الفصل الرابع

2.5K 46 0
                                    

مشت على غير هدى .. تشعر بأن الهواء يختفي من حولها ..
مشتتة .. ضائعة ... حائرة ..
ومنكسرة !
تلفتت حولها بقلق .. بعدما عرفته من مهاب .. بدأت تشعر بالخوف والارتياب من كل ما هو حولها ..
ليته لم يتكلم ويخبرها .. ليته بقي صامتا ..
كيف ؟ ألم يفكر كيف سيتصرف وينجو بنفسه !
هذا لو وضعنا احتمال ولو بسيط جدا باحتمال نجاته .. من مثل هؤلاء لا يعرفون الرحمة .. وطبعا لن يرحموه ..
إن كانوا قد تركوه للآن فذلك ليس كرم أخلاق منهم , وإنما لأنه ملتزم بالصمت حتى الآن !
الصمت والصمت وسجنه لنفسه بين جدران غرفته , ولكنه لا يستطيع أن يبقى للأبد داخل جدرانه .. سيخرج يوما ما وحينها إما يكمل معهم , أو تتم تصفيته .. وكم كان غبي حين اعتقد أن بإمكانه التبليغ عنهم ..
زفرت بتعب ورعب مما سمعته منه ..
وهل يتوقع منها مساعدته .. ما الذي قد تفعله ؟
تذهب لهم و تتوسلهم قائلة رجاء أتركوا أخي لن يبلغ عنكم كانت لحظة غباء منه وسيلتزم بالصمت ولن يكررها ...
أوه نعم حينها قد يموتون صدمة .. من الضحك !
و لتحلم أن تخرج حينها من عندهم ..
وإذا ما فكرت التبليغ بنفسها الأمر الذي حذرها منه مهاب ..
فعلى ما يبدو هي أيضا تحت أنظارهم ..
مراقبة ! ارتعبت من مجرد الكلمة ..
_ مرحبا ..
انتفضت شاهقة برعب ... تنظر للفتاة التي ابتعدت عنها بحاجب مرتفع !
وضعت يدها على صدرها تهدئ نبضها المجنون المتسارع
_ أخفتني جدا ..
قالتها بارتجاف , لترد غنجة مستغربة
_ أخفتك من مجرد مرحبا ! أنت روز كما أذكر ..
ابتسمت روز بشحوب , بينما بدأت الدماء بالعودة لوجهها المرتعب
_ نعم روز .. ولكني لا أعرف اسمك .
مدت غنجة يدها بالمصافحة
_ غنجة ..
كان دورها ليترفع حاجبها معلقة
_ اسمك غريب وكذلك طريقتك بالكلام غريبة .
ابتسمت لها لترد تتوقع أن تسمع هذه الملاحظات كثيرا
_ لأني غجرية !
_ و تدرسين !
انطلق السؤال المستغرب من فمها قبل أن تتمكن من إيقافه لتتلعثم معتذرة
_ آسفة لا أقصد إهانة ..
هزت غنجة كتفيها بلا مبالاة
_ لا إهانة على الإطلاق ... حسنا , تعبت حتى حصلت على الثانوية وكما ترين أنا أكبر منك عمرا !
ارتفع حاجبي روز عجبا
_ حقا لم انتبه لذلك !
ضحكت غنجة
_ كم هذا لطيف .. جميل أن لا يشعرك أحد بعمرك المتقدم ..
حدقت بها روز للحظات لتقول بجدية
_ حقا أتكلم لا يبدو عليك أنك متأخرة .. ما شاء الله جميلة جدا ..
تمتمت غنجة بشكر خجول .. لتسير معها تدخلان القاعة المخصصة لمحاضرتهما الأولى , التي انقضت ببطء شديد عليهما معا
روز لم تركز بكلمة مما قيل , عقلها هناك .. مع مهاب .
غنجة تتابع بشغف رغم تململها من طول الوقت .. إلا أنها سعيدة جدا .. بدرسها الأول !
وما أن انقضت الدقائق , حتى اقترحت روز فنجان قهوة في الاستراحة الخاصة بالجامعة لكن غنجة الحريصة على كل عملة مالية موجودة في جيبها رفضت وطلبت منها الجلوس في الحديقة بانتظار المادة التالية ..
رافقتها روز ممتنة للاقتراح , فهي فعلا تحتاج للهواء النقي علها تريح أعصابها المتوترة وقد تعبت من التفكير , فرمت كل ما أرقها جانبا ..
لن تفكر وما ذنبها هي .. كم شخصا أساء لهم مهاب , لولا ذلك القسم فقط لكانت أخبرت والدها أو أي أحد ولكن ..
تنهدت بتعب فالتفتت لها روز وقد جلست قربها على مصطبة إسمنتية
_ ما هذه التنهيدة ! أي هم تحملين ..
سألتها غنجة بتعاطف وقد لمست من تصرفاتها أنها غير طبيعية فعينيها زائغة , وذهنها شارد .. و جميل أنها أصبحت رفيقتها !
فلا تتمكن من التفكير كيف كانت ستقضي الوقت هنا وحدها دون صديق .
