الفصل العاشر

1.8K 47 1
                                    

الفصل العاشر
..........................
أحست بطعم مر بفمها , جعلها ترغب بالبصاق , لكن شيئا ما يمنعها ..
حاولت جاهدة أن تفتح عينيها ..
أنت بصوت ضعيف تشعر بخدر في كامل جسدها ..
بينما تحاول استيعاب ما يحصل معها ..
لتلمع في رأسها الذكرى حادة كنصل السكين .. استجمعت قوتها لتحرر جسدها لكن أنّى لك ذلك وهي مكبلة بالكامل ..
لا تقدر على الحركة فكيف الفكاك !
-غنجة هل أنت بخير ؟
سمعت صوتاً تعرفه عز المعرفة .. إنه صوت روز , لكن ما الذي تفعله هنا ..
على صوت أنينها من خلف تلك القماش التي تسده بقوة لتسمع الصوت يقول بخوف باك ..
-اهدئي بالله عليك أنت مقيدة بالكامل ..
وتعالت شهقات روز تكمل
-وأنا أيضا .. لكني لست معصوبة العينين أنا أراك ..
حركت جسدها بقوة يائسة وقد تخلصت من خدرها رغم أن الطعم المر لا زال في فمها , ولكن عبثا .. حتى أوجعها جسدها من الحركة لتصرخ صراخا مكتوما بقهر من الحال الذي وجدت نفسها به ..
أنت بقوة معترضة على حالها تسمع صوت بكاء روز التي قال بخوف تخشى حتى من الصراخ
*هناك ثعبان ضخم معلق في السقف يا غنجة ..
على حاجبي غنجة رغم العصابة على عينيها , تحرك رأسها يمينا وشمالا علها تتمكن من التخلص من تلك العصابة ليعلو صوت روز خائفة
*توقفي .. أرجوك توقفي عن الحركة .. لا أعلم كيف ولكن كلما تحركت تحرك قفص الثعبان أخشى أن يقع علينا ..
تجمد جسد غنجة في مكانها ..
وتوقفت تماما عن الحركة ..
إنه مكسيم .. لقد تذكرت .. إنه هو , من قتل كلبها , وهو من رأته قبل أن تفقد وعيها تماما ..
ولكن ما الذي تفعله روز هنا معها .. ما الذي حصل ..
وأين هما ..
حاولت الصراخ , لكن صوتها لم يبرح حنجرتها , لتقول روز بصوتها المبحوح
*لقد صرخت كثيرا .. لكن لم يسمعني أحد .. من هذا الرجل .. ما الذي يريده ؟
احتقنت حنجرة غنجة بقهر .. وكأنها تعرف !
سمعت صوت باب يتحرك بقوة فتجمدت وروز بدأت تقول بتوسل عجيب أثار شفقتها عليها
*أرجوك .. أرجوك دعنا نذهب .. لن نخبر أحدا عنك .. أرجوك ..
*أخرسي ..
هدر بها , يبصق من فمه عودا ما كان يمضغه , فابتلعت صوتها بخوف ..
نظر لها بتركيز ليقترب بهدوء جعل نبضات قلبها تقفز ذعرا ..
شد الحبل للخلف أكثر لترتفع يديها أكثر , فصرخت صرخة خافتة متألمة من حركته السريعة ..
تقدم منها ليمسك ذقنها حتى ضم شفتيها بقوة ليهمس بتحذير أمام شفتيها ..
*إياك أن أسمع لك صوتا .. هل فهمت ..
أومأت برأسها بطاعة ..
فتركها بقوة وكأنه صفعها ليميل وجهها على جانب واحد .. وكتفيها تخدرتا ألما من الطريقة المعلقة بها ..
زم مكسيم شفتيه , يراقب عينيها الخائفتين , ليكشر ويتركها ..
نحو وعده .. غنجة .. من فعل كل هذا ورمى بكل شيء حتى يصل لها ..
لقد كلفته الكثير .. ولن يعرف أحد كيف يصل لها ..
أحست بخطوات متمهلة تقترب منها .. خطواته هو بالتأكيد ..
أصبح قربها .. جسدها الذي ارتعش نفورا ورفضا له أكد لها أنه هو ..
بكل جنونه وحقده وكرهه .. هو ..
لفتحها أنفاسه .. عند أذنها , لتسمع صوته يهمس بانتصار
*وها قد أصبحت بين يدي ..
