الفصل الحادي عشر

1.9K 48 1
                                    

الفصل الحادي عشر
..........
ارتجف قلبها خوفاً , تشعر به يقترب منها , جسدها يكاد ينفجر نفوراً منه , لكنها مقيدة تماماً وعاجزة عن الحركة , أنفاسه الكريهة تلفح عنقها ..
حاولت عبثا الابتعاد تئن بضعف دون صوت ..
ولكن أنّى لها ذلك ؟
غصت روز بدموعها دون أن تجرؤ على النطق بحرف واحد , تراقبه كيف يقترب منها , نظراته تخيفها , وكأنه بعينيه تلك يعريها تماماً , نظراته دنيئة .. مرعبة ..
أغمضت عينيها تبكي بصمت ما تعانيه غنجة في هذا اللحظة ..
سمعت صوت أنينها فشدت عينيها أكثر ترفض النظر , حتى لا ترى ما يحصل , فلم تر جسد غنجة المنتفض من أسنان مكسيم التي انغرزت في عنقها , ومن تحت الرباط الذي يعصب عينيها , فرت دموعها .. دموع القهر واليأس والقرف ..
لم يبالي بأنينها , بل أغمض عينيه بنشوة , مستمتعا به ..
ارتفع حاجبيه وكأنه يثمل على ارتجاف جسدها , قبل أن يتركها بقسوة , ساحباً جلدها الرقيق بأسنانه , مبتسما للأثر الأحمر الذي تركه ..
مد كفه منتشياً يلمسه برقة , وكأنه لوحة نادرة , ثم ضحك بمكر ليقرصه بقوة ..
هامساً بشر
*سيترك أثرا رائعا على بشرتك جميلتي ..
حاولت السيطرة على دقات قلبها المنتفض , وعلى موجات الألم في عنقها لتصرخ .. تصرخ عاليا صوتا لم يغادر حنجرتها ..
حينها وبابتسامة شيطانية , فك العصابة عن عينيها ببطء , فرحاً برؤية دموعها , التي مد أصابعه ليمسحها وأمام ذهولها وخوفها رفعها إلى شفتيه يتذوقها ..
عض شفته مغمضا عينيه ليهمس بصوت شجي
*دموعك طعمها رائع .. اسقيني أكثر منها ..
علت شهقة روز التي تعبت من يديها المعلقتين , نظر لها بحدة , وابتعد عدة خطوات , ليمسك بحبل ما ويسحبه بقوة فاهتز  القفص المعلق حتى كاد يقع واتسعت عيني الفتاتين ذعراً ..
ابتلعت روز شهقاتها وقد بدت على وشك الإصابة بالجنون , وكأنها لا تستوعب حقاً الموقف التي هي فيه ..
بينما غنجة تهز رأسها وعينيها تراقبانه .. ما الذي سيفعله هذا المجنون , لا تفهم كيف وصلت إلى هنا , ولا حتى كيف وصلت روز ..
تخلص مكسيم من القميص القطني الخفيف الذي كان يلبسه , ليظهر صدره العضلي الصلب الأسمر ...
دق على موضع قلبه وعينيه على عينيها الحائرة
*لطالما أردتك .. أحببتك حقاً وأردت إسعادك .. لكن غرورك أكبر مني ..
شد شعرها المتناثر حولها بقوة , حتى أحست أنه ينوي اقتلاعه , وصرخاتها المكتومة تعلو أكثر ..
ليضحك ساخرا ..
*ماذا غنجتي ؟ تريدين قول شيء ؟
ضم شفتيه متسائلا ببراءة , ليترك شعرها ويفك الرباط عن فمها , فانطلقت تصرخ ما أن أفلت عقال لسانها
*أيها المتخلف النذل , كيف تجرؤ .. اتركني .. اتركني  حالا , أنا أكرهك .. لا أطيقك ..
كل صراخها وهو يجلس على الأرض مستندا بذراعه على السرير قرب وجهها يراقب احمرار وجهها ودموعها الغاضبة بابتسامة ماكرة شريرة .. ليهمس بصوت مرعب
*كل هذا أعرفه , لذلك أعطيك سببا لكرهي حقا ..
وبغل نهض بخفة , ليشق الكنزة الخفيفة التي تلبسها من عند قبتها الواسعة , فصرخت رافضة تشتمه بشتى الشتائم التي تعرفها , ولم يأبه , بل استعان بسكينه ليمزق بنطالها القطني القصير كذلك , ضاحكا على سيل شتائمها وروز تهز رأسها بلا وقد اختفى صوتها تماما .. حتى رأت جسد غنجة شبه عارٍ أمام عينيها فصرخت تدافع عنها ..
*اتركها .. لا تقترب منها ..
علا صراخهما الاثنتين , وغنجة تنتفض كالمذبوحة , لا تقدر حتى على المقاومة سوى بالصراخ ..
ابتعد خطوة وقد خلصها من معظم ثيابها , ترك فقط ما يثير مخيلته وما يجعلها تموت ترقبا للحظة التي سيمد يده فيها ليكمل الباقي ..
*لا تقترب .. لا تقترب مني ..
صرخت بهستيريا , خوفا من الأعظم ..
ارتفع حاجبيه متسائلا
*ألا تحبين أن نقضي وقتاً ممتعاً معاً ..
هدرت به قهرا
*اقضي وقتك في الجحيم ..
تأوه آهة طويلة خرجت من عمق صدره مغمضا عينيه وكأنه يسمع لحنا ما ليقول فجأة
*صراخك مثير جدا .. اصرخي ..
سكتت وقد تملكها الرعب , لا تعرف كيف تتعامل معه , ولا تفهم ما الذي يفعله , لم تكن تعلم أن صرخاتها كانت كالمخدر له , تشعره بالنشوة وكلما صرخت , شعر برغبة بالمزيد ..
