الفصل التاسع

1.9K 52 0
                                    

الفصل التاسع
.......................
*ما هذا .. كنج من فعل هذا بك ...
لم تقدر حتى على الانحناء مقتربة منه حين سمعت صوت روز تنادي , متأكدة أنه صوت روز ولكن لا يزال الوقت مبكرا جدا ..
فتحت فمها لترد لكنها لم تقدر بينما قوة غريبة أطبقت على فمها وقيدت حركة جسدها وبعدها لم تشعر بشيء ..
وروز لا زالت تنادي اسمها بمرح , مقتربة من المكان الذي أرسلها الشيخ نحوه , ولكن ما أثار حنقها أن غنجة لا ترد
*أين أنت ردي عليّ ..
وصلت للمكان ذاته الذي كانت تقف فيه غنجة لتراها تجلس متكئة على الصخرة تغرق وجهها بين ركبتيها ..وكلبها قربها ..
فتحت فمها لتصرخ , فما تراه الآن ليس جيدا أبدا ومن الواضح أن غنجة لا تسمعها أصلا ..
وقبل أن تصرخ , تلقت على رأسها ضربة جعلتها تقع أرضا تغيب عن الوجود..
وقف مكسيم قربهما ليبصق من فمه عودا وضعه بين أسنانه , مبتسما بشر يهمس بتكشيرة
*لا بأس زيادة في العدد .. زيادة في المتعة ..
ونقلهما ببساطة نحو سيارة استأجرها لهذا الغرض , يرميهما على المقعد الخلفي ليعود ويترك رسالة كتب عليها ضاحكا
*لا تقلق عليهما ..
وبصق مجددا على الكلب الميت شامتا به لطالما أحس أن كنج لا يحبه ..
وترك المكان مغادرا بانتصار ..
وحان وقت دفع الثمن ...
.................
الفصل التاسع ..
عاد مالك مع لمك إلى مكان تجمع الرجال في خيمة الشيخ رجب , ما أن رأت صفاء مالك حتى ركضت نحوه ترمي نفسها على صدره
*خذني من هنا مالك دعنا نغادر ..
لم يعرف مالك بم يرد , بينما لمك تركه متجها للشيخ رجب يمد يده بالورقة هامسا بشيء ما في أذن ديسم .. الذي تغيرت ملامحه على الفور ..
أشار مالك لنيمار أن يبعد صفاء عنه , فجاء وأمسك يدها مبتسما
*دعينا نفهم ما الذي حصل ..
واقترب من مالك بملامحه المصفرة المكفهرة ليسأل بتوجس
*ماذا حصل ..
ودون مواربة أجاب مالك بغضب
*أحدهم خطف روز ..
شهقت صفاء بينما عم الصمت المكان حين دخلت غالية تصرخ في وجه لمك
*أين صغيرتي لما لم تعد معك ..
توقفت أنفاس الجميع والكل ينظر نحو لمك الذي قال باستسلام
*اختفت غنجة والفتاة الثانية ..
صرخت صفاء بأعلى صوتها , لتفقد بعدها وعيها بين يدي نيمار الذي حملها نحو سيارته يتبعه مالك ..
مددها على المقعد الخلفي برفق وتركها مغيبة ربما كان ذلك افضل لها , واتجه نحو مالك الذي كان يقف وكفيه على خصره ينظر حوله بغضب ويأس
*ما الذي حصل ؟..
هز مالك كتفيه ليضرب هيكل السيارة بغضب هادرا
*قلت لكم إنها أغبى رحلة نقوم بها , لم نجد تلك المدعوة غنجة وروز لا أثر لها وهاتفها مرمي على الأرض والأسوأ من ذلك , كلب مقتول بطريقة مقرفة ..
حاول نيمار أن يستوعب كل هذا ليسأل بعجب
*وماذا فيها قصة الكلب ..
نفخ مالك مستهزئا
*ذلك يعني بالنسبة لهم أن كارثة على وشك الحلول ..
هز نيمار رأسه لا يصدق مصير يومهم المنتظر ليقول متذكرا
*مهاب هرب  من البلاد وعمك يريد الكل مجتمعا .. كيف سنعود ..
التفت مالك برأسه نحوه ببطء غير مستوعب لما قاله
*ما الذي تقوله !
نفخ نيمار بتعب ليتجه نحو صفاء بعد أن أحضر زجاجة عطر من صندوق سيارته الصغير ليحاول إفاقتها
*كما سمعت هرب مهاب ..
استقام بعد أن كان قد انحنى ليردف هو الآخر باستهزاء
*وإليك الخبر الأجمل في الموضوع , فمهاب ابن عمك الفاضل ورط روز و صديقتها معه والشرطة تريدهما ...
