الفصل الثاني عشر

1.8K 51 2
                                    

الفصل الثاني عشر
................................
رمى العود من فمه , عادته الأزلية حين يكون متوتراً , ينتقم لكبريائه الذي جرحه رفض مجرد فتاة له !
وليس أي فتاة , إنما مجرد لقيطة أحضرتها غالية من الشارع , وأصبحت من لا شيء , كل شيء ! وأمرها مطاع ... حتى عمه رجب  لا يقدر على مواجهة دموعها , وعندما أرادها رفضت .. فرفض الجميع , والآن بكل بساطة يريدون إعطائها للمك .. بمَ لمك أفضل منه ؟؟
التوت شفتيه بابتسامة قاسية مفكراً بشر ( فليهنأ لمك بالبقايا )
علت ضحكته , ليعود للداخل , نظر لروز التي كانت تنظر له باكية , بوجه محمر , لم يملك إلا أن ضحك ساخرا منها
*يا فتاة عندما تبكين تصبحين من لون شعرك ..
احتقنت الدموع في عينيها غضباً وقهراً لكنها لم ترد ..
مرهقة ومتعبة وكتفيها كأنهما خلعا من مكانهما ..
تقدم لها تاركاً وجبته الدسمة لما بعد ..
تلمس وجهها مكشرا ليهمس أمام عينيها
*لست من نوعي المفضل , سوء حظك هو ما أتى بك إلى هنا !
شهقت بقلق ورعب , حينما التف وأصبح خلفها , لتصرخ صرخة خافتة , عندما سحبت ذراعيها أكثر نحو الأعلى , لتصبح معلقة بذراعيها فقط ..
تأوهت متألمة , تحاول الوصول للأرض ولو بأطراف قدميها , لكنه ضحك ليدفعها تتأرجح معلقة , متألمة .. لا تقدر على فعل شيء سوى البكاء والخوف ..
تركها على حالها قائلاً باستهتار
*تمتعي بالعرض ..
وقف قرب غنجة التي لا تجد صوتها من فرط ما مرت به من ألم تنظر له رغم كل شيء بكرهٍ لا يوصف ..
سألها بظرف
*هل فكرتِ ؟
ردت من بين أسنانها , تقاوم الصراخ ألماً
*لا زلت على رأيي , اذهب للجحيم .. أكرهك .. أكرهك فوق كل تصوراتك ..
أصدر صوتا آسفا بلسانه , ليبتعد قليلاً
*وأنا قلت لك , غنجتي .. أريد أن أعطيك سبباً منطقياً للكره ..
وعاد لها بعد لحظات , ليثبت وجهها على جانبه , مبعداً شعرها تلمس نقطة ما خلف عنقها وابتعد ليتركها ثانية , بينما هي تلهث خوفاً مما قد يفعله مجنون مثله ..
نظر لجسدها الملسوع بالسياط , الرطب من الثلج الذائب ..
وبغل وشر .. تلمس أثر السياط , يحكه بأظافره ..
لتصرخ صرخات مبحوحة خافتة ..
وروز تجاهد مع جسدها المعلق , تنظر لها ببكاء صامت , لا حول لها ولا قوة..
تساءل متظاهرا بالتفكير
*ترى غنجتي .. هل تتحملين بضعة سياط أخرى ؟
اتسعت عينيها برعب , لترد روز عنها
اتركها أيها الهمجي . اتركها ستقتلها ..
*أوه
تأوه بعينين كاذبتين من الرحمة
*كرمى لها لن أزيدك منها ..
ونظر لروز بعينين حادتين ..
*ألست رحيما بها ؟
اهتزت حدقتيها بخوف , ولم تملك إلا أن تجيب بنعم !
خافت أن تجيب بلا فيضربها ..
وفعلت الصواب فعلاً , فقد ابتسم برضا , ليبتعد قليلا , عبث بحبل ما , ليصبح القفص الضخم على الأرض , ثبتت روز عينيها على الثعبان الذي بدا غاضباً ..
وعادت بعينيها لمكسيم الذي يعبث بشيء ما بعيدا عنهما ..
للحظات وعاد ضاحكا بصوت مرتفع ليقول وكأنه يقدم عرضاً مسرحياً
*والآن حان وقت العرض .. غنجة ابنة السيل ....
نظر لروز متسائلا
*هل تعرفين ما هي ابنة السيل يا فتاة..
هزت روز رأسها بلا , وغنجة تتابع ما يقوله باستغراب , لا تفهم ما علاقة ما  هي به بحياتها ووالديها .. ليكمل موضحا
*هي الناجية الوحيدة من السيل ..
تظاهر أنه تفاجأ بالأمر ليردف بذات النبرة المتفاجئة
*أتصدقين أن طفلة ذات ثلاث سنوات فقط تنجو من السيل الجارف الذي لم يترك لا حجرا ولا بشراً ؟
لم تعرف روز بمَ ترد عليه  , لكنها تعاطفت مع غنجة , التي فقدت والديها بهذا العمر الصغير ..
حتى غنجة لم ترد ..
أغمضت عينيها باكية بقهر .. مشتاقة لغالية , حتى أنها همست باسمها بلوعة ..
سمع همستها الخافتة , فسكت لينظر لها , نظرات لم تفهمها روز إطلاقا .. بدا متعاطفا ! أيعقل أن يتعاطف الجزار مع الضحية ..
لكنه قال بعد برهة من الصمت ..
*لو أنك تعلمين !
لكنها لم تكن واعية لتسأله عما يقصده ..
اقترب منها ليحك جلدها بأظافره من طرف قدمها , مبتسما على آهاتها وآلامها التي أغلقت روز عينيها متألمة معها ترفض مجرد النظر ..
حتى وصل لوسطها ..
ثبت عينيه على عينيها ويده تعبث بلباسها ..
رفع حاجبه وكأنه يسألها رأيها .. فشهقت باكية لتصرخ به بكل قوتها محاولة التحرر مع ضحكاته التي بدأت توترها
*حـــقـــــيــــر ..
لكنه ضحك ليتركها , وتابع على بطنها وصدرها حتى وصل لعنقها ليهمس بغل
*هذا الحقير هو الوحيد الذي يريد أن يخبرك حقيقة أخفيت عنك أعوام ..
وبقوة أطبق على عنقها يقطع أنفاسها , ليحمر وجهها وتنتفض تحت كفه القوية حتى كادت عينيها تخرجان من وجهها , فتركها حينها , ليقبض على جانب وجهها ..
مديراً عنقها كما المرة الأولى متحققاً من تلك الوحمة الغريبة على عنقها تحت شعرها .. تلمسها يكلمها بصوت عميق مفكر ..
*أتعلمين بشأن هذه الوحمة غنجة ؟
كانت بالكاد تلتقط أنفاسها , فشد شعرها يعيد السؤال , لتجيب بقوة محاولة الصراخ , ليخرج صوتها كسعال خفيف
*لا .. لا أعلم عنها شيئا ..
هز رأسها يرسم دائرة بإصبعه حولها يخبرها
*إنها عنقود عنب .. تخيلي ذلك ! عندما كنتِ صغيرة سألت غالية عنه , وقالت أن أمك توحمت على العنب .. ترك رأسها ليمسك فكها ينظر لعينيها بأسف مفتعل
*لكنها لم تأكله , فظهر على عنقك .. مسكينة .. ماتت دون أن تأكل عنب !
دمعت عين غنجة من كلامه فترك وجهها بقسوة ليصفعها دون سبب , مخرجا من جيبه سكينا حادة ذات نصل لامع ..
*هل أريحك من الوحمة ..
اتسعت عينيها رعبا , لتفتح روز عينيها تنظر له , تحاول فهم ما يقوله ..
لكنه سأل بصوت قوي هادر
*هل تريدينني يا غنجة , قولي نعم وسنخرج من هذا المكان في هذه اللحظة ونبتعد عن كل شيء..
نظرت وكأنه مختل عقلياً بعيون متعبة .. مرهقة ..
*قولي .. هل تريدينني ..
لتصرخ بكل قوة ..
*لا لالا .. لا أريدك ..
نظر لها بعيون ضيقة , تلمع بالشر .. قائلا بلهجة باردة ... كالصقيع ..
*إذن .. اذهبي للجحيم ..
مرر السكين أمام عينيها هامسا ..
*تباً لغرورك حتى في قمة ضعفك ..
وببطء غرس النصل الحاد في ذراعها , ليقطع طوليا جلدها , مبتسما للدم الذي خرج على الفور متدفقا , لتصرخ بصوتها المبحوح ألماً لم يعد لها قدرة على احتماله , تشاركها روز التي صرخت خوفا من منظر الدماء النازفة ..
لحظة كانت كالجحيم .. وهو ينتقل من ذراعها الأيمن بسرعة يغرس فيه النصل محدثا ذات الجرح ..
مبتسما من صراخها الذي خرج مذبوحا , مختلطا بصراخ روز الخائف ..
وبلمح البصر لم يعرف ما الذي حصل ..
ضجة كبيرة , بينما أحدهم قفز من خلفه , لا يعرف من أين ..
التفت , ليعاجله لمك بلكمة أوقعته أرضا من المفاجأة ليقع النصل من يده ..
تفاجأ لمك بمنظر الدماء النافرة فهدر باسمها , لكنها كانت بعد لحظات فقط عن الوعي , لتغمض عينيها لا تشعر بما يحدث حولها..
*احذر ..
صرخت روز تحذره من مكسيم الذي حمل سكينه مكشراً
*لمك العظيم ..
وبشماتة قال مشيراً بسكينه للجسد الذي سكنت حركته
*لقد تأخرت هذه المرة ..
وضربه بالسكين , لينزل لمك أرضا ملتفا بعيداً عنه , يبحث عن أي شيء يدافع به عن نفسه ..
لكنه لم يتوقع أبداً أن يكون مكسيم من الجنون بحيث يقطع الحبل الخاص بالقفص لينفتح الباب ... تاركا الحرية للثعبان ..
ضحك مكسيم بجنون ..
*لا أحد بعدي ..
صرخت روز وهي ترى الثعبان يخرج برأسه الضخم من قفصه ..
كان موقفا لا تريد حتى في أسوأ أفكارها أن تفكر به .
انشغل لمك مع مكسيم الذي هجم بسكينه عليه , في الوقت الذي دخل فيه مالك وديسم من الباب ..
توقفا على الفور , فالثعبان أطل عليهما برأسه , ينظر مباشرة لهما ..
لكنه أمال رأسه مبتعداً على الفور , وروز تنادي مالك ليساعدها , فركض مباشرة لها , ليقطع الحبال التي تلتف حول يديها ..
ما أن أنزلتها حتى هتفت برجاء
*مالك أسرع الثعبان عند غنجة !
التفت لمك في تلك اللحظة , فعاجله مكسيم بضربة غادرة , جرحت ذراعه , لتنفر الدماء منها , وينقض عليه بالضربات , مستغلاً قلة انتباهه ..
أما ديسم ما أن رأى الثعبان , حتى سحب إحدى سكاكينه , ليرميها عليه بدقة , ومالك يراقبه بحذر .. ونجح بالفعل بشد انتباه ذلك المخلوق بعيداً عن جسد غنجة , فانطلق نحوه , زاحفا بسرعة مصدراً ضجة , ومالك سارع لجسد التي لا تشعر بما يجري حولها ..
*تحتاج طبيب ..
هدر بذلك وهو يجاهد مع تلك الطريقة العجيبة , التي قيدها بها مكسيم , وروز اتجهت له .. تحاول بيديها المخدرتين أن تغطي الجروح , وتمنع تدفق الدم منها , بينما سارع بضعة رجال مع ديسم على رمي السكاكين على الثعبان الذي أصبح يصدر أصواتاً متألمة يضرب بجسده كيفما اتفق ..
أنزل مالك جسد غنجة وحملها ليخرج بها من المكان , ولمك باغت مكسيم بضربة على خاصرته , أعطته بعض اللحظات ليلتقط أنفاسه ويصبح في موقف القوة ..
لكن الثعبان المهتاج , ضرب بذيله ساقي مالك فوقع أرضاً مع غنجة التي وقعت من بين ذراعيه وكأن لا حياة فيها ..
ابتعدت روز خوفاً ووجهها محمر بشدة ذعراً ..
التف الرجال حول الثعبان , ومالك يستجمع نفسه متألماً ليلتقط جسد المغيبة ويسرع خارجا بها مع روز من المكان , حيث تلقاه بضعة رجال آخرون أخذوها منه وانطلقوا جميعا نحو المضارب ..
كان جرح لمك يؤلمه وينزف بشدة , حتى زاغت الرؤية في عينيه , يواجهه مترنحاً.. انتبه ديسم لذلك , فكان أن عالج الثعبان بسكينه الضخم حتى هدأت حركته فتمكن منه باقي الرجال ..
ساعدهم على إخماد حركته , لتحين منه التفاتة نحو لمك الذي كان ممددا على الأرض , يتلقى اللكمات محاولا بضعف المقاومة , فما كان منه إلا أن سحب السكينة من جسد الحيوان المنازع ..
وبتركيز .. رمى سكينه بحذر وقلق , ولكن كعادته .. لم تخطئ سكينه أبداً فقد أصابت منتصف ظهر مكسيم الذي شهق من الصدمة ليرتد ظهره للخلف , ثم وقع على جانبه  , يمد يده محاولاً سحب السكين , غير مصدقٍ أنه تلقى مثل هذه الضربة !
لم يلتفت له أحد , تركه الرجال مهتمين بالثعبان , وديسم اتجه نحو لمك , المسجى بدمائه ليهتف حالا من منظر الدماء حوله
*جرحك ينزف بغزارة تحتاج رعاية طبية ..
لم يرد لمك عليه , بل حاول رغم إرهاقه النظر حوله يطمئن على غنجة , وسأل عنها بصوت مجهد لخبره ديسم
*أخذها مالك هي والفتاة الثانية ..
ساعده ليقف , ويستند عليه , وانطلق معه ليغادرا المكان ..
تاركان مكسيم , الذي كان ينظر لهما بقهر , والدماء تخرج من فمه بشكل منفر ..
حتى أن الرجال وقفوا يتفرجون عليه يموت ببطء أمامهم ..
كم تجبر يوماً .. وكم أهان وعذب ..
اقترب منه أحد الرجال ليقول بكره
*مت كما قتلت زوجتك المسكينة , وتعذب كما عذبت الفتاة ..
لكن سكينة سريعة جاءت في موضع القلب بالضبط ..
ابتعد الرجال بعجب , يرون ديسم خلفهم , يتجه نحو مكسيم بخطوات واثقة
*كان وعداً للشيخ رجب .. ونفذته ..
وسحب سكينه من قلب مكسيم ومن ظهره ..
وابتعد بذات الخطوات آمرا
*تخلصوا منه ..
.................
رأى نيمار مالك , يسير بضعف يحمل جسد ما بين ذراعيه , وأمامه رجل يفتح الطريق من الأعشاب المرتفعة , والشجيرات الصغيرة ..
وخلفه متمسكة به روز .. لم تكن تبدو طبيعية ..
لكن ما لفت نظره هو مشية مالك المترنحة  , فركض نحوه , يأخذ الجسد النازف منه , يسمعه يقول من بين لهاثه
*تحتاج رعاية طبية بسرعة , إنها تنزف ..
نظر نيمار للرجال الذين كانوا معه , ولم يأبه لأحد منهم , بينما سند مالك روز , بقوة رغم ألم ساقيه ..
وعادوا أدراجهم , وما أن وصلوا حتى نادى نيمار عمه وناهد ومجيد..
ووضع جسد غنجة في الخلف , لم تفهم ناهد ما يحصل , لكنها ركبت بالقرب منها تضع رأسها على فخذها وركب معهم مجيد , لينطلق نيمار بسرعة ..
التفت مالك لروز أخيراً ليجدها , على شفا الانهيار , فنظر لها مقطباً
*هل أذاك؟
لكنها لم ترد , لتقع بين ذراعيه التي تلقتها جزعاً هاتفاً
*يا إلهي ما بك ؟
فرأى على ظهرها أثر السياط الدامية التي تلقتها فشتم من بين أسنانه
*أريد سيارة !
وصل ديسم تلك اللحظة يطالب بسيارة هو الآخر ...
وخلال لحظة كانت السيارة الخاصة بالشيخ رجب قد جاءت لينطلق الجميع بها , روز ولمك فاقدا الوعي , يقودها مالك , رغم ألمه , وديسم يحاول أن يبقي لمك واعياً لكنه لم ينجح ..
ليجري اتصالاً آخر على رقم نيمار من هاتف ديسم , يسأله لأي مشفى يتوجه حتى يذهب له ..
ليعج المشفى في تلك اللحظة بالناس , بينما الجميع يريد الاطمئنان على المصابين ..
.................
بعد ساعة ..
وصلت الشرطة , لتجري تحقيقاً فيما يجري ..
حينها هتف رشيد بغضب
*حينما ذهبت لأقدم بلاغاً عن فقدان ابنتي لم تفعلوا شيئا , ماذا تريدون الآن تلوموا من حرر ابنتي من يد مجرمٍ سادي كان على وشك قتلها !
لم يعلق الضابط بشيء , بينما تكلم نيمار مع معارفه لينتهي أمر الضبط على الفور دون أن يتعرض أي منهم للمسائلة القانونية , فما حصل لم يكن يستحق فاعله سوى القتل ..ساعدهم على ذلك أن مكسيم ليس له أي أوراق ثبوتية , معظم الغجر كذلك , ليس لهم أوراق تثبت من هم لذلك فمتابعة مجرم منهم ستكون كمن يتابع أشباحاً لا يراها ومكسيم استحق القتل ... بل أكثر من القتل .. كان يستحق أن يقطع حياً ..
روز حالتها مستقرة بعد أن تلقت العلاج المناسب للسياط على ظهرها ..
ولمك يتم تقطيب جرحه العميق الذي نزف كثيرا ..
ومالك بحالة جيدة , مجرد أثر كدمات من ذيل الثعبان الضخم ..
خرج الطبيب مقطباً بقلق
*نحتاج دماً من زمرة a-
*لمن؟
تساءل ديسم على الفور , ولكن الجواب كان معروفا .. فالدم لغنجة التي خسرت الكثير من دمائها وحالتها حرجة ..
نظرت ناهد المستغربة , بغير استيعاب
*استدعوا أحداً من عائلتها ..
لكن الشيخ رجب , اتسعت عينيه رعباً فلا أحد من قبيلته يملك ذات الزمرة من الدم..
هتف ديسم
*اطلبوا من بنك الدم !
تساءلت ناهد ببراءة
*أليس أحد منكم له نفس زمرة دمها !
لم يرد أحدهم عليها , بينما تذكرت أختها التي تملك ذات الزمرة مع زوجها متذكرة أنها كانت تأخذ إبرة من أجل الحمل والولادة ...
*حالتها حرجة ..
صرح الطبيب بذلك , ليعود للغرفة حالاً ..
بينما بقي الانتظار سيد الموقف ..
فالدماء التي خسرتها من جرحيها كانت غزيرة ..
جمانة وصلت أخيراً بعد أن استردت وعيها وأحضرها مجيد , متأكداً أنها لن تنهار فابنتها بخير , ومالك بخير ..
بينما ابنة العائلة ... ليست بخير ولكن لا يعلمون ..
....................
لم يسمح رجال القبيلة لغالية بالذهاب للمشفى , فلم تكن في حالة تسمح بذهابها , غاضبة وهائجة , والشيخ رجب أكّد عليهم ألا يسمحوا لها بالقدوم ..
خوفاً أن يزل لسانها وتفضح كل شيء ..
دخلت جمانة لابنتها التي استردت وعيها ..
ضمتها بحذر
*ماذا فعلوا بك يا ابنتي .. ماذا فعلوا ..
لم ترد روز متألمة نائمة على بطنها , وظهرها بالكاد يتحمل غطاء المشفى الرقيق الذي تتغطى به ..
*كيف حال غنجة ؟
سألت بضعف , لتحترق الدموع في عينيها تهمس بخوف وقلق
*لقد ذبحها ..
انحنت جمان تقبل رأسها باكية معها تطمئنها
*لا , لم يذبحها هي بخير لا تخافي ..
كانت روز تهذي برعب تتذكر ما حدث معها
*لقد قطع وحمتها .. سمعته يقول سيقطع عنقود العنب خاصتها .. سكينته كانت حادة جدا .. مليئة بالدماء ...
دخلت ناهد , متعاطفة مع جمان ومعها صفاء ..
*كيف حالها ..
سألتها صفاء ... لترد ناهد تغص بدموعها
*تهذي .. قال الطبيب إن ذلك من تأثير الجلد ..
اقتربت ناهد منها تضم رأس جمانة على صدرها
*ستكون بخير ..
ركعت صفاء قرب رأس روز , تمسح على شعرها ..
مفكرة ببؤس , أن ذلك كله ذنبها , لو لم تشجعها للذهاب , لم يكن ليحصل كل هذا..
قالت ناهد متحسرة على حال الفتاة التي احتضنتها طوال الطريق , تئن رغم عدم وعيها بألم
*تلك الفتاة حالتها حرجة ..
ابتعدت جمانة عنها لتنظر لها من بين دموعها
*هل حقاً أزال وحمتها بالسكين ...
قطبت ناهد متذكرة
*لا أعلم كانت ذراعيها مجروحتان بعمق بشكل طولي مرعب ...
هزت جمانة رأسها متحسرة لحال الفتاتين وما عانتاه خلال ساعات فقط ...
لتهمس تنظر لرأس روز المنكس وعينيها الباكيتين
*روز تهذي أنه ذبحها ليزيل عنقود العنب !
تعجبت تهز رأسها بعدم تصديق , من حالة الهوس الذي يمر بها ذاك الرجل
*تخيلي ما عانته تلك الفتاة ..
بينما ناهد عادت بخيالها لذكرى قديمة , مناغشتها لأختها التي اشتهت العنب في عز الشتاء , ولم تجده , فكان أن خلقت روان بوحمة على عنقها غطاها شعرها مع الايام.. تلك الفتاة المسكينة ..
مال قلبها لها , لا تعرف السبب ولكن طوال الطريق أحست بقلبها ينفطر عليها ..
*جرحها جرحين طوليين في ذراعيها .. شكلهما مخيف , سمعت أن الطبيب قطبهما بحذر خشية أن تتأذى الأعصاب ...
*مسكينة ..
همست جمانة بذلك , بينما قلبها يبكي على حال ابنتها ..
الحمد لله أن ابنتها لم تنل بقدر ما نالت تلك الفتاة ..
وناهد تتنهد براحة , أن المشكلة انتهت على خير ..
.....................
وبعد مساعدة من ميرا ومناف , تمكنت عائشة من تبديل ملابسها , تستعد للزيارة التي تقررت بعد أسبوع , كي ترى الطبيبة الجرح , واستجابة جسدها للعلاج ..
لم ترافقها ميرا , فقط مناف ..
ومضى الكشف على خير , تؤكد الطبيبة أن الأمور على خير ما يرام , لكن الحركة ما زالت خفيفة جدا ..
عندما عادت معه ..
نظرت له بقهر وهي تراه , يخدمها , يساعدها على التخلص من حذائها وملابسها الرسمية التي أتعبتها , لملابس البيت المريحة ..
وبعد تفكير طويل ,  ابتسمت له , تشير قربها على الفراش
*اجلس أحتاجك ..
نظر لها باستغراب , لكنه نفذ رغبتها وجلس بالقرب منها ممازحا
*ماذا تريد الأميرة؟
ابتسمت , لكنها لم ترد ولم تنظر له ..
بل ثبتت نظرها على نقطة ما في الغرفة , لتقول بصوت بارد , وكأنها امرأة أخرى من تتكلم ..
*مناف أنت يجب أن تتزوج ..
قلتها بسرعة وأشاحت بوجهها بعيداً عن مجال عينيه تقاوم بشدة حتى لا تضعف وتبكي أو تبدل رأيها , فلم تر وجهه الجامد , المصدوم الذي لم يصدق ما سمعه !
*أتزوج !
كرر بآلية خلفها , ليقول ببرود
*وهل هذا طلب أم أمر ؟
لم ترد , غصت بدموعها فآثرت الصمت على النطق ..
مد كفه بقوة ليجذب وجهها ناحيته ينظر لها بعينين حادتين ..
عينين ذات نظرات قاتلة غير تلك المراعية التي كانت قبل قليل ليهمس بقسوة
*وكيف تفتق تفكيرك لمثل هذا الاقتراح ال.. ال ..
وسكت لا يعرف بما يصف اقتراحها ..
غير عالم بالنار التي اضرمت في أحشائها من مجرد الفكرة , لكنها استجمعت قوتها وشجاعتها قبل أن تخذلها نفسها , تنظر لعمق عينيه
*يجب أن يكون لك طفلاً ..
*طفلاً لست أنت أمه !
قاطعها هادرا , لينهض من قربها خشية أن يؤذي جرحها بحركة غير مقصودة , ليلتف حول نفسه وصوته يقصف في الشقة الخالية إلا منهما ..
*زوجتي تريد أن تزوجني لأكون أباً .. كم أنا محظوظ ..
*لا تسخر مني مناف ..
همست بضعف , ترفض النظر له لتكمل برجاء ..
*من أجلي ..
اتسعت عينيه لا يفهم عليها أبدا ما تقصده !
وقال مترجما أفكاره
*أنا لا أفهمك عائشة .. لا أفهمك ..
أغمضت عينيها , كي لا تنزل الدمعة الشريدة من عينيها ولم ترد, بصعوبة , تمددت على السرير , بصعوبة , حركتها ضعيفة , فتناسى كلامها , واقترب ليساعدها حتى ترتاح قليلا هامسا بقلق
*هل تشعرين بألم ؟
هزت رأسها بلا , ترغب في النوم
*فقط أرغب بالراحة ..
مسح على شعرها يدثرها بغطاء خفيف
*أجل نامي , هذا أفضل من الهراء الذي تفوهت  به ..
لكنها قالت مغمضة العينين برجاء
*ليس هراءً يا مناف ... فكر جدياً بالأمر ..
لم يرد , استقام عاصفا ليخرج من الغرفة مغلقاً الباب خلفه بقوة ..
لتترك الحرية لدموعها , كي تنساب رقة على خديها ..
هل يعتقد أن من السهولة عليها هذا الأمر !
إنه كالجحيم ناراً ..فقط لو يقدر ذلك .. ما تريده هو أن ينجب طفلاً ..
طفلاً يكون سندا له ... ولها ..
انتفضت حين فتح الباب بقوة ليطل منه مناف متسائلاً بتجهم ووجه مكفهر
*هل تفكرين بالطلاق عائشة؟
اتسعت عينيها ولكن قبل أن يتسنى لها الرد , هدر بقوة
*إن كان ذلك ما تفكرين به , فانسي الأمر تماما , لن أسمح لك بمجرد التفكير ..
ورفع إصبعه في وجهها محذراً
*والله , لو ذكرت موضوع الطلاق ولو بمجرد فكرة , لن أكون مسؤولا عما قد يحدث ..
وعاد ليخرج صافقاً الباب , يتركها على حالها الساهمة في كلماته..
لتهمس بخفوت
(المجنون .. من ذكر الطلاق أصلاً ! )
لكنها ابتسمت رغم كل ما تمر به من قهر من مجرد رؤيته غاضباً!
وأغمضت عينيها , دون أن تغير تفكيرها ..
مناف سيتزوج مهما عارض الأمر , فقط لا تكن حجراً في طريقه ..
لتكون دعماً له .. متذكرة .. لأجلها هي .. قبل هو ..
ولكن أليس غضبه أمرا جميلا ..
تنهدت مبتسمة , لتنام برضا ..
......................
دخل نيمار مكتبه بإرهاق , كان أطول أسبوع مر عليه في حياته , بين المشفى واجراءات الشرطة , وعمله وجد نفسه مشتتاً جدا وضائعاً..
*جميلة اطلبي لي القهوة بسرعة ..
طلبها ليدخل ويغلق الباب خلفه , يرمي جسده بإنهاك على كرسيه الدوار الضخم , تنهد بتعب ليمسح وجهه بكفيه , ينتظر قهوته بفارغ الصبر , حتى يتمكن من فهم الأوراق امامه ومتابعة عمله بشكل جيد ..
لم تكن صفاء بخير طوال الفترة الماضية , إحساس بالذنب تجاه روز جعلتها تلازمها في المشفى , لا يزال يذكر ذعرها من حالة الحمى التي أصابت روز مرتين خلال الأسبوع الماضي ..
قطب متذكرا ما عانته كل من روز وتلك الفتاة خلال ساعات فقط !
جلد ! لا يزال لا يصدق أن جسديهما الصغيرين تلقتا كل تلك الضربات من السياط , لقد رأى السوط الذي استخدمه ..
مجرد منظره يثير الرعب , فما بالك بمن تلقت ضرباته !
دخلت جميلة بعد لحظات مع الساعي الذي أحضر القهوة ومعها البريد المعتاد , جز على أسنانه بغيظ من نفسه , أكبر خطأ فعله في حياته , هو أنه سمح لجميلة بالعمل معه , أين كان عقله , حين فكر تلك الفكرة الخرقاء , لقد اعتاد طبع صفاء وكفى , لن تنجح كل مساعيه لتغييرها ..
بل حتى أنه ربما سيشعر بشيء ينقصه لو أنها تخلت عن غيرتها ..
ابتسمت جميلة له بعد أن خرج الساعي
*تبدو متعباً ..
هز رأسه بنعم , ومد كفه بسرعة ليرتشف من قهوته , يغمض عينيه بلذة , فلم ير جميلة التي وضعت الأوراق وسارت حتى وقفت خلفه , وبجرأة مدت كفيها الناعمتين لكتفيه , تحركهما بتدليك لعضلاته المتشنجة ..
حاول الابتعاد بذعر هادرا
*أي جنون هذا ..
نظرت له بحاجب مرفوع , ولم تأبه لاعتراضه , بل قالت بلا مبالاة أزعجته
*اهدأ , لن تقدر على العمل بحالتك هذه , ثم أني قريبتك ولست غريبة !
كان يود أن يكمل اعتراضه .. لكن حقا حركاتها كانت تريح عضلاته المتوترة , قطب باستياء , لكنه لم يقاوم كثيراً مستسلما للراحة التي أحس بها ..
سألته مجاملة لا أكثر
*كيف حال روز .. وتلك الغجرية ..
سكت للحظات , مستمتعا بارتخاء عضلاته ليرد بصوت خفيض
*بخير , روز ستخرج , أما تلك ما زالت بحاجة لعدة أيام ..
ضحكت بنعومة , لتقول
*من الجيد أنني لم أرافقكم ..
كشر هو في داخله مفكرا
(وكأن صفاء , كانت لتسمح لك ! )
لكنه لم يعلق بشيء , لتسأله
*هل حقا اغتصبهما ؟
انتفض ليبعد كفيها عنه , ينظر لها بحدة
*من قال لك هذا , بالطبع لا , لم يحدث  ذلك .
نظرت لأظافرها  بغير اهتمام
*حالة صفاء , جعلت الجميع يعتقد أن حتى صفاء تعرضت للاعتداء , إنها ترتجف كلما مر ..
لكنها لم تكمل كلامها , لتشهق مرتعبة من قبضته التي أطبقت بقوة على عضدها وصوته يقصف في الهدوء
*قسماً بالله يا جميلة لو سمعتك تنطقين كلاماً كهذا مجددا ستندمين ..
حاولت تحرير عضدها من قبضته المؤلمة , لتصرخ بدورها
*لست أنا بل صفاء هي من جعلت الجميع يعتقد هذا , باتت كالبلهاء ..
كرر خلفها ببلادة , غير مصدق لوقاحتها بشتم الفتاة التي يعشق أمامه دون اهتمام
*صفاء بلهاء !
*ماذا !
همسة مصدومة خرجت من شفتي المذكورة والتي لسوء حظها , دائما تصل في الأوقات الخاطئة ..
*أنا بلهاء يا نيمار !
قالتها بصوت باكٍ , لا تصدق ما تسمعه , واستدارت لتخرج مسرعة من الباب الذي دخلته لتوها ..
ترك نيمار جميلة ليتبعها شاتما بغضب حظه السيء , فعمله المكوم يحتاج لمتابعة , لا يستطيع ترك صفاء دون أن يبرر لها ما سمعته ..
*صفاء ...
ناداها , لكنها لم ترد , بل دخلت مكتبها بسرعة , ليدخل خلفها , ولعجبه , وقف مرتبكا , من الموظفين الذين نظروا له باستغراب . ..
فوقف , يجلي حنجرته ليقول طالباً
*صفاء تعالي إلى المكتب قليلاً ..
وخرج لاعن بصمت موقفه المحرج الذي وجد نفسه به ..
حين رأى جميلة تجلس خلف مكتبها غاضبة , صر على أسنانه واقترب منها ليقول بتحذير
*تلك آخر مرة يا جميلة أسمح لك بقول كلمة واحدة عن صفاء ..
نظرت له بتحدي مبتسمة
*أنت من أردتني هنا ..
*وندمت ..
صرح بها بقوة , ليكمل بجدية
*من الآن التزمي بعملك ولا شأن لك بعلاقتي معها ...
تركها .. تجتر غضبها وغيظها ودخل مكتبه , ليكمل قهوته منتظراً قدوم صفاء , وخلال ذلك ألهى نفسه ببعض الأوراق على مكتبه , ليستغرقه العمل المؤجل ..
فلم يشعر بالوقت إلا على صوت صفاء , تخبره أنه على موعد لاجتماع مع أحد العملاء , خلال خمس دقائق ..
لتدخل بعدها  وتأخذ البريد الذي وقعه , وتخرج دون أن تنظر له حتى ..
قطب للوقت الذي استغرقه في العمل , منتبهاً أن صفاء لم تأتي !
نظر للساعة مستغلا الدقائق القليلة التي معه من الوقت ليجري اتصالاً يطلبها فيه , لكنه فتح عينيه على وسعهما حينما ردوا عليه أن أخذت باقي اليوم كإجازة وغادرت قبل عشر دقائق فقط !
نفخ بتعب هامسا
(ليس الآن يا صفاء , لن نكرر ما حصل بالماضي ! )
مسح وجهه مرهقاً , من الدوامة التي وجد نفسه فيها , كم يحتاج في هذه اللحظة تحديدا أن يرى صفاء تبتسم له !
مجرد ابتسامتها تريحه جدا ..
ابتسم لطيفها في خياله , يعدها أنه لن يترك لسوء الفهم الذي حدث أن يكبر ويأخذ حدا أكبر من حده .. يجب عليها أن تتعلم تفهمه كما يتفهمها ولكن بطريقته الخاصة..
أبعد التفكير بالأمر عنه , ليقف مرحبا بالشخصين اللذين دخلا مكتبه في هذه اللحظة , مجبرا نفسه على الغرق بالعمل معهما ..
................
تململت روز في سريرها بعد تحسن حالتها على مر الأيام القليلة الماضية , بينما خرجت غنجة من غرفة العناية , لكنها لا تزال ضعيفة جدا , فما تعرضت له لم يحتمله جسدها الضعيف ..
نظرت لأمها وناهد , كل منهما تجلس على جهة من السرير غارقة في أفكارها ..
وهي كذلك كانت غارقة في أفكارها الخاصة , بينما ذكريات عابرة مما مرت تمر في خيالها وتؤرقها , فتغمض عينيها تبعدها عن تفكيرها ..
لكنها قطبت تتساءل مفكرة بصوت عال
(ألم تكن لروان وحمة !)
انتبهت كل من ناهد وجمانة لهمستها , لتسأل ناهد بحسرة
*ما الذي جاء بروان على بالك ؟
نظرت بتركيز لجمانة , فهي ولا بد تتذكر ابنة أختها التي اختفت .. وسألت بحذر
*ألم تكن روان تملك وحمة ..
ابتسمت ناهد لذكرياتها
*نعم بل تملك ثلاثاً منها ..
ضحكت بنعومة مكملة
*أختي في فترة الحمل كانت شرهة , وتطلب ما ليس موجوداً !
فكرت روز وكلام مكسيم يتكرر في خيالها وسألت كذلك
*ما هي نسبة نجاة طفلة ذات ثلاث سنوات من السيل ؟
تدخلت جمانة تسأل
*أي سيل ؟
ردت ناهد , تعود سنوات لما مضى
*لقد ضرب المدينة سيل قوي منذ سنوات , وعلى إثرها رحل الغجر من المدينة ..
نظرت لروز متعجبة
*كان ذلك قديماً جدا ما الذي تفكرين به بالضبط؟
قالت جمانة
*وما شأن ذلك بالوحمة ؟
هزت روز كتفيها لتقول مكررة ما قاله مكسيم
*لقد نجت غنجة من ذاك السيل إن كانت قبيلتهم هي التي تعرضت للسيل طبعاً , كما أنها نملك وحمة تحت شعرها على شكل عنقود عنب ..
وسرحت نظراتها بعيدا لتضيف باستغراب
*كيف نجت ..
شوحت جمانة بكفها
*كفي عن الخرافات لا زالت أذكر الحادثة ولم ينج منها أي أحد , كانت كارثة طبيعية حادة ولم يخرج أحد حيا من  مجرى السيل ..
وحدها ناهد من كانت تقطب بتركيز , متذكرة ذاك الجسد المسجى بالدماء الذي كان يستلقي على حجرها دون حياة ..
حاولت تذكر ملامح الفتاة لكنها لم تنجح , لم تكن واعية للأمر ..
أمسكت كف روز متجهمة الملامح
*هل قلت تحت شعرها ؟ ما شكلها ؟ ..
ابتسمت روز للأمر لتقول بتسلية
*عنقود عنب ..
وضحكت تنظر لأمها
*تخيلي أن أمها اشتهت العنب , فظهرت لها وحمة تحت شعرها , لم أكن أصدق هذا الكلام عن الوحام !
أكدت لها جمانة أنه أمر وارد وكثير الحصول , سبحان الله عليه ..
بينما جمانة هبت من مكانها , لتخرج عاصفة من الغرفة التي ملت أساسا البقاء فيها طوال الأسبوع الماضي , واتجهت بخطواتها العازمة , نحو غرفة الفتاة التي لم تقترب منها منذ الحادثة , طرقت البقاء ودخلت دون انتظار الرد ..
حينما دخلت كانت الفتاة وحدها , استغربت الأمر فخلال الفترة الماضية كثيرا ما كانت غرفتها تعج بالناس , وخاصة تلك المرأة المدعوة غالية والتي لم ترتح لها إطلاقا , غنجة نائمة , من تأثير الأدوية التي تأخذها بالتأكيد..
اقتربت بحذر منها مغلقة الباب خلفها ..
حتى وصلت للسرير , أبعدت الغطاء الخفيف عن جسد الفتاة ..
رأت ذراعيها المغطاة بالضمادات , و آثار السياط التي تعرضت لها , لم تشفى بعد , كان قمة القسوة , ابتعلت ريقها لتعيد تغطية الجسد الموسوم بالعذاب ..
عضت شفتها , هل يحق لها ؟
لكن .. لكن نبت أمل أحمق , رغم غبائه , لكنها تريد فقط أن ترى ..
أبعدت الشعر الأسود المجعد تغمض عينيها , متذكرة روان ..
لكنها ابتعدت كالملسوعة خائفة مما تفعله , بأي حق تتجسس على خصوصية الفتاة , لكن فضولها لم يحملها أكثر من ذلك , وبرقة مالت برأس الفتاة على جانب واحد لتبعد الشعر بعزم ..
فظهر .. ذاك العنقود الذي توسع مع الزمن ظهر لها !
اتسعت عينيها غير مصدقة , وبجنون وعدم مراعاة , سحبت الغطاء الأبيض عن الجسد , ومالت به لترى ظهر البنت الذي كان سليما ,لم يتعرض لشيء ..
تأوهت الفتاة في نومها لكنها قطبت , بإصرار ..
ومالت بجسدها أكثر , لتنزل البجامة قليلا , ترى أسفل ظهرها ..
حيث ظهرت السمكة ..
روان كان لها ثلاث وحمات .. عنقود عنب .. وسمكة .. و شيء بلا شكل أسفل فخذها ..
بدأ قلبها يخفق بجنون .. لا تكاد تصدق .. لا تصدق ..
لكنها نزلت لترى الوحمة الأخيرة .. ورأتها ..
ثلاث وحمات ..
وفتاة نجت من السيل .. سيل لم ينج منه أحد ..
سيل حدث في فترة اختفاء روان ..
روان .. إنها روان !
نهاية الفصل
..................................................

شببت غجريةWhere stories live. Discover now