وانتفضت جزعا حين شهقت روز وهي تراه ينحني للسوط ..
لتصرخ به تشد يديها المعلقتين علها تفك رباطها رغم تأكدها من استحالة ذلك , فقد أحست وأن ذراعيها على وشك أن تخلعا من مكانيهما ...
*اتركها أيها الجبان , لا تضربها .. لا تفعل ..
ولم يأبه لصراخها .. وروز تعلم أن ما ستناله غنجة سيعادل أضعاف ما نالته هي , فهي لسعتها السياط على ظهرها .. أما غنجة !
فقد كانت تصرخ كالذبيحة ألماً والسياط تنهال دون رحمة على جسدها المكشوف تطربه بآلامها , وصرخاتها , كحمل يسلخ حيا , تنالها على فخذيها , بطنها وحتى صدرها , حتى أصبحت لوحة مقلمة باللسعات الدامية ..
كادت تفقد الوعي من هول ما لاقته .. جف حلقها من الصراخ , وعجزت حتى عن التنفس ..
تحرقها نيران السياط  في كل مكان .. ألاف اللسعات تشعر بها .. نيران شبت في جسدها لا تخمد ..
رمى السوط مجددا ووجه نظراته لروز التي انكمشت ترجع للخلف رغم عدم قدرتها على الهرب , ليزداد نحيبها حين قال
*يا إلهي كم صراخكما جميل !
ترك غنجة مبتعدا للحظات ليعود مع دلو ماء , نظرت له روز بخوف , وغنجة لم تكن قادرة حتى على الخوف , لكنها صرخت بأعلى صوتها , حين انهالت عشرات قطع الثلج على جسدها ..
*لمَ تفعل هذا ..
صرخت بها روز بينما تتوق لتقدر على فك وثاقها علها تخفف عن غنجة ما تشعر به في هذه اللحظة ..
وبلؤم لا مثيل له ..
قفز على السرير الذي قيدها عليه , ليعتلي جسدها بلمح البصر , وقبل أن تصرخ ألما , كانت كفه قد أخمدت صوتها , تغطي فمها وأنفها , يمنع عنها الهواء والصراخ ..
مقتربا من أذنها ليهمس بينما كفه الثانية تتنقل بحرية وقحة على جسدها ..
*لن أغتصبك غنجة , لا أريد ذلك , لنتمتع قليلا أنا وأنت , لا تقاوميني .. دعيني أفعل ما أريده دون مقاومة , لأني حقيقة أريد إيذائك , وللأمانة فقط قررت إخبارك , ربما خففتِ عن نفسك ما سيحدث !
اتسعت عينيها تختنق من كفه .. ومن كلامه ..
وكما اعتلاها تركها , لتشهق الهواء باختناق وهو يبتعد متجها للخارج دون أن ينسى أن يمر بروز رامياً ما بقي من دلو الثلج عليها ..
همست روز برعب , وصوت مرتجف , بينما جسدها المعلق بدأ يدب فيه تنميل مؤلم من الطريقة المعلقة بها
*ما الذي قاله لك ..
لكن غنجة لم تكن معها , لم تقدر على الرد , تعاني صدمة تنكرها الواقع , وتهز رأسها بلا .. لا تصدق .. كل ما يحصل كابوس ..
والألم الذي تشعر به , ليس سوى كابوس ..
آآآآه ..
تأوهت متألمة , فسألتها روز
*غنجة كلميني .. ما بك ؟
*لا .. لا ..
همست بها غنجة لتبدأ بعدها بالصراخ , مستمر بلا ..
وجسدها المكلوم .. يصرخ بدوره ألماً تعجز عن احتماله ..
*غنجة ما بك , تكلمي .. قولي شيئا ..
وبدأت تصرخ معها , رعباً .. مما سيأتي ..
أما هو , فقد كان يجلس في الخارج , على الأرض أمام باب الغرفة الجاهزة , يلف سيجاره الثقيل , بدقة وعناية , غير آبهٍ لصرخاتهما .. حتى أنه ضحك من صراخ روز .. يحضر نفسه لشوطه الثاني من المتعة ..
فتلك الثائرة المغناجة .. ستكون له وأخيراً .. ملك يديه ليفعل بها ما يشاء ..
وسيفعل , سيجعلها تندم على كل لحظة قضتها بعيداً عنه ..
ستندم على كل مرةٍ سخرت منه وهزأت من حبه ..
وعلى كونها كانت السبب في زواجه من راميا .. لو أنها لم ترفض , لما تزوج راميا ..
......................
عند منتصف الليل , اختار كل من مالك ولمك أن يجلس بعيدا عن الآخر , بينما انتصفهما ديسم , الذي كان يقظاً لكل حركة من الممكن أن تصدر عن الغابة ..
همس مالك بعد فترة طويلة من الصمت التزم بها الثلاثة ..
*هل من الممكن أن يقتلهما ..
نفخ لمك , بينما عقله يتساءل حقاً عن إمكانية حدوث ذلك , أما ديسم فقد أجاب بعد برهة ..
*مكسيم لن يقتل غنجة , أنا متأكد أنه يريد إيلامها ..
حينها رد لمك بذهن شارد ..
*لكني لا أفهم سبب اختفاء الثعبان ..
تساءل مالك بقلق
*أيعقل أن يقتلهما مستخدماً ثعبانه ..
نفض لمك كفيه من التراب الذي كان يعبث فيه قائلا لديسم
*في الفترة الماضية لطالما كان الثعبان هائجا , ودوماً نهماً , اعتدت أن أرى الثعابين هادئة , لا تبادر بالأذية , لكن ثعبان مكسيم .. كان ..
وسكت لعدة لحظات لا يعرف بما يصفه ليقول مالك مستنتجا ..
