الفصل الخامس

2.3K 48 4
                                    

الفصل الخامس
تقدمت بخطواتها البهية الرقيقة من باب مكتبه , تعرف أنه هنا ..
لذلك أرادت مفاجأته ... لقد وعدها بمساعدتها على إيجاد عمل فهل سيكون هنا حيث عمله هو أم أين ..
ابتسمت للفتاة الجالسة على المكتب خارجا , وسألتها إن كان لوحده ..
وحين عملت الجواب أشارت لها بالسكوت ..
واتجهت للباب تفتحه قائلة بمرح
_ مفاجأة نيمار باشا ..
رفع رأسه عن الأوراق أمامه مستغربا هذه المقاطعة الغير مألوفة , صفاء ليس من عادتها أن تأتي دون طلب منه ...
اتسعت ابتسامته يشير لها بالدخول
_ أهلا أهلا بالجميلة ..
طفا احمرار خفيف على خديها تتقدم مختالة حتى جلست على كرسي قريبه
_ هل هذا غزل نيمار , قد تسمعك صفاء ولن أكون مسئولة عن عنقك الجميل ..
ضحك بخشونة معلقا
_ لا تشاكسي فيما يخص صفائي ..
ارتفع حاجبها ولكنها فضلت عدم الغوص بموضوع ( دميته ) التي تجد الابتسام لغيره مشقة وعقابا !
انتبهت كونه طلب لهما العصير فقالت تمازحه
_ ماذا لو أردت القهوة ؟
هز رأسه نافيا
_ لن تشربي القهوة هنا , ستشربينها بعد قليل مع صفاء , هنا عصير فقط ..
تجمدت ملامحها لتقول باستياء
_ ومن قال لك سأمر على صفاء ..
نظر لها بلوم بينما المستخدم يضع العصير أمامهما , وانتظره حتى خرج ليقول
_ لأن صفاء ستسعد بزيارتك ..
لم ترد عليه .. وتأففت في سرها , ثم رشفت من عصيرها ..
_ ماذا بشأن العمل الذي وعدتني به ؟
زم شفتيه مفكرا للحظة قبل أن يتناول هاتفه مجريا اتصالا هاتفيا لبضعة دقائق ..
لكنه قطب باستياء منهيا المكالمة ..
وضع هاتفه جانبا
_ حسنا جميلة المكان الأول الذي فكرت لك به غير شاغر .. سأبحث عن خيارات أخرى ..
زفرت بملل
_ يبدو أنه لن ينجح أمر العمل , أصبح الموضوع ممل حقا !
ابتسم لها بأسف , فرغم كونه مدير هنا إلا أنه لا يستطيع التجاوز وتفضيل ملحته على مصلحة البقية , فهناك كفاءات تستحق فرصة العمل أكثر منها ..
_ وهل أنت بحاجة ضرورية للعمل ؟
اعترفت بقنوط أنها , ليست بتلك الحاجة الملحة فوضعهم المادي جيد جدا , ووالديها لا يقصران نحوها بشيء , لكنها فقط تريد الشعور ببعض الاستقلالية ...
نظر لها بتفكير عميق قبل أن يسأل بحيادية
_ هل قابلتي مالك ؟
أشرقت ملامحها لتجيب حالا
_ نعم رأيته ..
ارتفع حاجبه , وأخفى ضيقه من الأمر , متسائلا هل تقرب مالك منها يتم تحت إلحاح من صفاء ..
_ وكيف وجدته ..
سرحت عينيها قليلا , لتقول بحالمية رفع لها حاجبيه معا
_ مثقف , متفهم , جذاب , وجميل ... جميل جدا في الواقع ..
تنحنح ضاحكا
_ إحم .. إحم ..
فوعت لنفسها لتجلي حنجرتها وتعدل جلستها تقول بجدية
_ لا بأس به ..
هز رأسه مكررا خلفها بجدية مضحكة
_ لا بأس به .. تطور ملحوظ !
نهضت بخجل متوترة , لا تعرف السبب واعتذرت منه للمغادرة , لكنه أوقفها طالبا منها
_ مرّي على صفاء , لا تنسي ..
دارت عينيها بمحجريهما , لتلفت له
_ وماذا إن كانت مشغولة ...
دلك جبينه بتعب
_ ستتفرغ دقائق لأجلك ..
غمغمت بخفوت ( أتمنى ذلك ) ..
لتقول مستاءة
_ غيرتها مرَضِيِّة ..
هز كتفه كمن لا حيلة له سوى التعامل مع الأمر الواقع
_ لكني أحبها حقا ...
( أحبها حقا ) كم لمست تلك الكلمة شغاف قلبها , كم هو رائع أن تجد من يحبك لدرجة يتحمل فيها عيوبك قبل مزاياك ..
تذكرهما قبل أعوام حينما كانت غيرتها تكاد تكون حتى من أمه إذا ما قبل جبينها !
فلم يستطع التحمل .. فسخت الخطبة وابتعدا ..
لكن القلب وما يهوى !
وها هما الآن معا وكأن شيئا لم , تحاول أن تجمّل غيرتها , لكنها تطفو على السطح دائما , حتى نيمار تقبل الغيرة أكثر من قبل ..
بل حتى باتت تسليه , رغم أنها خانقة أحيانا لكنه يجملها بآلاف الأعذار فقط كي لا يخسرها مرة ثانية ..