شد مالك شعره غاضبا وقبل أن ينطق بحرف هدر لمك من خلفه
*كنت أعلم أن الأمر سينتهي على هذا الشكل والآن أين سنبحث عنهما مع مكسيم المريض أم مع العصابات ! ..
التفت مالك له يشعر نحوه بكره كبير لا سبب له
*ليتنا لم نحضر ..
همسها بغل ليهدر عاصفا
*لا أهتم أين نبحث عنها أريد روز لأعود بها ..
هدر لمك مثله
*وأنا أريد غنجة ومعك حق ليتكم ذهبتم للجحيم ولم تحضروا ..
انقض عليه مالك ليضربه بقبضته على فكه , ضربة لم ينتظر لمك سوى لحظات حتى يردها ..
لكن نيمار المراقب للمعركة لم يسمح لهما بالتمادي هادرا بكلاهما
*توقفا وفكرا أن من أخذهما ربما أخذهما معا ..
ترك لمك قميص مالك مبتعدا عنه ليمسح فمه من الدم النازف ومالك ابتعد ليأخذه نيمار إليه لكنه لم يسمح له ليقف على مقربة ليتساءل نيمار
*والآن كيف سنجدهما ..
هز لمك رأسه كارها
*الشيخ رجب يريدكم فقد أخبرته عن تورط غنجة معكم ..
اتسعت عيني مالك ليسأل بشك
*أي تورط الذي تقصده ؟
التوت شفتي لمك ليشرح
*تورطها مع تلك الغبية روز التي أقنعتها أن تذهب للشرطة كي تبلغ عن عصابة لا شأن لها بالتعامل معهم !
حل الصمت على الجميع بمن فيهم صفاء التي أفاقت على صوت الشجار , تنظر لهم باستنكار .. روز ابنة عمها التي طالما شعرت نحوها .. بالكره ربما , تخفي خلف جنونها كل هذا ! كيف تمكنت من ذلك , بل وتورط فتاة أخرى معها ..
عادت تستلقي على المقعد بإعياء .. ما يحصل مجرد كابوس لا بد أن ينتهي ..
لا بد من ذلك ..
وكسر الصمت الذي حل نيمار المتسائل
*من خطفهما إذن ..
نظر كل من لمك ومالك لبعضهما بعجز وحقد
فالجواب أصعب .. لا يعرفانه ولم يخرجهم من نظراتهم المتبادلة سوى صوت بكاء صفاء العالي والخائف فهمس مالك
*عد بها للبيت أنا سأبقى هنا ..
ولم يناقشه نيمار ..
وانتظر لمك ومالك حتى ابتعدت السيارة , لينظر مالك نحوه
*سأبقى معك ولن أفارقك ولو لحظة ..
تنهد لمك دون أن ينظر له , رغم أنه رحب بالأمر فعلى ما يبدو هذا الشاب قوي ويحتاج له مع ديسم حتى يتمكن من إيجادهما , حتى ولو كان شبه متأكد أن مكسيم هو خلف كل ما يحصل ..
أوقف نيمار السيارة أمام منزل العم الكبير ينظر لصفاء التي ثبتت عينيها على الفراغ أمامها، والتزم كلاهما الصمت، حتى همست صفاء بخوف
*ماذا سنقول لهم!
تنهد نيمار، بينما عينيه تمسحان صفاء، يشكر الله أنها بخير، لا يعلم ما الذي كان من الممكن أن يحصل لو كانت هي من فقدوها، حتى تخيل الأمر يثير جنونه، مد يده ليبعد شعرها عن وجهها ويمسح دمعة شريدة متوقفة على خدها الشاحب، تابعت يده طريقها إلى كتفها فساعدها حتى وصل لكفها المرتعش ليشد عليه
*لا تقلقي سيجدونها وستكون بخير..
نظرت له، بشعور غريب بالذنب لم تشعره من قبل هامسة بحزن
*لطالما حاولت روز التقرب مني، لكني...
ابتلعت ريقها بصعوبة تكمل
*لكني كنت أبعدها...  والآن انظر...  إنها تلجأ لغريبة أضاعت نفسها وأضاعتها
شد أكثر على كفها البارد
*لا تلومي نفسك صفاء...
شهقت بالبكاء لتخفض رأسها منتحبة
*لكني لم اسمح لها بالاقتراب مني..
أخذ نفساً عميقاً واقترب منها ليلف ذراعه حول كتفيها يحاول تهدئتها
*لا بأس، اهدئي لندخل ونخبرهم..
رفعت رأسها جزعة، لتطالعه بعيون خائفة
*كيف سنخبرهم ذلك...
زفر نيمار زفرة طويلة ليبتعد عنها يفتح بابه لينزل
*انزلي، لندخل... وبعدها نرى ما يحدث..
ونزل ليغلق بابه ويتجه نحوها، ملاحظا انكماشها في مكانها، تخشى النزول، فتح الباب وسحب يدها يشجعها
هيا صفاء لا تخافي...