*إنه يحقن ثعبانه بمصل ما , ليبقى عدوانياً ..
قطب لمك , ليسأل ديسم
*وهل هذا ممكن ؟
هز ديسم كتفيه , غير متأكد من ذلك
*كل شيء ممكن ..
رمى مالك ظهره على الأرض حيث تمدد على قميصه الذي تخلص منه على الطريق
*لكن ما يعنيني الآن ألا يكون من الجنون بحيث يترك الثعبان طليقا فيعضهما ..
حينها التوت زاوية فك لمك ليقول محبطا ..
*ثعبان مكسيم لا يعض !
قطب مالك ليقفز بسرعة جالسا , ينظر للمك رغم صعوبة تبين ملامحه
*ما الذي تقصده ..
رد ديسم بتلقائية
*ثعبان مكسيم ضخم , من النوع الذي يعتصر جسد الضحية قبل أن يبتلعها ..
اتسعت عيني مالك
*أي أنه ليس سوى أصَلَة , أو بوَا ضخم ..
ثم هدر من بين أسنانه
*كم هذا رائع ألا يكفينا رجل مجنون , والآن ثعبان ضخم ربما , يسرح الآن في هذه الغابة وقد يعتصر أحدنا الآن ..
عند كلمته , كان كل من لمك وديسم كمن وعى لحقيقة الأمر !
فربما الثعبان طليقاً الآن وذلك سيشكل خطراً لا حدود له , التقط لمك هاتفه بسرعة مجريا عدة اتصالات مع المجموعات التي تفرقت لتوخي الحذر والتخلص من الثعبان حال عثورهم عليه ..
علا صوت من خلفهم , فقفز الثلاثة عن الأرض , يستندون على ظهور بعض , وقد أعطى ديسم مالك إحدى السواطير الضخمة التي أحضروها معهم في بداية البحث , يركزون نظرهم في العتمة حولهم ..
*ما كان هذا !
سأل مالك بترقب , متوقعا أن يقفز عليهم الثعبان عن الشجر في أي لحظة , أو الأسوأ ربما حيوان مفترس آخر !
لكن الصوت اقترب , يقطع الطريق بسرعة راكضا , فتوجهت أعينهم و أسلحتهم , نحو المكان الذي ينطلق منه الصوت , للحظات فقط حتى ظهر لهم ضوء خافت جدا , فأنار ديسم للتو الضوء الكاشف الذي معه هاتفاً بسخط
*سحقاً لقد نسيت أمر الكشافات !
صر مالك على أسنانه مغتاظا , ولمك يطالب بكشافه , لينيرا للشخص القادم , الذي ما أن تعرف عليهما حتى وقف يلتقط أنفاسه ..
أرخوا أسلحتهم وقد خف تشنج أجسادهم المترقبة ..
*ما ورائك ؟
سأله ديسم بغيظ بسبب الرعب الذي عاشوه للحظات ..
اتسعت ابتسامة الرجل الذي قال
* بسرعة , وجدنا الغرفة المطلوبة ..
استنكر مالك قوله
*وكيف وجدتها وكيف عرفت مكاننا , ولمَ لم تتصل بلمك لتخبره !
نظر له الرجل مستهجنا قوله , وأخذ وقته في شرب الماء , ولمك يحضر أغراضه التي كانت معه , بينما ديسم لا زال كل شيء في الحقيبة على ظهره
*كوننا غجر لا يعني أننا أغبياء يا هذا ..
أشار للطريق الذي جاء منه
*أرأيت هذا الطريق ؟
قطب مالك لا يفهم شيئا ليكمل الرجل مشيرا للنقطة التي هم فيها ..
*هذه المنطقة هي الطرف الشمالي للغابة , وخلفنا الوسط والجنوبي , نحن لم ننقسم مجموعات , كما كان الاتفاق فذلك مضيعة للوقت , إننا نسير بالتوازي , ونمشط الغابة تقريبا كأسنان المشط , معتمدين على الهواتف للتواصل نهارا , وعلى الكشافات , حتى نبقى على سوية ليلا , حتى توصلنا لمكان الشاحنة , فكان أن أعطينا الإشارة , أما الآن فالأمر لا يتحمل الإشارة , كما أنني حاولت الاتصال وهاتف لمك مشغول عدة مرات ..
برر لمك على الفور
*كنت أجري عدة اتصالات أحذر الرجال من الثعبان ربما كان طليقاً ..
هز الرجل رأسه متفهما , ليبدأ المسير
*هيا لنسرع , لقد طلبت من الرجال أن يبقوا على إشارة معي , والشكر لله أنني وصلت لكم قبل أن أفقد الإشارة معهم ..
سأل مالك , محاولا مجاراة خطواتهم السريعة رغم وعورة المكان
*هل المكان بعيد ؟
رد الرجل بأسف ..
*نعم بعيد بعض الشيء , مسير ما لا يقل عن ساعتين , لقد كنت الأقرب لكم ...
ثنا ديسم على مجهودهم , بينما خطواته تسابق الزمن سرعة
*لقد قمتم بعمل ممتاز لم يخطر لنا على بال صراحة ..
وبسخرية من نفسه أضاف
*أما نحن فتوترنا بلغ منّا حد نسياننا أمر الكشافات فلم نستخدمها حتى رأينا كشافك!
كان الرجل يتقدمهم , معتمدا على نور لكشاف متجهٍ نحوه , ظاهرٍ من بعيد
*لا عليك ديسم , حقيقة كانت تلك الفكرة هي الأفضل ..
توقف للحظة ليلتفت للمك يخبره
*ضرغام هو من وجد الغرفة , وقد أخبرنا أن مكسيم يجلس خارجا , يمكنك الاتصال به , لقد أطفأ كشافه ..
همس ديسم بأمل
*إذن طالما هو في الخارج , لنأمل فقط أن الفتيات بخير ..