مد كفه الخشن ليمرره على عنقها , عنقها الذي حاولت إبعاده عن لماسته , ليشد أصابعه عليه , يخنقها .. وصوته يكمل همسا دنيئا في أذنها
*ألا زلت تفكرين في الابتعاد .. أنت هنا .. بين يدي ..
خفف قبضته , مستمتعا بأنفاسها القوية ذات الصوت التي تجاهد لتأخذها من أنفها , وفمها مغلق تماما ..
ابتسم يمرر ظهر كفه على جبينها المتعرق
*هل خفت .. أنكرر الأمر ؟
وعاد ليشد أصابعه حول عنقها مبتسما بانتشاء!
بينما روز صرخت متوسلة
*لا تفعل ستقتلها أرجوك توقف ..
لكن قبضته اشتدت أكثر , يبتسم لروز المذعورة , ولجسد غنجة المنتفض اختناقا ..
ليتركها بعد لحظات تجاهد بكفاح لالتقاط الهواء بذعر , بينما تختنق فعليا من فمها المغلق .. تريد هواء بكميات كبيرة .. تريد هواء وتعجز عن الوصول له ..
ابتعد عنها تاركا إياها لصراعها مع الهواء , ليحضر سوطه الأثير على قلبه ..
اتسعت عيني روز.... تجمدت , لتعجز عن قول حرف واحد , وهو يشق خطواته لها , مقتربا منها ببطء وتكشيرته تزيدها رعبا , ودار حتى وقف خلفها تماما ..
واقترب حتى لامس جسدها بجسده متسائلا
*ألم أطلب منك الصمت ؟ خيّل لي أني سمعت صوتك ...
تيبست حنجرتها , واختنقت خوفا دون أن يقربها .. لكنها صرخت بقوة حين سمعت صوت السوط يشق الهواء , قبل أن ينزل على ظهرها ..
*لااااا
لكنها لم تكمل صرختها لتشهق متألمة مرة أخرى من ضربة ثانية لم تحسب لها حسابا , لتقول حين وجدت صوتها المتألم
*سأصمت ... لن أنطق بحرف .. آآآآآآآآآآآآه ..
تعالى صراخها .. ووجعها وهو يبتسم كأنه يسمع سمفونية موسيقية ..
حتى اختلطت عبراتها بشهقاتها ..
فتركها ليدور ويقف مقابلا لها , دون أن يلمسها حتى ..
زم شفتيه ينظر لها ببراءة
*هل سأسمع صوتك يا حمراء ؟
لم تقدر على النطق والنار تستعر في ظهرها , ليهدر بصوته الخشن , وهي لا تجرؤ حتى على النظر في عينيه المخيفتين ..
*هل سأسمع لك صوتا ؟
هزت رأسها من فورها نافية وجسدها المرهق معلق من ذراعيها حتى شعرت أنهما سينفصلان عن جسدها ..
ابتسم ابتسامة عريضة ليضربها على خدها بضعة ضربات
*فتاة مؤدبة ..
ابتلعت غصتها وبكائها , وألمها ..
تلك النيران التي تحرقها تباعا , وكأنها تكويها ..
رفع وجهها بكفه يقول آمرا
*انظري لها أليست شهية ؟
لم ترد , والدموع تغشى عينيها , وقبضته  التي اشتدت على وجهها حتى كادت تكسر عظامه ولم يحتج ليكرر سؤاله , فهمست مرغمة
*نعم ..
تأوه بسعادة ليتركها , مقتربا من تلك , التي هدأت أنفاسها للتو ...
.....................
حوالي العاشرة ليلا , لم يقدر نيمار عن الابتعاد عنهم في ظرف كهذا وخاصة أن التواصل مع مالك انقطع منذ انتهى الشحن الخاص بهاتفه ..
وللصدفة التي لا يعرف كيف حصلت كانت جميلة عندهم في البيت , وطلبت منه أن تذهب معه لتقف مع صفاء في هذا الظرف القاسي ..نظر لها بتوتر , وهما في السيارة على الطريق إلى بيت العم الكبير الذي أصر ألا تنفصل العائلة حتى يجدوا حلا لتلك المشكلة ..