ونزلت معه بقلب وجل لتدخل البيت الكبير، لطالما كان الاجتماع فيه مخيفا كيف والآن هناك مصيبة...
لا بل مصيبة وكارثة..
مصيبة هرب مهاب..
وكارثة خطف روز..
فكيف ستدخل الآن لتخبرهم أن روز اختفت ومالك لم يعد ظل هناك حتى لا يتوه منه أي شيء قد يفعله الغجر...
دخلت روز مع نيمار من الباب تبحث بعينيها عن أمها وما أن رأتها حتى ركضت إليها باكية ترتمي في حضنها...
تركها نيمار، ليواجه وحده نظرات الكل المستغربة، لماذا تبكي صفاء، واتجهت لأمها...
نهضت جمانة من مكانها بقلب مكلوم وعيون منتفخة من البكاء
*أين روز، أين ابنتي هل هربت مع مهاب هي الأخرى...
ذهب مروان لها ليضمها مواسيا
*اهدئي جمانة، مهاب سيعود...
لكنها لم تهدأ لتسأل مرة أخرى بصوت أعلى وكأن قلبها يخبرها أنها ليست بخير
*أين روز...
ابتلع نيمار ريقه ليقترب من مروان هامسا
*عمي احتاجك معي قليلاً..
انتفض قلب مروان ليبتعد عن جمانة ، يلقي نظرة على صفاء الشاحبة لا يعجبه حالها ولا حال نيمار القلق..
وسار معه إلى حيث مجيد أخوه الكبير وعبد الله...
*اجلس عمي..
جلس مروان قربهم بينما هتفت جمانة
*ماذا هناك أين روز ومالك...
قطب مروان ليسأل أين مالك...
حينها لم يجد نيمار بدا من الكلام بكل ما حدث لتعلو شهقات صفاء وصراخ جمانة أرجاء المكان بينما رشيد زوج جمانة سكت تماما وكأن الصدمة ألجمت لسانه..
فما حصل يصعب استيعابه
.........
دخل لمك ومالك إلى الخيمة حيث تجمع رجال لم يلحظ مالك وجودهم عندما وصلوا , منظرهم يبدي شدتهم وقوتهم , ومنهم الشاب الذي وقف ما أن دخلا ليقول
*إنه مكسيم بالتأكيد يا لمك لقد اختفى تماما ..
هز لمك رأسه ليسأله مالك
*من هو مكسيم ..
أشار له لمك ليسكت بينما بدا على الشيخ رجب الضيق والانزعاج والتفكير العميق قبل أن يقول بحزم
*ادفنوا راميا لا يجوز أن نتركها ..
*وجب ..
أجاب أحدهم لينطلق مع بضعة رجال ليخرجوا من المجلس والواضح جدا أن أمر الشيخ أمر وجب تنفيذه ..
ونظر الشيخ شزرا نحو لمك
*جِد مكسيم ..
وقف لمك ومالك وقف مثله وديسم اقترب منهما ليسأل لمك بترقب
*وعندما نجده يا شيخ ؟
انتظر الجميع رد الشيخ الذي سكت لعدة لحظات قبل أن يحسم الموضوع
*تخلص منه ..
نظر الجميع للشيخ , فرغم كل شيء لا يمكن أن تخرق القوانين لمجرد أن مكسيم على قرابة به , لم يرد لمك , كانت نهاية مكسيم متوقعة على كل حال
*وجب شيخي ..
رد ديسم بقوة ليخرج من الخيمة يتبعه مجموعة من الرجال كي يخططوا للبحث عن أي خيط يقربهم من الوصول له , لطالما كان مكسيم وقحا ليس ذكيا ومتسرعا , وقف لمك في مكانه بينما المجلس ينفض ينظر للشيخ رجب بتركيز ..
لم يقطع نظراتهما التي أغنت كلاهما عن الكثير من الكلام
*هل مكسيم هذا من الممكن أن يؤذي روز ..
سكت لمك عن الإجابة لكن الشيخ رجب أجاب عنه بقوة أثارت إعجاب لمك
*ليس غرضه إيذاء الفتاة , كانت غايته غنجة وسوء تدبيرنا هو ما أوصلنا إلى هنا , خطف قريبتك لم يكن سوى من سوء حظها ..
أصر مالك على السؤال
*هل من الممكن أن يؤذيها ؟
وأكد له الشيخ
*لا فقط لندعو ألا يصل سوء حظها لهذا الحد ..
نظر لمك نحو مالك يسأله بكره واضح من عينيه
*ما الذي جاء بكم ..
وقبل أن يجيب مالك قصف صوت الشيخ
*لمك ...
ونظر نحو مالك ليقول له
*تأكد أن ما حصل ليس معتادا عندنا .. ونعدك أن نعيد قريبتك في أسرع وقت ممكن ..