ناجى مالك الله في سره , أن يكون مع الفتاتين فلا يصيبهما مكروه ..
بينما يكاد يتفتت رغبة لقتل الرجل الذي تجرأ على الاقتراب من عائلته , من روز تلك التي لا تكاد تخرج من مصيبة حتى تدخل بأخرى ..
أمسك مالك ديسم من ذراعه , لاهثا بتعب ليطلب منه
*هل أستطيع استعمال هاتفك ..
وبسرعة منحه ديسم الهاتف دون أن يسأله حتى عن السبب , فأخذه مالك ممتناً , مستغربا أمر هؤلاء القوم ..
أجرى اتصاله سريعا , ليغلق الخط ويتبعهم راكضاً المسافة القليلة التي تخطوه فيها.. تلقى لمك رسالة من ضرغام مفادها أن مكسيم دخل الغرفة فهل يتدخل ..
لكن الرجل رفض قبل أن يرفض لمك حتى ..
*لا , لا تسمح لهم بالتدخل حتى نصل نحن ..
هدر مالك بغضب
*هل تسمع نفسك ! لقد دخل عليهما , وهناك من يستطيع التدخل فلما لا يفعل ..
جز لمك على أسنانه ولكنه لأول مرة يشارك مالك رأيه , فقلقه على غنجة الآن أهم من الجدال ..
*يجب أن يتدخل ضرغام ومن معه ..
لكن ديسم الذي وصلته تماما فكرة الرجل اعترض بدوره موضحا ..
*لن يتدخل ضرغام , مكسيم ليس غبياً وليس جباناً , إنه قوي ..
*ومجنون ويملك ثعباناً طليقا وقد دخل على الفتيات في هذه اللحظة !
هدر مالك مقاطعا حديث ديسم الذي هدر بدوره
*وهو كذلك مسلح ومستثار وغاضب لأبعد حد ..
*كفااا
بدوره صرخ لمك ليسكتا وأراد أن يقول شيئا لولا الرجل الذي قصف صوته بغضب ليسكت الثلاثة
*لن يتدخل أحد حتى نشكل دائرة محيطة بالمكان , فربما تدخلنا وكان موقفنا ضعيفا , سيهرب حينها وتهوره قد يدفعه للجنون فإما أن يتخلص من الفتيات أو أن يأخذ أحدهما ويقتل الأخرى لمجرد إهانتنا بعجزنا عنه .. هل فهمتما الآن ..
قال ذلك موجها حديثه لمالك كم يعلم طفلا معاقا لا يفهم بغضب مكتوم
*قد يقتل قريبتك , ليتمكن من الهرب بغنجة .. ليس لأنه يريد إيذائها , بل فقط كي ينتصر علينا.. أسمعت ؟
ووجه كلامه للمك الغاضب
*أسمعت يا لمك , إن هرب هذه المرة أين سنجده , بل على ماذا سنبحث بالضبط إن هرب , وتأكد أنه لن يترك غنجة خلفه ..
وتركهما خلفه ليتابع طريقه بقوة , يتبعه ديسم , بينما كان لمك ومالك كثورين هائجين , لولا خطورة الموقف من المؤكد لتصارعا مع بعضهما ومازالا غير مقتنعين , بفكرة عدم تدخل أحدهم حتى الآن ..
كتم مالك بصعوبة صرخة قهر وعجز ليهتف من بين أسنانه
*لا أصدق . .. لا أصدق كل هذا العجز , يا الله الصبر من عندك ..
ولمك مثله , سبق بخطواته ديسم متجها نحو ضوء الكشاف البعيد , ليقصف صوته في هدوء الليل
*بسرعة , والله لن يكفيني دم مكسيم لأشفي غليلي , أحتاج أن أقتله ألف مرة ! ..
كان مالك قد وصل بخطواته له وقد أعماهما الغضب والعجز , وديسم ينظر لهما بعجب لتلك القوة التي ظهرت الآن من العدم متعاطفا معهما في نفس الوقت , معاهداً نفسه أنه لن يسمح لمكسيم أن يهرب من قبضتهم ..
لكن خطواته الراكضة لم تكن بسرعة خطاهما !
كم متعجلة هي خطوات من يقف على بعد خطوة من الفقدان !
.....................
عاد مناف لغرفته بعد عدة ساعات , يشعر بالدوار من كثرة المناطق التي زارها , لقد قال منذر أن لديهم عملية مهمة اليوم , لكنهم في الحقيقة لم يفعلوا شيئا أكثر من كونهم تنقلوا من مكان إلى آخر في السيارة , دون أن يفعلوا شيئا !
سمع همساً قرب الباب , فنهض ببطء , دون أن ينير الضوء , ليقترب بحذر ويضع أذنه على الباب , لم يتمكن تبين الهمس جيدا , لكن أحدهما هو شادي بالتأكيد !
(ما الذي يحدث )
همس بها , وقد تملكه الفضول , نظر حوله في الغرفة , محاولاً تبين منفذ واحد , هذان الشخصان في الخارج .. يخططان لشيء ويجب أن يعرفه ..
تخصر وقد أحس بالغضب , أي وضع هو به الآن !
مد أصابعه ليدلك جبينه , لقد أعطوه شريحة اتصال دولية ليتمكن من التواصل معهم ما أن يمتلك هاتفاً يمكنه من ذلك , ولكن هناك أمران سيئان , الأول أنه لا يذكر أين وضع الشريحة وخبأها والثاني أنهم لم يعطوه هاتفا حتى الآن رغم أنه طلب واحدا..
يبدو أن كل ما فكروا به لن يجدي , لقد تسبب في تورط روز وهذه قمة الغباء , لكن ما أراحه حتى الآن أن أمر تورط روز لم يذكر حتى الآن هنا ..