ابتسمت له بتفهم واستدارت لتهم بالخروج لكن العاصفة المسماة صفاء سبقتها بأن فتحت الباب بقوة , ودخلت خطوتين كلبوة مهاجمة , لكنها توقفت ما أن رأت جميلة تنظر لها بعينيها الواسعتين !
الجميلتين !
ابتسمت ببرود ومجاملة مفكرة ( هذا ما كان ينقصها جميلة العينين هذه , لما ليست مع مالك !)
_ أهلا بك !
رحبت بها بصوت فاتر واتجهت مباشرة لنيمار ..
وقفت خلفه تماما وأحاطت كتفيه بكفيها وكأنها تثبت ملكيته !
ابتلعت جميلة ضحكتها ( أليس هو من يجب أن يثبت الملكية )
جلت حنجرتها لتبدو جدية قليلا
_ أهلا بك صفاء , كنت على وشك المرور عليك لنشرب القهوة ..
تأوهت صفاء بحزن مصطنع واضح ومفضوح !
تبرم شفتيها معتذرة
_ حقا كنت أتمنى ذلك ولكن كما ترين لدي عمل ضروري مع نيمار لا أستطيع تأجيله , ربما مرة ثانية ..
وابتعدت عنه تحت عينيه المراقبة باستسلام , لا يملك شيئا لفعله ..
وإلا سيزعجها ويخسرها حقا ..
قطب باستياء , وهي تدفع جميلة نحو الباب حتى مع ضحكات جميلة إلا أن للطرد كان مزعج سمعها تقول
_ سنرتب للقاء آخر سررت لرؤيتك , مع السلامة ..
( تبا لذلك لن يسمح به )
شتم مفكرا , بينما صفاء بخطواتها السريعة وفستانها الهفهاف حولها بلونه العنابي متناسبا مع شعرها الأحمر بدت كنار على وشك الانفجار !
وتدخل هنا مرغما , فمهما كان حبها لن يسمح لها بطرد قريبته بهذا الشكل المهين !
_ لحظة صفاء !
توقفت مكانها تصر على أسنانها خطوة فقط وكانت أغلقت الباب وارتاحت !
التفتت له ..
حينها أدركت سوء فعلتها !
عابسا .. مشدود الفك ... مكفهر الملامح ..
أساءت التصرف .. هذا ما فكرت به , أرجعت كفيها لخلف ظهرها بتوتر , بينما رأس حذائها بدأ يرسم دوائر لا معنى لها على الأرض ..
التفت نيمار لجميلة معتذرا بنظراته
_ بما أن صفاء هنا سنشرب القهوة الآن ..
ونظر لصفاء بقسوة محذرا إياها على الاعتراض فقالت مرغمة
_ سأطلبها ..
واتجهت للباب لتخبر الفتاة بالخارج أن تطلب لهم القهوة , إلا أن جميلة التي قدرت سوء الموقف من نظرات نيمار أمسكت ذراعها تمنعها ..
ونظرت لنيمار ترفع حاجبها لئلا يعقد القصة أكثر من اللازم
_ لا داعي لذلك فأنا على وشك الانصراف لم يعد هناك وقت ..
حاول الاعتراض بينما التزمت صفاء بالصمت , لكن جميلة اتخذت طريقها بالفعل نحو الخارج ..
خطوة فقط وكانت صفاء تغلق الباب براحة ! متنهدة وكأن جبلا ضخما انزاح عن صدرها !.
لكن تنهيدتها لم تمنحها الراحة التي تنشدها بينما خرج نيمار من خلف مكتبه صارخا بها
_ هل يمكنك أن تشرحي لي ما هذا التصرف .. هذه ليست غيرة صفاء لقد تجاوزتها لحدود قلة الأدب ..
رفعت له عينين غائمتين مع وجه شاحب فلأول مرة يفقد صبره على تصرف لها وهمست بقهر
_ أنا قليلة الأدب يا نيمار ..
لكنه لم يسمح لنفسه بالاستسلام لدموعها وأجاب بقوة وحزم بينما وقف مقابلا لها يكتف ذراعيه على صدره فبدا ضخما .. غاضبا ..
_ لم أقل أنت قليلة أدب , بل تصرفك ..
اقترب خطوة واحدة , ومد يده وكأنه على وشك اعتصار ذراعها فانكمشت خوفا لكنه ضم قبضته بقوة ابيضت لها مفاصله
_ طرد قريبتي من مكتبي .. مكاني .. هذه قلة احترام لي كرجل . . عدم اعتبار لرجولتي ولا لكرامتي ..
_ أنا ..
تلكأت وتلعثمت دون أن تعرف بما ترد فرجع خطوة للخلف يهدر بقسوة غير متساهل معها
_ اخرجي من مكتبي الآن يا صفاء ..
شهقت بقوة ورفعت وجهها تنظر له بعدم تصديق أحقا يطردها من مكتبه !
_ ما الذي فعلته !
سألته بتحشرج ..
فرفع كفيه للسماء محتارا
_ ما الذي فعلتِه ! أحقا تسألين ..
لم ترد بل أطرقت برأسها فكرر طلبه عازما عليه
_ أخرجي الآن يا صفاء ..
عضت شفتها تقاوم قهر الطرد , لكن خوفا غبيا تسلل لها , خوف يخبرها أنها لو خرجت .. لن تعود ..