أحس مالك بالثقة في كلام الرجل الكهل على الأقل كان أكثر تقبلا لوجودهم من هذا الشاب المسمى لمك ..
لتدخل في تلك اللحظة عاصفة غاضبة تهتف غير مهتمة بأحد
*أين ابنتي يا شيخ... أين هي غنجة ..
*اهدئي ..
طالبها الشيخ رجب , لكنها التفتت للمك تلومه صارخة فيه
*أهذا وعدك لي بحمايتها .. أهذه هي فكرتك عن الأمانة ..
*لمك لا ذنب له ..
قال الشيخ لكنها لم تكن تسمعه مقتربة من لمك تضربه على صدره بكل قوتها
*أين أخذها المختل أعد لي ابنتي ..
وغلب البكاء على صوتها
*إنها ابنتي ..
وشهقت ترتمي على صدر لمك الذي لم ينطق بحرق واحد تاركا لها نفسه لتقول وتضرب كما تشاء
*إنها ابنتي يا لمك .. ابنتي ..
تدخل مالك وقد مل هذه العواطف وهذه المرأة التي تكرر ابنتي ابنتي وكأن أحدا سيجادلها في الأمر ..
*ألا يجدر بنا أن نرافق الرجال في البحث ..
أبعد لمك غالية عنه برفق ليرفع وجهها وينظر لتجاعيده التي تركها الزمن عليه
*خالتي , سأعيد غنجة أعدك ..
ومن بين دموعها قالت متوسلة
*ستعيدها بخير ..
ابتسم بعجز ولكنه أطلق الوعد
*أعدك ..
نظر مالك حوله , الكل بلباس خفيف يساعد على الحركة في هذا الحر , فتخلص من قميصه مثل لمك وتبعه حتى وصل إلى حيث الرجال , فأشار لهم أحدهم لطريق اتجه في ديسم , فاتجها به كذلك ..
حتى وصلا له ليجدا ديسم ينظر بتركيز في المكان بعد أن تخلصوا من الكلب الميت , وكأنه رأى ما لم يره لمك وابتسامة ديسم أكدت ذلك
*مكسيم معه سيارة , قفص الثعبان مفقود ولا أثر له من المؤكد أنه لم يبتعد ولن يبتعد , فأمثاله يحبون أن يبقى كل شيء تحت نظرهم ومن المؤكد أنه قريب حتى يتثنى له فرصة إثبات قوته علينا ..
اتسعت عيني مالك الذي لا يفهم ما يدور حوله ولكنه من المؤكد لن يتركهم ولو للحظة
*أي ثعبان هذا !
لم يرد أحد عليه بينما انحنى لمك على الأرض على موضع الأثار التي لاحظها ديسم ليقطب
*إنها ..
نظر لديسم بمفاجئة ليؤكد ديسم بغضب
*إنها سيارتك يا لمك لقد سرق شاحنتك ..
ضرب لمك الأرض بقبضته ومالك وقف يضع كفيه على خصره مقطبا بعدم فهم ..
لكن من المؤكد أنهم على الطريق لإيجاد الفتيات
.......

تقدم مناف من الغرفة التي وضعوا عائشة بها، لم تكن واعية، لكنها كانت تئن متألمة بينما يدها المغروس بها مصل الأدوية التي ستأخذها تباعا على مدار الساعات القادمة تتحرك دون وعي  وميرا قربها تثبتها برقة كي لا تؤذيها الإبرة..
نظرت له ميرا من بين دموعها الحزينة لما حدث
*لم تفق من البنج جيداً بعد...
هز رأسه متفهما، واقترب منها ليقف عند رأسها المتعرق، وأنينها يغز قلبه بسكين صدئ، مد يده يمسح وجهها برفق يتلو آيات الله عليها، لتخفف عنها مصابها..
دخلت ممرضة في تلك اللحظة تحمل كيس الأدوية مقتربة من ميرا التي تركت لها المجال لتأخذ مكانها وقالت بتلقائية
*حمداً لله على سلامتها ستكون بخير في عدة أيام...
ولم تنتظر الرد لتسحب الإبر وتفرغ ثلاثة منها في الأنبوب الصغير للمصل
*سترتاح الآن، عندما تصحو إذا احتجتم لي أنا موجودة...
شكرتها ميرا بلطف بينما هدأت حركات عائشة قليلا ويدها الطليقة بلا وعي امتدت لبطنها...
لتدمع عين مناف بقهر على حالها..  ليضم كفها بكفه...
وميرا لم تتحمل الموقف لتخرج من الغرفة تتركهما لوحدهما لتنفجر باكية..
رن هاتفها فجأة فانتفضت وقد نسيت أمره لتجد أن مازن يتصل بها فردت تمسح دموعها بكفها
*أهلا مازن...