قطب للحظات ليرتفع حاجبيه  , لقد خدِعَ كالأحمق !
تمكنوا من إقناعه ليصبح حليفا لهم ويندس بين الجماعة , ويكون عينهم بحجة أن يحمي روز وتلك الصديقة التي لا يعرفها وهما من الأصل ليس عليهما أي شيء ..
نفخ بانزعاج يتلفت حوله , حسناً خيبة واحدة تكفي , وبما أم ما جرى قد جرى , ليقم بعمله على أتم وجه , على الأقل حتى يتمكن من العودة للبيت ..
لذلك أبعد عنه كل التفكير السلبي في هذه اللحظة , يجيل عينيه في المكان , الغرفة كبيرة واسعة , ومليئة بالأشياء التي لا معنى لها , ولكن دون نوافذ , التهوية وكل شيء مركزي ..
اتسعت عينيه عجبا فكيف لمكان عفن مثل هذا أن يكون مجهزا بهذه الطريقة ..
وبعزم , اتجه نحو تلك الفتحة الخاصة بالتهوية , نظر لها مطولا وكأنه يحادثها بعينيه , نظر لنفسه لتلتوي ابتسامته مفكرا , من الجيد أنه خسر الكثير من وزنه في الفترة الماضية   , إذن القفز ضمن هذه العلبة لن يكون صعبا!
وبالفعل .. اتجه نحو إحدى الكراسي وحملها بعناية , محاولا قدر الإمكان ألا يحدث أي صوت , حتى وضعها تحت الفتحة المطلوبة , وبخفة تخلص من قميصه ليصعد على الكرسي , ووقف ماداً كفيه لها , ولكنها مغلقة جيدا , ولم تطع كفيه وتنفتح ..
خشي أن يثير الضجة لو استخدم القوة ليفتحها , فنزل بسرعة , يقوم بجولة سرعة في الغرفة يبحث عن شيء ما يستخدمه كمفك يفتح به تلك الصواميل العصية , حتى وجد غايته , فنظر له بانتصار , وقبل أن يعود للكرسي , اتجه نحو  الباب ليضع أذنه عليه ويتأكد أن الرجال لازالوا في الخارج ..
ولعجبه لم يسمع أي صوت , أحس بالقلق ولم يعرف ما الذي يفعله ..
فأعاد الكرسي لمكانه .. وخبأ تلك القطعة المعدنية تحت وسادته واتجه للباب , وفتحه بجرأة ..
حينها قفز شادي والشاب الذي معه ما أن رأياه من مكانها ..
قطب مناف متظاهرا بالانزعاج ..
تمطى بتعب , دون خجل وقد خرج لهم بمجرد بنطال داخلي قطني صغير وقال بصوت منزعج
*منذ أن جئت لهنا وأنا لا أقدر على الراحة , ما الذي تفعلانه هنا ؟
تبرع شادي بالرد ... بعد أن أشار للشاب الذي معه بالذهاب
*لم نقصد ذلك ولكننا اعتدنا على الاجتماع في هذا المكان ..
ارتفع حاجبه بانزعاج
*أمام غرفتي !
أشار له شادي بينما يستعد للذهاب
*يمكنك الراحة الآن , سنذهب فقد تأخر الوقت , ولن نزعجك فغدا ستنتقل من هنا مع السيد منذر ..
قطب مناف يتبع شادي بعينيه وهو يغادر ..
يغادر مع منذر !
هل هو سيكون آخر من يعلم بتحركاته في هذا المكان !
نفض ذراعيه بغضب , في أي متاهة أدخلوه ..
وعاد للغرفة التي يبدو أن استضافته فيها قد انتهت , نظر لفتحة التهوية التي بدت شامتة فيه , وأغلق الباب خلفه , بالفتاح , ولأنه لا يثق بأحد هنا , ودون اعتبار للضجة سحب تلك الأريكة القديمة ووضعها وراء الباب ..
والآن بما أن فرصته للتجسس قد انتهت قبل أن تبدأ حتى !
ليبحث عن شريحته التي أضاعها كالأحمق ..
وخطت بسرعة نحو حقائبه التي أتي بها , والتي دون شك خضعت للتفتيش دون شك من رجال منذر ..
وبدأ البحث عنها , راغباً بشدة بقتال الضابط المسؤول عنه !
..................
*ما الأمر عمي ؟
سأل نيمار حينما رأى مروان قد نهض من مكانه بسرعة , فهو لم يغادر , بعد أن ذهب الجميع للراحة ’ بقي مع مروان ومجيد ينتظران اتصال مالك ..
وبالفعل حين جاء اتصال مالك , قد الليل قد انتصف منذ مدة ..
نهض من مكانه مقترحا
*لندع لبقية يرتاحون فهم مرهقون لنذهب وحدنا ..
اعترض مجيد
*ولكنك أتعبت نفسك اليوم معنا جدا .. لا أعرف كيف أشكرك ..
ابتسم نيمار يربت على كتفه
*لا داعي للشكر , أعتبر نفسي فرداً من هذه العائلة , وواجبي أن أكون معكم ...
واتجه الثلاثة للباب ينوون الخروج , والتوجه إلى تلك المضارب التي يعرفها نيمار , علهم يصلون ويجدون كل شيء قد انتهى فيعودون بروز ..
*إلى أين ؟
انطلق السؤال الناعم من ناهد التي لم تتمكن من النوم , قلقة على مالك الذي بقي مع أناس لا تعرف عن حياتهم أي شيء ..
*عودي وارتاحي ناهد لن نتأخر ..
قال لها مروان , بينما استدار ليكمل طريقه للخروج , لكنها كانت أسرع من خطواتهم , وركضت تعترض طريقهم بإصرار ووجه محمر مرهق من البكاء
*لن تذهبوا إلى أي مكان حتى أعرف إلى أين ..