*هل من الضرورة حقا أن تذهبي معي ؟
لم تنظر لها , ولم تأبه لتوتره , فليتحمل ! أليس هو من أدخلها في دائرته مع صفاء.. نظرت بتمعن لأضافرها لترد بصوت حاولت أنت تخرجه حزينا نوعا ما
*بالطبع نيمار ! يجب أن أكون معها في ظرف كهذا ..
والتمعت عينيها بمكر أخفته لتكمل ببراءة
*ثم أليس هذا غرضك أصلا , ألست أنت من تريد أن تعتاد صفاء على وجودي معك في أي وقت  وهذا الظرف مناسب تماما ..
نفخ محبطا , وقلبه يخبره أن الأمر برمته خطأ ..
مجرد وجود جميلة معه في نفس السيارة خطأ , ليرجو فقط ألا تكون صفاء واعية لهذا الأمر , لا يريد إطلاقا أن يفتعل مشكلة معها في هذا الوقت ..
*هيا نيمار تحلى بالشجاعة ..
قالتها بتملق لتعود بنظرها لأظافرها الملونة تتساءل بصوت خافت
*ألم يكن يجب عليّ أن أزيل الطلاء !
حينها ارتفع حاجب نيمار ليرد ببرود
*إنه موقف عابر ونحن للدعم جميلة , لسنا ذاهبين لعزاء ..
التوت شفتها ولم ترد .. حتى توقفت السيارة ليقول نيمار مسلما
*انزلي , وصلنا ..
لم تتوقع أبدا صفاء أن تراها , ليس في هذا الوقت وهذا الظرف , فذلك أكثر من قدرتها على التحمل ...
اقتربت منها جميلة مباشرة لتأخذها في أحضانها متعاطفة
*سيكون كل شيء بخير ان شاء الله ..
أجبرت صفاء نفسها على الابتسام في وجهها ولم ترد عليها , حقيقة عيناها كانت تتبعان نيمار الذي ذهب مباشرة نحو والدها وعمها متجاهلا تماما أن ينظر لها , في الواقع لم يجرؤ !
تقريبا يعرف ردة فعلها , جميلة لن تردها عن الغيرة كارثة كونية وليس مجرد هروب واختفاء !
لكنه أبعدها عن تفكيره ليجلس قرب العم متسائلا
*ألم تخبروا الشرطة بالأمر ؟
أجاب رشيد متعبا
*لم يفعلوا شيئا لأجل مهاب , في الواقع رفعوا مذكرة ضده لأنه خرج بطريقة غير شرعية من البلاد , أما عن روز فلن يفعلوا أي شيء قبل مرور أربع وعشرين ساعة !
ارتفع حاجب نيمار بعدم تصديق
*أحقا ذلك ولكنها اختفت هناك دليل ..
هز رشيد رأسه ولم يرد بشيء بينما قال مروان
*أخبرنا مالك أنهم اقتربوا منهم نحن نستعد لنذهب لهم في أي لحظة ما أن يحددوا المكان ..
..
أومأ نيمار برأسه
*سأكون معكم , أعرف الطريق ...
لكن رشيد همس بقهر
*هذا إن قدر مالك على مكالمتنا فقد فرغ شحن هاتفه !
رجع نيمار للخلف بظهره , يدير عينيه في المكان , فالعجز أصعب إحساس ممكن أن يشعره الانسان , فما بالك لو كان الذي في خطر شخصين هما الروح لك ..
تلك مصيبة ليست بقليلة على رشيد .. مهاب وروز في يوم واحد ..
كانت جميلة بالقرب من جمانة , تهمس لها بكلمات غير مسموعة لكن جمانة تستمع لها بينما تهتز في مكانها للأمام والخلف وعيناها ضائعتان في الفراغ أمامها , بدت وكأنها على وشك فقدان عقلها !
الوحيدة التي بدت قوية هي ناهد , فقد كانت قادرة على ما يبدو على استيعاب الجميع , بينما لا تقف في مكانها لحظة واحدة وتتابع حالة الجميع , حتى صفاء ..
التقت عينيه بعينيها ..
كانت تنظر له من بين دموعها ..
دموع قهر وحزن .. وخيبة ! الكثير من الخيبة , تبكي بصمت , تضم ركبتيها لصدرها , على الأريكة الواسعة ولا زالت في ثيابها نفسها ..
لم ترف عينيها ولو لمرة ..
