الفصل الثاني

862 14 0
                                    

اهتزاز هاتفها جعلها تستفيق من الحلم الذي هاجمها وقد نام أخيرا يحيى في حضنها...
كانت تلعب مع "فرح" ترفعها عاليا...ضحكاتها تصل لعنان السماء.... رفعتها بقوة هذه المرة.... لتختفي.... انتظرت كثيرا لتعود إلى ذراعيه، لكنها لم تعد!!
كانت قد اختفت.
حلمٌ جعل قلبها ينقبض بشدة لتحضن طفلها تستمد منه القوة..
تنفست بقوة تطرد بقاياه...ثم رفعت الهاتف لأذنها تستقبل نبرته التي تُسكرها حتى على بُعد آلاف الكيلومترات.
- " اشتقتُ إليك جداً.... أسبوعان يوسف.... أسبوعان؟!!!... " قالت تؤنبه...وقد اشتاقت له حد الوجع... واليوم احتاجت جدا لوجوده معها... "يحيى" مريض ولا تستطيع أن تتخيل أن يصيبه مكروه...كل ما يُعاد إلى ذاكرتها ذكرى "فرح"، كيف كانت تلعبُ بين ذراعيها في لحظة...لتختفي في اللحظة التي تليها...
- " حبيبتي... تعلمين أنني كنتُ سآتي مباشرةً بعد انتهاءي من العمل... لكن وفاة والد معاذ أجلت الأمر قليلا..." قاطعته
- " أنا خائفة.... " همست تُريده أن يجعلها تطمئن كعادته
- " "مرح"...انها مجرد إنفلونزا.... الطفل يحتاج يكتسب المناعة، والمرض فقط ما يجعل جسده منيعًا مستقبلا...ليصير أقوى " أجابها بحزمٍ...هو لا يستطيع أن يتساهل معها خصوصا فيما يخص الأولاد
- " أولادي أقوياء.... لا يحتاجون للمرض...." قالت بصبيانية...ضحك يوسف بقوة وهو يؤكد كلماتها، فهم يشبهونها، وليس هناك أقوى منها...ما عاشته لم يكن هينًا لطفلة.... " إنه نائم الآن.... يبدو كملاك...سأخبرك بسر...هو المفضل لدي لأنه نسخةٌ عنك...." زمجر بسخط...ليقول بغضبٍ مفتعل
- " لا تُسمعيني مثل هذا الكلام مرةً أخرى... أو أنني سأغار..."
- " وكأنك لا تفعل.... " ابتسمت وهي تستمع لكلمات الغزل منه...وتُمرر يدها على شعر يحيى الكثيف الأشقر... ومخاوفها قد ذهبت بعيدًا...دائماً ما يستطيع تحويل نقطة رعبها لنقطة فرح وبهجة.... ضحكت بصوتٍ خافت، ليسألها...وهو يحاول التركيز على الأوراق في حضنه....
- " ما الذي يُضحككِ يا فاتنة..."
- " تذكرت الدمية.... هل تعلم أنك بطلي؟!" همست بحشرجة ودموعها تخنقها...وذكرى جميلة بآلامها وحرارتها تُهاجمهما...كانت مظلمة ومتوجهة.... باردة ودافئة لقلبها... في تلك الليلة، أغلق يوسف إحدى تلك الجروح التي نزفت داخلها...حتى صدئت دون أن تجد من يهتم بمداواتها...حتى جاء بطلها...في تلك اللحظة كان قد طبطب على مرح الطفلة، لتعود و تنام هانئة وقد غادرتها كل الكوابيس و الجراح في سريرها الوردي الصغير...ذو رسومات لأميرات... والذي لم تحضَ يومًا به.
ذكرى مرت عليها سنيين عادت إليها بقوة
""""
- " يوووسف " صرخت بنفاذ صبر
- " نعم حبيبتي... " قال بهدوء، وهو يعلم ما سوف تخبره به
- " أنا لا أريد الذهاب...." قالت بعنادٍ طفولي
- " حبيبتي... منذ أسبوع ونحن نتكلم عن الموضوع، لماذا الرفض الآن؟" وقف أمامها، يرفع وجهها نحوه
- " لا أريد أن أعطي ملابسها ولا ألعابها لأي شخص...أخاف أن أنسى رائحتها" قالت بحزن
- " ألم نتفق أن تتركي الفستان الزهري...ثم إن أغلب الملابس لم ترتديها بعد...ولا توجد رائحتها عليها" ضربت برجلها بعصبية
- " أنا لا أريد.... يعني لا أريد" صرخت بعد أن فقدت كل مبررات لعدم خروجها من البيت، لا تريد أن ترى أطفالا آخرين...فيعود قلبها لنزيفه وقد فقدت للتو "فرح".
- " تعالي...." أمسك بيدها، وأجلسها على الأريكة...ثم استند على ركبتيه أمامها....
- " حبيبتي.... في هذا العالم، هناك أطفال غير محظوظين كفرح، ليس لهم أماً مثلك...ونحن سنقدم لهم الهدايا لكي يترحموا على روحها..."
- " أعرف...أنا أيضا فقدت والدتي صغيرة...." تظللت عيونها بالحزن... قال بسرور مصطنع وهو يحاول إخراجها من الحزن الذي ادخلتها إليه ذكريات طفولتها.
- " ولأنك وافقت... سأشتري لك دمية كبيرة...." التمعت عيونها بالفرح...فرحة طفلة صغيرة لم يسد جوعها للحنان أبداً
- " وعد؟ " قالت بلهفة
- " وعد... " رد بهدوء وهو ينظر إليها...أحس وكأنه في حضرة طفلة صغيرة....أمام ابنته.

جرح وشم الروح! ملاك علي.Where stories live. Discover now