لذلك تخلت عن كبريائها بينما ركضت لكن ليس نحو الباب إنما عليه لترمي نفسها على صدره متشبثة بقميصه تبكي بغباء !
بقي للحظات دون أن يقوم بأي رد فعل نحوها , فازداد بكائها علوا ..
حينها لم يملك إلا أن يضمها على صدره بذراعيه متكلما بخفوت وقد ذهب الغضب مع شهقات بكائها ..
تسللت لأعماقه بدموعها ..
هزمته .. باستسلام عاشق!
حرك كفه الضخم على ظهرها الرقيق
_ كفى صفاء ..
_ آسفة ..
تمتمت بعذر خافت جدا .. فقطب مبتسما دون إرادة مقدرا صعوبة الكلمة عليها , لكنه راضيا منها في هذه اللحظة ..
مد كفه لذقنها يبعدها عن صدره , يرفع وجهها لعينيه ..
فاتسعت ابتسامته يشاكسها
_ لقد سال الكحل ..
اهتزت شفتيها بينما لا زال هناك دموع عالقة على رموشها الكثيفة ولم ترد ..
سالت إحداهما فتأوه برقة ليقترب متتبعا طريقها حتى وصلت لشفتيها فارتشفها ..
تنهدت , وارتجف جسدها فغمغم برضا كلمات لم تفهمها , بينما لا زالت في سكرة وجودها على صدره ..
وكأن الفكرة ضربت عقلها فجأة , فتململت لتبتعد قليلا , لكنه ابتسم بمكر غير سامح لها .. همست اسمه بعتب خفيف ..
لكن عتبها ضاع من ملمس شفتيه التي التقطت شفتيها بجوع ..
لتنسى كل ما حولها إلا تلك الرقة التي تتناول شفتيها كوجبة شهية , وقلبها الأحمق يضخ بقوة وصخب , وكأنها عاجزة عن التعامل مع ما يحصل , فرفعت كفيها لعنقه تتشبث به تائهة .. تسكرها أنفاسه ...
مغمضة عينيها ... مستسلمة .. لم تفق إلا على ملمس إبهامه على شفتها السفلى بينما هو يعض شفته قبل أن يهمس بخبث أجش
_ يبدو أنك سجينتي فقد دمرت جميلتي المتدلية حتى أصبحت منتفخة ..
شهقت بينما تجاهد للخروج من غيمتها الوردية ومدت أصابعها لتلمسها , لكنه لم يسمح لها بينما عادت شفتيه تطبع قبلا متفرقة عليها هامسا بعاطفة
_ دعيها لي أنا كفيل بها
.............
بعض وقت طويل قضاه ينتظر في الخارج , بعد أن طرده رئيس المجلس , بسبب انفعاله وعصبيته ..
رآهم يخرجون من المبنى المتوسط الحجم إنما مبني على أحدث طراز ..
وقف أمام الباب , ليبصق من فمه عودا كان في فمه ..
بادرهم ما أن اقتربوا
_ ماذا هل حللتم الأمر معهم ؟
ما إن رآه لمك , حتى احمرت عينيه منه لقد كاد يتسبب لهم بمشكله كان الله مولاها , لولا أن أخرجوه في الوقت المناسب ..
فنقض عليه يقبض على مقدمة قميصه يجذبه نحوه قائلا بفحيح , يمنع نفسه بصعوبة من ضربه ..
_ متى ستفهم أنك فاشل في كل شيء وتتوقف عن إيقاعنا في المشاكل ؟
قبض مكسيم على يدي لمك يبعدهما عنه هاتفا
_ ابتعد أيها المختل , أتعتقد أنك بكلامك المعسول قد تقنع أحدهم ..
لم يقاوم لمك نفسه وضربه بكل قوته على فكه ليتراجع مكسيم عدة خطوات للخلف , فتدخل ديسم بينهما صارخا بهما بأن يكفي !
لكن لمك صرخ بغضب
_ بسبب رعونتك , وغبائك كدنا أن نخسر الموافقة كاملة على المهرجانات ..
فضحك بشماته , يبصق دما من فمه
_ سيكون ذلك أفضل فهذه المدينة وجه شؤم علينا ..
_ كفى مكسيم ..
قصف صوت ديسم منهيا الجدال بينما أبعد أحد الرجال لمك ..
الذي أبعد أيديهم عنه بغضب وقلة حيلة , فلا يملك السلطة لإيقاف مكسيم عند حده..
كم يكرهه .. يكره هذا الرجل جدا ..
وابتعد عنهم دون أن حتى أن ينطق بحرف ...
متجها للورشة التي تأخر عليها من أجل زيارة المجلس اليوم ..
نفخ بتعب بينما يركب سيارته الضخمة , وجد نفسه بالقرب من مقر الجامعة ..
ولم يفكر مرتين قبل أن يتجه نحوها ..
وقف بعيدا شيئا ما فقد بدا من الصعب إيجاد مكان ليركن فيه سيارته ..
مشي ما يقرب الدقيقتين ليدخل من الباب الضخم ..
بدا منظره هنا غريبا .. بقميصه المفتوح حتى أعلى بطنه , ليبدو منها شعر صدره الكثيف تعلوه سلاسله .. بدا شكله عفويا بشكل ملفت للنظر وجذاب ..
جذاب جدا .. لدرجة التفتت العيون له من كل صوب ..
وقف على مقربه من المدرج وجال بعينيه , حسب كلامها فهي متفرغة حتى ساعة.