وصله صوتها المهتز فسأل برقة
*كيف حالك...
ابتسمت رغم دموعها، فمازن يحاول جاهدا أن يجعلها تعتاد عليه وهي تشعر بذلك وسعيدة لذلك..
*بخير الحمد لله...
ليسأل عن حال عائشة ومناف وموعد خروجهم من المشفى.. دقائق فقط ليغلق يعدها أن يأتي خلال ساعة أو أقل...
فعادت لتدخل الغرفة..
عائشة هادئة تماماً  ومناف رمى جسده على أريكة واسعة موضوعة في الغرفة فهمست بقلق
*مازن... مازن كلمني وقال أنه سيأتي...
نظر لها مناف من بين جفونه ولم يعلق على الأمر، ليضع ذراعه على عينيه مغمضا متنهدا بأسى...
لم تعرف ميرا ما المفترض أن تفهمه الآن، لذلك جلست على كرسي قريب من سرير عائشة منتظرة أن يمر الوقت بهدوء...
وهذا ما كان فلم تشعر إلا بهاتفها يرن مجدداً..
انتفضت من مكانها ومناف استقام بسرعة، فقالت بارتباك وخوف
*مازن..  إنه مازن.. يتصل...
أومأ برأسه أن ترد، لتتسع عينيها هامسة..
*انه هنا...
مسح مناف وجهه بكفيه يزفر من عمق قلبه، لينهض من مكانه متجها للباب
*سألاقيه ، غطي شعر عائشة جيدا فهي ليست واعية لحركاتها...
وبالفعل قفزت عن الكرسي لتنفذ طلبه ، بينما وصلت لها همسة من عائشة
*أتألم...  يؤلمني...  أوقف الألم...
اقتربت ميرا تمسح على وجهها
*عائشة هل أنت صاحية...
لكن المغيبة تئن بكلمات غير مفهومة عن ألمها قبل أن ينتفض جسدها بأكمله لتميل تتقيأ سائلاً غريب اللون...
لتشهق ميرا بذعر لا تعرف ما الذي يجب عليها فعله.. فاندفعت للباب تصرخ
*فليأتي أحد إلى هنا...
وبالفعل جاءت الممرضة على وجه السرعة لتدخل مغلقة الباب خلفها بعد أن أخرجت ميرا ، نظرت لعائشة المتألمة مبتسمة بمهنية
*لا تقلقي أنت بخير، والآن سأساعدك على التخلص من ثوب المشفى...
لم تكن عائشة  قادرة على الرد والممرضة كانت من الكفاءة والمهارة بحيث ساعدتها على ارتداء العباءة التي أحضرتها ميرا معهم صباحاً..
فتحت الممرضة الباب لتدخل ميرا بسرعة ، وتجد عائشة قد عادت للسرير ، تفتح عينيها بأنين ضعيف متسائلة
*هل مناف بخير..
ابتسمت لها ميرا تشد على كفها وتمسح وجهها المتعرق البارد
*أنت من يجب أن يكون بخير...
*سأرسل من ينظف الغرفة..
قالت الممرضة ذلك ، بينما عادت لتعطي عائشة إبرة ثانية شارحة
*هذه ستخفف الألم لذلك سيكون من الأفضل أن تتركاها لترتاح..
وابتعدت بعد أن جمعت غطاء السرير الذي استبدلته مع لباس المشفى الخاص بالعمليات..
*لقد مر وقت لا بأس به..
مالت الممرضة على إذن عائشة لتهمس بأذنها بشيء ما هزت رأسها نافية ردا عليه لذلك استقامت
*سأرسل شراب ساخن لك حاولي ألا تتقيئي لأنه لو حدث ذلك مرةً أخرى لن يوقع الطبيب إذن خروجك اليوم..
وصل مناف مع مازن في تلك اللحظة فاستبد به القلق لكن ميرا طمأنته على الفور أن كل شيء بخير...
أمسك كف عائشة الشاحب
*حمداً لله على السلامة..
وانحنى ليقبل جبينها مبتسماً لها محاولا إخفاء حزنه
*هيا يا كسولة لا أطيق رؤيتك مريضة..
لم تتمكن عائشة من الرد او حتى الابتسامة بمجاملة عليه فربت على كفها يطمئنها أن كل شيء سيكون بخير..
ثم التفت لميرا
*مازن ينتظرك في الممر لقد أحضر لك شيئا لتأكليه فأنت لم تذوقي شيئاً منذ الصباح...
احمرت وجنتيها وارتبكت لتفرك كفيها ببعض فشجعها.
*هيا يا ميرا لا تدعيه ينتظر كثيرا..
هزت رأسها بنعم واتجهت للباب حين ناداها مجدداً ليطلب بحزم
*لا تبتعدا عن الممر..