إنها عاتبة عليه .. وبشدة .. ابتسم لها عله يخفف من عتبها , لكن دموعها زادت , وكأنها تتهمه صمتا بالخذلان .. !
حينها لم يتمالك نفسه ليقول لمروان
*صفاء لا تبدو بخير سأراها ..
ونهض بالفعل , خطواته تتسابق نحوها حتى وصل لها , لم تتحرك عن جلستها , بل تبكي بصمت , برقة سلبت قلبه , وقد ذبلت عيناها ووجنتيها ..
ركع على ركبتيه أمامها , ليمد كفه يمسح دموعها هامسا
*اهدئي , سيكونان بخير ..
أغمضت عينيها تبعد نظراتها عنه وفتحتهما ببطء
*في هذا الوقت نيمار !
قطب دون أن يفهم ما قصده , لكنها قالت بصوت مهتز
*هل ستكون روز بخير , أنا خائفة عليها .. جدا ..
*ستكون بخير ..
قالها رغم عدم ثقته من ذلك , ومد يده بلطف لينزل ساقيها ويسحبها لتقف , وبالقرب من , تناول زجاجة الماء ة ليضع القيل منها على كفه يمسح بها وجهها
*لقد ذبل وجهك من كثرة البكاء  , لا تبكي ..
وهمس بصوت بالكاد سمعته
*دموعك تحرق قلبي ..
طيف ابتسامة , لمحها على شفتيها ليقترب من أذنها هامسا
*اذهبي وارتاحي قليلا , كل شيء سيكون بخير سأبقى هنا ..
هزت رأسها موافقة , لكنها , ما لبثت أن رفعت رأسها بحدة لتسأله بكره
*وجميلة ؟
داعب أنفها متجاهلا الجميع , يقرصها برقة
*كفي عن الغيرة , أنت فقط ملكة قلبي , على كل حال سأكلم أحد أخوتها ليأتي ويأخذها ..
عادت لتجلس مكانها , تنظر له بحدة
*حتى تذهب سأبقى هنا ..
أخفى ابتسامته اليائسة ليقول
*ولكن بعدها ستذهبين للراحة ..
أومأت موافقة , تراقبه يتصل بأخيها ويرشده للعنوان ..
وخلال نصف ساعة كانت جميلة تودعهم مغادرة , والرجال كل يأخذ من تخصه لترتاح قليلا ..
وحدها جمانة من كانت كالمجنونة , لكن رشيد سحبها لغرفتهما ..
حيث بكى معها , ضاربا بالرجولة عرض الحائط , فمن سعى طوال هذه السنوات لأجلهم , يبيتان لأول يوم بعيدا عنه ..
ولأول يوم لا يعرف عنهما شيئا ..
.................
قام مفزوعا على صوت طرق على الباب الخاص بالغرفة التي أعطوه إياها لتكون مكان إقامته , مسح وجهه بكفيه مستعيذا بالله من الشيطان , ليلكم الوسادة بقهر
وما شأنه هو كل هذا ! إنه حتى لا يفهم كيف يتعامل مع أمر كهذا !
كيف سيفيدهم ألم يكن من الأفضل لو أرسلوا عوضا عنه شخصا مدربا للتعامل مع أمور مثل هذه !
*من هناك ؟
صرخ بغضب ليرد عليه صوت لم يميزه
*تعال الرئيس يريدك..
قطب , ليستوعب الكلام , الرئيس ! أي رئيس ؟
*لحظة فقط ..
نهض عن سريره ذو الفراش القاسي لينظر حوله في الغرفة المثيرة للشقفة , لمح مرآة مهشمة معلقة فنهض لينظر لوجهه , ارتفع حاجبه بقرف ..
يحتاج لحمام ساخن وبسرعة , يشعر بالقرف من نفسه ..
كان لا يزال بثيابه نفسها , لم يبدلها , فتح الباب بالمفتاح الذي كان معه , وطالعه حالا ذات الشاب , فسأله بترفع
*ما اسمك ؟
*شادي ..
أجاب الشاب بسرعة , ليقفز من مكانه على الأرض مكررا
*الرئيس يريدك ..
استوقفه مهاب بسرعة متسائلا
*ألا يوجد حمام , أريد أن أغسل وجهي على الأقل ..
ضحك الشاب مستظرفاً
*أنت نظيف جدا , لدينا حمام ولكن قليل ما نستخدمه ..