تساءل عما من الممكن أن تفعله في هذا الوقت ..
ولم يفكر طويلا ليعرف الجواب ..
فقد رآها ..
تجلس على إحدى الدرجات , تضع حقيبتها قربها ..
تسند وجهها بكفيها المرتكزتين على قدميها ..
من الواضح أنها تسرح في البعيد .. حيث لا يعلم ولن يصل أبدا ..
تنهد براحة فعلى الأقل لم تكذب في قولها ..
تمنى لو وجدها ضمن مجموعة أو مع إحداهن , حقا لا يريدها أن تغرق في العزلة
فذاك سيزيد من عقدتها تجاههم ..
دار بنظره في المكان يقيمه ..
حسنا أكثر رقيا من المعهد الذي درس فيه , وكثير الصخب كذلك ..
رأى مجموعة من الشباب والبنات .. صوت عال , ضحك , حركات ..
فقطب ليعود بنظره لها , مفكرا أنه ربما من الأفضل حقا أن تبقى لوحدها ..
شبك أصابعه معا ثم رفعهما لأعلى , لتصدر مفاصل جسده طقطقة قوية , ويلتف مغادرا ببساطة ..
غير منتبه ولا مهتم للشهقات الأنثوية ولا للعيون المتفاجئة من حركته في هذا المكان الراقي !
وكما دخل .. خرج .. ولم تشعر به ..
تناول من كشك بالخارج , علبة شراب طبيعي مع قطع من المعجنات بالجبن ..
عائدا لسيارته , يجلس قربها على الرصيف ليأكل بجوع ونهم..
ويشرب العصير دفعة واحدة ..
حينها فقط رأى فتاة تنظر لعلبة الشراب التي تخلص منها بصدمة ..
فرفع حاجبه بتساؤل لتفر هاربة من فورها ..
هز رأسه مبتسما ..
مغادرا المكان الراقي كما سماه
..... تنبهت من شرودها على صوت روز تجلس قربها , رامية أغراضها بقوة على المدرج , لتناولها كوب القهوة الورقي الذي أحبتاه وجلست قربها مازحة
_ ما الذي كان يشغل الجميلة ؟
تناولت الكوب منها مبتسمة بامتنان , تهز كتفيها بلا شيء ..
وعادت كلتاهما للشرود ...
قطبت غنجة على صوت تنهيدة روز العميقة ..
حولت نظراتها لها مستفهمة
_ ما الذي يشغلك روز ..
لك تستطع روز الابتسام .. لكنها أطرقت رأسها بيأس هامسة
_ أحمل هما أكبر مني , بينما من يجب أن يحمله لا يهتم !
_ لا أفهم !
تمتمت غنجة بذلك .. لتطوح روز بيدها مؤكدة عليها
_ ولن تفهمي ..
وفجأة التمعت عينيها بفكرة بدت لها جهنمية ولكنها كانت بارقة أمل غريب لها ..
مسترجعة حديث مهاب معها ..
ربما هذا ما كان يسعى له !
كم هي حمقاء .. التفتت لغنجة بأمل كبير , لكنها حركتها السريعة جعلتها تجفل وتسكب القهوة على ساقها الممدة العارية .. لتشهق متألمة ..
مسحتها روز بمنديلها حالا قائلة
_ ليست ساخنة حتى و بنطالك قصير لا أضرار ..
نظرت لها غنجة بحاجب مرفوع بينما تمسح ما سكب عليها بتفاني ..
_ حسنا ما الأمر ؟
سألت غنجة متوجسة من الجواب ..
لتتوقف روز عن مسح كفيها , لتفركهما ببعض بقوة لوت غنجة شفتيها تشجعها
_ هيا روز لا ترتبكي الآن ..
ودفعة واحدة قالت
_ أريد منك الذهاب لقسم الشرطة !
وما أن رأت عيني غنجة اتسعتا برعب , حتى أكملت حديثها تشرح لها القصة من أولها لآخرها ..
عن تورط مهاب مع أحد زملائه الذي يتاجر بالممنوعات , وكيف تورط معه بنقل عدة شحنات بسيطة مقابل مبالغ مالية , لكن ما أن أدرك خطورة ما يتورط به , حتى كان الانسحاب صعبا !
ليجد نفسه عالقا .. لا يقدر على البقاء معهم ولا على الانفصال عنهم ...
يخشى التحرك أو القيام بأي فعل فسيكون هو ... هدفهم التالي ..
حتى أنه يخشى أن تكون عائلته تحت أعينهم .. من هم مثلهم لا يتركون شيئا للصدف ..
فقد التزم غرفته ملتزما بالصمت حتى ظن الكل أنه مريض نفسيا ..
رضي على نفسه هذا الظن على الخروج لهم ..
لكنه بشر وقد تعب من الهرب .. من السجن دون قضبان ..
لذلك جاء لها وأخبرها بما ينتويه ..
سيبلغ عنهم ويشارك بالعملية التي يريدون القيام بها وحينها إما أن ينجو لأنه بلغ , أو أن يقتلوه لأنه خان ..
لكنها ترجته كثيرا حتى لا يخاطر بحياته ..
وما النتيجة ؟
لقد ضاعت وأضاعته معها .. لقد أخبرها الموعد والكمية وكأنه وضع الحل أمامها طيلة الوقت ..
لكنه حذرها من هاتفها ومن هاتف أي من عائلته ..
نعم كان الحل أمامها , بل ويجلس أمامها بعيون مصدومة غير مصدقة ..
ما أن أنهت كلامها حتى هزت رأسها بلا !
وقبل أن تبدأ روز سيل ترجياتها قالت بصدق
_ لا أجرؤ يا روز , ليس لأني لا أريد مساعدتك , ولكن أخشى حقا قدوم لمك ..
أعادت شعرها خلف أذنها بتوتر
_ أنت لا تعرفين شيئا عن تبعات دراستي ..
_ أرجوك ..
قاطعتها روز بعينين مبللتين بالدموع
_ أرجوك لن يعرف أحد ..
أخرجت غنجة هاتفها تناولها إياه هامسة بقلق
_ حسنا خذي وافعلي ما تريدين ..
هزت روز رأسها بلا , تلحس شفتيها حائرة , تطلب بحرج
_ يجب أن تذهبي للقسم وتخبريهم كل ما أخبرتك به ..
_ ماذا !
صرخت غنجة بعلو صوتها مما جعل بعض الرؤوس تلتفت لهم بينما روز تهمس برجاء
_ أخفضي صوتك ستثيرين الشك !
أخفضت صوتها حقا تصر على أسنانها بغضب
_ تريدين مني الذهاب لقسم الشرطة , تبا لعقلك يا هذه لقد أخبرتك أني لا أجيد التجول هنا !
هتفت روز بدورها حانقة بينما الجميع يتساءل كيف تفاهمت الاثنتان رغم كل الفوارق بينهما ليس أقلها اللهجة !
_ وأنا بالطبع سأعلمك !
وتحت إلحاحها استسلمت غنجة لها ..
وطبعا للفكرة التي وضعتها روز , فقد تركتها روز , لتجلس مدة لا بأس بها متظاهرة بقراءة شيء ما ..
وبعد وقت .. وقفت بتأفف , وكأنها ملت من وجودها هنا , نظرت لساعتها لتلملم أشيائها مغادرة المدرج ..
دقائق وكانت تسير في الشارع العام لتستقل إحدى الميني باصات الصغيرة , وتطلب مكانا بعينه تنزل فيه ..
تتخذ طريقا آخر , قبل أن تركب مجددا الميني الباص الذي أنزلها أمام قسم الشرطة..
كل ذلك وهي تسب روز في سرها وتصب لعناتها على الغبي أخيها ..
أخذت نفسا عميقا ..
يتلوه آخر .. يتلوه آخر ..
وعند كل نفس تأخذه تشجع نفسها لتدخل لكنها تتخاذل !
شدت حقيبتها على كتفها وبكل شجاعة , خطت دون أن تفكر نحو الداخل ..
وقفت في المكان كالحمقى إن صح التعبير !
فلا تعرف لمن ستذهب ولا من تكلم , كل ما تفعله هو أن تتحاشى الارتطام بالناس التي حولها .. ناس من مختلف الأشكال , جعلتها تشعر برغبة في التقيؤ بينما الأعين لم ترحمها بلباسها الجريء هذا ...
أنهت هذا كله حينما اقتربت من شرطي واقف طلبت منه بخفوت
_ لدي معلومات مهمة أقدمها لمن يجب أن أتوجه ؟
نظر لها مليا كأنه متشكك من شكلها , وبعد صمت قصير طلب منها أن تتبعه ليطرق بابا منفردا منتظرا للحظات قبل أن يسمع إذن الدخول ..
دخلت خلفه , لكنه تركها وغادر خاصة وأن ذاك الضخم لديه مكالمة تلفونية لم ينهها بعد ..
ازدردت ريقها بخوف متسائلة ( بماذا ورطت نفسي )
أطرقت برأسها , ربما لو خرجت قبل أن ينهي مكالمته وهربت من الكلام , لن يهتم أحد !
نعم هذا ما يجب أن تفعله , خطوتين للخلف تفتح الباب , تخرج بهدوء وتغلقه ولن يشعر أحد !
لكنها خطتها انتهت بأن رفعت رأسها مجفلة على صوت يقصف إن صح التعبير سائلا
_ ما ورائك يا فتاة ؟
جف ريقها حقا !
فتحت فمها وأغلقته كالحمقى تحاول التكلم حتى مد يده فارتعبت لثانية قبل أن تراه يملأ كأس ماء يشير لها أن تشرب منه وكم كانت بحاجة له ..
اقتربت بخطوات خائفة مترددة لتأخذه وتشرب منه بعطش رهيب حتى أتت عليه كله .. كأنها لم تشرب منذ دهر ..
وضعته على الطاولة شاكرة بينما طلب منها الجلوس والهدوء ..
حين أحس بهدوئها حقا سألها مجددا
_ ما الأمر ؟
فانطلقت تروي له كل شيء بالتفصيل الممل دون أن تجرؤ على النظر له ..
كان يستمع لها يحك ذقنه بتفكير ..
معلوماتها قيمة , لديه تقريبا فكرة عنها ..
كان ينقصه بعض التفاصيل وها قد قدمتها دون أن تشعر بمدى حاجتهم لها ..
إذن كان ذاك هو الطرف المختفي الذي يبحثون عنه ..
أصبح الأمر أسهل مما يتصور , خاصة أن هذه المجموعة لا تزال صغيرة وسيسهل التخلص منها .. طمئنها ببضعة كلمات شاكرا طالبا منها توخي الحذر ..
كما طلب أغن توصل لهم أن مهاب سيكون تحت أعينهم , طالما قرر التعامل معهم وأنهم سيتدخلون لحمايته في الوقت المناسب ولن يعرف احد عما حصل
..........................
راقبت ميرا مناف وكيف يدخل عائشة بكل حرص لغرفتها ...
على عكس كل توقعاتها , لم تثر العواصف لرؤيته لها بالجينز !
بل بدا أنه لم يره من الأساس , كل ما تذكره أنه جاء على وجه السرعة ودخل لغرفة الطبيبة حيث كانت عائشة لا تزال ممدة على سرير الفحص الطبي ..
فانتظرت بالخارج تمنحهما خصوصيتهما مع الطبيبة ...
وها ما منذ أن خرجا من العيادة وهما لم ينطقا بحرف أمامها , أدخلها الغرفة وأغلق الباب خلفهما .
_ عسى أن تكوني بخير عائشة ...
تمتمت بذلك متجهة لغرفتها تحمد الله أن اليوم مضى على خير ..
وفي الداخل .. مددها مناف برقة على السرير الضخم الخاص بهما , ليبتعد قليلا نحو الخزانة ويخرج منها ثوبا قطنيا مريحا , وبعض الملابس الداخلية الخاصة بعائشة , همس مقبلا جبينها
_ أغمضي عينيك قليلا وارتاحي لا تفكري بشيء ..
وبالفعل أغمضت عينيها متنهدة بألم أصابه في الصميم , وبحركات سارحة ساعدها على التخلص من الجينز الذي كانت ترتديه مع الكنزة الطويلة الواسعة , وخرج من الغرفة ليعود بعد لحظات مع منشفة مبللة يمسح بها جسدها المتعب , ليعود ويساعدها خلال لحظات على لبس الثوب القطني ..
وكانت بالفعل قد أغمضت عينيها مستسلمة للنوم ..
فدثرها بغطاء ناعم خفيف , وانحنى على الأرض يرفع ثيابها القديمة حينها انتبه لما بين يديه .. رفعه أمام عينيه مقطب الجبين , فتنهد يخفي غيرته جانبا هامسا لوجهها النائم المتعب
_ لو لم تكوني متعبة لكنت عاتبتك بحق !
ولكنه انحنى مجددا يقبل جبينها هامسا بحب
_ كوني بخير ..
..................
تنهد مازن بتعب يلقي بجسده على كرسي مريح في غرفة المدرسين , حذا مالك حذوه , بينما في اللحظة التالية دخلت ميرا معتذرة بهمس عن تأخرها ..
سبق مازن مالك بالرد عليها
_ لا عليك لم يحضر المدير بعد ..
وتتابع دخول المدرسين حتى امتلأت الغرفة بهم , كل منهم بمجال مختلف عن الآخر أو مختص بمرحلة مختلفة ..
سكت مالك بينما ابتسمت هي بشكر له . ثوان فقط وكان المدير يدخل المكان ..
لم يكن ما يريد قوله يختص بالدراسة , فهو يعلم أن لديه جيش من المدرسين ذوي الكفاءة يعتمد عليهم لذلك تكلم دون مقدمات ..
_ كنت اليوم بالصدفة في مجلس المدينة , وقد علمت عم مهرجانات للغجر ..
استغرب الجميع حديثه الذي لا دخل لهم به لكنه أكمل بعملية
_ كوني مدير ومدرس لا يلغي كوني أريد الربح من هذه المدرسة , لذلك قررت أن نحضر لعدة رحلات إحداها ستكون لهم في مكان إقامتهم .. فالطلاب ملوا من المناطق السياحية التي نزورها باستمرار سيكون ذلك نوع من التجديد ..
لم يطب الأمر للمدرسين بينما المدرسات وبينهن ميرا تحمسن للأمر وكأنه فرصة لهم لا للطلاب !
همست ميرا بمرح
_ كم سيكون جميلا أن أرى كيف يعيشون , يا إلهي حياتهم مثيرة بالفعل ...
ابتسم مازن يرد عليها وبدا أن مالك لم ترق له الفكرة أبدا
_ إذا يسعدني أن أكون معك ونكتشف عالمهم ..
أطرقت برأسها خجلا لكنها لم ترفض ..
فابتسم هو برضا .. تماما فليتقدم بهدوء نحوها لن يثير رعبها , مال نحو مالك سأله هامسا بتسلية
_ ما بك وكأن الأمر لا يروقك ؟
نفخ مالك بضجر , يرد بصوت منخفض بينما بعض المدرسين يستفسرون من المدير عن ماهية الرحلات وطبيعتها
_ بالطبع لا تروقني , كل مجتمعهم لا يروقني .. ترى هل يمكنني الاعتذار ؟
حرك مازن كتفيه بعدم معرفة ليعلق
_ أعتقد أنها ستكون مسلية ..
بينما كلام المدير كان جله عن العائد المادي من الطلاب والذي سيعود بالخير عليه وعلى المدرسين على السواء ..
كانت ميرا في جسدها معهم أما عقلها فما زال مع عائشة , لا تعرف ما الذي يحصل معها , لكنه ولا بد خطير وإلا فلماذا تصرف مناف بهذا الشكل وغض نظره عن لباسها ؟
وبالفعل كان ...
عندما عادت ظهرا للبيت كان مناف لا يزال فيه , نظر لها متسائلا
_ هل انتهى عملك اليوم ؟
أومأت رأسها موافقة , ألقى نظرة على غرفة عائشة وعاد بانتباهه لها
_ هل يمكنك أخذ إجازة ؟
فتحت عينيها مستغربة , كونها المرة الأولى التي يطلب منها شيئا كهذا لكنها أجابت بعدم يقين
_ ربما ليومين أو ثلاثة , لا أظن أنه يمكنني أكثر من ذلك فأنت تعلم أنه مركز تعليمي خاص ..
لكنه قال بسرعة
_ نعم , نعن يفي بالغرض , فقط لا تتركي عائشة لوحدها هذين اليومين وسأحاول قدر الإمكان التواجد هنا معكما ..
شيء سيئ حدث ! هذا ما فكرت فيه وسألت قلقة
_ ما الأمر ماذا قالت الطبيبة ؟
تنهد بتعب يعود بظهره متكئا على الأريكة ليؤكد ظنها
_ عائشة تعاني من بطانة الرحم , إنها متضخمة بشكل سيء , وهذا سيؤثر على الحمل , يجب أن تكون حريصة ..
أغمض عينيه بألم ليضيف بهمس
_ وإلا سيؤثر ذلك على الجنين , وإذا فقدته ستفقد أي فرصة للإنجاب ..
شهقت بخوف مما سمعته
_ ولكن ألا يمكن معالجتها ؟
هز رأسه بلا ليشرح لها ما يؤلمه
_ لقد كان إهمال منّا , كانت تعاني دائما لكنها تقول أنه أمر عادي , سمك جدار الرحم لديها ضخم جدا وذلك غالبا لا يعالج إلا ..
وغص ليسكت عن المتابعة فسألت وكأنها عرفت الجواب
_ إلا بماذا ؟
أكمل موكلا أمره لله
_ إلا بإجراء عملية استئصال للرحم ..
حتى شهقتها خرجت دون صوت , لا يمكن أن يحصل هذا , لقد انتظرا هذا الحمل لأعوام والآن حين جاء .. يأتي مهددا بالخطر ..
وقفت تفرك يديها ببعضهما لا تعرف ماذا تقول , فاقتربت منه لتجلس قربه تمسك كفه الضخم تسانده
_ تفاءل بالخير , يمكنني أن أقدم طلب إعفاء لهذا العام , سألازمها ..
هز رأسه بالنفي شاكرا لها
_ لا عملك غير ثابت , سيستغنون عنك ولا أريد أن يحصل ذلك , أستطيع أن أقدم طلبا في عملي استيداع لمدة عام , كل ما أريده منك بضعة أيام ريثما أنهي ذلك ..
تنهدت بهم جديد وربتت على يده
_ سأدخل لأرى عائشة ..
_ اهتمي بها ميرا ..
كان هذا طلبه فابتسمت له , لتتخلص من حجابها وتدخل لها , كانت نائمة بعمق , فتركتها دون أن تزعجها , وخرجت لتعد الغداء , فيجب أن تهتم بغذائها جيدا , لا أحد سوى الله يعلم ما هم مقبلون عليه ..
...........................
تقدم لمك من مكانها المفضل , فضحك ساخرا , بينما يوجه نظراته للسماء , لو أن الشتاء يحل سريعا , ليرتاح من رؤيتها بهذه الملابس المكشوفة , حسنا لم تكن مبتذله لكنها مكشوفة واعتراضه كالعادة يذهب أدراج الرياح , كان كنج يدور حولها بينما هي على الأرض ممدة تنظر للسماء بتفكير لا يعرفه وكم تمنى دخول رأسها ليعرف ما فيه ..
_ كالعادة لا تقدر الخصوصية .
قالت ذلك بينما استشعرت خطواته فهو الوحيد الذي يتجرأ على قطع خلوتها دون أن تصرخ في وجهه , خوفا في الواقع فلو صرخت نتائج ذلك غير مضمونة ..
جلس قربها على الأرض يمدد ساقا بينما الأخرى رفعها يسند يده عليها , فظهرت سلاسله لها واضحة على صدره وكأنه يتعمد حقا إظهارها ..
ولكنها ملت طلب تلك السلسلة الأنثوية التي تمثل راقصة هوجاء الشعر مصنوعة ولا بد من الفضة فقد حافظت على نفسها كثيرا في عنقه بين البقية الرجولية الشكل..
_ من أراد الخصوصية لديه مكان مغلق يلجأ له ..
أغمضت عينيها غير معتمة لحديثه تحثه
_ هيا أتحفني بما لديك ..
عبس من سلوكها معه لكنه ابتسم لنفسه فقريبا سيذهب غرورها , ستصبح جزءا منهم وحينها ستتوقف عن رعونتها , ستصبح المهرجانات في دمها تماما كالبقية وحينها لا خشية عليها من المدينة .
_ متى ستبدئين التدرب مع فاتنة وراجية ..
اعتدلت بسرعة جالسة في مكانها بينما عينيها عكست عدم تصديقها
_ هل كنت جادا بكلامك عن مشاركتي بالمهرجان !
رفع حاجبه بغرور يسألها
_ ألم تكوني جادة حين عرضت رغبتك بالمشاركة مقابل دراستك الجامعية ؟؟
ارتبكت وبان على ملامحها أنها لم تكن جادة أبدا , أعادت خصلة من شعرها المجنون للخلف ولم تقل حرفا واحدا ..
ليرد بتهكم
_ كما توقعت كالعادة كنت تريدين كسب مودة الشيخ رجب ببضعة دموع وتتراجعين عن كلامك ..
نهض بقوة من مكانه فنهضت بدورها تستجديه
_ لمك , أرجوك .
ولكنه لم يكن مستعدا لسماع أي تبرير منها , وابتعد بضعة خطوات بينما صوته يصدح بقوة جعلتها ترغب بالبكاء
_ لا كلام غنجة المهرجان ودراستك وازني بينهما وإلا ...
التفت لها بابتسامة مستفزة
_ وإلا اخسري تاريخك العظيم الذي تودين دراسته ..
وابتعد .. بغرور وثقة فتبعته ركضا وكنج يتبعها بإخلاص ولكن ما لم تتوقعه هو مرور الشيخ رجب في تلك اللحظة , ليقطع طريق لمك ... لت تسمع ما كان يقوله لمك قبل وصولها فقد تعمد خفض صوته ولكن حينما وصلت استقبلتها ابتسامة الشيخ رجب الودودة
_ كنت أعرف أنك لن تخذلينني هذه المرة ..
ابتلعت ريقها ولم ترد سوى بابتسامة مرتجفة فتولى لمك الرد عنها
_ بالطبع شيخي , غنجة لم تكن لتخذلك وهي سعيدة لمشاركتها ومتحمسة بالفعل بل وأكثر من ذلك لقد أخبرتني للتو أنها ستشارك بعرضي ..
اتسعت عيني الشيخ رجب تماما مثلها ولكن قبل أن تنطق رفض الشيخ
_ بالطبع لن تطاوعها في تهورها تحتاج لمتمرسة من العرض معك ..
تنهدت براحة بينما لمك قال ضاحكا بسخرية
_ لا تقلق شيخي , قلت لها ألا تتحمس كثيرا , فقط لتدرب على العروض الراقصة مع الفتاتين ..
ضحك الرجلان معا وهي احمرت خجلا وقالت بقوة
_ سأكون راقصة رائعة شيخي ..
وأكد عليها بقوله
_ وستذهبين بعقول جميع الرجال ..
قطب لمك بعدم رضا ليذكر الشيخ برأيه
_ كما قلت لك شيخي , لن نسمح بملابس العروض الخاصة التي كنا نقوم بها , ستكون المهرجانات عامة وسيكون بها أطفال ..
ربت الشيخ على كتفه معجبا ببديهته
_ بالطبع لمك يمكنك أنت أن تشرف على نوعية لباس الجميع ..
نفخت غنجة بغضب لتقول
_ شيخي لن ألبس على ذوق أحد في الواقع سأطلب من غالية شيئا يناسب ذوقي ..
هز الشيخ كتفيه ليتركهما معا مبتعدا , فنظرت للمك بحدة
_ إياك أن تجرؤ على فعل أكثر من هذا لقد ورطتني بالعرض وكفى ..
مال رأسه مبتسما بمجاملة وقال ساخرا من عمق قلبه
_ سيكون وجودك رائعا بيننا يا أميرة ..
وتركها ..
وهذه المرة لم تتبعه بل عادت أدراجها مع كنج لمكانها المفضل ..
وفي طريقه لحظائر الحيوانات التقى بديسم يعطي إشارة ما فعلم أنه ولا بد قطيع الأغنام خاصتهم على وشك العودة من المرعى الذي اتجه له صباحا ..
حقا لا يعلم ما الذي كان سيحصل لهم لو لم يكن لديهم ما يعينهم على البقاء هنا , على الأقل المرعى والماء متوفر لحيواناتهم ..
رفع ديسم يده له ليقترب منه فقال لمك ضاحكا
_ ما مشكلتك مع الثياب يا هذا !
ضحك ديسم معه , فقد كان بالفعل يكره الثياب , وملابسه طالما الشمس دافئة ولو قليلا بنطال قصير وفقط ! ولكن جسده القوي كان خير معين له لمواجهة الطقس كيفما كان كما أنه دائم الحركة ..
رد عليه ساخرا
_ ولماذا أرتدي ملابس تغطي جذعي فها أنت أكبر مثال أمامي ترتديها بينما صدرك مكشوف تماما ..
ضربه لمك على كتفه ممازحا , فرمى ديسم المجرفة بيده واتخذ وضع القتال يطلب منه بجدية
_ تعال لنجري قتالا وديا لم نقم به منذ زمن ..
تخلص لمك من قميصه المفتوح مرحّبا بدعوته ..
_ معك حق ولكن تذكر يا ديسم أنه ودي وأن لدينا مهرجان نعد له ..
ودخل الاثنان في قتال ضاحك صاخب , ولمك لا ينفك يذكر ديسم أنه مجرد قتال ودي وديسم يؤكد أنه يتذكر ذلك وضحكاتهما تعلو وتعلو والغبار حولهما يتناثر حتى ارتميا على الأرض ..
وذاك يراقبهما من بعيد بتقزز ..
رمى العود الذي كان بفمه وبصق ليغادر بينما صدره يشعل بنار الغيرة والكره ..
لديه الموت أهون من رؤيتهما يضحكان ...
ولكنن ابتسم ابتسامة شيطان بينما خطته تنضج ببطء لم يعد الأمر طويلا وسيحصل على ما يريده
..
نهاية الفصل الخامس
............................

شببت غجريةWhere stories live. Discover now