أومأت موافقة وخرجت لتجده ينتظرها فاستقام واقفا عن الكرسي الذي كان يحلس عليه
*يااااه اعتقدت أنكِ لن تخرجي اليوم!
احمرت بخجل لذيذ لتطرق مخفية وجهها عنه دون أن ترد...
تعاملها معه كمدرس زميل كان أسهل ألف مرة من التعامل معه كخطيب!
ضحك برقة من خجلها ولم يعلق بشيء ليقول بتسامح
*تعالي واجلسي قربي...
تقدمت ببطء لتجلس على الكرسي قربه
*لطف منك أن تأتي..
ارتفع حاجبه مفكرا بأنه لم يكن يقصد اللطف أبدا ، كل ما أراده هو أن يراها وقد استغل الفرصة السانحة أمامه وها هي الآن تجلس معه خجلة..  ناعمة..  بشفتين موردتين من كثرة عضها عليهما..
وكم أرهقته تلك العضات العفوية وأزهقت أعصابه، بينما تتناول من يده عدة لقيمات من الوجبة التي أحضرها خصيصا لها...
ونجح في جرها لحديث طويل معه أنعشه وجعله يتمنى أن يتوقف الزمن هنا
...............
دار مالك في المكان الذي توقفوا به حائراً , لا يعرف ما الذي سيفعله هؤلاء الرجال؟
متوقفون هنا منذ ساعة تقريبا .. ولمك يجلس مكانه مقطبا بتفكير عميق , لقد ابتعدوا ما يقارب سير نهار عن مضاربهم ..
حينها لم يتحمل أكثر ليقترب منه سائلا بغضب مكتوم
*إلى متى نظل هنا لا نفعل شيئا ؟
نظر له لمك بطرف عينه , بحاجب مرتفع , ليغمضهما بصبر ينفخ بقوة
*حتى يعود ديسم ..
أجابه من بين شفتيه المطبقتين , ليسأل مالك ثانية
*وإلى أين ذهب ..
ليصرخ لمك بقلة صبر
*هلا سكتّ ! بربك هلا سكتّ قليلا وتركتني أفكر وبعدها ستعرف كل شيء ..
أراد مالك أن يجادل , لكن هذا الشاب لا يبدو بحال يقبل فيه أي جدل أو نقاش..
ابتعد عنه لمك بضعة خطوات قبل أن يلتفت له قائلا
*اسمع , سنسير طوال الليل تقريبا , فإذا أردت يمكنك أن ترتاح قليلا ..
نظر له مالك وكأنه ينظر لمعاق ذهنيا ..
هل حقاً يطلب منه الراحة !
كيف وهم حافة كارثة لا قرار لها ..
كيف يمكنه أن يكون بهذا البرود ..
لكن الابتعاد عنه أدعى للسلامة .. لكنه لم يبتعد كثيرا , يشعر بألم في ساقيه من المسير الطويل , لذلك تمدد على مقربة منه ليغطي عينيه بكفه ..
متسائلا في قرارة نفسه ..
هل لديه شيء من العلم في الغيب ! فقد كره المجيء إلى هنا بشدة وعارضه ولكن لم يعر أحد كلامه أي اهتمام ..
نفخ بتعب .. ترى ما الذي يجري .. لمَ أخذ روز وما الذي يريده منها ..
ومهاب ! هل حقا هرب !
*هل هو نائم ؟
سمع السؤال من صوت لم يكن صوت لمك بالتأكيد , بل صوت ذاك الضخم المسمى ديسم بالتأكيد ..
لكنه تظاهر بالنوم , ليسمع ما وراء سؤاله ...
*دعك منه وقل لي ما الذي عرفته ؟
زفر ديسم ليقول محبطا
*لقد حصل مكسيم على أحد الغرف الجاهزة ..
*كغرفتي !
صاح لمك مستنكرا ليؤكد ديسم
*بالضبط .. ولكن أنت تعلم أن مثلها يحتاج لرخصة في المدينة .. ومكسيم لم يحصل على أي رخصة ..
قطب لمك مستنتجا
*إذن هو هنا ..
ونظر حوله في المنطقة الواسعة من الغابة على أطراف المدينة
*في مكان ما !
همس ديسم ينظر مثله حوله ..
ليقطب بدوره مستفهما
*غنجة وأخذها لأنه مهووس بها , ما الذي يريده من روز ..
لكن لمك لم يرد على سؤاله بل قال بذهن مغيب..
*ماذا لو نشر مكسيم حقيقة غنجة .. كيف سنقنع تلك الفتاة بالصمت بل الأسوأ ! ما الذي سنقول لغنجة ذاتها ؟
صمت ديسم لبعض الوقت لينفخ بإحباط ..
*لا تقل ذلك , حينها ستندلع نار في حياتنا لن نقدر على إخمادها ..
قطب مالك يسمع ما يقولانه , دون أن يتحرك متظاهرا بالنوم حقا , ليقول ديسم منفعلا بصوت خفيض
*لا أعلم كيف وافق الشيخ رجب مع غالية على وجود غنجة بيننا ..
*كنا صغارا حتى يؤخذ رأينا يا ديسم ..
*معك حق ..
لم يفهم مالك ما يقصدانه , ولكن على ما يبدو هناك ألف سر خلف تلك الفتاة تجعلها غير مرغوبة بالنسبة له ..
*مالك ..
ناداه لمك بقوة لينهض من فوره ..
*سنبدأ المسير .. هيا ..
قفز مالك عن الأرض بحركة واحدة ولم يهتم حتى بنفض ثيابه
*أنا جاهز .. هل توصلتم لأي معلومات ؟
قال لمك بينما يحمل على ظهره حقيبة صغيرة ليتبعه مالك مع ديسم
*ما نعرفه أنه هنا لكن أين ..
نظر له مبتسما بمرارة
*لا نعلم ..
وأشار للرجال معه قائلا بقوة
*لننقسم إلى مجموعات ولتذهب كل مجموعة في اتجاه , ودعونا نبقى على اتصال..
بقي ديسم ومالك ورجلين آخرين مع لمك , بينما البقية انقسموا كل خمسة مع بعض لكي يغطوا بالبحث أكبر منطقة ممكنة من المساحة الواسعة ..
قال ديسم لمالك
*ابق نظرك يقظا لأي شيء تراه غريبا , هدفنا أولا أن نجد أثار سيارة وثانية أي شيء يدل على وجود غرفة مسبقة الصنع , لأنها ستكون غايتنا من المؤكد لن يأتي أحدهم للعيش هنا إلا لو كان متنسكا ..
قطب مالك يتمنى أن يطلب منه أن يتوقف عن الثرثرة ..
على الأقل لا يبدو البحث شبه مستحيلا ..
نظر حوله ليضيف محبطا بخيبة ..ليس كثيرا على الأقل !
وتبعهم يشقوا طريقهم بصمت يتقدمهم لمك بقوة , يقطع الأغصان المزعجة بكفيه بقوة مفرطة ..
.................
زفر مهاب محبطا .. لقد نجح وخرج من البلاد ..
*هيا تعال ..
نظر للشاب الذي يرافقه , ليتبعه بصمت رغما عنه .. فقد رمى نفسه بين يديه ..
سيعتقد الجميع أنه هرب من البلاد ..
لكنه لم يهرب .. كل ما في الأمر أنه تورط بما لا قدرة له على التعامل معه , فتم نفيه من قبل تلك المجموعة ليخرج من البلد فقد أصبح يشكل خطورة عليهم , ولكنه هنا ... لم يعد مهاب ابن المهندس المعروف ..
بل أصبح مجرد مرافق لأحد تجار المجموعة ..
ستار أحمق وقع به بسبب روز ..
بم كان يفكر حينما أقحم نفسه في هذا الأمر ..
أراد أن يبلغ القسم ليخرج من عش الدبابير بأقل الخسائر الممكنة . ..
ولكن ماذا حصل ..
لوى فكه باستياء .. لم يحصل شيء , سوى أن القسم ذاته , وصل له وأقنعه بالعمل كمخبر لصالحهم . . وها هو الآن ملزما بفعل ما يريدونه منه !
أي فوضى هذه التي هو بها ..
دخل  إلى مكان أشبه بقبو ..
نظر حوله بريبة , متخوفا .. ليشجع نفسه ساخرا
( كن رجلا يا مهاب ! )
*جرب هذا ..
ارتفع حاجبه ينظر للشاب الذي يرافقه , بينما يمد له يده ببعض البودرة البيضاء ..
لكنه قطب ليتابع مسيره برفض
*التاجر لا يغيب ذهنه ببضاعته ..
ضحك الشاب منه بينما يقرب تلك البودرة من أنفه  يشمها بقوة وبصوت مقزز جعل مهاب يتقزز , ليقول منتشيا بعد لحظات
*من يسمعك يقول ستصبح تاجرا أنت مجرد مرافق..
شتم مهاب بسره بينما أكمل الطريق حتى وهو لا يعرف وجهته !
*حتى ولو .. مجرد كوني مرافقا يجب أن أكون متيقظا لأكون عين معلمي ..
قال ذلك بثقة وعزم .. ليعلو صوت تصفيق من مكان ما ..
فالتفت بقوة بينما الشاب وقف مرتبكا ..
لم يفهم مهاب ما به لكنه سأل بصوت قوي
*من أنت يا هذا ؟
*أعجبتني .. أي والله أعجبتني ... ما اسمك ؟
عبس مهاب حتى التقى حاجبيه ليجيب بتردد , غير متأكد من هوية الرجل
*أنها مهاب زهر الدين .. من أنت ..
ابتسم الرجل الذي بدا شخصا وقورا , الأمر الذي استغربه مهاب ..
ما الذي يفعله رجل , له هيبته مثل هذا في مكان قذر مثل هذا المكان ..
اقترب منه ليدور حوله بتفحص , قبل أن يشير برأسه لأحد ما لا يعلم مهاب من أين خرج ..
*فتشه جيدا ..
تقدم شاب ما منه بسرعة ليفتشه بعشوائية غير مبال لاعتراضه ..حتى انتهى ليقول
*إنه آمن ..
أشار الرجل بيده ليتبعه فتحرك مهاب خلفه مستاء يحاول ترتيب ثيابه المبعثرة ..
لكنه توقف بعد بضعة خطوات , ليرى أن الشابان قد اختفيا ..
اكتسحه القلق , فأخفى ذلك , ليأخذ نفسا قويا ..
ويعود ويتبع الرجل ..
ابتلع ريقه بصعوبة , يجد نفسه يدخل بسراديب لن يعرف أبدا كيف يخرج منها لوحده لو أراد ..
وهو بالطبع لا يرغب في البقاء هنا ..
(أي جبان تظنني يا أبي )
همس ذلك في داخله بقهر وحسرة .. ( وأنت يا روز )
لكنه خرج من أفكاره على صوت الرجل يقول له
*أنا الرجل الذي ستكون عينه ..
اتسعت عينيه بغير تصديق .. هذا ..!!
هذا الرجل الوقور ... ذو الهيبة .. تاجر ممنوعات !
التوت شفتيه بابتسامة ساخرة , فعلى الدنيا السلام , لكنه استجمع نفسه يقول بثقة
*لي الشرف سيدي .
.......................
*وجدنا الشاحنة ..
كان ذلك مفادة اتصال تلقاه لمك بعد عدة ساعات أخرى من المسير ..
*تبا لذلك !..
شتم ديسم بينما أسرع الخطا مع مالك ولمك نحو المنطقة التي وجودا فيها الشاحنة , بينما بقي الرجلان اللذان يرافقاهما في المنطقة ليكملوا البحث حتى لا يغفلوا أي جزء ..
سأل مالك
*هل المنطقة بعيدة ..
توقف لمك يلتقط أنفاسه , بينما الظلام الذ امتد منعه من رؤية أي شيء ..
ليهمس بعصبية
*في أي اتجاه نذهب ..
توقف ديسم ومالك قربه يلتقطان أنفاسهما
*كان يجب أن حضر كلابا معنا ..
نظر مالك حوله في الظلام الكثيف لا يرى شيئا ..
بينما رمى لمك حقيبته مصدرا ضجة ليصرخ بقهر شاتما
*تبا .. تبا لك يا مكسيم أي شيطان أنت ..
وبسرعة أخرج هاتفه يجري اتصالا , وما أن وصله الرد حتى هدر
*لا تقتربوا من السيارة ولا تصدروا أي ضجة , ابقوا بالقرب حتى يشق الفجر خيوطه وسنكون عندكم بأسرع ما نملك ..
قبل أن يغلق الخط كان مالك يصرخ في وجهه
*هل تقول أننا سنبقى هنا حتى يحل الفجر !
صرخ لمك بدوره مخرجا كل غضبه
*انظر حولك هل ترى شيئا أخبرني هل ترى شيئا , إننا حتى لا نعرف أي اتجاه نسلك ..
*لا يهمني ..
هدر مالك بقوة
*لا يهمني كل كلامك أريد أن أصل لابنة عمي في أسرع وقت قبل أن يؤذيها مجنونكم..
رد عليه لمك بلؤم وتشفٍ
*إذن اذهب وجدها .. هيا اذهب .. ..
*سأذهب ..
قالها مالك بغضب أعمى ليبتعد بضعة خطوات قبل أن يمسكه ديسم بقوة قائلا بتسامح ..
*اصبر .. لمك على حق أنت لن تعرف حتى الاتجاه .. انظر حولك حتى أننا لا نعرف إن كنا نذهب إليهم أم إلى مكان آخر !
أخذ مالك نفسا قويا عميقا .. لينظر حوله بالفعل ..
الظلام دامس ولو وضع إصبعه أمامه لن يراها ..
وأعاده ديسم دون أن ينطق بحرف , وجلسوا على الأرض دون نار تضيء عليهم حتى ..
مكسيم ليس غبيا وسيلاحظ وجود النار ..
سيحل الفجر قريبا ..
صبّر نفسه بذلك ..
قريبا ..
بينما حقيقة كانت اللحظات تمر ببطء قاتل ..
وكأن الدقيقة تمر في ساعات ..
دون أن ينطق أحدهم بشيء ..
فالفجر ... قريب !

شببت غجريةWhere stories live. Discover now