وأشار بيده إلى مكان ما مكملا
*هو هناك , إنه نظيف , لقد حرص الرئيس عليه , بكننا قليل ما ندخله ..
أومأ مهاب برأسه , وعاد للغرفة ليفتح حقيبته التي لا زالت على حالها , ترى كم الساعة الآن , فلا يبدو أن الشمس قد طلعت حتى !
اختار ثيابا نظيفة , وعدة الحمام الخاصة به , وخرج من الغرفة ليقفلها خلفه يسأل شادي المنتظر
*كم الساعة ؟
هز شادي كتفيه بلا مبالاة
*وما أدراني لا يزال ليلا كما أعتقد ...
(هذا مبشر بالخير ! )
همس بها مهاب , ليذهب إلى الحمام , بينما بقي شادي ينتظره ...
.....
وقف أمام الرجل , نظيفا , مرتقبا , متوترا دون أن يظهر توتره ..
يراقبه كيف ينتقل في الجناح , الذي لا تصدق وجوده في مكان قذر كهذا , فقد كان نظيفا , تفوح منه العطور الزاكية !
حتى ملابس الرجل مختلفة و راقية ..
انتبه له أنه يراقبه , ونظر له بتدقيق مبتسما
*أنت شاب نظيف يا مهاب وتعجبني ..
صمت للحظات وقال ببطء
*لقد صدرت مذكرة للقبض عليك هل تعلم ؟
اهتزت عيني مهاب مستغربا , لمَ هذه المذكرة وهو هنا بطلبهم , لكنه لم يعلق بشيء , سوى تقطيبته التي ازدادت حدة ..
ليكمل الرجل
*هذا يعني أنك تحتاج هوية جديدة إذا أردت العودة , وحقيقة أنت أعجبتني وأعتقد أنك ستبقى معي ..
أومأ مهاب هامسا
*لي الشرف سيدي ..
بينما عقله يكاد يصاب بالجنون مما سمعه !
لم يذكروا أمرا كهذا لهم , وأكمل الرجل
*عائلتك تبحث عنك , وهذا متوقع بعد هروبك ولجأوا للشرطة , فرفعت المذكرة ..
مالت عينيه بأسى لذكرى عائلته , ربما كان الضابط الذي تواصل معه على حق , إخباره لعائلته أكبر خطأ , وها هم بالفعل يراقبونهم , إذن من الطبيعي تلك المذكرة التي صدرت بحقه , أبعدت عنه الشبهات تماما , وأصبح مصدرا ثقة بالنسبة لهم ..
لم يعلق بشيء , فقال الرجل
*اسمي منذر ..
ابتسم مهاب له ليقول مجاملا
*لي الشرف بالعمل معك ..
أعطاه منذر ظهره , لينظر للمرآة ويعدل ربطة عنقه , بحرص شديد , جعل عيني مهاب تتسعان , وكأنه يقوم بعمل خطير !
كان منذر يراقبه من المرآة ليقول فجأة
*الدقة أكثر ما أحب ..
ارتفع حاجب مهاب , ليرد
*هذا واضح سيدي ..
انهى منذر ترتيب ثيابه , ليهم بالخروج , ومهاب يتبعه , حتى خرجا من المكان من باب خلفي لم يره مهاب قبلا ..
كان ينظر حوله بغرابة , حتى وصلا لسيارة فخمة لامعة , فتحها منذر ليطلب من مهاب الركوب معه , وانطلقا , ومنذر يخبره بثقة وقد نالها , خاصة بعد أن خرج من البلاد بتذكية من صديقه هناك , نفس  الشخص الذي ورطه أول مرة وحاول الإبلاغ عنه , ليجد نفسه مطالبا بأن يكون فردا منهم ..
*اليوم لدينا شحنة مهمة جدا ..
تنبهت حواس مهاب بينم بدأ يركز مع كل حركة وكلمة تصدر عن منذر
.........................
*على مهلك ..
قالها مناف مراعيا مشية عائشة المتألمة , يساعدها بالوصول لسريرها ...
*سأعد حساء الدجاج الذي قال عليه الطبيب ..
لكن عائشة هزت رأسها برفض , ليصر مناف
*يجب أن تأكلي شيئا ..
ساعدته ميرا على وضعها على السرير , بينما عائشة , تغمض عينيها متألمة ..
