع ذلك ورغم أنها تعجبه إلا أن هناك شيء غير مفهوم بالنسبة له , فليست تشده للدرجة التي تكون فيها زوجته .
زفر بتعب , وهاتفه لا يتوقف عن الرنين منذ ساعات والآن ما الذي سيفعله مع روز , إن كان هناك شيء ما مستحيل فهو أن يفكر بالارتباط بها يوما ..
ولكنها مع ذلك تتصرف على هذا الأساس تحاول التقرب بشتى الطرق وهو يلاحظ ذلك لكنه يتظاهر بعدم المبالاة علها تفهم لوحدها ولكن لا أمل ..
أنهى الأمر بأن أقفل خطه تماما ليتخلص من إزعاجها وعلى هذا أن يكون ردا كافيا على محاولاتها ..
وعاد ليتساءل بالحيرة , ما الذي يجعله لا يحب ميرا ؟
محجبة , رقيقة , ناعمة تشبه الحمام , ولا يصدر عنها تصرف واضح خاطئ , مثقفة وواعية و بمئة رجل كذلك ..
فما الذي يمنع ؟
استلقى على السرير يغمض عينيه عله يحصل على النوم وليترك للغد ما له ..
و بالفعل غفت عينيه غير عالم بالجدال الواقع بين أمه و أبيه ..
فها هو مروان يفكر حقا بما لا يفكر به ابنه لا من قريب ولا من بعيد وناهد العالمة برغبة ابنها ترفض بإصرار أثار غيظ مروان الذي لا يفهم أين الخطأ برغبته إعلان ارتباط ابنه بابنة أخته المفضلة لديه فهتفت من قلة فهمه و عدم رؤيته للأمور بوضوح
_ ابنك لم يحضر الحفل ألم تلاحظ ذلك !
قطب محاولا تذكر الأمر وحين فشل رفع حاجبه متسائلا
_ حسنا وما معنى ذلك ..
ضربت جبينها تدير جسدها بأكمله نحوه
_ معناه يا حبيبي أن مالك لا يرغب بأي شيء يربطه بروز فلو كان مهتما لحضر حفل اليوم وأنت تعلم أنها أصرت على دعوته بنفسها ..
قال باستغراب وكأن هذا ما يعنيه
_ أحقا لم يحضر مالك !
نفخت بملل
_ حبيبي وكيف ستعرف والقردة تعلقت بك طوال الوقت تاركة والديها .
قرص خدها بحب يلومها
_ لا تقولي عن روز قردة إنها طفلة مثيرة للبهجة .
وكل ما فعلته هو أن ابتسمت له مجاملة بينما استند على السرير واضعا كفيه خلف رأسه
_ إذن الأمر كذلك .
أكدت له وهي تقترب لتضع رأسها على صدره مكانها المفضل علها تعود للنوم وقد ملت الحديث الدائم عن جمانة وابنتها
_ نعم حبيبي الأمر كذلك ..
رفع رأسها عن صدره هاتفا
_ هيه أنت لا تفكرين بالنوم أليس كذلك لقد نمت عقب عودتك من الحفل مباشرة .
لكنها حقا لم تكن تفكر بل كانت تسعى وجفنيها مغمضتان باستسلام لذيذ لدرجة أنها لم تقوى على الرد حتى ابتسامتها لم تكتمل لتغفو بين يديه تتركه لبؤسه الحالي يهمس حانقا من نفسه على الوقت الثمين الذي كانت صاحية فيه وأضاعه بالحديث عن مالك ورز ..
أعادها لصدره يهمس بخذلان
_ نامي حبيبتي نامي واتركي المسكين لأحلامه ..
و رغما عنه أزعج نومها يسرق من شفتيها قبلة تصبره لينام بدوره سعيدا بهمهمتها الراضية المبتسمة ..
...................
لم يعرف لما يشعر و كأن الصباح بدا باهتا هذا اليوم رغم كونه الوقت المفضل بالنسبة له , نفخ بملل بعد أن أنهى تدريباته الصباحية , تاركا جزئه العلوي عاريا كما اعتاد فكانت قطرات العرق من المجهود الذي بذله تتساقط تباعا تزيد سمرته لمعة وتلك السلاسل لا تفارق عنقه أبدا , أو بالأصح سلسلة بعينها لا تفارقه ولكنه يتركها لتضيع بين البقية , وحدها تلك المغناجة من تتجرأ على طلبها منه باستمرار و كأنها تعلم !
زفر بتعب متجها لغرفته الجاهزة التي حصل عليها مؤخرا , غرفة كاملة بسطح قرميدي أحمر لامع مجهزة من الداخل بكل ما يحتاجه المرء , كلفته ثروة صغيرة لكنها تستحق , فالاستقرار هنا سيكلفهم الكثير على ما يبدو , ذلك من أجلها هي !
