الفصل الثامن

1.6K 43 2
                                    

.....
تبعت غالية لمك الذي يتبرم لا يعرف كيف يرد عليها وهي تلومه على قبوله بقدوم معارف المدينة لهنا , وحينما رأت أنه لن يرد , وقفت أمامه تصرخ فيه بقهر
_ لمك انظر إلي , لست مرتاحة صغيرتي بخطر في وجودهم ..
دمدم لمك من بين أسنانه وقد مل من حمله لتبعات أفعال الغنجة
_ وما خطرهم عليها , أنا أخشى عليهم منها ..
زجرته بقوة
_ لمك ..
لكنه لم يأبه لها مصرا على رأيه
_ لا تقلقي عليها منهم .. إنها ليست الحمل الوديع الذي تريدينها أن تكون وهي أقوى مما نعتقد ..
أرادت أن تجادله لكنه حسم الموضوع
_ لو كان لديك أدنى اعتراض اذهبي للشيخ رجب وليس لي ..
وتركها مغادرا بخطوات هادرة ..
تركها تغلي من القهر في مكانها فقد هربت غنجة من يديها صباحا متحججة بنزهة كنج واختفت بلمح البصر ...
واتجهت بخطوات نارية هادرة نحو خيمة الشيخ رجب فهو معتاد على الاستيقاظ باكرا رأته في مجلسه , فحملت القهوة تلقي عليه التحية , وقدمت له القهوة لائمة
_ كيف تسمح بهذا يا شيخ ..
نظر لها الشيخ بطرف عينه متسائلا
_ وما الخطب من ذلك , إنها ابنة المدينة يا غالية ..
ردت هادرة بغضب مستنكرة
_ ليست ابنة مدينة , هي ابنتي .. طفلتي أنا ..
دقت على صدرها لتكمل بحرقة
_ هذا الصدر هو ملجأها وأمانها هو كل ما لها ..
وتركت المكان غاضبة ..
ليست مطمئنة ..
صغيرتها ليست بخير ..
لكنها عادت لخيمتها ترفض حتى رؤية الزوار , لن تراهم , لن تراها وهي منسجمة معهم .. لا يمكنها ذلك ..
.............
على عكس كل توقعات مالك الممتعض لم تأخذ صفاء سوى دقائق معدودة لتكون جاهزة للمغامرة كما تسميها واستعجلته عشرات المرات , نظر لها ولروز الهادئة في المقعد الخلفي وهمس لنيمار المبتسم
_ لا أعلم حقا ما هو الأمر المفرح في هذا المكان !
ضحك نيمار بخفة يرد عليه
_ يكفيني من الأمر أن صفاء فرحة ..
وصلت في تلك الأثناء رسالة على هاتف مالك من جميلة تسأله فيها لمَ ل يخبرها عن الرحلة لكانت اشتركت بها معهم .. حتى نيمار لم يخبرها عنها !
لم يرد مالك عليها أعاد هاتفه لجيبه ..
تصله همسات صفاء وروز اللتان تراقبان الطريق بتشويق ..
أرسلت روز رسالة لغنجة تخبرها عن قرب وصولهم , لترد عليها غنجة بترحيب..
همست صفاء
_ هل أخبرتها ..
أومأت روز بصمت بينما تتذكر ما حصل قبل خروجها من البيت ..
رغم استيقاظهم الباكر الأمر الذي لم يعتده مهاب إطلاقا , إلا أنه استيقظ اليوم لعجبهم ..
وودعهم منطلقا في رحلته الغريبة التي لا يعرفون عنها شيئا , ولكن ما أثار عجبها حقا هو مهاب ذاته , بدا مختلفا لا تعرف كيف , غريب وفقط ..
هناك وخزة غريبة في داخلها لا تريحها ..
انتبهت على صوت نيمار المتسائل
_ روز هل أنت متأكدة أنها الطريق التي أخبرتك عنها صديقتك ..
نظرت روز حولها لتنسى ذعرها على مهاب وتصيح مصفقه بيديها شوقا لغنجة
_ نعم نعم ها هي الطريق كما وصفتها غنجة في رسالتها ..
وأخرجت هي وصفاء هواتفهما الجوالة ليطلبا من نيمار التوقف قليلا ليلتقطا عدة صور في تلك المنطقة الساحرة البعيدة عن المدينة حيث الطبيعة بكل صفائها ..
...........
عند الفجر استيقظ مناف على أنين خافت بالقرب منه ليجد عائشة تمسك أسفل بطنها متألمة لتهمس ما أن فتح عينيه
_ لم أعد أحتمل يا مناف .. لم أعد أحتمل ..
وخلال لحظات معدودة فقط كان هو وميرا يساعدانها لتركب سيارة الأجرة التي طلبها , ليصلوا للمستشفى القريب ويدخلوا قسم الإسعاف ..
نظرت ميرا لمناف متسائلة
_ ما الذي حصل !
مرر كفيه بشعره بعجز
_ لا أعلم .. إنها تتألم وتتألم ..
مضى الوقت ببطء عليهما ..