حينها أشار مجيد لمروان حتى ينهي الجدال , ويتسنى لهم المغادرة قبل أن ينبته لهم أحد آخر ..
فقال راضخاً للأمر الواقع وهو أدرى بعناد ناهد
*اتصل مالك وسنذهب لهم الآن , هيا عودي لا نريد إثارة جلبة ..
لكنها قالت بإصرار وعزم
*لن تذهبوا لأي مكان من دوني , لن أستطيع البقاء هنا ومالك معهم هناك , أريد أن أراه ..
ذكرها مجيد من بين أسنانه
*لكن روز هي المختفية !
شمخت برأسها تجيبه بعنفوان
*وابني أيضا لم يعد ويفعل ما بوسعه ليعود بها ..
تدخل مروان , منهيا جدالاً عقيماً قبل أن يبدأ
*ناهد أنت تؤخريننا , ما الذي تريدينه ..
*سأذهب معكم ..
قالت ذلك ببساطة , وخطت بعزم تسبقهم حتى , فهز مروان كتفيه
*لن تتراجع ولن أضيع الوقت بالحديث حتى ينتبه رشيد أو جمانة ..
لم يكن مجيد راضياً عن تدخلها , بل أراد وبشدة أن يسحبها من ذراعها ويرميها للداخل لكن نيمار , أسرع لها ليشبك ذراعه بذراعها ..معلنا لها بعزم
*لن تفارقينني لثانية ..
فقد علم أن مروان , سيكون مشغول البال بابنة أخته وابنه .. ومجيد ودون شك سيجد وقتا للجدال مع الشيخ رجب وستبقى هي , إما أن تتناطح مع الرجال أو أن تتوه هي الأخرى , لذلك فالأسلم أن تبقى معه ملازمة له حتى يتجنبوا مزيدا من المشاكل ..
وعلى الطريق .. بعد نصف ساعة تقريبا كان هاتفه يرن باسم صفاء ..
لا يعرف كيف سيحدثها أمامهم , ذلك شبه مستحيل , خاصة بعد حضور جميلة اليوم , اليوم , ولا يستطيع تجاهل الاتصال ..
وضع هاتفه على النمط الصامت , ليقف على جانب الطريق معتذرا منهم
*لحظة فقط ..
وفتح باب السيارة حين أمسكه مجيد الذي كان يجلس قربه موبخاً
*هل أنت مجنون !
نظر نيمار له باستغراب دون أن يفهم بينما أشار له مجيد حوله
*أنت بعد منتصف الليل وفي منطقة منعزلة على طريق شبه جبلي , وتريد أن توقف سيارتك لتنزل وتجري اتصالا , أياً كان الشخص أرسل له رسالة ودعنا نكمل طريقنا ..
لم تكن ناهد ولا مروان منتبهان لما يجري , فعقلها كان يفكر بما يحصل , تحاول قدر الإمكان استيعاب كيف تحول النهار بهذا الشكل ..
فقد بدا صباحا , نهارا من أجمل ما يكون , ابنتها صفاء خرجت بروح وعادت بأخرى .. حتى روز حين جاءت صباحا , كانت رقيقة جدا , وهادئة على غير عادتها , كيف انتهى الأمر بها مختطفة لا يعرفون لها طريقا ..
نزلت دمعة من عينها , تشعر بأنانية الأم تجاه أطفالها رغماً عنها ..
فهذه هي الكارثة الثانية التي ينجو فيها أحد أطفالها , ما قصة عائلتهم مع الفقدان واختفاء الابناء ..
أولهم تبنة أختها روان ..
غصت بشهقتها , وكتمت نفسها بكفها حتى لا يعلو نحيبها , بينما تعود بذاكرتها لتلك الأيام السوداء التي مرت على الجميع بعد اختفاء روان , كم دعت الله ألا يتكرر الأمر , ولكن ها هو يتكرر ..
وفي كلا المرتين , احتمال أن يكون أحد ابنائها هو من جرى له ذلك  يقتلها !
إن كان مجرد الاحتمال قاتل , فكيف لو حصل ..
أحست بالاختناق , فأنزلت زجاج السيارة , تعب الهواء , بينما سحبها مروان لصدره حالا مدركا من تتابع الانفعالات على وجهها ما تفكر فيه ..
همست من بين دموعها
*تذكرت أختي .. واختفاء روان ..
وبقهر أضافت بصوت هامس وصله
*أريد أن أرى مالك الآن وإلا سأصاب بالجنون ..
رغم تأكدها أنه بخير , وأن من يجب أن تقلق عليه هي روز ..
إلا أنها رغما عنها , تفكر بمالك !
مسح مروان على رأسها لائماً بحب
*ألم أطلب منك أن تبقي في البيت .. مالك بخير اطمئني ..
هزت رأسها دون أن ترد بشيء , لتسمع صوت نيمار يخبرهم أنهم على وشك الوصول , بينما عشرات الرسائل انهالت على هاتفه من صفاء , بعد أن فعل كما طلب منه مجيد واكتفى بإرسال رسالة نصية ..
بدا الأمر كما لو أنها ترغب بقتاله عبر الرسائل ولا وقت له الآن لذلك , فأغلق هاتفه تماماً حتى يرجعوا وبعدها لكل حادثة حديث ..
*وصلنا ..
قال ذلك معلنا عن وصولهم , ليجدوا أن تلك القبيلة المسماة غجراً كاملة الاستنفار ..
نزلوا ليجدوا أحد الرجال يشير لهم , على الفور أن يتبعوه لمجلس الشيخ رجب  فتبعه الجميع صامتا , حتى ناهد أحاطها كل من مروان ونيمار كل من جهة , وذهبوا إلى حيث الشيخ , ومجيد خلفه , يراقب ما يحصل حوله بعجب , فكل مجموعة من النساء مجتمعة حول نار صغيرة , تقول أشياء لا يفهمها , وبصوت غير واضح حتى ..