_ هلا توقفت عن استعراض جسدك وجهزت نفسك لترافقني ؟
كان ذلك الصوت الحاد الغاضب صوتها وعندا بها ارتمى بقوة على الأرض مستندا على يد واحدة ليبدأ تمارين الضغط المتعبة قائلا ببرود
_ إن كنت مستعجلة ابدئي العد ولا تخطئي حتى لا نعيد من البداية .
بينما جسده يرتفع و ينخفض بقوة و كأنه لا يقوم بأي مجهود على الإطلاق .
هتفت بحنق منه و من تصرفاته
_ هيا لمك ستؤخرني و أنت تعلم أنه اليوم الذي أدفع فيه التكاليف و أنهي التسجيل..
ابتسم دون مرح متابعا تمرينه يذكرها
_ لم تبدئي العد وأنت من تؤخرينا , أما تلك التكاليف التي ستدفعينها فهي من الشيخ رجب ومن تعب قبيلة كاملة بينما تتسكعين هنا وهناك بكل غرور .
صرخت بغضب
_ لا شأن لك من يدفع تكاليفي ولن أهتم برأيك ولا بكلامك ولن أعد هيا انهض .
وبالفعل نهض إنما غضبا منها ومن تكبرها , وبقوة لم تتوقعها لوى ذراعها خلف ظهرها لتطلق آهة متألمة تطالبه بتك ذراعها
_ اسمعي غنجة وافهمي جيدا ..
وبالفعل هدأت ما أن لمست التهديد في صوته بينما صوته المنخفض المتسلط يضرب أذنيها
_ دراستك في الجامعة لن تكون على حساب باقي الفتيات هنا هل تفهمين ..
هزت رأسها بلا , لا تعي شيئا مما تقوله ليكمل بابتسامة خطيرة
_ الأمر ببساطة , ستشاركين بالمهرجانات التي ستقام بهذه المدينة وستكونين كبقية الغجر ..
اقترب من أذنها هامسا يزيد الضغط على يدها عندما لمح بوادر الرفض والثورة في عينيها
_ أنت غجرية غنجة , رفضك للواقع لا يلغيه , وعليه إما جامعتك وإما المشاركة كالجميع ..
هتفت بقوة ما أن تخلصت من الخوف اللحظي الذي بثه صوته فيها
_ لن تستطيع إجباري , جدي لن يسمح لك ..
وكان رده أن أطلق سراحها لتبتعد عدة خطوات من دفعته لها متكلما بغرور
_ جربي إذن كلامي حين أعرض الأمر على المجلس ..
_ لن تجرؤ .
همست باختناق من كلماته الواثقة لتقف بالكاد تجرؤ على تخيل نفسها تخضع للمجلس .. وهمست بصوت ضعيف تغير مجرى الحديث
_ لمك لا أريد التأخر .
نظر لها بتدقيق , ملابسها باتت أكثر ما يزعجه ولكنه حقا لا يملك السلطة الفعلية ليغيرها , ذات الملابس التي لا تملها صيفا كان أو شتاء وها هي اليوم ببنطال قصير حتى الركبة ضيق على جسدها , تعلوه كنزة واسعة القبة وطويلة تكاد تصل لركبتها كذلك بشكل مائل , باللون الزيتي الغامق وتحتها بند عريض يخفي يغطي صدرها وجزء من كتفيها باللون الأخضر الهادئ جدا بينما حذائها أرضي بذات اللون الأخضر ..
ابتسم بسخرية
_ ألا تخجلين من شكلك ..
لم تكن قد خرجت بعد من صدمة تهديده لها بالمجلس لتهمس تعطيه ظهرها مبتعدة عدة خطوات عنه
_ لا تعترض كذلك على ما يجعلني أشعر بالهدوء ولو جزئيا ..
لكنه لحقها ليستوقفها مجددا يسألها محاولا التفهم
_ أخبريني لما تفعلين ذلك بنفسك ..
ابتسمت ببؤس و غامت عينيها لترد بصوت مرتجف
_ تائهة يا لمك لا أعرف أن أكون غجرية ولا أجرؤ إطلاقا على الابتعاد ..
صمت لمك ينظر لعينيها , لن يتظاهر بعدم الفهم فهو كان واعيا تماما للطفلة التي جاءت مع غالية يوما ما لتكون منهم , لكنه كغيره لن يفتح الصفحات القديمة , كل الذنب يفع على غالية , هي التي لم تعرف ما الذي تزرعه فيها , إحساسها بالذنب جعلها تنشئها كحضرية ورغبتها في الاحتفاظ بها جعلها تحولها لغجرية حتى تاهت مع الصبا فلم تعرف أيهما تكون وها هي النتيجة أمامه ..