لذلك ستتمسك بها حتما ولن تضعها وقبل أن ترد عليها روز أخرجت هاتفها وأعطته لروز
_ هلا سجلت لي رقمك لنبقى على تواصل ؟
أخذته روز مقطبة متسائلة
_ كنت أمليتك إياه ألا تخافين أن أعبث به !
قطبت غنجة مستغربة
_ وما الذي قد تعبثين به ؟
ابتسمت روز وهي تسجل رقمها على هاتف هذه الغجرية ..
شيء غريب !
أن يكون لك صديق غجري .. نوع من ... لا تعرف ما اسمه ولكنه حماس غريب دب في عروقها متمنية حقا أن تزورها في مكان إقامتها .. تعرف على طبيعة حياتها..
كم سيكون ذلك مشوقا !
وأجابتها بعفوية
_ ربما تسللت لبريدك الالكتروني .. صفحتك الشخصية ..
أعطتها هاتفها مضيفة بلهفة وهي تخرج هاتفها
_ على ذكرها , ما اسمك لأضيفك عندي ؟
ارتبكت غنجة ترجع خصلة من شعرها خلف أذنها ترد بحرج .. دون لف أو دوران
_ حقيقة روز , أنا لا أعرف عما تتكلمين , فهي أول مرة أستخدم فيها هذا الشيء!
_ حقا ؟
استفسرت روز غير مصدقة أنه وفي هذا العصر ما زال هناك من لا يعرف عن هذه التكنولوجيا ... فشرحت غنجة مقرة بالأمر الواقع
_ إنه فقط للرجال والمهمين منهم , أما نحن فلا , ولولا الجامعة لما سمح لي به , مع العلم أنه أعطي لي بتحفظ كبير مع تهديد بأخذه في حالة أسأت استخدامه أو تفاخرت به ..
بقي فم مفتوح لما تسمعه . . متسائلة ( هل هذا العالم الوردي الذي تحمل فكرته عن الغجر !) وهزت رأسها غير مصدقة تحاول استيعاب كلام صديقتها الجديدة ..
وبعدها فتحت هاتفها أمام عيني غنجة المصدومة وبدأت تشرح لها ما كانت تعنيه بكلامها وعرضت عليها أن تنشئ لها صفحة خاصة باسمها ..
ولكنها وبعد تفكير بلمك قررت أن ترفض فلا تضمن رد فعله ..
وبدورها روز لم تضغط عليها ..
لحظات فقط وكانتا تستعدان لخوض تجربة الدرس مرة ثانية ...
وبعد ساعات ودعتها لتقف خارجا تنتظر لمك ..
بينما الصداع بدأ يتسرب لرأسها لتلعن بصمت متسائلة
( هل ستكون بهذا التعب دوما ؟)
وأخيرا وصل !
تبا للزحام اعتقد أنه لن يصل لها اليوم فقد اختار موقع الورشة قريب من جامعتها ومن مكان إقامتهم , كي تكون المسافة عادية بين المكانين , لكنه لم يحسب حساب الازدحام !
و ها قد تأخر عليها ما يقارب الربع الساعة تقريبا ..
أطلق لها نفير السيارة لتنته له , تقف جانبا لوحدها , تغطي رأسها بإحدى كراساتها اتقاء للشمس , وملابسها ..
ذاتها ! صر على أسنانه بغيظ لما لم ينتبه لها صباحا !
سخر من نفسه , حين رآها أتت مسرعة إليه ( وكأنك ستقدر على فعل شيء . . فقط تظاهر أنك لم تر شيئا )
ركبت قربه دون أي حرف , فالتوت زاوية فمه ساخرا
_ أهلا بك , سائقك الخاص سيوصلك ..
أسندت رأسها للخلف تغمض عينيها بتعب
_ أرجوك يا لمك , الشمس زادت صداعي ولست قادرة على ا لجدل اليوم ..
لم ينطق إنما أخرج من مكان ما بقربه , ظرف الأقراص الذي اشتراه من قبل وناولها إياه
_ ابحثي عن زجاجة الماء وخذي القرص سترتاحين .. بضعة أيام ستعتادين ولن تحتاجي للأقراص ..
تناولته منه بصمت وبعد أن نظرت له مطولا , هزت رأسها بلا
_ أفضل ألا أعتاد عليها , كما قلت يجب أن أتأقلم ..
سحبه من كفها حالا راضيا
_ سيكون ذلك أفضل ..
نظرت له بغيظ .. فهي رغم رفضها للاعتياد على الأقراص إلا أنها كانت تريد أن تأخذ قرصا الآن فرأسها على وشك الانفجار .. لكن كبريائها رفض أن تطلبه مرة أخرى , أرجعت رأسها مرة أخرى للخلف تتكلم مغمضة عينيها
_ لمك , تعرفت على فتاة تدعى روز أعتقد أني سأبقى على علاقة بها فهي ظريفة نوعا ما ..
هز رأسه مكتفيا الرد بـ
_ جيد..
اعتدلت تنظر له بأمل , تعض شفتيها .. نظر لها بطرف عينه ليرفع حاجبا متأملا أن يكون الطلب خيرا , وقال بلهجة العارف
_ حسنا قولي ما لديك ؟
_ اممم
دارت عينيها على ملامحه علها تقدر على تكهن رد فعله , لكنه جامد لدرجة مغيظة
فقررت التكلم
_ روز .. امممم..
