الفصل الثامن عشر

2.4K 50 1
                                    


أنهت غنجة ارتداء ثيابها , في غرفة غالية , تنظر لها مقطبة
*هل أنت متأكدة أنك ستكونين بخير ؟
ابتسمت لها غالية , تنهض بضعف حذر من السرير الذي ملت طول تمددها عليه
*بالطبع كما أن البناء مليء لا تقلقي عليّ..
أحكمت إغلاق الزر الخاص ببنطالها القصير الذي يصل لمنتصف فخذيها كما اعتادت , لتنزل الكنزة الطويلة الواسعة التي تغطيه وتصل تقريبا لركبتيها من الجانب , ثبتت حقيبتها على كتفها واقتربت من غالية لتجلس عند قدميها تعطيها ظهرها
*أريد ضفيرتين خالتي ..
وبابتسامة محبة , مدت كفيها لتقسم الشعر المجنون لقسمين , قبل أن تبدأ بضفر كل نصف منه بضفيرة طويلة من منابت شعرها حتى طرفه ..
تكرر همسا أغنيتها القديمة ذاتها وغنجة تضم ساقيها لصدرها مبتسمة لصوتها الناعم , وما أن انتهت حتى دفعتها غالية لتنهض , تمد يدها لصدرها تخرج منه حافظة قماشية صغيرة تخرج منها بعض القطع المالية لتعطيها إياها ..
أخذتها غنجة ضاحكة تعدها أن تحافظ عليها ولا تصرفها كيفما اتفق ..
قبت وجنتيها تطلب منها بحزم
*إياك أن ترهقي نفسك بشيء لن أتأخر .. سيعيدني لمك عندما اتصل به ..
ورفعت يدها بهاتفها ضاحكة بمرح
*بعد كل شيء احتفظت به ولم يعد بإمكانه أن يهددني بأخذه ..
وودعتها لتخرج ضاحكة ..
أغلقت الباب الخارجي واستدارت لتعود شاهقة خطوة للخلف
*أخفتني ..
قالت ذلك لمالك الذي كان ينتظرها لتخرج , وابتسم قائلا
*بل أنت من تخرجين بسرعة غير منتبهة لما يوجد في الخارج ..
ابتسمت بحرج , ليقول بمرح
*صباح الخير من جديد جارتي الجميلة .. تبدين غاية في النشاط..
اتسعت ابتسامتها وقد زادتها كلمة ( جميلة ) نشاطا !
*صباح الخير لك أيضا ..
مد يده يدعوها للنزول على الدرج أمامه , ونزلت على الفور يتبعها ينظر لثيابها بغير رضا واضح في عينيه متسائلا
*إلى أين أنت ذاهبة ؟
رغم معرفته المسبقة بالجواب , فقد علموا منذ الأمي بنيتها العودة لدوامها الجامعي , خاصة و روز أخبرتهم كذلك الأمر ..
*الجامعة .. لدي تاريخ طويل ينتظر مني اكتشافه ..
أسرع الخطا حتى وصل لها لينزل معها الدرجات القليلة المتبقية , ويخرجا للشارع , رافضا بشكل قاطع استخدامها سيارة أجرة , مصرا على إيصالها بنفسه, بسيارته البسيطة التي اشتراها من مدة قصيرة فقط ..
متذكرا أنه يتوجب عليه أن يجد عملا ما , فالعمل بالمعهد وحده لا يكفي ..
ومن حيث لا يدري لمعت في مخيلته صورة لمك ..!
ركبت السيارة معه بحرج متذكرة كلمات لمك التي أخبرها أن تعتمد على مالك في كل شيء إن لم يكن موجودة ..
ابتسمت سرا مفكرة
( وهذا هو المطلوب ! )
فما الذي تريده أكثر من ذلك وكأنهم عرفوا ما تسعى له وقدموه لأجلها ..
ألقت نظرة جانبية عليه لتعبس متسائلة
( ما الذي فيه يجذبها أكثر من لمك ! )
ثم ذكرت نفسها أن لمك لم يسبق ولو لمرة واحدة أن عاملها كأنثى ..
كان دائما مسؤولا عنها ... فقط .. لم يخرج يوما في تصرفاته معها خارج إطار المسؤولية ..
زمت شفتيها تذكر نفسها , بأنه أكثر من يستفزها ويثير عصبيتها ..
سمعت ضحكة ناعمة وصوت مالك متسائلا
*لم هذا العبوس منذ الصباح ..
لم ينمحي عبوسها لتجيب
*تذكرت لمك !
عبس بدوره يركز على الطريق في هذا الزحام مستغربا
*ولماذا العبوس !
تنهدت بإحباط لتهمس وكأنها تحدث نفسها
*بدأت أفتقد استبداده !
ثم ضحكت تهز رأسها
*لا تشغل بالك ..
ونظرت من النافذة نحو الزحام تكمل هذرها غير متأكد كونها تكلمه أو تكلم نفسها
*لطالما حلمت بالمدينة , كنت أسهر الليالي أراقب أضوائها .. الآن وقد صرت فيها..
قاطعها مالك قبل أن تكمل يقول مشجعا
*ستحبينها أكثر .. أنا متأكد من ذلك ..
نظرت له على الفور هامسة
*كنت سأقول حننت للريف و الخيام و القطيع .. اشتقت لبيئتي ..
لكنه لم ينظر لها , بل همس بثقة
*هنا بيئتك غنجة .. المدينة .. دراستك .. نحن و روز لقد اعتدنا عليك .. هنا لديك مستقبل و حياة مميزة بعيدا عن التقاليد و العادات التي تكبلك لدى الغجر ..
استنكرت على الفور مدافعة
*هذا غير صحيح , لم يسبقك أن أرغمت على شيء لا أريده , كنت دوما المدللة , أنا أحبهم جدا .. خالتي لا تمنع عني شيء مهما كان ..
نظر لها بطرف عينه , وقد استفزها كلامه فاحمر وجهها الخالي من المواد التجميلية .. وقال بتسلية
*تتكلمين معي و كأنك تعرفينني طوال عمرك !
احمرت لملاحظته , و عادت بنظرها للنافذة هامسة
*أنت شخص تسهل الأمور معه و خاصة الحديث ..
ابتسم , فكلمتها تلك مبشرة بالخير ..
نظر لأصابعها التي حكت ركبتها باستياء لكنه سأل
*لماذا تحكين ؟
لم تكن منتبهة لفعلتها لكن سؤاله جعلها تنتبه , لتنظر و تقول
*أظن أن البعوض موجود في المدينة كذلك ..
هز رأسه بنعم ليطلب منها
*لا تحكيها سأحضر لك اليوم دواء يمنع وجودها ..
لم تفهم ما يعنيه , لكنها لم تعترض على الأقل من أجل غالية , حتى تتمكن من النوم بسلام ..
نظرت له تراقبه من طرف عينيها و هو يركز على الطريق أمامه ..
منذ أن رأته في المشفى أحست بنفسها تهفو له وكأنه قطعة شوكولا !
لا تعلم السبب , لكن فيه شيء جذبها ..
كان منتبها لتدقيقها فيه فتعمد أن يبطئ السير , حتى لا يصل بسرعة ..
متسائلا ..
هل هي مثله تشعر أن هناك شيء خفي يحاول شدهما لبعض ؟
وصل للباب الضخم فتنبهت من أفكارها لتنظر له متذكرة أول مرة جاءت فيها إلى هنا مع لمك .. كم اختلفت حياتها منذ بضعة أشهر حتى الآن ..
حتى هذا الباب الذي ذهلت به أول مرة أصبح عاديا .
تساءلت بصوت مسموع
*هل سيصبح كل شيء عاديا مع مرور الوقت !
*كل شيء عادي في الأصل غنجة ..
أجابها مالك لتنظر له بسرعة و هو يكمل ببساطة مبتسما بتشجيع
*نحن من نجعل حياتنا غير عادية ..
و أشار لها بيده لتنزل
*هيا انزلي , لا تسمحي لشيء .. أي شيء مميز أن يتحول لعادي ببساطة دون أن تكافحي ليبقى له تميزه ..