حتى خرج الطبيب من تلك الغرفة التي أدخلوها لها ومعه عدة أوراق ليقول بأسف

_ لم تكن بالقوة لتحافظ على الحمل لقد فقدنا الجنين ونحتاج لتوقيعك على هذه الأوراق لنجري لها عملية استئصال للرحم فقد أصابها نزيف حاد عجزنا عن إيقافه ولن يتوقف إلا بإجراء العملية ..
جلست ميرا على كرسي خلفها بينما نظر مناف للأوراق الممدودة له وكأنها وحش على وشك افتراسه ..
ذاك الحلم البسيط بطفل لهما سيموت الآن ..
سيموت للأبد بجرة قلم منه ..
جرة قلم ستميت طفلا لن يكون أبدا وستميت أحلاماً ..
وجرة القلم ذاتها ستنقذ عائشة محبوبته ..
ولم يفكر مرتين أكثر ليخط اسمه بثقة على الأوراق هامسا بصبر
_ أنقذها رجاء ..
وعده الطبيب خيرا وابتعد ليقول شيئا ما للمرضات ..
لتخرج من الغرفة عدة ممرضات يجرين السرير الأبيض المليء بالدماء بينما عليه جسد عائشة بلا حياة لتختفي في مصعد ضخم ويغلق بابه عليها ..
وكل ما احتاجه الأمر مجرد ساعة فقط ليرى بعدها الطبيب قد جائه يحمل بيده كتلة حمراء ملتهبة موضوعة بمحلول ما ليقف معه يشرح لذاك الذي لا يسمعه أين الالتهاب وماهي مخاطره ولحظات فقط ليرى السرير الأبيض وقد تم احضاره لغرفة مخصصه لينقلها الممرضات بمساعدة مناف وميرا على السرير النظيف بينما يدها وصلت من فورها بمحلول وهي لا تعي لشيء فقط تهمس بألم
أنها موجوعة ..
ليمسك مناف يدها التي تمتد دون شعور منها ولا وعي نحو الجرح يمنعها من لمسه , يراقب المرضة التي تعطيها في ذراعها عبر مصل مثبت عدة أبر ..
مؤكدة له أنها ستكون بخير خلال ساعات ..
بينما حبست ميرا دموعها لتخرج من الغرفة تتركه معها يسمع همسها الموجوع تفر من عيونه دموع لم يقدر على اخفائها ..
مات أملهما الوحيد ..
................
وصلوا ليجدوا عدة فتيات يجلسن على الأرض , يبدو عليهن الانتظار ما أن اقتربت السيارة حتى هبت إحداهن تلوح لهم ..
أوقف نيمار السيارة على مسافة آمنة متوجسا من الترحيب , لكنها لحظات فقط حتى ساد الهرج والمرج في المكان ..
ليخرج كهل كبير في العمر يرحب بهم يتبعه لمك الذي نظر لهم بعداء , بينما لم ينتبه أحد أن مكسيم غير متواجد في الأنحاء ..
ولم ينتبه أحدهم أن غنجة والتي هذه الاستضافة على شرفها غير موجودة معهم !
بعد الترحيب الذي حظوا به تساءلت روز
_ أين هي غنجة ؟
رد لمك بتقطيبة استغراب
_ لا بد وأنها معتكفة في مكانها الخاص هل أخبرتها بوصولكم ؟
_ بالطبع هي تعلم أننا وصلنا لقد أرسلت لها للتو رسالة ..
هز رأسه بحنق ليهمس سأذهب لأحضرها لكن روز تمسكت بذراعه لتنال منه نظرة نارية لم تهتم لها حتى اقترب مالك ليحاول سحبها , فأفلتت ذراعه ضاحكة
_ فقط دلني على الطريق وأنا سأفاجئها ..
نظر لها لمك بغير ارتياح بينما وبخها مالك
_ أين ستذهبين وحدك في منطقة لا تعرفينها
انطلق صوت الشيخ رجب مطمئنا
_ لا تقلق المنطقة هنا آمنة تماما ..
أكد ديسم الذي أبعد لمك عن روز
_ آمنة تماما و غنجة ستجدينها في نزهة صباحية مع كلبها من هذا الاتجاه ..
بقيت روز متمسكة بنيمار الذي همس متسليا
_ ما بك صوفي أين ذهب الحماس !
قرصته في ذراعه ليتأوه
_ أنا فقط مستغربة ..
أومأ وقد آثر الصمت على التعليق ..
بينما عيناه تعلقت على لمك المتأهب و على الضخم المسمى ديسم ..
و مالك ينظر حوله بريبة بينما الجميع تبع الشيخ رجب نحو مجلسه ليقدم لهم القهوة..
نظر لمك لصفاء عدة مرات باستغراب ..
يشعر و كأنه يعرفها لكنه أبعد هذا الشعور فمن أين له ان يعرفها !
نظرت صفاء نحو مالك لتجده مثلها فهمست
_ هل تشعر مثلي !
همس بدوره
_ بما تشعرين ؟
نفخت لتقترب منه
_ لا أعلم قلبي غير مرتاح ..
_ و لا أنا ..
قالها مالك بينما اتخذوا مكانهم في مجلس الشيخ الذي انطلق يتحدث معهم عن الغجر وعن قبيلتهم تحديدا ينتظر الجميع وصول غنجة و روز ليذهبوا في جولة في المكان , لكن جلستهم تعكرت على إثر صرخة عالية هدرت من مكان ما لينتفض الجميع بمن فيهم لمك متجهين للخارج يتبعه ديسم وباقي الرجال ..
فتبعهم مالك متسائلا
_ أين روز ..
ولحقه نيمار يسحب صفاء المرتجفة معه نحو المكان الذي اتجه إليه الجميع وقفوا حيث رأوا التجمع ..
دخل لمك بسرعة خلف الشيخ رجب وغالية ..
كانت  الصرخات تنطلق من خيمة مكسيم بينما والدة راميا تصرخ ويداها تجاهدان لفك الحبال عن جسد ابنتها ..
وقف لمك لا يصدق ما يراه , لتنحني غالية و تساعدها في فك الحبال والشيخ رجب يمسح وجهه يسألها
_ ما الذي حصل ..
ثم صرخ بعلو صوته بأن يأتي الرجال بمن يداوي راميا  ..
انحنى لمك ببطء نحو وجهها الباكي المجهد بينما بالكاد تئن متألمة وتفتح عينيها ليسألها بقهر
_ ما الذي حصل ..
ابتلعت ريقها بصعوبة , لتهمس بصوت لا يسمع
_ عن..ج..
لم يفهم منها ما تقوله فتساءل
_ عن ماذا أخبريني ..
هزت رأسها لتغمض عينيها متألمة من حركتها البسيطة وبصوت مجهد مثقل همست مرة أخرى
_ غنجة ..
تمكنت من لفظها بينما أنفاسها تتقطع توقفت يدا غالية عن العمل لتنظر لها مستغربة مستنكرة وتصرخ
_ هل تتهمين صغيرتي بأنها من فعل هذا ..
لم ترد راميا عليها , ثبتت عيونها بأجفانها المثقلة على عيني لمك , تكفر عن ذنبها الأخير بحقة واستجمعت قواها الخائرة
_ أنقذ... غنجة ..
قطب ديسم الذي التقط الجملة بعدم فهم , لتتسع عيني لمك وغالية ينظران لبعض قبل أن يهب لمك واقفا
_ الوغد ..
وتركهم ليركض نحو الاتجاه الذي ذهبت فيه روز ..
تبعه لمك الذي قال لنيمار
_ ابق مع صفاء قرب الشيخ لا تبتعد..
لتدخل امرأة كبيرة في العمر لكنها ما أن دخلت حتى كان الوقت قد تأخر ..
تأخر جدا في الواقع , فراميا و بين يدي والدتها لفظت أنفاسها الأخيرة و جسدها النازف يغسل الأرض تحته بالدماء , بينما الحبال المعقدة لم تحلّ عقدتها بعد ..
غطت صفاء وجهها بيديها ليضمها نيمار على صدره ويخرجا من المكان فقالت باكية
_ خذني من هنا نيمار .. خذني لا أحتمل ..
مسح بكفه على ظهرها
_ انتظري حتى يأتي مالك بروز و بعدها نذهب ..
..........
تبع مالك لمك الراكض نحو مكان بعيد قليلا عن الخيام المنصوبة , يلهث الأنفاس المتعبة بينما يحاول جاهدا وهو يجري أن يتصل برقم روز ..
لكن الهاتف كان يرن ويرن دون رد ..
حتى توقف لمك قرب صخرة بعينها فوصل لقربه ليرى ما جعله ينحني جانبا مفرغا ما في أحشائه , فقرب الصخرة الضخمة كان هناك كلب مذبوح بطريقة مقززة وأحشائه نافرة وكأن من فعل ذلك فعله قاصدا ...
دارت عيني لمك في المكان لينادي بأعلى صوته
_ غــــــــــنـــــــــــــــجـــــــــــــــــــــــة
لكن لا رد ..
مسح مالك فمه بكفه مشمئزا
_ سأتصل بروز لنغادر في الحال أين ذهبت الحمقاء .
و أعاد الاتصال بالرقم , لكن الرنين ارتفع بالقرب من الصخرة على الأرض لينحني لمك ويلتقطه ويجد بالقرب منه ورقة صغيرة كتب
_ لا تقلق عليهما ...
جعد الورقة بيده ليأتي مالك ويسحبها منه ..
وكل منهما ينظر للآخر باتهام ..
لمك يعتقد أن من فعل ذلك هم تلك الجماعة التي بلغت عنها غنجة ..
ومالك يعتقد أنهم الغجر من خطفوا روز واستدرجوها إلى هنا ..
..............
رن هاتف صفاء , فرد نيمار لأنها غير قادرة على الرد .. قبل أن ينطق بشيء هتفت به أمها
_ نيمار , تعالوا بسرعة وأحضروا روز والدها سيجن , لقد هرب مهاب من البلاد بطريقة غير شرعية والعم يريد من الجميع أن يتواجد في بيت العائلة ..
........

شببت غجريةWhere stories live. Discover now