بينما مجموعة منهن يبكين بشدة , ويحرقن ملابس كما يبدو ..
وصله صوت إحداهن , تنعي بصوت مبحوح
*قتلك المجنون يا ابنتي .. قتلك أمام عينيّ ولم أفعل شيئا لك ..
وقف للحظات ينظر لها , بأعين ضيقة , عله يفهم ..
اقترب منه الرجل الذي لاقاهم فسأله مجيد حالاً
*هل الفتاة التي قتلت هي التي اختطفت مع روز ..
قطب الرجل وظهرت على وجهه ملامح الشر ليجيب باقتضاب شديد
*لا تفضل ..
ووضع كفه على ظهر مجيد يدفعه باتجاه خيمة المجلس , لينظر خلفه نحو النسوة هادرا
*ابتعدن من هنا , تفرقن حالا , لا أريد أن اسمع صوت نحيبها هنا ..
وبالتو , نهضت النسوة , متفرقات ومجتمعات , ليبتعدن بأم راميا عن المجلس , ويكملن مناجاتهم لله لتعود غنجة بخير بسرعة بعيداً عن هنا ..
كان نيمار الذي تعرف عليه الشيخ رجب , هو من بادر بالكلام
*تلقينا اتصالا , أنهم تقريبا وجدوا الفتيات لذلك جئنا على وجه السرعة ..
بهذه الكلمات المختصرة , اطمئن الشيخ له , ليدعوهم للجلوس , يخبرهم بآخر ما توصل له الرجال , وأنهم اقتربوا جدا من إعادة روز وغنجة ..
حينها لمعت ذكرى كلمات سمعتها ناهد من روز قبل أيام ..
أن غنجة تلك , هي وكأنها نسخة كبيرة من روان ..
كم تمنت أن تراها في هذه اللحظة , فقط لتشبع فضولها , برؤية كيف كانت لتكون ابنة اختها حين تصبح شابة , لتزور قبرها وتخبرها بأن ابنتها كانت لتصبح من أجمل فتيات المدينة , وسيبقى صراعها الأزلي معها .. أي البنتين أجمل ..
*آه .. يا ابنتي .. نيران تحرقني يا شيخ .. قلبي يتمزق وصغيرتي بعيدة عني .. تأخروا وذاك المجنون سيؤذي ابنتي ..
كان صوت صراخ غالية قد عاد ليعلو مرة أخرى .. تذكرها نيمار على الفور , فسأل قبل أن يستطيع منع نفسه
*أين والد الفتاة ؟
قطب الشيخ , وكما الرجل تماما رد باقتضاب منزعج
*والدا غنجة توفيا بالسيل ..
شهقت ناهد متعاطفة مع الفتاة التي فقدت والديها , بينما صرخت غالية من الخارج صوتا هز المكان , مليئا بالقهر وكأنها بالصراخ تفرغ طاقتها وكبتها ..
وخلال لحظات دخلت المجلس كالمخمورة , تدق على صدرها باكية , وقد بدت في حالة يرثى لها ..
*أين ابنتي يا شيخ .. تأخروا .. تأخروا على ابنتي ولن تكون بخير ..
نهض الشيخ من مكانه بقوة , لسندها ويجلسها قربه رغما عنها , والجميع ينظر لها بغرابة ..
*غنجة ستكون بخير , أنسيتِ أنها ابنة قلبي كذلك ..
هزت رأسها تولول
*هي الوحيدة التي تناديك جدي ..
دقت على صدرها موضع قلبها لتضيف بأنين ضعيف
*لكن هذا القلب يحرقني .. إنها تتألم , تنام لأول يوم بعيدة عن قلبي .. قلبي يئن عليها وجعا يا شيخ ..
ربت الشيخ رجب على كتفها لا يعرف بما يرد عليها , بينما نادى أحدهم من الخارج , وطلب منه أن يأخذ غالية لخيمتها , لتنتظر غنجة فيها , رغم اعتراضها المرهق , إلا أنها خرجت مع الرجل مترنحة ..
دخل عدة رجال كذلك بعدها للمجلس , يتبادلون النظرات الحادة مع الشيخ رجب ..
انكمشت ناهد قرب مروان وتمسكت بيده أكثر , وهم يراقبون ما يجري بترقب , فمن الواضح أن هؤلاء القوم لا يرحبون بهم ..
دخل رجل مسرعا ليقول لاهثاً
*وصلوا لمكانهم ..
*هل هم بخير ..
صرخت ناهد متسائلة بسرعة , لكن مروان أمسكها حتى لا تنهض من مكانها , ونيمار تيقظ تماما لحديث الرجل الذي لم ينظر حتى باتجاه ناهد مكلماً الشيخ بجدية
*إنهم يستعدون ليقيموا الطوق حول المكان , ونحن نستعد أن نذهب للمساعدة , بعد إذنك يا شيخ ..
نهض نيمار بسرعة  طالبا
*وأنا سأرافقهم بعد إذنك يا شيخ ...
بدا على الرجل الرفض , حين هب مجيد كذلك يرغب في المشاركة , لكن نيمار رفض مشيرا له أن يبقى مع ناهد ومروان , بينما اتخذ خطواته مع الرجال رغم , رفضهم الواضح لوجوده .. لكنه تظاهر وكأن شيئا لم يكن , ولم يتبادل معهم الحديث , متجها إلى المكان المطلوب لمساعدة مالك إن تطلب الأمر ..
.............
أنهى عماد الاتصال الهاتفي مع منذر , يخبره أن كل شيء على خير ما يرام ..