هز رأسه ليقول بتفهم
_ هيا غنجة لم أعتد منك التردد يوما .. تلك ال( اممم ) غريبة جدا منك ..
أخذت نفسا عميقا تقول بصوت خرج مترجيا رغم أنها لم ترد ذلك
_ روز قال أنها ستنشئ لي صفحة على موقع للتواصل الاجتماعي نسيت اسمه , قالت ..
رفع يده في وجهها يمنعها من متابعة الكلام ليقول بحزم يرفض الجدل
_ لا .. لا داعي لأن تكملي , وتذكري أن الهاتف بيدك الغرض الوحيد منه هو لتتمكني من التواصل معي فلا تجعلينني أندم عليه غنجة .. لا تدفعيني لأخذه وأنا قادر على فعلها وأنت تعلمين ذلك جيدا ..
وتابع القيادة غير مهتم لنظرة عينيها المتوسلة التي لم يرها أصلا وكأن أي كلام آخر قد انتهى تماما فالتزمت الصمت حتى أنزلها ...
يعلم أنه كان قاسيا بعض الشيء عليها ...
حسنا ربما كثيرا ..
لكن ذلك أفضل لها وله , لا ينقصه أن تتبع على ذلك الموقع ما قد يضرها ..
فمهما كانت قوية .. تبقى فتاة تخرج لأول مرة إلى وسط جديد عليها .. كل ما فيه يبهر نظرها ..
راقبها حتى دخلت المكان ...
والتف بسيارته عائدا للورشة ...
وحين وصل لها وجد أن المزيد ينتظره !
اعتقد أن العامل الذي معه سيساعده لكنه لا يفعل شيئا سوى النظر له أثناء عمله , وبالتأكيد فإن الاعتماد عليه بالعمل هو الغباء بعينه ..
بدا العمل بنشاط ممتنا لكون غنجة اتصلت به باكرا فمع هذا العمل لا يتوقع العودة قبل منتصف الليل نحو المكان ..
يعرف نفسه حتى لو تعب ..
لا يقدر على ترك تلك الآلات وحيدة معطلة ..
العمل .. هو ما يحتاجه ..
أي وضع غريب وضعت فيه فتاة واحدة ... قبيلة بأكملها !
لم ينتبه على الوقت الذي مر وهو ينتقل بين الأدوات والزيت والشحوم إلى أن طالبه صاحب الورشة بالتوقف عن العمل ليرتاح ..
شاكرا حظه الذي أرسل له عاملا مجدا مثله ..
وكم كان محظوظا ...
حتما ...
حينما وصل ليلا .. كان الهدوء يعم المكان ..
تخلص من قميصه مقررا القيام ببعض الأعمال هنا , قبل أن يغتسل مما هو فيه ..
اتجه نحو أقفاص الحيوانات مخرجا أسده العجوز الكسول من قفصه غسل جسده بلطف , مقدما له وجبة دسمة تليق به ..
وقضى معه بعض الوقت بعد الإهمال الذي اضطر عليه ..
ليعيده لمكانه ..
وهم بالخروج من الحظيرة عائدا لغرفته الخاصة ..
حين انتبه كون ثعبان مكسيم يبدو هائجا على غير العادة , تلفت حوله لكن المكان هادئ جدا ولا وجود لشيء يثير الريبة فما باله !
اقترب منه قائلا باستغراب
_ اهدأ اهدأ .. تريد طعامك ؟
بحث عن الدلو الذي يخبئ فيه مكسيم طعام حيوانه واختار قطعة ضخمة ليرميها داخل القفص ..
وكم تعجب حين انقض عليها بسرعة !
لطالما كان الثعبان بليدا لما يبدو الآن هائجا ..! يبدو عدوانيا ؟
لكنه تركه متأكدا أن مكسيم يعرف كيف يتعامل معه ..
ما إن خرج من المكان حتى رأى ظلا غريبا يقترب من الحظيرة ..
قطب باستغراب مقتربا منه بحذر ..
ليرتفع حاجبيه عجبا فالظل لم يكن سوى مكسيم !
لذلك طوح بيده بعدم اهتمام وعاد أدراجه لغرفته يغتسل ويحظى بالنوم ..
..............................

رآها تتوجه نحو صفها ..
كعادتها غاية في الهدوء والرزانة , ناداها بصوت منخفض علها تنتبه له , لكنها دخلت مغلقة الباب خلفها , غافلة عن دائه ..
وكم كانت متلهفة له ! لكنها غفلت عنه ..
تنهد بضجر , ليفتح جدول حصصه لهذا اليوم , تأفف من عدم انتباهه للأمر فهاهو متفرغ لساعتين كاملتين قبل أن تبدأ دروسه كيف سيقضي وقته ..
عاد لغرفة الإدارة ..
لكنها كانت فارغة إلا منه , لذلك وبسرعة غادرها .. بل وغادر المعهد بأكمله ..
إهمال منه قدومه باكرا اليوم .. لكان استفاد من ساعتين نوم إضافية ..
وما إن أصبح في الشارع حتى التمعت عينيه بإثارة . ..
مخرجا هاتفه يجري اتصالا تاق له ..
......................
خرجت ميرا بعد لحظات قليلة من الصف الذي أغلقته بابه ..
فرأته مبتعدا يتجه نحو الباب .. ودت لو نادته .
لكنها هزت رأسها تبعده عن تفكيرها , تبحث عن مازن في مكان ما ..
وحين يئست من إيجاده , سارعت بإرسال رسالة نصية له ..
حتى خرج لها من العدم كما توهمت ..
اقتربت منه برجاء
_ مازن هل تستطيع أن تغطي غيابي لساعة واحد .. أنا أعلم أنك متفرغ في هذه الساعة ..
دق على صدره بحماس مضحك
_ وإن لم أكن متفرغا .. أتفرغ لأجلك ..
ثم استدرك بجدية
_ ولكن ما الأمر ؟ هل هناك شي ؟
تنهدت بقلة حيلة تهز كتفيها , فبدت غاية في الرقة , يحيط بوجهها حجابها الوردي, لتبدو كوردة نضرة ..
_ زوجة أخي كلمتني تريدني بأمر ضروري يجب أن أذهب لها .. لن أتأخر ..
استلم منها الدفتر الخاص بتحضير الحصص بينما شرحت له باختصار المطلوب منه ..
ابتسمت له بامتنان لتسرع مغادرة , بينما ظل لبعض الوقت يراقب طيفها المبتعد بحسرة .. لا يعرف لما لا يجرؤ على الكلام معها ..
يخشى صدها و إحراجها , لذا سيكون من الأفضل لو يتقدم بخطبة تقليدية لعائلتها ..
وهكذا سيوفر الإحراج له ولها ..
رغم جنونه ومزاحه إلا أنه يشعر بالحرج كلما حاول التكلم معها برغبته الزواج منها ..
نفخ بتعب فالموضوع أصبح مؤرقا بحق ..
ودخل لصفها ليعم الهدوء المكان بعد أن كان صوت طلابها يصم الآذان ..
وهي الغافلة عما حولها ... لاقت عائشة في المكان التي أخبرتها عنه ...
ما أن أبصرتها حتى اتجهت لها تقاوم نفسها بصعوبة عن لطم وجهها ما أن وصلت حتى هتفت برعب
_ أي شيطان ركبك يا بنت ! تخرجين بالجينز ألا تخشين من مناف !
لكن عائشة مدت يدها لجبينها غير واعية لشيء سو لإرهاقها الذي هد حيلها
_ بالله يا ميرا .. دعي القلق , وافيتك لهنا لتأخذيني لأقرب طبيبة نسائية في المكان.
_ طبيبة نسائية !
تمتمت بعجب , لكن شحوب عائشة منعها عن الاسترسال بالأسئلة ..
لتشبك ذراعها وتسير معها تسندها عليها ...
حتى أشارت لأول سيارة تكسي في طريقهم ...
تلعن سرا , فهي تعرف حتما ما الذي سيكون في الانتظار حينما يعلم مناف بالأمر..
واست نفسها تلوي شفتيها بينما رأس عائشة استكان على كتفها ..
( لا تفكري الآن , من أين له أن يعرف بما خرجت وهو بعمله )
وما أن رأت العنوان واضحا أمامها حتى طلبت من السائق التوقف ..
ساعدتها في النزول من السيارة ..
وبعد دقائق كانت تجلس معها في صالة الانتظار , تنتظر دورها وقبلها ما يقارب الثلاث نسوة ..
قطبت وهي تراها تنحني ممسكة ببطنها فسألتها بقلق
_ عائشة ما بك إنها المرة الأولى التي تتألمين فيها بهذا الشكل !
لكن المتألمة نفت بينما الدموع تطفر من عينها
_ بل المرة الأولى التي لم أعد أحتمل فيها الألم ..
اتسعت عيني ميرا
_ لكني لم أرك من قبل ..
وقطعت باقي كلامها حين مالت عائشة للأمام تصرخ بألم لم تقدر على السيطرة عليه ..
فخرجت الطبيبة من غرفة الفحص لمعرفة السبب بالصراخ وما إن رأتها حتى أدخلتها غرفة الفحص على وجه السرعة ..
وبعد الفحص الطبي ..
نظرت لميرا مهنئة بالطفل ...
مطالبة بما لا يقبل الرفض بقدوم زوجها للعيادة ..
وكانت هي تلك اللحظة التي أوقعت قلب ميرا بين قدميها ..
أن تطلب من مناف القدوم . . مستغنية عن روحيهما معا ..
...............
بحثت في المكان بعينيها عنه .. حتى رأته ..
بهيبته .. وكم سحر عينيها بطلته , لم يرها بعد فسمحت لنفسها أن تتأمله وهي تتقدم نحوه ببطء ..
بحلته النهارية التي زادته وسامة .. فكرت متأوهة . . ( ألا يقف أمام مرآته كل يوم ينظر لملامحه الوسيمة !)
لكنها عادت ونهرت نفسها مذكرة نفسها أنه ليس فتاة ليفعلها ..
ولكن ماذا بها ؟ كثيرون من الشباب يتباهون بجمالهم !
ومالك ليس سوى ... شاب وسيم جدا !
أبعدت الأفكار عن رأسها حانقة لتبتسم ما أن أشرفت عليه تحييه ..
نهض بأدب يصافحها يطلب منها الجلوس
_ إذا جميلة .. ها قد التقينا ..
شمخت برأسها زهوا
_ أنت من طلبت اللقاء ..
لكنها لم تكن لتجاريه , فاستند للخلف بظهره يحك ذقنه
_ كان بإمكانك الرفض ..
ارتبكت ملامحها , ودون شعور منها امتدت يدها لعنقها فابتسم ..
تمكن من إرباك الأميرة أليس إنجازا ؟
وصله قولها الهامس
_ دعنا نبتعد عن التحديات ..
( ومن يقدر ألا يرد تحدي عيناك !)
لكنه التزم الصمت موافقا على كلامها ومد يده مازحا
_ هدنة؟
صافحته
_ هدنة ..
وبالفعل سادت الهدنة بينهما بينما أخذهما الحديث ..
لأماكن لم يتوقع أحدهما أن يسمح لأحد بالوصول لها يوما ..
جالت بنظرها في المكان
_ جميل وهادئ ..
علقت فجاراها قائلا
_ نعم هادئ .. لكننا لسنا هنا لنتكلم عن جماله حدثيني عن نفسك أكثر .
عادت لتلك الحركة التي لفتت انتباهه إذ عانقت كفها الناعمة عنقها بحياء وقد احمر وجهها
_ ما الذي قد أخبرك فيه ؟
طلب لهما ما يشرباه شارحا
_ ميولك شخصيتك .. أي شيء عنك ..
برمت شفتيها بحنق متسائلة
_ ولما لا تبدأ أنت وتخبرني عن نفسك ؟
هز رأسه موافقا , ليشير لنفسه بكفيه
_ أنا أمامك اسألي وسأجيبك حالا ..
وبالفعل ضيقت عينيها بتفكير عميق بينما النادل وضع القهوة أمامهما , لتسأل بعد تفكير عميق جلب الضحكة لشفتيه من سذاجة السؤال
_ هل حقا تراني جميلة ؟
استاءت من ضحكه لكنها شعرت برغبة غبية لمعرفة الجواب والذي لم يتأخر . . رغم الضحك ... ليسعد قلبها
_ نعم جميلة .. جميلة جدا
وغرقا في الحديث ... بين ضحك وجد ..
سؤال وجواب ومحاولة اكتشاف الأسرار ..
يستمتعان بكل كلمة وضحكة تشاركاها ..
ورضا غريب منه ومنها ...
حتى اعتذرت مضطرة للمغادرة , تريد اللحاق بكليتها ..
فشيعها بعينيه ... مستاء رغما عنه من ملابسها ..
متسائلا .. هل يجدن اللباس المحتشم عيبا أم ماذا !
فكر بسخرية
( روز ومثيلاتها مرض ينتشر كالوباء )
لكنه ابتسم لنفسه معترفا بالحق
( وباء جميل !)
فجميلة لم تكن سوء جزء من هذا الوباء .. يشعر به يحاول التسلسل له ليصاب به ..
لكنه حقا يخشى الإصابة ..
نهض أخيرا من مكانه عائدا للمعهد وقد نسي كل شيء عنه في الساعة الماضية ..
ما إن وصله حتى قابله وجه مازن الغاضب والعابس بشدة ..
فسأله
_ ما الأمر ..
أخبره باختصار , اضطرار ميرا للمغادرة , وحلوله مكانها ليسد غيابها , فتبرع مالك بسد فراغها للحصة الثانية إن لم تأتي ..
ليوافق مازن ممتنا ..
كان ينتظر مساعدة كهذه فلديه حصة وقد تأخرت ولا فكرة لديه عن كيفية التصرف ولراحته فقد حل مالك المعضلة باقتراحه ..
....................
كم تغير المكان !
فكرت غالية بذلك بينما تجوب الشارع الذي كانت آخر مرة فيه منذ سنوات كثيرة ..
ثلاث وعشرون عاما مروا كغمضة عين ..
تشعر بالندم .. ولا تشعر به ..
وجدت بتلك الصغيرة ما فقدته ..
جلست على طرف الرصيف ونثرت أمامها حصاها وأصدافها تنادي لمن يريد معرفة حظه ..
بينما عقلها في مكان آخر تماما ..
ذات الأعوام مرت منذ أن توفيت أختها وزوجها وابنتها ..
كان الشتاء قاسيا , وجرفت السيول الكثير من الخيام , ومنها خيمة أختها , وخسروا الكثيرون منهم ..
قبل أن يغادروا المكان و يأتون لهذه المدينة ..
فجيعة كبرى كانت .. وابنة أختها كانت الطفلة الوحيدة التي ماتت بالسيل ..
وحين كانت تسير على غير هدى رأتها ..
طفلة وحيدة لا يبدو أن أحدا معها ..
فلم تتمالك نفسها لتأخذها عوضا عن تلك التي خسرتها ..
لما عليها أن تندم ؟
على الأقل كان مصيرها الآن مرضيا جدا .. ماذا لو أنها وقعت بيد من لا يرحم .. ما الذي كان ليكون مصيرها ؟
نعم لقد أرسلها القدر لكي تنقذها ربما من مصير أسود ..
لقد فعلت الصواب ..
قلبها مرتاح .. ليس ذنبها إهمال والديها ..
كيف يتركان طفلة بريئة مثلها تخرج دون رقابة , بل كيف تخرج من الأصل !
( تعالي لأقرأ حظك )
( تعال أكشف لك ماذا يخبئ لك الغد )
تنادي وتطلب من كل شخص يمر من أمامها أن تقرأ له حظوظه ..
قليلون من وقفوا معها ليسمعوا ما تقوله .. والأقل صدق ما قالت , وبعضهم للتسلية لا أكثر وبعضهم من رماها بكلمات السخرية ..
ألقت نظرة أخيرة للشارع لقد مر عمر كامل ..
لم يعد أحد ربما يذكر طفلة صغيرة ملاك أبيض بشعر أسود ..
لم يعد أحد يذكر اختفائها حتى ..
ابتسمت لنفسها تلومها للقلق , لقد مرت سنوات كثيرة والأمر بات مجرد ذكرى ..
رأت ديسم يقترب من مكان ما ..
فاقتربت منه بطبيعية , بدا منظره غريبا في المحيط بوسامته وقسوة ملامحه ..
وحتى ثيابه الجادة , سروال جنزي باهت وقميص مفتوح الصدر تحته لباس ضيق فسر عضلاته الضخمة ..
دنت منه دون أن ينتبه لتسأله
_ ما الذي تفعله هنا ؟
ابتسم لها لكنه لم يجب .. وهي لم تكن تتوقع إجابته , فقط ابتسم لها ..
ليضع يده الضخمة الخبيرة على كتفيها قائلا
_ أنهيت عملي هل تعودين معي غالية ؟
هزت رأسها موافقة ولم تسأله مجددا عن عمله الذي أتى به لهنا ..
فلا جواب ستحصل عليه ..
انتبه كونها متوترة , غالية التي يعرفها لا تتوتر أبدا , قطب متسائلا
_ ما بك غالية لا تبدين بخير ..
نظرت له بصمت مطولا .. وأشارت بعينها إلى مكان ما أمامهما وهمست بصوت خافت
_ من هنا أخذتها ..
كان يبدو أن المنطقة أغلبها تجارية , تنهد بأسى لا يعرف ما يقوله !
فلم يكن أحد راضيا عما فعلته , وكذلك لم يجرؤ أحد على فعل شيء لإعادة الصغيرة , فذلك يعني المسائلة القانونية ..
لذلك كبرت تلك الطفلة لتكون غنجة ..
الطفلة التي ماتت بالسيل ..
أصبحت روان .. غنجة ...
قليلون من الجيل الجديد منهم يعرفون القصة , فقط المقربون جدا من الشيخ رجب وغالية ..
فقد منع الكلام فيها .. لا يجرؤ أحد على ذكر القصة ..
_ لا باس غالية , دعينا نذهب ولا تعودي لهنا مجددا .
قال ذلك يدفعها برفق أمامه حتى يغادرا المكان ..
متسائلا ( هل سيعانون يوما تبعات ما حدث ؟)
لكنه أخفى أفكاره بإحدى أجمل ابتسامته يقول لها
_ غالية مر وقت منذ آخر مرة قرأت لي حظي ..
هزت رأسها ضاحكة
_ حظ من يا فتى , أنت الحظ نفسه ..
عدل لباسه بغرور , بينما نظرات الفتيات حوله ترمقه بإعجاب .. وعجب ..
فنهرته مازحة
_ كفاك غرورا .. متى ستتزوج ؟
هز كتفيه وابتسم وكان الصمت جوابا ..
.........................
نظرت لها أمها بعجب وقالت بغير رضا
_ ما بك راميا تسيرين كعجوز عمرها 100 عام !
برمت راميا شفتيها بألم وحنق مفكرة ( لو علمت فقط !)
لكنها لم تجرؤ على قول شيء مما فكرت به , وقد حرصت تماما على اختيار ثوب يغطي جسدها بأكمله وقالت بأنين ضعيف
_ لم أنم جيدا ليلة أمس أمي ..
اتسعت عيني السيدة تدق صدرها
_ هل هو قوي لهذا الحد ؟
قطبت راميا وقد فاتها قصد أمها بينما ارتجفت حدقتيها متسائلة هل أمها تعرف شيئا؟
ازدردت لعابها تسأل بصوت خافت جدا يكاد يكون هامسا
_ ما الذي تقصدينه أمي ؟
ارتفع حاجبي أمها , مشيرة لجسدها المتشنج
_ وما سبب قلة حيلك يا فتاة !
احمرت راميا بخجل متمتمة
_ كفى !
ولم تترك لها مجالا للحديث تتجه لتجهز القهوة مجبرة نفسها على السير باستقامة ..
وهو أمر اعتادته , التمثيل أنها بخير ..
لكن تعليقات أمها على إرهاقها الواضح جعلت ضحكة مريرة تتردد في حلقها تخشى خروجها ..