_ إذن ألن تغيري ثيابك ؟
سألها بمكر فهزت رأسها تنفي وحين فتح فمه مجددا قالت له بعبوس
_ أجرؤ واعترض عند المجلس وسأقتلك قبل أن أنفذ قرارهم ..
وابتعدت تلاحقها ضحكاته المجلجلة خلفها , مطلقة أنواع السباب عليه تهمس بسخط ( إذا كنت تريد خدمة من .. قل له يا سيدي )
جاءها صوت ضاحك من خلفها
_ تتكلمين مع نفسك كالمجانين غيشا ..
نفخت بغضب تستدير نحوه بكل قوتها ترفع سبابتها محذرة باتجاهه
_ اسمع يا ثقيل الدم , يا غليظ يا تافه يا منحط ..
قاطعها مقهقها
_مستواك اللفظي يزداد تدنيا ..
لكنها لم تأبه له تصرخ مجددا
_ لا أعرف من الأحمق الذي علمك لفظ الغيشا ولكن إذا قلته مجددا لي فسأقص لك لسانك الوسخ , اذهب لزوجتك فهي الأحق بتحمل بشاعتك وقذارتك ..
انتبهت لوجهه الذي احمر بغضب بينما كان يسعى ليتقدم خطوة نحوها ملامحه تنذر بالشر في اللحظة التي ظهر فيها لمك فقالت بصوت مرتفع
_ هيا لمك ..
اقترب لمك منهما غير منتبه للوضع الذي كان بينما تمكن مكسيم من السيطرة على نفسه بقوة ليرسم ابتسامة سمجة على فمه وكم تمنت ضربه في تلك اللحظة
_ كيف حالك مكسيم , على غير العادة تبدو مستيقظا باكرا ..
تمطى مكسيم بوقاحة
_ الزواج متعة كيف تريدني أن أنام ..
حافظ لمك على ملامح وجهه كما هي بينما أراد وبشدة قتله !
لكنه تجاهله تماما يشير لغنجة بالتقدم بيده ليتركاه خلفهما مبتعدان ..
وبقي يشيعهما بنظراته حتى اختفيا تماما ..
بينما ظهرت على ثغره ابتسامة مرعبة مليئة بالشر , فلا زال مصرا أن غنجة كان يجب أن تكون له , ملكه فقط , ولكنها بغرورها الأحمق رفضت , يقسم دائما يوما ما سيكسر هذا الغرور , و بأكثر الطرق قسوة ولتفعل ما تريد تلك الخائبة , ستكون له ولو رغما عنها ..
وعاد لخيمته , يذكر نفسه أنه كذلك سيشتري غرفة كلمك لا لشيء , فقط ليثبت له أنه ليس بأفضل منه , قطب حاجبيه مفكرا ( لماذا ذهبت غنجة مع لمك )
دخل المكان لتداعب أنفه رائحة العطر الزكية فكشر ليس سوءا منها إنما لتذكره صاحبتها , كانت تنهي لبس ثيابها على ما يبدو مستعدة للخروج فاقترب منها ليسحبها من خصرها نحوه يلصقها به
_ إلى أين ..
ابتلعت ريقها تهمس _ كرمى لله مكسيم اتركني الآن ..
لكنه شد قبضته على خصرها حتى تأوهت متسائلا بوقاحة
_ وإن كنت أريد تكرار متعة الأمس ..
تحشرج صوتها لتجيب بخوف
_ لا أقدر أرجوك ..
غرس أصابعه أكثر عمقا في خصرها بينما كتمت رغما عنها صرخة الألم
_ فقط أرجوك ؟
وبخضوع للتخلص من الألم
_ أرجوك سيدي ..
ارتخت أصابعه قليلا يقبل عنقها بتمهل ليتركها واقفة مكانها ورمى جسده على مكان نومه بينما بقيت واقفة مكانها لا تجرؤ على الحراك ..
حتى أنفاسها قد حبستها رعبا حتى قرر أنه لا مزاج له
_ اغربي عن وجهي لكن ابقي في الجوار ..
استدارت بسرعة لتخرج قبل أن تختنق , تحتاج للراحة لم تعد قادرة على الاحتمال وما أن اقتربت من الخروج حتى هدر بها
_ ولا تعودي دون أخبار عنها , هل فهمت ؟
_ حاضر .
كانت الكلمة اليتيمة التي همست بها لتخرج من المكان تلقي لعناتها عليه وعلى الساعة التي تقرر فيها زواجها منه .
نهاية الفصل الأول
................................

شببت غجريةWhere stories live. Discover now