أحست أنها لم تستوعب ما يقوله بشكل جيد , لكنها هزت رأسها موافقة ..
و نزلت من السيارة لتلوح له تخطو من جديد داخل الباب ..
تدخل وكأنها المرة الأولى مترددة .. خائفة ..
حتى سمعت صوتا يقول خلفها بترحاب
*أميرة الغجر .. لقد افتقدت غيابك في الفترة الماضية ..
التفتت تنظر خلفها لترى ذاك الشاب , عبست محاولة تذكر اسمه
*أذكرك .. أنت ساعدتني ..
*محمد الادريسي عزيزتي ...
*أجل أجل , أنت تذكرتك ...
و تنهدت براحة , تطلب منه مساعدتها وقد نسيت كل شيء هنا , تسترجع فرحتها بما استطاعت الوصول له ..
و بحلمها الذي تحققه ..
..............................
أنهى منذر تفقده للشحنات التي أصبحت جاهزة للإرسال و نظر لمهاب الذي يرافقه في كل خطوة , في كل يوم يعجبه أكثر من يوم ..
وكأنه أصبح أقوى عودا بعد أن قدم لهنا !
لقد ظن أنه ضعيف الشخصية حين رآه أول مرة و كم خالف توقعاته ..
*لنبدأ إرسال البضاعة على شكل دفعات من بداية الشهر ..
و سأل مفكرا
* كم بقي يوم ؟
على الفور أجابه مهاب الذي كان يحفظ كل تفصيل صغير أو كبير حتى أرقام اللوحات للشاحنات تمكن من حفظ البعض منها , و البقاء متيقظا لكل كلمة تصدر عن منذر
*9 أيام ..
ارتفع حاجب منذر ليهز برأسه
*9 أيام .. هذا جيد .. لنبدأ حينها ..
و تركه ليدخل المكتب المخصص له هناك يجري عدة اتصالات هاتفية مهمة , ليتجول مهاب بين الشاحنات محاولا معرفة أين يتم إخفاء البضاعة ..
كم هو مزعج أن ترى الشاحنات التي تحمل السم امام عينيك , لكنك لا تعلم أين تم إخفائها ..
بعد دخول منذر لمكتبه فرغ الممر المليء بالشاحنات من العمال , و كأنهم يكملون أعمالهم بعيدا ..
أثناء تجوله سمع همهمات تصدر من مكان ما ..
قطب و تتبع تلك الهمهمات حتى وصل لمصدرها ..
بقي على بعد آمن يراقب كيف يتم وضع البضاعة و البودرة ضمن الهيكل الخارجي للشاحنة ليتم لحمه وكأن شيئا لم يكن ..
ارتفع حاجبه بإدراك ..
و ابتسم يشكرهم سرا في قلبه ليعود لمكانه حيث تركه منذر متظاهرا بالملل ليجلس أرضا , بلا مبالاة كما اعتاد مؤخرا ..
يمد احدى ساقيه بينما يثني الأخرى يسند ذراعه عليها ..
متنهدا براحة ..
فإذا ما نجحت السلطات بالقبض على الشحنة سيتمكن من العودة لعائلته ..
عائلته التي يخبره منذر كل فترة أخبارهم ..
قطب بقهر متذكرا ضحكة منذر في آخر مرة يخبره أن عائلته قد نبذته !
ترى كيف ستكون عودته وكم سيحتاج حتى يقنعهم بكل هذا !
ابتسم بمرارة .. هذا إن تمكن من الخروج من هنا , يشعر و كأنه في شبكة عنكبوت ضخمة تتسلى بكل ما يحصل معه ..
خرج منذر ليجده على تلك الحالة ليحدثه بتفكير عميق
*أتعلم يا مهاب ؟
انتبه له مهاب لينتفض من مكانه واقفا بتساؤل
*ماذا هناك سيدي ..
ابتسم له منذر ليتقدمه متجها نحو سيارته
*في كل مرة أراك فيها سارحا أشعر بالقلق ..
لكن القلق الحقيقي كان من نصيب مهاب الذي اندفع على الفور
*و هل بدر مني ما يجعلك تقلق من ناحيتي سيدي ؟
هز منذر رأسه ينفي ذلك
*لكن شرودك و نظراتك أحيانا تبدو قاتلة ..
سيطر مهاب بسرعة على نفسه وتصرفاته , مجبرا القلق على الابتعاد عنه ليتكلم بجدية , وترفع أصبحا مؤخرا مرافقان لكلامه
*لا سيدي .. بل بدأت أمل من الوحدة ..
نظر له منذر مدققا للحظات قبل أن ينفجر ضاحكا , يفتح الباب الجانبي للسيارة , يركبها , ليتجه مهاب تلقائيا نحو مقعد السائق , يدير مفتاح السيارة ومنذر يقترح عليه عدة أماكن ليقضي سهرته فيها ..
بل أنه كان من الكرم ليتناول رزمة من المال ناوله إياها ..
رفضها مهاب بداية ولكن تحت إصرار منذر أخذها والأخير يعطيه باقي اليوم إجازة للترويح عن نفسه ..
لينصحه وهو ينزل من السيارة
*اقضي ليلة حمراء يا ولد أريدك غدا بنشاط أكبر ..
التوت ابتسامة مهاب يؤكد بغرور ذكري
*بل سأقضي ليلة دامية .. ليست فقط حمراء ..
جلجلت ضحكة منذر المتسلية مرة أخرى ليتركه داخلا قصره , ومهاب يشيعه بنظرات كارهة ..
بصق من النافذة ليدير محرك السيارة التي باتت تظل معه أكثر مما تظل مع منذر ليغادر القصر .. بداية عليه أن يختار مطعما شعبيا قذرا آخر كما اعتاد ليجري اتصاله الهاتفي من حمامه مخبرا الضابط المسؤول بكل معلوماته التي تمكن من الحصول عليها ..
المريح في الأمر وما يبعد الشكوك عنه أن منذر لا يعلم شيئا عن معرفته بأماكن تخبئة البضاعة في الشاحنات ..
كم كانت تلك النقطة تشكل عائقا أمامه لكنها الآن على العكس أصبحت نقطة لصالحه .. فلو كان يعلم كل ذلك وضبطت الشاحنات على الفور سيكون هو مصدر الشك الأول ..
بعد أن أنهى مهمته وتناول الوجبة الخفيفة التي لا تعجبه وأجبر نفسه عليها ..
اتجه نحو شقته الخاصة , ليبدل ملابسه بشيء أكثر ملائمة للنادي الليلي الذي ينوي الذهاب له ..
على الأقل حتى يثبت لمنذر أنه يسمع كلامه .. ليصطحب معه إحداهن يدس لها المنوم في عصيرها لتقضي الليل معه وتغادر صباحا لا تذكر شيئا ..
.........................
كما كانت .. عادت ..
دخلت بخطواتها الرشيقة , تشجعها كلمات مالك التي رددها على مسامعها كثيرا , حتى حفظتها كاسمها ..
لمَ تتراجع وتتخاذل وهي القوية ؟
مالك محق .. فنيمار بإشارة منها سيترك نساء الأرض لأجلها ..
عليها أن تظل تردد هذا وتؤمن به ..
لم تره بعد , فبعد حديث مالك المطول مع والدهما خرجا معا , وعرفت من مالك أنه للقاء نيمار , لكنها لم تعرف النتيجة بعد , فهاتف نيمار مغلق ومالك استفزها ولم يخبرها بشيء ..
رفعت رأسها بكبرياء , لتهتز أمواج شعرها الأحمر الذي جعدته كنوع من التغيير ليحيط وجهها فيزيدها نعومة , مع زينة خفيفة غير متكلفة , وفستان طويل , اشترته منذ فترة ولم تلبسه بعد , والحذاء العالي الكعبين , كما يحب نيمار تماما ..
وكما قال مالك .. عادت لنفسها ..
وأجبرت ساقيها لدخول مكتبها عوض الذهاب له ..
تعلم أن جميلة لا تزال تعمل معه . . أخبرها ذلك بنفسه , فإجازة سكرتيره لم تنتهي بعد .. وربما تطول مدة عملها معه ..
لم تكد تلقي التحية وتجهز نفسها لتجلس خلف مكتبها حتى أخبرها رئيس دائرتها أن المدير يريدها ..
أخفت ابتسامتها متظاهرة بالدهشة ..
وعلى الفور لبت طلب المدير فلا يجوز تركه ينتظر !
نظرت لجميلة باستعلاء
*صباح الخير يا حلوة ..
وتخطتها ببساطة لتدخل مكتب نيمار دون أن تسمع رد جميلة التي نظرت لها بذهول , لا تصدق أن هذه التي أمامها هي ذاتها صفاء التي رأتها آخر مرة ..
أغلقت الباب خلفها واستندت عليه دون أن تتقدم نحوه ..
خلف مكتبه , يرجع ظهره للخلف ويراقبها مبتسما بمرح وتسلية ..
كلاهما ينظران لبعض ..بسعادة ..
وكأن الأيام التي مضت وشمتها بالملكية كل للآخر ..
*هل ستظلين عندك ؟
سألها يستند بذراعيه على سطح مكتبه .. وعلى محياه ابتسامة متلاعبة , جعلت حاجبها يرتفع بمكر افتقدته في نفسها
*وأين من المفترض أن أجلس ..
أرجع كرسيه للخلف بحركة سريعة ليشر لركبتيه
*هنا يجب أن تكوني ..
ضحكت تهز رأسها بلا , لتبقى مستندة على الباب
*لا .. ليس قبل أن تخبرني ماذا حصل بالأمس , فقد هربت من البيت قبل أن أرى أبي !
ضحك يهز رأسها
*اطمئني , لقد تلقيت كل اللوم والغضب والتقريع ..
ونظر لها منتصرا
*ووالدك ينتظر زواجنا قريبا .. يجب أن نحدد موعدا ..
اتسعت عينيها تكرر خلفه
*نحدد موعدا!
هز رأسه بنعم ليخبرها ببساطة
*بل والدك حقيقة حدده في مدة أقصاها أسبوعين وترك لنا اختيار اليوم ..
لم تستوعب ما يقوله .. فهو يتحدث عن .. زواجهما !
في غمضة عين لا تعرف كيف وصل لها ليسحبها عن الباب , يقربها منه يرفع رأسها له ..
*لا .. ليس مجددا هذه النظرات التائهة .. فلا مجال للهرب , سنحدد زواجنا الجمعة القادمة أي لديك سبعة أيام للتحضير ..
واقترب من وجهها وهي تنظر له مغيبة ..
*بدأ العد التنازلي صفصف ..
وببطء .. اكتسح شفتيها بتملك .. دون قوة , ليبتسم لعينيها المغمضة وكفيها اللتان استراحتا على صدره .. حيث ملجأها دائما وأبدا ..
ابتعد قليلا ليهمس بصوت أجش
*هل قلت لك أن شعرك اليوم رائع ..
احمرت بخجل لتهمس بوجه محمر ..
*لا لم تقل ..
أبعدها عنه ليرفع وجهها نحوه يتأمله بسعادة .. ثم  سحبها من كفها نحو أحد الكراسي الجلدية الضخمة الخاصة بمكتبه وجلس عليه ليجلسها في حضنه يضمها لصدره بقوة فهمست ضاحكة ..
*لا يجب أن أتأخر عندك .. فالموظفون ..
قاطعها ضاحكا
*صفصف أعتقد أن الكل يعرف لما يطلبك المدير !
ضربته حانقة رغم الابتسامة
*أن يعرفوا شيء وأن يتأكدوا شيئا آخر !..
رفع وجهها له متأملا شفتيها قائلا بتفكير متفكها
*لم يظهر بعد أي أثر ليتأكدوا ..
لكن عينيه لمعتا بشقاوة يكمل بهمس
*لكن أحمر الشفاه ..
ولم يكمل كلامه ليقتنص شفتيها مرة أخرى غير مبال باعتراضها الواهي , يقبلها بجوع مجنون , يتركها تلهث أنفاسها وتنظر له غير مصدقة للعاطفة المجنونة التي يجرها لها من مجرد قبلة !
ليقول بصوت أجش منخفض تحكمه عاطفة يكبحها بصعوبة
*الآن أزلت الأحمر كله .. لم يعد مبعثرا كما الآن ..
هزت برأسها يائسة منه وهتفت خجلة
*لن أجدده وسأخرج هكذا أمام الجميع , ودعهم يروا مديرهم المجنون ماذا يفعل في الصباح بدل العمل !
ضحك بعدم اهتمام ..
*بل أكثرهم سيحسد المدير على هذه الاصتباحة ..
ثم أبعدها قليلا لينظر لها بجدية
*يجب أن نخطط لحفل الزفاف ..
عبست وقد تذكرت الأمر
*أسبوع لا ي كفي لتحضير كل شيء !
لكنه لم يوافقها
*بل يكفي ويزيد , اهتمي أنت بأمورك الخاصة وأنا سأهتم بالباقي مع مالك ..
تنهدت بإحباط وهي تفكر بما هي مقبلة عليه ..
والأهم كيف ستواجه والدها !
لكنه قرص أنفها مازحا
*لا تخشي والدك تفهم ما حدث وقد وضعته بالصورة تاما , فلم يعد هناك ما يجب أن يبقى مختبئا . . تصرفي بتلقائية ..
نظرت له بأمل أن يكون الفعل بسهولة الكلمات ..
........................
*موافقة ..
تلك الهمسة الناعمة التي خرجت من شفتي تميمة , جعلت ميرا تكتم شهقتها , بينما بصعوبة بالغة , مع غصة حارقة أخفت صوتها للحظات تمكنت عائشة من رسم ابتسامة كاذبة على شفتيها ..
ابتسامة مليئة بالأسى و العذاب جعلت تميمة تشعر بالذنب و ميرا تنظر لها بشفقة ..
لتهمس بغصة
*مبارك .. هذا ما كنت أنتظر سماعه ..
و على الفور أرسلت رسالة لمناف تخبره بالموافقة !
قالت بعدها تتظاهر بالفرح و الكل ينظر لوجهها الكاذب بشفقة ..
*و الآن سنحدد موعدا رسميا لنتأتي جميعا و نتفق على كل شيء ..
سارعت تميمة التي أشارت لأمها أن تتركها وحدها معهما للحظات
*لحظة ..
نظرت لها ميرا .. بكره !
لا تعرف شعورها نحوها و لكنها الآن و في هذه اللحظة لا تحبها و هي ترى ما تعانيه عائشة بسبب موافقتها و لكن حقا من تلوم !
أتلوم عائشة التي من حقها أن تبحث لفرصتها في الزواج ..
أم تلوم عائشة ذاتها لتمسكها بالأمر رغم رفض مناف له مرارا !
لم تعرف من تلم و لكنها أشفقت على الأخرى و هي تهمس
*لا نقدر على إقامة زفاف ضخم , فذلك يعني تكاليف عائلتي لن تقدر عليها ..
وافقتها عائشة على الفور , فهي تعرف ظروف هذه العائلة ولن تحرجهم أبدا مهما حصل , كما أنها وفرت عليها الكثير بهذا الطلب فمناف لا يريد زفافا كذلك , لكنها قالت تنظر لوجه الفتاة التي غابت عنه سعادة فتاة توافق على زواجها ..
لتقول متعاطفة معها
*كما تريدين , و لكن بالطبع ستلبسين الفستان الأبيض كأي عروس ..
نظرت لها تميمة بامتنان .. تشعر بها وبما تعانيه تماما كما تشعر بها عائشة ..
*لن أسبب أي مشاكل لك أو معك .. سأعتبرك أختا لي ..
همست بذلك خجلة تطرق رأسها وميرا بينهما تنقل نظراتها بين الاثنتين , تفكر أنه وقريبا هاتان الاثنتان ستكونان زوجتا أخيها مناف ..