يريدانها أن تأكل ! ألم يأخذوا للتو منها بيت أطفالها ..
لن تسمع كلمة أمي .. طفلها أملها مات قبل أن يولد ..
وأنّ لها حياة , ولن تكون أنثى مكتملة !
لن تكون مجددا ..
نزلت دمعة منها , رآها مناف على الفور , وميرا تخرج من الغرفة , تخبره أنها ستحضر عصيرا , طالما أنها ترفض الطعام ..
جلس على طرف السرير قربها , ليميل قليلا ويمسح دمعتها الحزينة متسائلا
*هل تتألمين ..
..
نظرت له بإنهاك ..
وهمست بعقل مغيب وقبل مكسور
*أموت ألما .. أشعر أنني ناقصة .. فيّ شيء لم يعد موجود .. لست أنثى كاملة ..
كانت تقريبا تهذي , وهو يراقبها صامتاً , متألما بدوره لألمها ..
لكنه أجبر نفسه على الابتسام لها يمسد بكفه على شعرها مواسياً
*لا بأس .. المهم أنك بخير .. لا تفكري بشيء الآن . ارتاحي ..
وقبلها على جبينها , قبلة بطيئة , عميقة .. حملت لها كل ألمه ..
لينهض ويتركها خارجا من الغرفة ..
تشيعه بنظراتها الدامعة ..
*آسفة ..
همست بها له وهو يغلق الباب , لكنه لم يسمعها ..
أغمضت عينيها بألم , بأسى .. تكرر بصوت لا يسمع , أسفها الصادق كونها لن تنجب له طفلا .. يكمله , ويكون جزءا منه ..
دخلت ميرا بعد دقائق مبتسمة , لتبعد جو العملية الكئيب عن البيت ..
*العصير .. العصير .. يا عين على عائشة خانم , تتدلع علينا ويحق لها ..
لم تقدر عائشة على رد الابتسامة , ولكنها حقا ممتنة كون ميرا بهذا المرح ..
*لست قادرة يا ميرا ..
لم ترد عليها لتجلس قربها وترفعها قليلا , آمرة بصوت مازح حازم
*لا اعتراض يجب أن تأكلي أو تشربي شيئا , وطالما أنك رفضتي الحساء , ستشربين العصير ..
تأوهت عائشة تمد يدها , على اللاصق الموضوع أسفل بطنها , تسألها بكدر
*هل رأيتِ الجرح ؟
اتسعت عيني ميرا بخوف , تقول مستنكرة
*ماذا ! بالطبع لا ! ..
*أهو كبير ؟
سألتها عائشة , تتلمس موضع العملية ..
لتضع ميرا كوب العصير على شفتيها كأنها تسكتها ..
*اشربي العصير واتركي أمر جرحك الآن ..
رشفت عائشة بضعة رشفات , لتغلق فمها رافضة المزيد ..
وضعت ميرا الكوب جانبا , تنظر إلى موضع الجرح , متسائلة بغباء ..
*هل حقا هذا هو حجم الجرح ؟
كانت الكنزة الخفيفة التي تلبسها عائشة مرتفعة عن بطنها واللاصق ظاهر بشكل واضح , لم تقدر عائشة على النهوض لصعوبته عليها ..
تلمسته ميرا لتسألها بعينين متسعتين
*هل تشعرين بشيء فارغ في داخلك ؟
هزت عائشة رأسها بلا
*كل ما أشعر به هو ألم لا أعرف كيف أصفه ..
أمسكت ميرا بطنها تعتصره بقبضتها متأوه
*اسكتي , اسكتي بدأت أشعر أني أتألم !
أغمضت عائشة عينيها وقد تغلب مفعول الدواء عليها , فمددتها ميرا
*نامي الآن غدا لنا حديث آخر ..
لكن عائشة ابتسمت رغم أنها لم تفتح عينيها
*لن يكون لنا حديث حتى أصبح بأفضل حال ..
التوت شفتي ميرا بعدم رضا
*وهل هذا يعني أنني لن أتكلم طوال أسبوع أو ما يقارب ..
قطبت ونظرت لها محذرة
*ليكن بعلمك لا أحب جو المرض , لن أسمح لك بالعيش فيه طويلا ..
لم ترد عائشة , فقد تغيبت حتى بألمها عن الواقع متسلمة للنوم ..
........................................

شببت غجريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن