الفصل السادس

2.1K 49 0
                                    

الفصل السادس
حسم قراره أخيرا ..
لا مزيد من التردد , ما الذي ينتظره من الأساس ليتردد , فليتقدم وحينها سيسمع الجواب , لن يقف مكانه طويلا , لذلك حسم أمره واتصل على الرقم الذي حصل عليه منذ فترة ولم يتصل به بعد ..
طال الرد قليلا ولكن أخيرا تم الرد , كلمات قليلة ودعوة للحضور لكي يجلسا بهدوء , وكان ذلك ما يحتاجه ...
طلب مناف من ميرا أن تلازم غرفة عائشة بعد أن حضرت له الضيافة , وانتظر قدوم الشخص الذي طلب منه الحديث في أمر خاص ...
وصل مازن على الموعد تماما , قبل أن يطرق الباب عدل من قميصه الصيفي متأكدا من مظهره , ورن الجرس , لحظات فقط وفتح له ..
سأل بابتسامة ودودة
_ سيد مناف ؟
هز رأسه يدعوه للدخول بإشارة من يده ..
وبالفعل دخل مازن بينما قلبه يدعو ألا يرد خائبا من هنا ..
وتبعه إلى حيث تقدمه نحو الصالة , جلس قريبا منه مرتبكا , كأنه طفل يقدم على عمل متهور .. أجلى حنجرته ليقول
_ أنا أدعى مازن , في الواقع جئت اليوم لأسألك رأيك فأنا أود التقدم لخطبة الآنسة ميرا ..
رفع مناف حاجبه وحك ذقنه متسائلا
_ وميرا هل تعلم ؟
سارع مازن للنفي
_ لا , في الواقع أنا لا أحب اللف والدوران لذلك قررت القدوم إليك أولا قبل أن أقوم بأي خطوة..
أعجبه رده في الواقع , أسعده أن يكون الرجل محترما لهذه الدرجة
_ هل تملك بيت .. عمل ..
أومأ مازن موافقا بسرعة
_ أعمل بالطبع , أنا مدرس في ذات المدرسة التي تعمل فيها ميرا , كما إني أملك متجرا لبيع الملابس الرياضية , ولدي بيت خاص بي ..
احتار مناف في الرد , فهو بالكاد خرج من صدمته لما تعرضت له عائشة , وفي ذات الوقت لن يكون أنانيا ليقف في وجه حياة أخته ..
تنهد بصوت مسموع , واستأذن من مازن ليأتي بالضيافة التي حضرتها ميرا ..
تحدثا بعض الوقت عن عمله , وعن حياته , أراد أن يعرف عنه أكثر لكي يكون على علم في أي طريق سيدفع بها ميرا ..
وللحقيقة فقد نال الشاب إعجابه جدا , راقٍ , متفهم ومثقف وعلى درجة كبيرة من التحضر , رجل مثله ستكون ميرا بخير معه ..
وعده خيرا بعد أن يكلم ميرا بالأمر وطلب منه ألا يقوم بأي خطوة نحوها حتى يخبره بذلك .. وكان ذلك ما يحتاجه مازن ..
لذلك غادر مفعما بالأمل سعيدا بالخطوة التي قام بها أخيرا ..
بعد وقت طويل قضاه مع نفسه رغم رحيل الشاب .. نهض متجها لغرفته , حيث كانت ميرا تكوي ملابسه بينما عائشة تغط في النوم , موقف اعتاد عليه مؤخرا , لا يراها سوى نائمة وكأنها تهرب من الألم ..
ابتسمت له ميرا هامسة
_ سأنتهي فقط هذه ..
وبالفعل مررت المكواة على القطعة التي بيدها عدة مرات وأنهت عملها
همس لها
_ أنتظرك في الصالة ..
أومأت برأسها تضع القميص في مكانه وتتبعه للصالة ..
أخذت نفسا قويا , تخشى أن يكون موضوع الرحلات قد وصل له وهي لم تحدثه عنه بعد , نظرت له حيث يجلس واتجهت له ..
بدت متوترة جدا , مما جعله يشك إن كانت حقا لا تعلم ..
أرادت أن تذهب للمطبخ هربا من نظراته المسلطة لكنه طلب منها بهدوء أن تجلس , ابتلعت ريقها بخوف وقالت قبل أن يتكلم
_ الرحلات كانت رغبة المدير أغلب المدرسين لا يرغبون بها ولكن المدير سيضع لائحة للمدرسين المرافقين و يمكنني أن أطلب إزالة اسمي لو أردت ذلك ..
اندفع الكلام من فمها بسرعة وخوف , فتح عينيه متسائلا
_ أي رحلات !
حينها أدركت كم هي حمقاء و ردت بخفوت
_ استقرت قبيلة للغجر قرب المدينة و المدير قرر القيام برحلات للمهرجانات التي سيقيمونها و لمكان إقامتهم ..
هز رأسه و قد توضحت له الفكرة متسائلا
_ و لمَ لم تخبريني عنها ؟
توترت , فركت كفيها ببعضهما
_ لم أجد الفرصة المناسبة , مرض عائشة و الحمل و انشغالك بإجازتك و..
و سكتت , فقد نفذت التبريرات منها , لكنه نفخ بضجر ليرد
_ طالما سيكون معكم فريق مدرسين لا بأس بمشاركتك ..
تهلل وجهها فرحا تسال بأمل
_ حقا ؟
عبس من الفرحة التي ظهرت على وجهها و أومأ برأسه بنعم وسأل
_ هل تعرفين شخصا اسمه مازن .. ؟
ظهر التفكير عليها للحظات لتقول
_ نعم هو مدرس معي في ذات المدرسة !
ابتسم لها و احمر وجهه لا يصدق أن ميرا كبرت و أصبحت عروساً
لذلك تنفس بعمق
_ مازن تقدم لخطبتك اليوم و هو ينتظر ردنا ليتقرب منك و يأتي بعائلته ..
لم ترد .. بقي فمها مفتوحا بغباء , تنظر له غير مصدقة ما قال , هل كان ذاك الضيف هو مازن !
لمَ لم يقل شيئا طوال الفترة الماضية ..
حتى لم يلمّح لها بشيء , أو يحاول التودد لها , لطالما فكرت بمالك .. أما مازن ..
فتحت شفتيها عدة مرات لتقول شيئا لكنها لم تقدر ..
نهض مناف من مكانه يقصد غرفته للراحة يطلب منها
_ فكري بهدوء ميرا , لا أريد ردك الآن خذي وقتك بالتفكير قبل أن أكلمه , و لا تظهري له أي شيء ..
_ حاضر ..
تمتمت بذلك , لتحمل الصينية و تفر هاربة للمطبخ ..
بينما دخل غرفته , كانت عائشة على وشك النهوض فأسرع نحوها يسندها بحنان
_ لمَ لم تناديني ..
نظرت له عاتبة بإرهاق
_ لقد بتّ قليلة الحركة مؤخرا ..
ساعدها برقة لتنهض وتسير قليلا في الغرفة متعلقة بيده
_ فقط فترة قصيرة حبيبتي وبعدها كل شيء سيكون على ما يرام ..
_ يا رب ..
همست ليشاركها همستها , بينما داخلها خوف من القادم ..
لا تعرف كيف وصلت لهذه المرحلة , لماذا أهملت نفسها لهذا الحد , كيف ستتحمل ألا تكون أم , و مناف ما ذنبه , فقط تدعو الله أن يبقي لها الجنين الذي تحمله فلا تحرم لا هي ولا هو من الأطفال ..
مسح وجهها المجهد برقة يعيدها لتتمدد على السرير متمنيا ذات أمنيتها صمتا ...
...............
تأفف مالك من الجلسة المعتادة في بيت العائلة حيث يصر والده على الاجتماع مع أخويه وأخته .. ليته تحجج بأي شيء كي لا يحضر , لكنه لم يجد أي حجة ..
مال برأسه قليلا ليكلم صفاء
_ ستقام رحلات لزيارة الغجر ..
_ الغجر !
شهقت صفاء فرحة , فأحس و كأنها طالبة لديه ففرحتها كفرح الطالبات , و التقطت روز المقابلة لهم فرحتها لتسأل بفضول
_ ما بالهم الغجر !
و الكل انتظر جوابه , فلعن لسانه الأحمق موجها نظرة لوم لصفاء , ومضى يحكي لهم عن الرحلات و المهرجانات التي ينوون المشاركة فيها هذا العام ..
رأى الفرحة تكتسح وجه صفاء فعلم و لا بد أنها تنوي عدم تفويت أي عرض لهم لطالما شدتها حياتهم و عروضهم والفرحة الأكبر ظهرت على روز التي صفقت بيديها تخبرهم
_ لدي صديقة منهم , اسمها غنجة .. يا إلهي كم هي جميلة , و لهجتها ...
بينما هي انطلقت تحكي لهم كل ما عرفته عن غنجة , تتابعها صفاء بشغف , تذكر مالك جميلة فتنحنح لينهض قليلا مبتعدا عنهم . . .
متذكرا أنه لم يتصل بها اليوم , سمع صوت الرنين يراقب عن بعد حديثهم وصخبهم بعد مجرد كلمة واحدة ( الغجر )
كانت هذه الكلمة كالسحر عليهم , فيبدو أن الجميع كان واقعا في سحرهم رآهم يهللون فرحا .. حقيقة كانتا روز وصفاء من تهللان ولم يعرف السبب بينما صفاء انطلقت لهاتفها تحادث نيمار كما يبدو ..
لم تجب عليه جميلة , فاستغرب الأمر لم يكن من عادتها ذلك , فقد كانت تتلقى اتصالاته بأسرع ما يمكنها , فكر أن يعيد المحاولة لكنه قرر إرجائها لما بعد , ولم يتحرك خطوة حتى صدح رنين هاتفه معلنا مكالمة منها ..
فابتسم يتلقى الاتصال ..
لم يكن غافل عن الفرحة التي جعلت صفاء و روز يندمجان و هذا وحده مثير للريبة , فقط لم يقدر على إنهاء المكالمة بسرعة , لكنه يحاول على الأقل ليفهم ما الذي جرى وسبب الفرحة ..
حكت له عن بحثها عن عمل ولقائها مع نيمار , و بعد جهد اتفقا على اللقاء و أغلق الخط معها عائدا لهم ..
ابتسمتا له ابتسامة عريضة , فنظر للجميع بشك , ليسمع عمته جمانة تخبره عن رغبة البنتين بزيارة الفتاة المدعوة غنجة ...
ارتفع حاجبه دون أن يفهم
_ وما شأني بذلك ..
رأى عيني كل من روز وصفاء و قد اتسعتا ببراءة و رجاء يوزعان النظرات هنا و هناك ليعلن والده بحسم
_ أنت سترافقهما مع نيمار من غير الممكن أن تذهبا لوحدهما ..
_ ماذا !
هدر معترضا بسرعة
_ لا لا بالطبع هذا لن يحصل فأنا من الأصل كنت أنوي طلب الإعفاء من هذه الرحلات تريديني أن أذهب لهم في دارهم لا هذا غير ممكن ..
لكن اعتراضه ذهب أدراج الريح مع انحناء كتفي الفتيات ونظرات حاسمة من ثلاث أزواج من العيون ذات السلطة والده وأعمامه ..
ليزفر بحنق , من الورطة التي وجد نفسه بها فقال محذرا
_ لن نتأخر نذهب لزيارة خاطفة ونعود ..
لم تنطق صفاء بينما تراسل نيمار وتطلعه على المستجدات ...
روز هللت قافزة معلنة أنها تنتظر الغد بفارغ الصبر لتخبر غنجة وتحدد معها الموعد ...
أما مالك فشغل نفسه بتناول طعامه مقطبا ولم يجرؤ أحد على توجيه الحديث له ..
لم تكن عائلته ذات ثراء فاحش , متوسطي الحال ولكنهم مستمرون على العادات القديمة , فالكبير دائما له كلمته .. لا يسمحون لشيء أن يفرقهم ..
واجتماعهم هذا لا يمكن لأي من أبنائهم الفكاك منه , وكم شعر بالغيرة من أولاد عمه معظمهم يدرسون خارج البلاد ..
تنبه لنظرات روز لهاتفها بينما تحاول الاتصال بأحدهم ..
نفخت بإحباط وقد حصلت على نفس النتيجة , كم تمنى أن تختفي تلك التي تعرفها عن الوجود فتلغى الزيارة كلها ..
لكن صفاء التي كلمت روز في تلك اللحظة أثارت حنقه
_ سيتفرغ نيمار لنا هذا أمر جيد .. ألم تكلميها بعد ؟
زفرت روز لتزم شفتيها بحنق
_ لا تجيب , كما أنها لا تجيد استخدام الهاتف بشكل جيد ..
لم يعلق مالك بينما تابع حديث والده و أعمامه عن الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد .. حديث البلد كما يسمونه ..
أشارت روز لصفاء لتنهض معها وتكلمها , ففعلت , وأمها تنظر لها مستغربة , فصفاء التي لا تطيق مجرد ذكر روز اندمجت معها تماما الآن !
فعلا سبحان مغير الأحوال ..
جلست صفاء معها تستمع لحديث روز المفصل عن كل ما تعرفه بانبهار ...
غير مصدقة لما تسمعه ...
_ هل تفهمين عليها ؟
سألت تعض شفتها بحماس لتشرق ملامح روز
_ نعم أفهم كلامها فقط به لكنة غريبة عنّا , لكن طريقتها في النطق رائعة بحق ..
وشعرها ..
تنهدت مع ذكره فتساءلت صفاء
_ هل هو طويل ؟
ارتفع حاجبي روز تجيب
_ لو ترينه يا صفاء , أسود قاتم جدا و مجعد دون أن يتطاير في كل مكان , والله لو أردت جعل شعرك مثلها عند أفضل المزينين لعجز , لا أعرف كيف يكون بهذا الجمال بينما لا تستخدم سوى الصابون اليدوي الصنع ..
وطال نقاشهما بعض الوقت ..
يخططان للرحلة المرتقبة الخاصة بهما مع مالك و نيمار ..
...................
ما أن نزلت من سيارة لمك حتى تغيرت ملامحها الهادئة التي حاولت الحفاظ عليها طوال الساعات الماضية , بحثت بعينيها عن روز حتى رأتها ترفع لها يدها تجلس مكانهما المعتاد على الدرج الضخم الطويل , فاتجهت لها بخطوات غاضبة لتقف أمامها وقبل أن تلقي التحية هدرت بها
_ أي مصيبة أوقعتني بها يا فتاة !
اتسعت عيني روز بينما تقف بدورها
_ أي مصيبة ؟
صرت غنجة على أسنانها لتقترب منها خطوة بينما الجميع لاحظ أن الحديث بالطبع ليس وديا
_ مصيبة أخاك الغبي , لقد حدثوني بالأمس من قسم الشرطة يريدون مني المرور بهم ..
خفق قلب روز بخوف وتمسكت بيد غنجة بقلق
_ هل قالوا لك شيء , هل زال الخطر عن مهاب ؟
نفخت غنجة بملل ورمت حقيبتها على الأرض لتجلس وجارتها روز بالجلوس
_ لا كل ما طلبوه مني هو الذهاب لهم اليوم ..
سألت روز بحذر
_ ستذهبين أليس كذلك ..
تمعنت غنجة النظر في وجهها مفكرة بعمق لتسأل
_ هل تسأليني حقا أم تطلبين الذهاب ؟
ارتبكت روز لترجع شعرها عن وجهها لتبدو لغنجة ملامحها التائهة والمترددة فبأي حق ستطلب منها أن تذهب مجددا ..
لكن غنجة أعفتها حين قالت متسامحة بصوت منخفض
_ سأذهب روز لا تقلقي ..
انشرحت ملامح روز براحة قائلة باعتذار
_ أنا آسفة حقا لأني ورطتك في الأمر و لكن كما ترين ..
لم تسمح لها غنجة متابعة كلامها تستند بكفيها للخلف بينما تراقصت خصلات شعرها خلفها
_ لا بأس دعيني آخذ عدة أنفاس قوية قبل الدرس ..
وسكتت روز لعدة لحظات قبل أن تقول متذكرة
_ أنوي زيارتك في بيتك ..
أجابت غنجة بملل منها فهي دائما تنسى فرق الحضارات بينهما
_ أسكن خيمة يا حمقاء ..
عبست وقد وصلت لعقلها ما قصدته روز بينما تتسع ابتسامة الأخرى بفرح , فارتفع حاجب غنجة
_ يسعدني ذلك , لكن لعلمك زيارتك لي تعني أن تتحملي نمط حياتي دون شكوى ..
رأت الحماس واضحا على روز التي قالت
_ بالطبع فأنت لا تعرفين بعد ..
توجست غنجة من هذا الذي لا تعرفه وتساءلت ببرود
_ ما الذي لا أعرفه ؟
_ سأذهب مع مالك ابن عمي , وأخته صفاء مع خطيبها نيمار ..
عضت غنجة شفتها دون أن ترد بشيء سوى بابتسامة ناعمة ..
مفكرة بشيء واحد فقط ألا و هو رد فعل لمك على هذه الزيارة , متمنية أن تمضي على خير ..
فتساءلت
_ متى تنوون ذلك ؟
هزت روز كتفيها
_ حينما يتفرغ نيمار , بالتأكيد سأخبرك قبل قدومنا ..
أومأت برأسها دون أن تقول شيئا ..
بينما نظرت روز لساعتها الضخمة التي أعجبت غنجة كثيرا لكنها لم تقل شيء أو تعبر عن إعجابها , وأخبرتها أن تتجها للقاعة ليتمكنا من حجز مقاعد مريحة في الصفوف الأمامية ..
وقبل المحاضرة الثانية لهما تمتمت روز
_ ما رأيك أن تذهبي الآن لقسم الشرطة ..
كانت غنجة قد نسيت كل ما يتعلق بالأمر لولا أن ذكرتها به الآن , فقالت
_ معك حق , كي أعود قبل وقت عودة لمك , ولكن ماذا عن الدرس !
طمأنتها روز أنها ستعطيها نسخة عنها فلا داعي للقلق كما أنها ستوقع الحضور باسمها فلا يوجد التدقيق الكبير بالحضور ..
وبالفعل خلال دقائق كانت في سيارة الأجرة متجهة نحو القسم حيث طلبوها ..
وقفت مترددة أمام ذات الضابط الذي كان المرة الماضية ..
وبعد عدة استفسارات لم تعرف بما تجيب عليها أعطاها ورقة طلب منها أن تسلمها لهم ليجيبوا على الأسئلة الموجودة فيها على أن تحضرها لهم في الغد ...
وبالفعل أخذت الورقة شاكرة حظها الذي لم يجعلها تتأخر هناك ... وعادت لتعطي الورقة لروز المنتظرة على الباب الضخم وتقف منتظرة للمك الذي ظهر من حيث لا تعلم أمامها !..
..........................
تأففت .. تعرف ما ينتظرها ولولا اتصال نيمار لما أتت , لكنه طلب منها القدوم يحضر لها مفاجأة ستسعدها , لكنه لم يقل ما هي ..
ولشدّ ما أزعجها هذا الأمر , فذلك يعني أن تلتقي بصفاء ومزاجها اليوم لا يسمح لها بالدخول في مناوشات معها , فلتهنأ بنيمار فهو بالنسبة لها ليس أكثر من قريبها , لا يوجد سبب للغيرة من أساسها فمن الواضح عليها أنها ليست مهتمة به ..
خطت داخل المبنى مستاءة , ارتفع حاجبها بمكر , لتحول خطواتها من مكتب نيمار إلى المكاتب الجانبية حيث مكتب صفاء ..
طرقت الباب ودخلت ترسم على وجهها ابتسامة واسعة واعية تماما لعيني صفاء المتفاجئة .. لحظات فقط ورأت كيف يتحول وجهها ..
ترتسم الغيرة ببشاعة على وجهها فتبدو ...
شريرة !
استغربت من هذا التفكير ونحته جانبا تتقدم منها
_ كيف حال الجميلة ..
تمتمت صفاء من بين أسنانها بابتسامة باهتة وصوت بارد
_ لا يوجد جميلة وأنت هنا ..
ومرغمة أضافت
_ تفضلي ..
وبالفعل , جلست جميلة أمامها , فانحسرت تنورتها القصيرة عن ركبتها قليلا , بينما كتفها الغض ظاهر من كنزتها المائلة ..
تبتسم ليظهر صف أسنانها الناصع البياض من بين أحمر شفاهها الأحمر القاني ..
كم بدت جميلة جدا .. فكرت صفاء يائسة ولكن لمحة لما حصل المرة الماضية مرت في خيالها فأجبرت نفسها على طلب القهوة لهما بينما تسألها دون ود ظاهر
_ ما سبب زيارتك لنا اليوم ؟
اتسعت ابتسامة جميلة , ترد بلا مبالاة تنظر لأظافرها المتقنة الطلاء
_ في الواقع نيمار هو من طلب مني أن آتي إليه , لكني أحببت أن أمر عليك لأشرب القهوة معك ..
ورفعت عينيها لها بابتسامة واسعة .. ورأت الصدمة المرتسمة على وجه صفاء والتي حاولت مداراتها بسرعة , لكن حدقتي عينيها كشفتا الصراع الذي داخلها .. فتساءلت جميلة ( هل قمت بالصواب !)
لكن صفاء سألت بصوت منخفض
_ ما الذي يريده منك ؟
هزت كتفها الظاهر لترد بمرح
_ سأذهب له بعد لحظات لأعلم ..
نهضت صفاء من مكانها بسرعة
_ إذن هيا لنذهب له سنشرب قهوتنا معه ..
وتحركت بالفعل نحو الباب , لذلك لم تجد جميلة بدا من اللحاق بها ..
وخلال لحظات كانت تقتحم إن صح التعبير مكتب نيمار ..
أخفت جميلة ضحكتها تدخل خلفها تماما وقالت قبل أن تنطق صفاء .
_ لقد قررنا أن نشرب قهوتنا معك ..
ابتسم لهما وكان غافلا تماما عن غضب صفاء أو ربما تجاهله عمدا ليرحب بهما
_ مرحبا بكما في أي وقت ..
وجلست صفاء على كرسي قريب من مكتبه فجاورتها جميلة
_ لكنها لا تقدر على القدوم في أي وقت ..
قالتها مبتسمة بغيرة واضحة فلم يملك إلا أن كتم ضحكته كجميلة ليرد بقوة موجها حديثه لجميلة
_ بل يجب أن نعتاد وجودها ..
ظهرت المفاجأة على وجهيهما معا ...
جميلة بعدم فهم وصفاء بحيرة وعدم راحة ..
لذلك ما أن وضِعَت القهوة أمامهم وخرج المستخدم ..حتى تكرم بالشرح الذي لم تجرؤ صفاء على طلبه ..
_ وجدت لك العمل الذي تريدينه صفاء , مساعدي سيأخذ إجازة لبضعة أشهر لأجل حالة صحية وستحلين محله ..
اتسعت ابتسامة جميلة , وصفقت كفيها سعيدة بطفولية جلبت الضحكة على وجه نيمار , أما صفاء فقد شحب وجهها بشكل مثير للريبة وتمتمت بكلمات مبهمة غير مفهومة قبل أن تنطلق خارجا كالسهم , دون أن يتمكن نيمار من التفوه بكلمة ومنعه عن اللحاق بها دخول مساعده وجميلة التي بدأت تسأل عن طبيعة العمل , فوجد نفسه بالبقاء معهم لبعض الوقت قبل أن يبدأ بالإجراءات المناسبة لبدء عملها ..
وحينما تمكن من التخلص منه تلك الفوضى التي حصلت واعتقد أن بإمكانه مراضاة صفاء تدخلت جميلة بينما التوت شفتيها
_ كالعادة ستذهب لإرضائها ..
ابتسم بأسى مؤكدا
_ طبعا لأني لا أملك إلا أن أراضيها ..
وقاطعت كلامه تحفظ كلماته
_ لأنك تحبها وببساطة تحبها نعم أعرف ذلك لكن دعنا نكن واضحين ..
قطب بعدم فهم , فجلست مكانها بعد أن كانت تستعد للخروج لتتلقى التعليمات والتوجيهات من المساعد
_ نيمار لمَ لا تكون واضحاً , أنت وضعتني هنا لسبب ما ويجب أن أعرفه ..
وضحكت بمرح مكملة
_ فقط من باب العلم بالشيء لكي أساعدك ولا أفسد خططك ..
شاركها المرح وضحك حقا
_ حسنا أنت لست كباقي الجميلات فارغة العقل ..
استاءت من كلمته لتصحح معلوماته
_ لا يوجد جميلة فارغة العقل , يوجد جميلة لا تتعب نفسها كي لا تفسد جمالها ..
أحنى رأسه بتقدير فكاهي
_ حسنا شكرا للتوضيح ..
برمت وجهها تنفخ بصمت من سخريته , فعدل جلسته خلف مكتبه
_ لقد وظفتك هنا , فقط لكي أجعل صفاء تعتاد على تواجد الفتيات في محيطي فقد تعبت حقا من غيرتها وأحتاج لمتنفس ..
أطرقت رأسها قليلا متفهمة لكلامه لكنها استغربت
_ إذن طالما ذلك مقصدك لما كنت ستهرع الآن لها !
طوح بكفه بحيرة وطال سكوته يبحث عن التبرير فتنهد وهز كتفيه بعدم الحيلة ..
نهضت لنذهب لمساعده تقول باستياء
_ أنت سبب غيرتها إن كنت حقا تريدها أن تعتاد على الجنس الناعم حولك دون أن تشتعل غيرة لا سبب لها , فتوقف عن مراضاتها بعد كل فتاة تنظر لك !
_ ماذا !
سأل بعدم استيعاب فوضحت ببرود
_ كما قلت لك لا تذهب لها الآن وكأنك بالفعل أخطأت بحقها !
وتركته وخرجت ...
ليبقى سارحا وكلماتها القليلة تموج في ذهنه متسائلا إن كانت على حق ..
وماذا يفعل بقلبه الذي لا يقدر على تحمل ألمها , يعلم أنها تتألم الآن ولكنه حقا لم يخطئ , إنها قريبته بالله أين الخطأ في ذلك ؟
فعلا لا خطأ !
لذلك أبعد التفكير عنه وعاد لعمله متأملا فقط ألا يكون قد جعل الوضع أسوأ من قبل.. فقط ليرجو الله أن تفهم إشارته ولا يتفتق ذهنها عن حبه وهيامه بجميلة !
ولكن متى كان يمكنه التكهن بتفكير صفاء !
.......................
ركبت معه بعد أن أشار لها بصمت ..
ألقت التحية لكنه لم يرد .. فلم تأبه لذلك هي معتادة أصلاً على معاملته ذلك ما الجديد في الأمر !
ضيقت عينيها من حركة يديه المتوترة على المقود بينما سرعته تزداد تدريجيا حتى زادت كثيرا فأحست بالخوف لتهتف
_ لمك بما بك تمهل ..
لم يأبه لصوتها بل زاد السرعة فوعت كفيها على عينيها لا تريد أن تنظر لتصرخ بخوف
_ لمك ما بك انتبه لسرعتك !
فنطق أخيرا بصوت بارد .. بارد جدا وخطير ..
_ ألا تثقين بي ؟
هتفت بخوف
_ ما دخل الثقة الآن السرعة لا تعرف ثقة ..
تسرعت نبضات قلبها , مع تنفسها الخائف لتبكي دون أن تشعر من الخوف , فخفف سرعته شيئا فشيئا ليقول ببرود أثار ربيتها
_ كيف كانت جامعتك اليوم ؟
ابتلعت ريقها وتوترت من سؤاله المعتاد , ربما طريقته في السؤال هي المخيفة , لم تنظر له , تكفكف دموعها وتشهق ببطء تهدئ نفسها وهو لا يزال منتظرا الجواب فردت أخيرا بصوت هامس
_ كالعادة لا جديد ..
لم يقل شيئا .. هز رأسه فقط بصمت ليلتزم به طوال الطريق , تاركا لها ضبط أنفاسها الخائفة , ومراقبة الطريق , دون أن تتوه عن عينيه توترها الواضح والذي من المؤكد أن سرعته الزائدة قبل لحظات ليست هي السبب ..
وقبل أن يدخلوا منطقتهم , اختار طريقا آخر , فقطبت تنظر له متسائلة , فابتسم لها ابتسامة أثارت في قلبها الرعب , لتدرك أن لمك غاضب منها .. وبشدة !
التزمت الصمت ولم تجرؤ على قول شيء بينما تحاول أن تتذكر هل فعلت ما يغضبه ؟ متأوهة بصمت فليس لمك من يجب إغضابه , لديه قدرة التأثير على المجلس بأكمله !
توقفت السيارة الضخمة في منطقة واسعة خالية , كثيرة الأشجار
_ انزلي ..
نطق بها ليفتح بابه ويخرج من السيارة , ففعلت مثله , بترقب ..
وقفت أمامه تنظر حولها بقلق , تفرك كفيها ببعضهما كطفلة مذنبة فالتوت شفتيه بسخرية , كم هي فاشلة بالكذب !
ودون أن يترك لخيالها أن يجمح للبعيد كثيرا سأل بهدوء خطير ..
_ أين ذهبت اليوم ؟
لم تفهم سبب سؤاله لكنها تلعثمت تجيب
_ الجامعة أنا لم ..
وقبل أن تنطق بالكذب رفع إصبعه في وجهها محذرا
_ لا تكذبي عليّ
لكنها لم تفهم ما يقصده لتصرخ به رعبا من تصرفه الذي لا تفهمه . لا تعلم إلى متى ستبقى تخاف على مستقبلها من غضبه !
_ لا دخل لك أين ذهبت , مع العلم إني لم أذهب ..
ومجددا قاطعها هادرا
_ كاذبة ..
سكتت عن الكلام ليبقى فمها مفتوحا ليكمل هو بغضب هادر
_ كاذبة , وأنا أكره الكذب ..
تمتمت اسمه تسعى لإيجاد تبرير لكنها عجزت فاقترب خطوة لتتراجع هي خطوتين
تسمع يرمي كذبها في وجهها
_ بل أنت لم تكوني في الجامعة حينما أتيت لاصطحابك . . جئت مبكرا لأطلب منك العودة فقد كان لدي من العمل ما يمنعني من العودة لاحقا ..
تجمدت , ليضيق نفسها وتشعر بالاختناق من كلماته
_ رأيتك تخرجين ولكني أضعتك ولم أتمكن من اللحاق بك ..
وبسخرية أضاف
_ ربما لست سوى بدور أخرى ..
_ لا لا ..
سارعت تنفي بذعر
_ صدقني الأمر ليس كما تفكر ..
لم يكن ينوي السماع لها ليقصف صوته ويتردد صدى كلماته عميقا في عقلها الذي أصبح بطيء الاستيعاب فجأة ..
_ سأخبر المجلس اليوم , لا جامعة بعد الآن و سأخبر الشيخ أني حتى لا أريد الارتباط بك فأحررك مني ..
انهارت على ركبتيها أمامه لينظر لها باستخفاف , تفكر .. هل حقا سيخبر المجــ .. المجلس .. المجلس .. لا جامعة .. حلم تبخر ..
أين لسانها السليط الآن ! تبا لما عقلها متجمد ما بها ..
_ انهضي غنجة لا داعي لهذه الحركات لن تؤثر بي و لا أعتقد أن الشيخ رجب سيكون فخورا بك و قد منحك كل ثقته ..
توجه نحو السيارة لتهز رأسها بلا ..
لم تخطئ , لم تخن ثقة أحد .. فصرخت به وقد استجمعت نفسها بعد كشفه لها ..
_ لا , لن تقول شيئا للمجلس لم أفعل ما يعيب لم أخطئ ..
ركضت نحوه لتجره بصعوبة من ذراعه بعيدا عن الباب وتقف مستندة عليه بينما تبعثر شعرها بجنون
_ لم أفعل ما هو خاطئ , لا يحق لك إخبار المجلس ..
هدر بدور يقبض على ذراعيها بقسوة
_ بل يحق لي , تبا لك حتى أنا أردت لك الأفضل ..
تألمت من قبضته لكنها لم تظهر له لتقول برجاء
_ لمك اسمعني .. فقط اسمعني ..
أبعدها عن السيارة بقوة لتقع على الأرض , فانجرحت ركبتها لكنها لم تهتم لتوضح لنظراته المتهمة
_ كنت في قسم الشرطة .. أقسم لك يا لمك هم اتصلوا بي و..
سكتت عن إكمال حديثها وقد أدركت خطورة ما تفوهت به للتو وهي التي أقسمت ألا تنطق به !
بينما هو اتسعت عينيه ليقترب منها يسحبها من كفها لتقف ..
فابتعدت عنه بسرعة بخوف ..
وقف لبعض الوقت منتظرا أن تكمل ما كانت تقوله لكنها التزمت الصمت مما فجر غضبه ليهدر
_ انطقي أي مصيبة أوقعت نفسك بها !
شتمت روز بقلبها لأنها السبب في مصيبتها الحالية بينما صوت لمك أثار ذعرها فعادت خطوة أخرى للخلف بينما لم تجد بدا من إخباره كل شيء ..
لتغزوه الدهشة للعالم التي دخلت فيه وتورطت خلال وقت قصير فما الذي ستفعله حين تكمل سنوات الدراسة !
مرر كفيه بشعره بقلة حيلة , محتارا لا يعرف حقا لا ماذا يفعل ولا ماذا يقول أو كيف يتصرف ..
أعطاها ظهره يكاد ينفجر من الغيظ ..
ليسمع صوتها المتوسل
_ لا تخبر المجلس يا لمك , لن أجلب لنفسي فضيحة كبدور صدقني ..
غطى وجهه بكفه ليقول بصدق
_ لقد جعلتني أتوه عن الصواب غنجة , لا أنا قادر على تعنيفك فقد قمت تماما بما كنت سأفعله أنا لو كنت مكانك , و لست بقادر على ألا أغضب منك ..
تدلت شفتها بقهر تسأله
_ لماذا طالما لم أخطئ .
فهدر من غبائها
_ تبا يا غبية حقا لا تعلمين ! أنا أخشى عليك من تبعات ما فعلته , هؤلاء دوما لديهم مصادرهم لمعرفة من الذي خبّر عنهم .. دوما لهم ذراع خفية لا يصل أحد لها .. هذا ما ورطت نفسك به فهل فهمتِ الآن !
اضطربت أنفاسها
_ ولكن .. كيف .. كيف !
رمقها بنظرة جعلتها تشعر أنه يتمنى لو يتخلص منها في هذه اللحظة , لكنه أخذ عدة أنفاس عميقة قبل أن يقول لها
_ اركبي لنعد فقد تأخرنا ..
سألت بقلق
_ والمجلس ..
فأغمض عينيه ينفخ بقوة
_ لا تستفزيني غنجة اركبي واصمتي ..
وبالفعل اتجهت نحو مقعدها مطرقة الرأس , ملتزمة بالسكوت بينما انطلق بالسيارة مصدرا ضجة كبيرة والكثير من الغبار خلفه , ابتلعت ريقها لتجرب مرة أخرى
_ لمك ...
رفع كفه في وجهها لتسكت
_ دعيني أفكر جيدا وبعدها أقرر ..
_ والمجلس ؟
سألت رغما عنها برجاء .. لكنه لم يجب .... تعمد عدم الرد يتركها لأفكارها ..
لينطلق مسرعا مبتعدا ما أن نزلت , فاتجهت من فورها لخيمة غالية ودخلت لتبدل ثيابها وتندس في منامتها ..
دخلت عليها غالية مستغربة حالها ..
_ ألا تريدين أن تأكلي غنجة ؟
أجابت بصوت محتقن من القهر لتغطي وجهها تخفيه عن غالية
_ لا خالتي لست جائعة متعبة و أريد النوم والراحة رجاء ..
تعجبت غالية من حالها لكنها لم تصر عليها وتركتها لحالها .. لتخرج إلى حيث الفتيات .. فرأت راجية تدق على الدف بينما فاتنة ترقص بين الجمع الملتف حولهما قبل أن تنهض راجية مستمرة بالدق وتشاركها الرقص ..
وما أن رأت غالية قادمة نحوهم حتى هتفت بها
_ غالية أين غنجة , يجب أن تشاركنا كي يلين جسدها ويعتاد الموسيقى ..
اقتربت غالية منها لتأخذ الدف منها
_ ارقصي يا بنت واصمتي , صغيرتي متعبة وراحتها أهم من أي شيء ..
وبدأت هي الدق لتشارك الفتيات بالرقص ولكن تبقى القمة لفاتنة وخصرها يتمايل وكأنه جزء من الدف ذاته يتحرك متناغما معه ..
.............
لم يعلق مالك على الأمر بمرح كما توقعت جميلة , بل بدا واضح أنه مستاء لأن أخته ستعاني ولا بد من قرار نيمار هذا ..
_ متى ستبدئين العمل ؟
هزت كتفيها تسير معه في السوق حيث طلبت منه أن يشاركها في جولة علها تجد ما يعجبها
_ لقد بدأت بالفعل ..
_ حقاً!
تساءل بينما لفت نظره فستان بلون الخوخ موجود على واجهة إحدى المحلات فقال لها يلفت نظرها إليه
_ انظري جميلة هذا جميل وهادئ ..
وجهت عينيها إلى حيث يشير , فستان بكمين قصيرين , وقبة مدورة يضيق على الخصر ليطول بعدها حتى الأرض بنقشات ناعمة ..
زمت فمها لتهز رأسها بلا .. فسأل دون فهم
_ ما عيبه , جميل بل ساحر وسيليق بك ..
اتجهت بجسدها نحوه وأشارت بكفها نحو الفستان
_ إنه طويل وأنا لا ألبس تلك الأشياء الطويلة ..
ردد خلفها
_ تلك الأشياء الطويلة !
ارتفع حاجبه بعدم استحسان ليهز رأسه متابعا سيره دون أن يعلق بشيء أو يحاول لفت نظرها لشيء ومهما سألته رأيه لا بعلق فقط يهز كتفيه , يبدو أن مثيلات صفاء بالحشمة أصبحن نادرات , لا بد أنها تنظر لأخته على أنها متخلفة !
شيء ما في داخله شعر بالنفور وكم تمنى لو أنه لم يأتي معها من الأصل ..
أصبح الوقت بالنسبة له ثقيلا .. وكأنه واجب يتمنى أن ينتهي ..
فكر ببؤس بينما تخرج هي من أخر محل دخلت له دون أن تحدد غايتها
( مازن و قرر خطبة ميرا ابحث عن عروس أخرى يا مغفل )
وكم داعبت عقله في تلك اللحظة كلمات بسيطة تقول
( أم غرّك البهرج اللمّاع )
نعم يا مالك تلك القصيدة تليق بك لا بفتاة !
لقد غرك الجمال فتهت عن طريقك ..
شد قامته بعد أن اكتسحه الملل ليغادرها بعد أن قال
_ جميلة جاءني هاتف مهم سأذهب حالا إلى اللقاء ..
لتبقى على حالها تنظر لطيفه المغادر مشدوهة , فعلى ما تذكر لم تسمع هاتفه يرن , متى جاءته المكالمة !
ولمَ هو متعجل للمغادرة , نظرت للمحال حولها بأسى أنثى محتارة مفكرة
( إن كنتِ أنتِ شعرتِ بالضجر ماذا عنه )
أحكمت حقيبتها حول كتفها وتابعت التسوق ببساطة !
.................
بعد جولة في المكان الواسع الذي استأجروه من مجلس المدينة , جلس لمك على مصطبة إسمنتية أرضية بينما بقي ديسم قربه واقفا يجيل نظره في المكان ..
_ لا بأس به , يكفي لعروضنا ..
وافقه ديسم يفكر بكيفية نصب الخيمة الضخمة للعروض
_ نحتاج لبعض الوقت ..
_ بل الكثير منه ..
صحح له لمك ليضيف
_ إذا تذكرنا طبعا أن المناخ هنا على وشك الانقلاب ..
_ للشتاء ..
هز ديسم رأسه بفهم متأملا المنطقة بعض الوقت ثم سار بضع خطوات لليمين ليشير بيده متخذا وضع الشمال الشرقي موضحا للمك ..
_ أغلب الرياح التي تضرب المنطقة هنا هي الشرقية والشمالية الشرقية الباردة , ما علينا فعله هو تمكين الخيام لتعطي ظهرها للرياح ..
قفز لمك عن الأرض ليسير من موقع ديسم يعدّ الخطوات حتى وصل لنقطة معينة
_ هذه ستكون مساحة خيمة العروض ..
قدر ديسم المساحة و ما تحتاجه من أدوات و حبال للتثبيت مقترحا
_ نستطيع أن نجعلها خيمة عروض شتوية ؟
حك لمك رأسه مستفهما
_ أتقصد أن نجعلها خيمة مغلقة ؟
رفع ديسم إبهامه مؤكدا فكرته , ليحمل عصا غليظة عن الأرض و باشر بالرسم بها على التراب الجاف مساحة على شكل مسدس الأضلاع بينما قسمها لعدة أقسام و قد احتاج وقتا لإنهائها ..
وقف مع لمك داخلها ليشرح له
_ على تلك الجهة الشرقية ستكون منصة العروض , على الشمال الشرقي سنجعل منطقة مخفية خاصة بنا قبل الخروج للعرض , هذا ( وأشار لخط انتصف مخططه ) سيكون الحد الفاصل بيننا وبين الناس ..
تمعن لمك بالخط الفاصل
_ يجب أن يكون سياجا منخفض الارتفاع ذلك أدعى للسلامة ..
أيده ديسم مباشرة دون اعتراض
_ بالطبع فكرة جيدة ..
رفع نظره للأعلى ليضيف
_ والارتفاع يجب أن يكون كبيرا ..
تمطى لمك بتعب ليفرك عينيه من النعاس والتفكير
_ يجب أن يكون كذلك , أريد الراحة قليلا دعنا نعود و لكن قد أنت السيارة ..
رمى ديسم العصا من يده ليتجه معه نحو السيارة بينما يبدو لمك ينفخ بهمّ و تعب
_ لمك هل تعبك من العمل أم هناك ما يؤرقك ..
وقف لمك ينظر له في عمق عينيه فتنهد معترفا
_ بل هناك شيء يؤرقني و لكني قادر على التعامل معه ..
لم يجادله ديسم , و انطلقا بالسيارة عائدان ليحصلا على بعض الراحة ..
نهاية الفصل السادس
...........................

شببت غجريةWhere stories live. Discover now