فأين حياتها .. وأين ما تفكر به أمها !
_ ألم تحملي بعد يا بنت ؟
تأففت بصمت .. فهذا هو السؤال المعتاد كل يوم ..
_ ليس بعد أمي ..
نفت بسرعة قبل أن يتشعب الحديث وتدخل بنقاشات لا صبر لها عليها , ومنها أن عليها أن تزور طبيبة للكشف عليها ..
وهذا ما كان ينقصها !
أن تعرض جسدها المتقرح على من يفضح أمرها وحينها خطوة مكسيم التالية ستكون قتلها ..
ارتجف جسدها برعب حينما تذكرته ..
قادر هو على إرعابها ولو عن بعد !
أي عالم هذا الذي تعيش فيه .. نهارا تمثل أنها بخير .. و ليلا تمثل أنها تعودت على أنها بخير ..
_ يجب أن تبذلي جهدك , من الممكن أن يكون العنف الذي تعانين منه الآن هو تأخرك بالحمل ..
انتفضت جزعة تنظر لها برعب
_ أي عنف أمي .. ما الذي تقصدينه ؟
لم يبدو على أمها أنها انتبهت للحالة العجيبة التي أصابت ابنتها بل عنفتها , لأنها سكبت القهوة على النار تذكرها أن تصرف كهذا أمام زوجها أو ضيوفه لن يعجبه أبدا , ولو كانت معها إحدى النساء لانتشر خبر إهمالها ..
_ العنف الذي منعك النوم بشكل جيد الأمس يا حمقاء ..
زفرت براحة وقد فهمت ما تقصده أمها ..
وفكرت لبرهة , تريد أن تنهي أي جدل عن الحمل لاحقا
_ أمي مكسيم هو من لا يريد الأطفال حاليا حتى نستقر ..
_ ماذا ؟
صاحت أمها مستنكرة لهذا الكلام
_ استقرار ماذا , ومنذ متى كان الأطفال يعتبرون عائقا في حياتنا , لقد أنجبتك وأنا على نهر إحدى المدن ولم تكوني عائقا !
حملت إبريق القهوة الذي سكبت نصفه على النار وقالت بصوت فاتر
_ اشربي القهوة أمي ..
لكن أمها كانت تريد النقاش
_ لم تخبريني أي استقرار هذا ؟
لم تعرف بماذا تجيب , أرجعت شعرها لخلف أذنها بينما شعرت أن الجلوس على الأرض سيكون مؤلما , في الواقع مجرد قيامها اليوم يزيد ألمها , كانت تريد التمدد على بطنها فقط , لكن قدوم أمها الغير محسوب هو سبب أن النيران تلهب ظهرها..
أنقذها من الموقف صوت مكسيم الذي اقترب منها بينما لا زالت واقفة يحيط خصرها بذراعه , عالم تماما بالشهقة التي كتمتها من الألم , بينما أصابعه تغرز في خصرها
_ استقرارنا هنا عمتي .. فأنت تعرفين معنى ذلك , لو استقرينا هنا يجب أن أجد مصدر دخل ..
كشر بينما ساعد راميا المتحاملة على ألمها كي تجلس على الأرض بلفته بدت لأمها رومانسية جدا ..تأثرت بها ودعت لابنتها بدوام السعادة ..
_ فالمدينة هنا لن تنجذب لعروضنا للنهاية , سيملّون ..
وجلس قرب راميا على الأرض مادا ساقا بينما رفع الأخرى يستند عليها بذراعه ويده الثانية تلاعب شعر راميا ..
_ الاستقرار هنا خطأ ويجب أن نجد حلا للأمر ..
صب لنفسه من القهوة ليسمع أمها تنبهها
_ صبي القهوة لزوجك يا بنت !
لكنه قال بصوت حنون
_ اتركيها عمتي .. أنا أصب لي ولها ..
وبالفعل أعطاها فنجانها لتأخذه بينما داخلها يتساءل
( أي مصيبة تخفي لي خلف هذه المعاملة )
نهضت أمها ما أن أنهت فنجانها
_ لا بد أنكما تريدان الراحة ..
نهض بسرعة يضع يده على كتف راميا كي لا تنهض قائلا
_ تمددي أنا سأرافق عمتي ..
وبالفعل تمددت وكأنها كانت تنتظر اللحظة , استلقت على بطنها متأوهة بألم وسمعت صوت خطواته عائدة , لكنها لم تفتح عينيها حتى ليفعل ما يشاء تكاد تموت من الألم ..
جلس قربها على الأرض فقالت بترجي
_ أرجوك افعل شيئا , احترق ..
شق ظهر فستانها لتشهق برعب لكنه فقط تأمل ظهرها وما فعله ..
مد أصابعه ليلمسه , لكنه تراجع عن الأمر فقال لائما
_ ما الذي وضعك في طريقي ؟
لم تجب .. مرة واحدة أجابت فيها وكانت الأولى والأخيرة حين قالت له ( سوء حظي ) ليريها سوء الحظ كيف يكون على أصوله , فتوقفت حتى عن النقاش .
ابتعد عنها قليلا يبحث بين أشيائه ..
لحظات وهي مغمضة العينين مرتجفة القلب لا تعرف على ماذا ينوي حتى أحست بشيء بارد نزل على ظهرها , شهقت من البرودة وحاولت النهوض , لكنه منعها
_ اهدئي , إنه للجروح , أحضرته منذ فترة ..
رفعت رأسها كمن أصابته ضربة غادرة تسأله بقهر تطفر الدموع من عينيها
_ منذ فترة وأنا أموت ألما أماك كل يوم ...
ارتفع حاجبه بينما أغلق الأنبوب أمام عينيها لتخفض وجهها بين كفيها وتبكي عالمة أنه لن يكمل التخفيف عنها بسبب لسانها الأحمق ..
ولعجبها .. عادت البرودة لظهرها بينما كفه يمر بلطف يبرد نارها وألمها
......................
جلس الشيخ رجب في مجلسه منتظرا عودة لمك ..
أصبح التأخر في العمل عادة له , الأمر مزعج ..
فتساءل في قرارة نفسه هل كان حقا من الصواب استقرارهم هنا !
دخل ديسم عليه في المجلس , يلقي التحية ويجلس بعيدا عنه قليلا , ليتبعه مكسيم وبعض الرجال ..
تطلع ديسم حوله متسائلا
_ ألم يصل لمك بعد يا شيخ ؟
نفى بهزة من رأسه ليهب مكسيم ساخرا
_ وهل يجب انتظار الأمير مثلا ؟
نفخ الشيخ رجب دون صوت , توقع هذه المداخلة , حقيقة كان سيستغرب لو أنه بقي صامتا , لكنه ابن أخيه وعليه التحمل , فأجابه
_ أنت تعرف أن لمك عضو فعال في المهرجان ويجب أن ننتظره ..
فتح فمه ليرد لكن الأخير دخل المجلس في هذا اللحظة معتذرا على التأخير ..
وما أن استقروا جميعهم حتى أشار الشيخ لديسم أن يبدأ بالكلام ..
لذلك أجلى حنجرته قائلا
_ لقد وافق مجلس المدينة على عروضنا المتنقلة طوال العام , لكنهم يشترطون أن تبقى الحيوانات في أقفاصها ..
اعترض مكسيم حالا
_ وكيف سنقوم بالعروض وهي في أقفاصها ..
نظر له الشيخ ليسكت , بينما تابع ديسم وكأن المقاطعة لم تكن من الأساس
_ أثناء العرض لهم الحرية ولكن دون عرض حتى ثانية منعوا وجودهم خارج قضبان الأقفاص ..
وافقه لمك بتفهم
_ من حقهم هذا , فمهما اعتادت عليهم الحيوانات تبقى فيها الغريزة والفطرة.. ويخشون حتى هم من هبوب الفطرة فجأة , فما بالكم بأهل المدينة ..
ضحك مكسيم بسخرية مستغلا الموقف
_ أنا قادرة تماما بالسيطرة على ثعباني , أم أنك تخشى حيوانك لمك ؟
ابتسم له ببرود لكنه ألزمه حده بكلمات بسيطة
_ أنا كفيل بحيواني , وقادر عليه بحركة واحدة لو فكر بالتمرد .. لكن ثعبانك ذيله لوحده لو فقدت السيطرة عليه يسبب الكوارث ..
كشر مكسيم بشر , لكن ديسم قطع عليهم الجدل مكملا حديثه للمجموعة
_ سمحوا بالعروض الحية والبهلوانية ..
_ هذا جيد ..
علق الشيخ رجب باستحسان ..
فأضاف ديسم
_ لمجلس المدينة نسبة من أرباح مهرجاناتنا ..
حينها كان دور لمك ليعترض
_ أي نسبة هذه , لقد أخذوا نسبة لقاء بقائنا هنا ,. والآن يريدون نسبة من عملنا هذا استغلال ..
هدأه ديسم شارحا
_ لم نوافق بعد لا زلنا نتناقش معهم ..
_ ولا تقبل النقاش حتى ..
قال مكسيم ذلك ..
ليقرر الشيخ رجب حاسما الموقف
_ إذا حددوا يوما وراجعوا المجلس معا لإنهاء المسألة ..
وافقه الجميع على ذلك لينفض المجلس بعد عدة نقاشات حول ما يلزم للتحضيرات ..
تركهم لمك بعد وقت طويل متجها للحظيرة ,حيث وجد مكسيم هناك ..
استغرب مما يفعله ..
فهو يثير ثعبانه بقطعة اللحم التي بيده دون أن يعطيها إياها ..
أراد أن يسأله لما يفعل ذلك , لكنه لم يجد في نفسه الرغبة بالدخول في نقاش معه ..
تخيل في تلك اللحظة أنه يعجن مكسيم بيديه ليحوله لقطعة لحم يأكلها أسده !
هز رأسه يطرد الهاجس من باله ..
مركزا على حيوانه الهادئ مبتسما له ..
سيبدأ تدريبه منذ الغد استعدادا للعمل القادم ..
لم ير نظرة مكسيم الباردة كالصقيع له ..
ولو رآها .. لكان خشي حقا مما هو قادم ...
نهاية الفصل الرابع
....................................

شببت غجريةWhere stories live. Discover now