عضت شفتيها لتمنع نفسها عن الضحك ..
وتدخلت في الحديث لأول مرة منذ أتت مع عائشة
*لن تجدي صعوبة في التعامل معنا . .. مناف يسهل إرضائه فقط يكره العصيان . . و أنا و عائشة اعتدنا على طباعه وستعتادين أنت كذلك ..
رفعت تميمة عينيها لها بصدمة بينما قرصتها عائشة على الفور تصحح كلامها
*ما تعنيه أن مناف كأي رجل ... لا يحب الخطأ ..
ابتلعت تميمة ريقها بتشنج
*كلنا نكره الأخطاء ..
مفكرة أليست موافقتها على أن تكون الزوجة الثانية الخطأ بعينه !
لكن عائشة لم تسمح لها بالتراجع , فلن تجد كل يوم فتاة مثلها لتكون زوجة مناسبة لزوجها ..
ضرة لها إن صح القول وهمست تكلمها بتعقل مبعدة الغيرة والحقد جانبا ..
*تميمة ..
نظرت لها تميمة على الفور تنصت لها بإمعان ..
*سنعيش في بيت واحد .. نتقاسم حياة واحدة .. أنا ..
عضت شفتها لتطرق برأسها لتهمس بصعوبة مع دمعة غادرة فرت من عينها ..
*أنا .. لم أعد قادرة على إنجاب الأطفال .. لكن ..
نظرت عائشة لتميمة نظرات شبه متوسلة آملة ..
*أتمنى من كل قلبي أن تنجبي له الكثير من الأطفال .. وأن .. أن أتشارك معك تربيتهم .. وينادونني ( ماما )
شهقت ميرا لهذا الطلب الغير متوقع , بينما اتسعت عيني تميمة متسائلة بخوف
*ماذا لو لم أنجب أطفالا ..
ابتسمت عائشة بمرارة
*حينها على الأقل سأجد أنا و أنت نفسنا معا في نهاية عمرنا و نقضي شيخوختنا مع بعضنا بدل أن تقضيها كل منا لوحدها ..
ضحكت تميمة لهذه الفكرة لتهمس شاردة النظرات
*أو ربما زوجنا مناف الثالثة !
ارتفع حاجب عائشة وقد سرحت بنظراتها كذلك ..
*وربما الرابعة ..
حينها هتفت ميرا وقد قاربت مرارتها على الفقع من الدراما التي دخلتا فيها
*كم هذا واعد عزيزتي ..
ثم رفعت إصبعها بتحذير نحوهما ..
*إياكما أن تفكرا بالثالثة .. قد تتفقا معا أما ثلاثة !
ضحكت لمجرد تخيل الأمر مكملة غير منتبهة للمشاعر السلبية التي غرقتا فيها
*ربما الثالثة ستسيطر على مناف وتجعله يترك البيت ..
نظرتا لها و كأنهما لا يفهما ما تقوله , لتهمس عائشة تركز نظراتها على تميمة
*سنسعى جهدنا لتكون حياتنا سعيدة ..
بادلتها تميمة النظرات وقتا طويلا ..
لتبتسم من عمق قلبها بأمل .. و كذلك ابتسمت عائشة مستبشرة بالخير ..
*سنكون أسرة سعيدة ..
و كان ذلك وعدا صامتا بينهما شهدته ميرا , تتمنى أن ينجحا فيه ..
لتبدأ التحضيرات للزفاف المرتقب الصامت كذلك ..
في مدة قصيرة ..
.........................................
أنهى ديسم الإشراف على دخول آخر حيوان إلى الحظيرة الخاصة بخيمة العرض وقد عجت بالناس والمشاركين ..
كل يعلم أين يجب أن يكون , يحضر التجهيزات النهائية رئيس مجلس المدينة يتأكد أن كل شيء يسير على ما يرام , يرافقه في جولته الشيخ رجب وديسم كذلك إنما يتخلى عنهما كل لحظة يتأكد أن كل شيء بخير ..
كان قد أنهى للتو اتصاله مع لمك الذي أنهى صباحا التجديدات التي أدخلها على ورشته الصغيرة , وبقي عليه أن ينهي ترتيب شقته وقد وعدته غنجة بمساعدته على ذلك .. وتطوعت بشكل تلقائي روز التي رآها صدفة حين ذهب ليعود بغنجة من الجامعة , وقد اضطر بدافع اللباقة على إيصال روز لبيتها أولا فمن غير الأدي أن يتركها ويأخذ غنجة معه ..
لم يبقى وقت طويل للعرض أيام قليلة ..
ولمك لم يتحضر بعد لعرضه ..
رغم أن لا خوف عليه , فقد اعتاد فقرته من العروض لدرجة أنه ليس بحاجة ليتدرب عليها , وكثيرا ما شكى أنه لم يعد بذات اللياقة يصر أن يعود لتدريباته في أسرع وقت ..
نظر ديسم نحو الشيخ رجب ..
نظرات العزم في عينيه تخبره بوضوح , أنه ما أن تتم رفع الخيام عن أرض هذه المدينة , حتى تكون هذه المرة هي آخر مرة ينصبون الخيام فيها ..
لم يتوقع أن يكون الشيخ رجب بهذه القدرة على القسوة وأخذ القرار بالابتعاد , يشعر وكأنه يجنب نفسه تلك اللحظة التي تعرف فيها غنجة كل شيء ..
يريد أن يترك في خياله فقط صورة الفتاة المشاكسة الهمجية المبتسمة ..
لا تلك التي ستنظر له بلوم .. أو كره .. أو حتى لن تنظر له !
لا يريد أن يدخل في دوامة لو تلك ..
واختصر الطريق مقررا الابتعاد ..
غص ديسم لهذا القرار ..
فرغم كل شيء , غنجة فرد منهم .. ولمك .. وغالية ..
كيف سيتمكنون من المغادرة وتركهم خلفهم ..
صحيح أنهم سكنوا المدينة مؤخرا , لكنهم قريبون منهم ..
أما الرحيل .. يعني أن لا لقاء ..
وحده الله يعلم إن كانت طرقهم ستلتقي مجددا ..
أعلن الشيخ رجب مصفقا بيديه ليلفت انتباه الجميع
*سيبدأ المهرجان بعد أيام .. وزعوا البطاقات التي سيعطيها لكم ديسم في المدينة ..
وبالفعل بدأ ديسم يوزع البطاقات التي طبعها لهم مجلس المدينة للإعلان عن المهرجان ..
مبتسما بمرارة ..
كم يختلف هذا المهرجان عن غيره ..
فأين لمك الآن وقد كان يرافقه في كل لحظة للتحضير , يجر أسده العجوز خلفه أينما ذهب ..
أين غنجة التي كانت تقضي المهرجان من بدايته حتى نهايته مرافقة كلبها كنج المدلل تتنقل بين الجميع بغرور , متباهية بعدم مشاركتها ..
ومكسيم .. الذي تخلص منه بنفسه !
والثعبان الضخم الذي طالما كان لب المهرجان والناس تصرخ برعب خوفا منه بينما كان مكسيم يتصرف معه وكأنه مجرد دودة صغيرة !
وغالية .. التي كانت تقضيه تتنقل من مكان لمكان تقرأ للنساء والرجال حظوظهم ..
ضحك بسخرية مفكرا حتى راجية الراقصة حامل !
أي مهرجان هذا ..
لكن نظرة للانكسار في عيني الشيخ رجب جعله يصر على بذل جهده كي ينجحه ..
كانت غالية على حق ..
لم يكن يجدر بهم البقاء في هذه المدينة .. لقد حذرتهم ..
.............................
اعتادت غنجة رؤية مالك صباحا كل يوم ..
و إيصالها للجامعة .. كما اعتاد الجميع على إيصال لمك لروز عند انتهاء اليوم الجامعي ...
شاركت صفاء و روز في عدة جولات للسوق للتحضير لزفاف صفاء ..
حتى لمك أحس باندماجها معهم ناسية المهرجان , رغم أن غالية حاولت جرها للحديث عنه عدة مرات , إلا أنها تعود لانبهارها بما رأته أثناء جولتها مع صفاء و روز ...
.................
زفاف صفاء بعد يوم ..
تسليم الشحنة بعد ثلاث أيام ..
والمهرجان بعد ثلاث أيام ..
وتميمة .. دخلت البيت الذي دخلته قبلها عائشة كعروس ..
جلست مع مناف عدة مرات , لكنه في كل مرة كان صامتا مصرا على أن تبقى عائشة معهما حتى يرى كيف سيتعاملان مع بعضهما مستقبلا ..
ليلتها نامت عائشة عند خالها ومعها ميرا كذلك ..
تركتا البيت لمناف وعروسه الجديدة ..
ليلة .. من أسوأ الليالي التي من الممكن أنها مرت على عائشة ..
وهي تفكر بتلك التفاصيل .. بحرقة , وميرا تتظاهر أنها غير منتبهة لشيء ..
تمددت عائشة على السرير الصغير في الغرفة المخصصة لأولاد خالها , تبكي بصمت وقد أطفأت الأنوار متظاهرة بالتعب والرغبة بالنوم ..
دموعها تنزل بصمت ..
تتساءل ..
هل رفع خمارها الأبيض ..
هل قبل جبينها الآن ... لمس يدها .. مرر ظهر كفه على خدها ..
قبلها ..
شهقت بحرقة , تدفن وجهها بوسادتها الناعمة المريحة , وهي تتخيل ما قد يحدث بعدها وتلك العاطفة التي جمعته بها ستجمعه بغيرها ..
*عائشة ..
همست ميرا متعاطفة معها ببكاء هي الأخرى وقد تركت السرير لتركع قرب رأسها تلمسه برقة
*هل أنت بخير عائشة ؟
لم ترد عائشة على الفور تبكي بحرقة وغيرة .. غيرة تحرق أحشائها ..
لكنها رفعت وجهها الباكي لميرا لتهمس ببحة من البكاء
*سأعتاد الأمر .. سأعتاده ..
اقتربت ميرا منها أكثر لتضمها لها باكية معها
*أنت من أصريت على ذلك عائشة , كان من الممكن تفادي كل هذا .. مناف يحبك..
يحبك ..
تلك الكلمة زادتها بكاء تحشر وجهها في صدر ميرا لتبكي قهرها ..
وهل دفعها لفعل هذا سوى حبه لها !
تحبه بجنون ... لكن ..
لكن هي فقط صعوبة أول مرة من كل شيء وبعدها .. سيكون كل شيء عاديا ..
عاديا جدا ..
بينما تلك كانت في غرفتها التي خصصها مناف لها , تجلس على السرير بثوبها الأبيض , تراقب مناف الذي وقف قرب الباب وقد تخلص من ربطة عنقه التي ألبسته إياها عائشة , ينظر لها بشفقة ..
كيف سيتمكن من العدل بينهما بينما قلبه كله عند تلك ..
وما تشعره تلك ..
اقترب ببطء وركع على ركبتيه أمامها ..
أطرقت بخجل و رهبة لا تجرؤ على النظر في عينيه ..
ليهمس بغصة هو الآخر معتذرا منها ..
*أنا حقا آسف لهذا الوضع الذي نحن فيه .. تم كل شيء بسرعة .. وأنت ..
سكت قليلا ليرفع وجهها ينظر له بتمعن متذكرا وصف عائشة لها وابتسم بأسف
*كان يجب أن تحظي بوقت أطول حتى تعتادي الأمر ..
وسكت مجددا .. لا تسعفه الكلمات ..
ولا يعرف كيف يوصل لها ما يريده ..
لكنها رحمته حين قالت متفهمة لشعوره
*يمكنك أن تريح نارها .. أنا لست هنا لأسبب لها الغيرة ..
ثم ابتسمت بخجل ..
*أنا هنا لنكون أسرة , والغيرة لن تكون بداية جيدة أبدا ..
ولم يحتج سوى هذه الكلمات ليهب واقفا , بينما تنظر له بعينين متسعتين ..
قائلا بفرحة لم يقدر على السيطرة عليها
*أنت حقا ملاك كما قالت عنك عائشة .. لن أتأخر وأعدك أن لن تري ضيما معي وستكونين داخل عيوني مثلها تماما ولن أكسر إحداكن ..
التقط مفاتيحه مبتسما
*لن أتأخر عليك ..
كانت تفتح فمها بصدمة .. لم تلبث أن تحولت لابتسامة .. ثم لضحكة مليئة بالراحة .. فرجل مثله , يراعي مشاعر زوجته الأولى ليلة زواجه ..
لا يجب أن تخاف منه أبدا ..
متأملة الخير في هذا الزواج .. ففكرة أمها بعد كل شيء لاقت النتيجة المتوقعة ..
أخبرتها أن تنتبه لوضعها فالناس ستتعاطف مع عائشة ولن تتعاطف معها , عليها أن تكسبها صديقة لها لا عدوة ..
ستبقى في نظر الجميع الزوجة الثانية ..
عليها أن تضحي في البداية لتكسب في النهاية ...
لديهما معا حياة كاملة .. ستمضي بحلوها ومرها .. فتدعها تمضي بسلام ..
السعادة من صنعها ..
رغم أن شيئا ما في داخلها شعر بالغصة كونه أسرع لها ..
إلا أنها ابتسمت !
عليها أن تبتسم وترضى طالما اختارت أن تكون الثانية ...
بينما هو خطواته والطريق كانت أطول مما يعتقد , منذ زواجهما لم تنم ليلة واحدة خارج غرفتهم , فكيف الآن ..
أناني يعلم ذلك ..
لكن فقط كيف يقضي يومه وهو يعلم ومتأكد أنها تتألم بعيدا عنه ..
ألا يكفيها ألمها لفقدانها القدرة على الإنجاب !
فلتسامحه تميمة .. سيعوضها لاحقا .. لكن ليس على حساب عائشة ..
استغرب الخال وجوده على الباب ليلة عرسه !
لكنه عجبه لم يكن بقدر صدمة عائشة وميرا وهما تميزان صوته في الخارج يسأل عنها .. عائشة ..
يريدها أن تعود معه لبيته ..
خرجت على الفور غير مهتمة لأحد , تنظر له متسعة العينين بينما فضلت ميرا البقاء في الغرفة ..
خالها المتعجب لهذه الزيارة الليلية المتأخر كذلك تركها معه ليدخل مع زوجته لغرفته ..
نظرت له مستغربة لتهمس بصوتها المبحوح بينما تركزت عينيه على عينيها المنتفخة من البكاء
*ما الذي تفعله هنا !
اقترب خطوة واحدة مبتسما لها , متألما لوجهها المحمر
*جئت لأعيدك .. لبيتك .. وغرفتك ..
ابتسمت رغم بكائها
*مجنون !
حاولت استيعاب وجوده هنا أمامها , تتساءل أيعقل أن أمنياتها المتعبة تجعلها تتوهم وجوده
*لكن اليوم .. أقصد ..
قاطعها مقتربا منها الخطوات المتبقية ليهمس قرب وجهها
يشعر وكأنها غابت عنه لأعوام !
*تميمة تحتاج وقتا حتى تعتاد علينا , وقت يجب أن تمضيه حتى نقدر على أن نكون عائلة واحدة ..
ثم اقترب يسند جبينه على جبينها , ناظرا للفرحة التي لم تخفيها عيونها الباكية
*أليس ذلك هو كلامك , يجب أن نكون عائلة واحدة .. تلك أول خطوة للعائلة ألا نفترق أبدا ..
ابتلعت ريقها بصعوبة تسأل بخجل ..
*ولكن الـ.. اليوم ..
فهم ما تعنيه وأجاب باختصار
*لدينا وقت كامل ..
هزت رأسها لا تصدق وجوده لتهمس بغير رضا وقد أحست للحظة بشعور تميمة تضع نفسها مكانها ...
*ما كان يجب أن تتركها وحدها ..
التوى فكه وقد توقع استقبالا حافلا أكثر
*إذا دعينا لا نتركها وحدها وقتا أطول .. اجمعي أشيائك وهيا بنا ..
رفعت رأسها له ..
تنظر لوجهه الحبيب , تعض شفتها بفرحة طفولية تملكتها , لترفع ذراعيها تحيط عنقه وتقبل خديه بحب وسعادة ...
فتأوه مغمضا عينيه يهمس بصوت أجش
*ليس كما توقعت حقيقة ولكن .. دعينا نعود بسرعة ..
واقترب ليهمس قرب أذنها بصوت حميمي دافئ
*فقد مر وقت طويل .. وأنا مشتاق .. جدا ..
شهقت بخجل وابتعدت عنه بينما عينيه لمعت بخبث ..
خبث أخبرها بوضوح أنها ستكون هي العروس اليوم ..
وجزء أناني منها همس منتصرا يتأسف بكذب لتميمة ..
( يوم لك ويوم لي ... واليوم لي )
وخلال لحظات فقط كانت قد أنهت كل شيء تنطلق معه في طريق العودة , وميرا تجلس في الخلف , لا تفهم شيئا مما يحصل وهما لم يتعبا نفسيهما بالشرح لها , متوقعة أنها حينما تصل ..
إما أن تكون تميمة قد هربت أو ماتت من القهر !
لكن أيا من ذلك لم يكن حين وصلوا ليجدوها قد بدلت ثوبها الأبيض بملابس بيتية مريحة , تنتظر عودتهم مبتسمة ..
ما أن دخلوا حتى هنأتهم بالسلامة لتدخل غرفتها لتنام ..
ميرا التي أحست بالدوار والغباء تركتهم ودخلت غرفتها وقد قتلها النعاس ...
ليبقى مناف وعائشة ينظران نحو باب تميمة المغلق بإشفاق ..
شعور بالذنب راودها للحظات , قتله مناف على الفور حين همس اسبقيني للغرفة ..
هزت رأسها بنعم وابتعدت عنه , ليراها تغلق الباب خلفها ..
واتجه بعزم نحو باب تميمة طرق الباب ليسمع صوتها الهادئ يسمح له بالدخول ..
رسم على وجهه ابتسامة وفتحه ليدخل ..
كانت تمشط شعرها أمام المرآة حين رأته ونظرت له باستغراب !
في الواقع توقعت أن تكون أخته .. لم تتوقع أبدا أن يكون هو !
تركت المشط من يدها ونظرت له بترقب ..
كانت أكثر من سعيدة لذلك الوقت الذي قدمه لها .. ترى هل تراجع !
احمرت وهي تراه يتأملها من أعلى رأسها حتى قدميها , فانكمشت على نفسها متراجعة خطوة للخلف , وقد لمحت الإعجاب في عينيه ..
لاقت رضاه ! فكرت مستاءة .. رغم الرضا الداخلي بذلك , بعد السرعة التي غادر فيها غرفتها أول مرة ..
تقدم منها ليسحبها من كفها الناعم يجلسها على طرف السرير ويجلس قربها ..
نظر لرأسها المطرق بخجل ليضحك بخفوت هامسا
*لن أنقض عليك تميمة !
كانت المرة التي ينطق اسمها فيها !
فنظرت له على الفور تنكر ما قاله
*لست خائفة منك !
قالتها بغباء ولم  تحسن فهم كلماته فابتسم , يحاول لأول مرة أن يلمس وجهها لتعود وتطرق من جديد ..
ليهمس
*أنت بحاجة للوقت حتى تعتادي عليّ .. فقد حصل كل شيء بسرعة ..
تنهدت براحة , لم تدرك أن تلك التنهيدة قد وصلت مسامعه لتريح ضميره المثقل بإحساس الذنب نحوها ..
يخشى أن يظلمها .. لكنه سيسعى جاهدا حتى لا يفعل ذلك ..
مال عليها ليقبل أعلى رأسها برقة ..
*ارتاحي الآن , يبدو أنك متعبة ..
*حقا متبعة وأود النوم ..
أجابت على الفور بنبرة متوترة , فأدرك أنها تصارع أفكارها ..
وضع كفه الشعر في شعرها وبعثره , فقد أعجبه منظره القصر بعكس شعر عائشة الطويل اللامع , بدا شعرها قصيرا محببا يثير البهجة وقال مازحا
*لم أقاوم بعثرته , مشطيه مجددا ..
لكنها تثاءبت بنعاس لتتسع عينيه بينما هي تهمس
*لن أمشطه حتى الغد أنا فعلا متعبة ..
قام من جلسته متمنيا لها ليلة سعيدة , ليخرج مغلقا الباب خلفه ..
لكنه أبدا لم يتوقع أن يرى عائشة تقف على الباب قلقة ..
تقدم منها بسرعة متسائلا بهمس
*ما بك .
وأدخلها الغرفة مغلقا الباب ..
لتقول بغصة قهر
*اعتقدت أنك لن تأتي !
ابتسم ليضمها له تسعده غيرتها .. فلتتحمل هذه المجنونة ما أرادت أن يحصل .. شيء واحد لن يحصل أبدا .. وهو ابتعاده عنها ..
واكتسح شفتيها بقبلة عاشقة متملكة جرتها معه نحو عاطفة مجنونة .. تاهت عنهما وقتا طويلا , يخبرها بكل الطرق أنها ستبقى الأولى مهما حصل ..
.............................
تمددت صفاء على سريرها في غرفتها لا تصدق أن الغد مختلف ..
غدا ستزف عروسا لنيمار ..
حلمها القديم يتحقق أخيرا !
ستتزوجه .. وتسكن معه .. تنتقل لبيته ..
هذا اليوم أخر يوم لها في غرفتها ..
كل شيء مر بسرعة جنونية ..
الأيام تتسابق مع بعضها لتنتهي مقربة يوم الزفاف بسرعة ..
لقد حصلا على إجازة الزواج بالأمس ...
أسبوع .. هل سيكفيها أسبوع !
ضحكت خجلة من أفكارها ..
لكن على من تكذب ؟؟
دمرها الشوق له .. تحبه .. باتت متأكدة أن هذا الأمر مكتوب على جبينها ..
عضت شفتها متذكرة حديثها مع والدها لم يكن قاسيا معها إلا أنه لم يكن متسامحا , وهو يبرر لأمها أن كل شيء تم تجهيزه للزفاف حتى عقد القران ..
والحمد لله أمها لم تكن فضولية نحو الأمر وقد غرقت معها في دوامة التحضير للحفل القادم ..
تأففت متذكرة تلميحات عمتها جمانة عن قدرتهم على الفرح في هذا الظرف العصيب الذي تمر به ..
لكن عبد المجيد لم يسمح لها بالتمادي بكلامها لينهي الأمر بحسم ..
فمن حقها أن تتزوج ..
وقد طالت خطبتهما أكثر من المتوقع ..
و نيمار الذي قضى ليلته مثلها ساهرا يفكر بالغد ..
غدا ..
كل شيء سينتهي غدا ..
لا مزيد من الفراق .. لن يسمح لها مجددا بذلك..
حتى الغد وسيتغير كل شيء ..
لكن مجرد فكرة أنها منذ الغد ستكون سيدة بيته وتأتي له عروسا تجعله يشعر بالدماء تفور في عروقه وقد قتله الشوق لها ..
لامتلاكها .. للشعور بها والارتواء من حبها ..
ليت الغد يأتي بأسرع من ذلك !
........................
بدورها غنجة لم تتمكن  من النوم , تجلس على الأريكة في غرفة غالية التي تغط في نوم عميق ..
هناك شيء غير  مفهوم في كل ما يجري استسلام غالية المفاجئ لقرار البقاء في المدينة , الشيخ رجب وتصرفاته معها ..
حتى لمك وشراؤه الورشة والبيت ..
من أين يملك لمك كل هذا المال !
تساءلت بعجب عن ذلك , ولم تتوقف عند السؤال كثيرا ..
تمددت على الأريكة تنظر من النافذة المغلقة الزجاج للخارج نحو السماء ..
كم الفرق كبير بين المدينة والريف !
هناك كانت تخرج للطبيعة و تتمدد على العشب الندي تراقب النجوم ..
وبحسرة تذكرت كنج وكيف كان يدور حولها ..
أما الآن تنظر للسماء من زجاج سميك ..
لا أصوات ليل .. لا هدوء ..
اختلف كل شيء ..
لا تقدر على الحكم إن كان نحو الأفضل أو الأسوأ ..
لكنه اختلف كثيرا ..
قطبت مفكرة ..
حتى تحضيرات الزواج هنا مختلفة ومتعبة !
لم تراهم يعدون المناسف ولا يخيطون الثياب !
كله يشترونه جاهزا من السوق !
أين لذة  الاحتفال في كل هذا ..
ثم أين الحنة ؟ أين ليلة العذوبية !
كم اختلفت العادات وكبرت الفروق بين حياتها وحياتهم ..
غدا ستحضر أول زفاف في المدينة !
وهي مدعوة له .. اتسعت ابتسامتها , وقفزت لتترك الغرفة متجهة نحو غرفتها حيث رتبت ثيابها ..
غدا ستلبس ثوبا خاطته غالية لها منذ زن طويل ..
قماشه ناعم جدا .. لا تعرف اسمه , لكنها تذكر فرحتها بالقماش حين عادت به غالية في أحد الأيام ..
لتخيطه لها فستانا حتى ركبتيها كما طلبت منها حينها , ودون أكمان ..
باللون الأسود الموشى بخيوطة ذهبية لامعة تتماوج كلما تحرك القماش ..
كم تمنت أن تكون مثل صفاء و روز ..
يعرفان كل قماش .. ما نوعه , ما اسمه وأشياء كثيرة لم تفهمها ..
لكن بالطبع مهما اختاروا لن يكون  خيارهم أفضل من اختيار غالية ..
فغالية اختارته بحب من أجلها ..
مددت الثوب على سريرها وعادت أدراجها نحو غرفة غالية , تتخلص من خفها المنزلي لتندس قربها على الفراش تنام معها كما اعتادت دائما وأبدا ..
لا مهرب لغالية منها ومن دلالها ..
ستبقى تدلل عليها طوال العمر ..
ابتسمت تحشر نفسها بالقرب منها تنام مبتسمة برضا ..
...........................
بعد طول انتظار ...
خرجت روز من الصالون الخاص بالتجميل الذي ذهبت له برفقة غنجة المعترضة على الأمر لكن غالية شجعتها على الذهاب معها ..
لم تعجبها أبدا ما فعلته تلك المختصة بشعرها العزيز المجعد فقد حولته لخصل ملساء ناعمة , جمعتها لتنزل على ظهرها برقة ..
نظرت بعدم رضا لشكلها خاصة وقد وضعت فوق عينيها ألوانا متدرجة .. صحيح أنها ناسبت ثوبها الذي أعجب روز , لكنها لم تتعرف على نفسها أبدا ..
وخرجت غاضبة لتجلس في السيارة التي استأجرها لمك , فقد تبرع بإيصالهما ..
قلب لمك شفتيه بدوره لم يعرفها بداية , لولا نظرة عينيها الحادة وفمها المزموم ..
ليهمس لها
*لا تبدين طبيعية ...
قاطعته على الفور حانقة
*بربك لمك لا تعلق , فأنا أمسك نفسي بصعوبة عن الدخول مجددا وإزالة كل هذه الألوان عن وجهي ..
ابتسم ليرد لكنه سكت فيما فتحت باب السيارة الخلفي روز ..
لتدخل مبتسمة برصانة ..
ولم يتعرف عليها كذلك ..
ومثله غنجة نظرت لها بعدم تصديق فقد تركتها بين يدي تلك وخرجت ..
بدت كطفلة تجاهد لتبدو صبية , خاصة مع التنورة البيضاء المطبعة بورود ناعمة زرقاء اللون وكنزة بخيط معلق برقبتها فقط !
أما شعرها الأحمر الناري فقد كان مجموعا في كتلة واحدة أعلى رأسها ..
وزينة وجهها ناعمة تناسب ثيابها ..
بدت رقيقة جدا ..
لكن ما تلبسه أبدا لم يعجبه ..
*تبدين جميلة جدا !
همست غنجة بذلك , لتحمر روز خجلة هامسة
*وأنت كذلك ..
التوت شفتي لمك معلقا بنزق
*أعتقد أنه كان بإمكانكما اختيار أثواب أفضل من هذه ..
عضت غنجة شفتها ترفع حاجبها لروز وكأنها تقول لها ( ألم أخبرك ! )
لم تهتم روز لتعليقه , بل شدتها أكثر نظرته العابسة وحاجبيه المعقودين ..
لتقول بصوت ناعم
*ربما لو أخبرتني ما يليق بي من ثياب لاستمعت لرأيك ..
ارتفع حاجبي غنجة مستغربة لجرأة روز , أما لمك فقد اشتد عبوسه يركز عينيه عليها .. ليس غبيا حتى لا يشعر بمحاولة روز التقرب منه , خاصو منذ الصباح وهي تساعد غنجة في شقته ...
كان يراقبها كيف ترتب شقته الصغيرة باهتمام ..
منبهرة بأشيائه القليلة التي لا تستحق الانبهار حتى ..
نفخ بضجر دون أن يرد ..
فهل يقدر هو على فتاة المدينة !
إذا كانت غنجة التي عاشت معهم كل سنوات عمرها لم يقدر على كبح جماحها فكيف من عاشت بالمدينة كل عمرها ..
لكن نظرة ثانية لعينيها اللامعتين , اللتان ترنوان له بإعجاب جعلته يغير رأيه ..
ماذا لو حاول ...
رأى الأمل في عينيها تشجعه ..
ولم يملك أمام سلطانها إلا أن يبتسم ..
فمن يعرف ماذا يمكن أن يحدث ..
.............
في الصالة الضخمة التي حجزها نيمار , وقف بتوتر بالقرب من مالك الذي بدا هادئا , ينظر للناس المجتمعة حوله بفضول دائم الوجود فيه ..
لطالما أحب مراقبة الوجوه محاولا تخمين ما يفكر به كل واحد منهم ..
همس نيمار
*لقد تأخرت !
نظر مالك لساعته الضخمة في يسراه , وقد بدا جسده الرياضي ملفتا للنظر في البذلة السوداء التي تركها مفتوحة ليظهر قميصه الناصع البياض دون ربطة العنق فلم يحبها يوما , أما شعره فقد أرجعه بجل لامع للخلف ..
بدا غاية في الجاذبية غير مبال بنظرات الفتيات حوله ليقول
*لا يزال هناك بعض الوقت ..
ثم ابتسم يناكفه
*كما أنها لن تهرب هل نسيت أنكما تزوجتما دون استشارة أحد ..
اتسعت ابتسامة نيمار بفخر
*لقد حصلت على امرأتي يا رجل هذا ما يهم ..
رد عليه مالك
*بل ما يهم حقا .. هو أنك تحبها للدرجة التي تجعلني أطمئن أنك لن تجرحها يوما ..
تظاهر نيمار بالبؤس يشير لنفسه
*انظر لي يا رجل .. أختك من كانت دوما تجرحني وليس العكس..
ارتفع حاجب مالك بمكر
*ومن كان يحرق قلبها بالغيرة ..
طوح نيمار بكفه
*كانت خطة فاشلة ..
وسكت فجأة حين صدحت في الصالة موسيقى الأورغانون العميق التي اختارتها صفاء لتدخل عليها ..
وتوقف قلبه ربما للحظة كما أحس وهو ينظر لها ..
تدخل بفستانها العاجي اللون , المنفوش كأميرة ..على رأسها تاج ناعم من الزهور البيضاء , وقد أظهرت تفصيلة ثوبها رهافة خصرها .. لقت أتى النظام الغذائي الذي كانت تتبعه بنتيجة مبهرة ..
ابتلع ريقه بصعوبة .. لا يرى أحدا سواها ..
تتقدم بخطى متمهلة تشمخ بقامتها عاليا وطبقات التل الخاصة بفستانها تزحف خلفها برقي , تتأبط ذراع والدها المبتسم بفخر رغم كل ما جرى , يستعد لتسلي ابنته لزوجها المستقبلي ..
وانطلقت الزغاريد من أمها التي دمعت عينيها وقد حلمت كثيرا بهذا اليوم ..
حتى جمانة شاركتها الزغاريد ولو بغصة ..
لكنها فرحت من كل قلبها لها ..
وغالية التي لم تتحرك عن الكرسي تتخيل لو أن غنجة هي من دخلت .. لطالما حلمت بزواجها .. ولن تكون شاهدة عليه .. اصرت غنجة عليها لتحضر الزفاف فأحضرتها ناهد معها مهتمة بها بعناية ..
فرغم كل شيء , لم تتمكن من إيذائها وهي على شفا الموت في أي لحظة .. رغم توقها للصراخ عليها وضربها ربما فقد دمرت عائلة كاملة ..
إلا أن حبها لروان يشفع لها عندها ..
لم يتمالك نيمار نفسه ليقطع تلك المسافة المتبقية يسلم على والدها ليأخذها منه يضمها مشتاقا ليتمايل معها على الفور يخبئ وجهها عن العيون في صدره مقبلا جبينها هامسا برهبة
*خيالية .. رائعة .. أخشى عليك من العيون ..
اختنقت بفرحها تقاوم دموعها لكنها تمكنت من الهمس بمرح
*بخرتني أمي .. وأحاطتني بالمعوذات ..
ليقترب منها أكثر
*يجب عليها ذلك ..
راقبهما مالك بحب متمنيا لهما السعادة وعينيه تجولان في الصالة بحثا عنها ..
حتى وجدها ..
اتسعت عينيه بعجب هامسا لنفسه
( أهذه هي ! )
وبخطى مسرعة , يريد التأكد انطلق نحوها حيث كانت تقف مع روز عابسة ..
استغرب عبوسها فقد بدت غاية في السحر ..
لاحظ أن روز تنفرد بالحديث مع لمك ..
وحينما اقترب اكتشف انها تحدثه عن تفاصيل الزفاف بينا هو يستمع لها بإنصات عجيب , لو كان هو لهرب بالتأكيد من حديث كهذا ..
تقدم خطوة إضافية ليصبح أمامها مبتسما
*لم أتعرف عليك !
انتبهت له وقد كانت تبحث بنظراتها على غالية تريد الاطمئنان عليها , لتحمر بخجل تعض شفتها
*حتى أنا لم أتعرف عن نفسي ..
ثم قطعت عليه كلامه تسأله بنظراتها القلقة
*أين غالية لا أراها ؟
أشار لها حيث تجلس , وعرض عليها أن يأخذها لها فوافقت على الفور لتترك لمك مع روز وحدهما ولحديثهما الممل ..
عاد لمك لينظر لها بتدقيق يقول من جديد
*أنا متأكد أن غالية ستقضي اليوم تراقب الأعين لتحصنك !
ضحكت على كلماته تؤكدها
*متأكدة من ذلك ..
رأت غالية من بعيد , وأشارت لها بكفها أنها هنا لتبتسم لابتسامتها والسعادة التي شعت من عينيها عندما رأتها بهذه الهيئة , وضحكت وهي تراها تفرقع أصابعها وتمتم بتحصيناتها ..
أمسك مالك كفها قبل أن تكمل طريقها ليتركها على الفور ما أن توقفت تنظر له مستغربة ..
ابتسم .. فارتبكت , ليهمس يركز نظراته على عينيها اللوزية ذات النظرات الحادة تنضح بالذكاء .. والخجل اللذيذ
*غنجة .. أريد أن نتقرب من بعض ..
أطرقت بخجل ليكمل بصوت ناعم
*لا غنجة .. انظري لي ..
رفعت نظرها فعلا .. لوجهه وعينيه المبتسمة التي تخجلها ..
*هل يزعجك أن نتقرب من بعض ؟
عضت شفتها وهزت رأسها بلا دون أن تنظر له ..
فقال بمرح , يمسك كفها مجددا يأخذها نحو غالية
*إذن هذا جيد ..
ونظر لوجهها الضاحك من سرعته المحمر بخجل
*سنكون أجمل من هذين العاشقين يوما ما ثقي بي ..
واقترب قليلا ليهمس
*ولن يكون هذا اليوم بعيدا !
..................................
حك نيمار ذقنه بملل ونظر لصفاء التي تجلس قربه على الأرائك الفضية الملكية التي طلبها نيمار ..
وشد أصابعه على كفها الناعمة مقتربا منها
*صفاء ..
نظرت له لترد بهمهمة , تراقب الناس التي ترقص على الموسيقى الصاخبة للدي جي ..
فتنهد متسائلا بتفكير
*أحتاجك بكلمة لوحدنا ..
ارتفع حاجبها ونظرت حولها فلم تجد أحدا بالقرب قد يسمع حديثهما
*نحن وحدنا حبيبي ..لكنه نفخ بقلة صبر مكررا
*وحدنا صفصف ..
و وقف بسرعة , ليمسك كفها يسحبها معه , مخترقا الجموع غير مبال بأحد ولا للنظرات الفضولية التي تبعتهم ..
وخلال لحظات كانا خارج الصالة وهي مستغربة تسأله بعدم فهم
*ماذا تريد نيمار ..
لكنها شهقت حينما انحنى ليحملها ويسرع راكضا بها نحو سيارته ضاحكا
*نهرب حبيبتي .. نهرب لقد مللت الانتظار ..
وشاركته الضحكات المتواطئة , وهو يرسل رسالة مختصرة لمالك يخبره أن يكملوا الاحتفال وحدهم فلن يعودوا ..
وانطلقت بهم السيارة ...
بعد بعض الوقت شهقت بفرح وهي ترى المنحنى التي اتخذه نيمار ..
تذكرت المكان على الفور وهل يمكن لها أن تنساه ..
ينتظرهما أمام باب المكان عدد من موظفي المكان ليطلقوا الألعاب النارية ما أن نزلا من السيارة , تراقبها بانبهار ..
لا تعرف ما تقول وقد عجزت عن النطق ...
يسحبها مرة أخرى ..
نحو داخل الخيام القصبية المعدة للسياحة ..
على شاطئ البحر ...
وقد سيجت كل خيمة بسياج يحميها من الأعين الفضولية ..
وداخلها رأت العشاء الفاخر الذي كان ينتظرهما ..
غرفة واحدة بسرير فخم ..
وحمام مغطى بستارة يحتوي على أرقى المواد لتتساءل ضاحكة
*من يصدق أن خيمة كهذه تحوي كل هذه الرفاهية ..
لم يرد عليها , وهو يسرقها لصدره يضمها بقوة ..
ينقض على شفتيها بشوق طال وقت انتظاره ..
فقد أصبحت .. ملكه .. حلاله .. امرأته ..
من يجرؤ على ابعادها عنه في هذه اللحظة ..
غيبها في عاطفة جياشة .. تتنهد برضا ..
مستسلمة بعشق .. لكفيه اللتان تسرقا كل ما تطالاه من عشق ..
لتشهق الهواء بقوة بعد أن أطلقها ..
لكن ليس لوقت طويل , وهي تسقط معه على السرير الضخم ..
لتتوه معه في عالمه السحري بعيدا عن الواقع ...
لتنام بهدوء .. هانئة .. مبتسمة .. راضية ..
تتوسد صدره العضلي المتلهف لها .. يمشط شعرها بأصابعه ..
قبل أن يستسلم معها لسلطان النوم ..
والراحة تغلف قلبيهما وقد التغت كل المسافات ..
للأبد ...
................
نهاية الفصل

شببت غجريةWhere stories live. Discover now