اطمئنوا أن الشحنة الوهمية التي اطلعوا مناف عليها , لم يتعرض لها أحد ولم يكشفها أحد , بذلك نجح مناف في اختباره , وقد أصبح يستحق حقا أن يكون معهم في أعمالهم , فلو كان عميلا لكان بلغ عنهم , وكانوا اكتشفوا أمره بمنتهى البساطة , فهذه الشحنة الوهمية البالغة الأهمية كانت مجرد اختبار له ..
خرج من القهوة حيث اعتاد أن يجلس , ليراقب رجاله المنتشرين في كل مكان , يراقبون الوضع ويوزعون دون أن ينتبه أحد لهم  , بضاعتهم في وضح النهار ..
اقترب من أحدهم ووقف معه , بينما كان ذلك , يضع أمامه بساطا صغيرا , عليه بضعة كتب ومجلات ..
*مناف ذاك فعلا سينفعنا إنه أمين ..
اتسعت ابتسامة الشاب
*ألم أقل لك ؟ إنه رائع يحتاج للقليل فقط ويصبح  كامل الانحراف وأكثر منّي حتى..
ربت عماد على كتفه يسأله هامسا وعينيه حوله
*كيف البيع اليوم ..
أشار الشاب بعينيه لأحد أولاد النعمة كما يبدو عليه , يجلس بعيداً وعينيه عليهما ليقول مبتسما بانتصار
*أتراه ؟ إنه يكاد يجن يريد الحصول على نصيبه ..
قطب عماد
*أعطه إياه ..
ارتفه حاجب الشاب بمكر
*إني تلميذك , سأتركه قليلا بعد , وسترى كم سيدفع في القليل الذي سيأخذه ..
ضرب عماد كفاً بكفٍ ضاحكا بصوت عالٍ
*إنك شيطان صغير ..
هز كتفيه بلا مبالة , ليشير لذلك الولد أن يتبعه , ويدخل أحد الأزقة مخرجا من جيبه , في منديل ورقي , بعض البودرة البيضاء ..
التي ما أن رآها ذاك حتى مد يديه ينقض عليها , لكنه سحبها بعيداً مشيرا له بالدفع أولاً    وكان له ذلك ..
بضعة غرامات تشكل ثروة صغيرة له ..
وبابتزاز , طلب المزيد ليعطيه جرعة تعينه على المساء إن أراد ..
وكان يريد بالفعل ..
ليعود لعماد , سعيدا بإنجازه ..
إنجازين في الواقع , أحدهما محض صدفة والثاني دهاء منه ..
فلم يكن عدم إخبار مناف عن تلك الشحنة الوهمية , إلا بسبب نسيانه مكان الشريحة التي أعطوه إياها وعدم حيازته على هاتف , النقطة التي حتى منذر لم يفكر بها , فكيف سيبلغ وهو لا يمتلك هاتفا حتى !
ولكنها كما يبدو إشارة من القدر ليغفلوا عنه , حتى يتسنى له الفرصة , ليفعل حقا ما يوقف تدفق هذا السم إلى البلاد .. ربما كانت دعوات أم ثكلى على طفلها هي من ردت خبثهم عن تلك النقطة ..
وإنجازه الثاني , هو المبلغ الضخم الذي تمكن من الحصول عليه ..
والذي لم يسلمه كاملاً حتى لعماد , فقد أخفى منه نصيب دهائه ..
معتبرا ذلك من حقه ..
بينما بقي في الزقاق , روحا شابة , تشم بنهم ما يسرق منها روعة الشباب , ويغرقها في غياهب المجهول , لتصبح عبدة نشوة زائفة لا تدوم ..
وكم مثله كثيرون ..
............
وعلى طرف المكان .. كان مالك ولمك يتقدمان بحذر من تلك الغرفة المغلقة , والمكان هادئ جدا ..
لا أصوات ... لا شيء غريب .. هدوء قاتل مثير للأعصاب ..
تساءل مالك
*كيف سندخل عليهم؟
نظر لمك للغرفة بتدقيق شديد , ليقف متخصراً , وكأنه إن خطا خطوة خاطئة واحدة سيخسر كل شيء وأجاب بصدق
*لا أعرف ..
وقف ديسم بالقرب منهما ينظر ذات النظرات , المليئة بالعجز والقلق , ليهمس
*سيصل باقي الرجال في أي لحظة ..
قال مالك بروية
*لا يمكننا التهور ..
وأكد لمك شارد الذهن
*التهور يعني نهاية كل شيء ..
وحقا كان .. خطوة متهورة واحدة ..
وكل شيء سيذهب مع الريح ..
وقف الجميع حول الغرفة المطلوبة , الهادئة كالقبر , بذات نظرات العجز ..
حتى هتف لمك بتصميم ..
*أنا أعرف كيف سأدخل , حينما أنادي كسروا كل شيء وادخلوا ..
وقبل أن ينطق مالك وديسم بشيء , كانت خطواته الراكضة قد اقتربت من الغرفة على نحو خطر , حينما مد ذراعيه للأمام , وانحنى ليقفز دائرا عدة دورات , ليصل متمسكا بتلك الزوائد على جدرانها داعيا الله بصمت ألا يكون قد أصدر أقل ضجة , والرجال جميعا بإشارة من ديسم قد اختفوا أرضا , لكن على ما يبدو أن مكسيم لم ينتبه لأي شيء ..
وحينها في ذات اللحظة , انطلقت صرختين , هزت أركان الليل الهادئ ..
ولم يبقى للحذر وجود ..
اندفع لمك من النافذة العالية التي وصل لها بسرعة , انطلق الرجال بأدواتهم نحو الغرفة ..
وصدى الصرخات اختلط بالصرخات ذاتها ..
صرخات موجوعة .. خائفة ... ومقتولة ...
نهاية الفصل ..
..............................................

شببت غجريةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن