الفصل الثاني عشر

616 9 0
                                    


....

" أنت تستحق ما حصل لك"
رفع عيونه...للمرأة المُلثمة على ظهر الجواء الأسود المُرعب...ليقول وهو يضعُ كفه يَقي عيونه من الشمس الحارقة في هذا الصباح...فتعطي للفارسة هالة قوة...تبدو كتلك من الأفلام العربية التاريخية، حيثُ الفارسة لها مكانتها في ساحة القتال...أراد بشدة أن يرى ملامحها لكنه فشل في تباينِها...ليقولُ بانزعاج:
" أنتِ حتى لا تعرفينني"
علوها أعطاها اليد العليا عليه...لتقول بحقدٍ وهي ترى الجرح النافر بجانب حاجبه...وشفته الممزقة:
" صدقني...بمجرد كونك رجلا... فأنت بالتأكيد تستحق"
فغز فاهه يحدق بها...هل سكان هذه القرية غاضبون دوما...ربما العدوى انتقلت من الماء او التربية...لا لا بل الهواء...فهو الأسرع انتشارًا...ولم تمر إلا دقائق منذ تلقى ضربات من ذلك الغاضب معاذ لولا اتصال عمه في تلك اللحظة لكان استمر حتى يُرديه...وقد سئم فعلا أن يكون كيس مُلاكمة لكل غاضب...بدون وجهِ حقٍّ.
"غبي..."
همست وهي تلكزُ حصانها مغادرة...بينما هو مازال ينظر باتجاهها يُفكر هل يُعتبرُ مُذنبًا إن جر ساقها من فوق الحصان لتتكوم أسفله. ابتعد بعيونه عنها وهو يسمعُ صوتًا قادما خلف شجيرات طويلة...التفت ليلمح شخصا بشوشا عكس الشخصين اللذان التقى بهما سابقا:
" مرحبا أنا حمزة أمغار...والد فدوى وعم معاذ...بالتأكيد تعرفه"
حرك رأسه دليل موافقًا على معرفته بصاحب الاسم الأخير...وهل يستطيع نسيانه؟
عيون حمزة تُحدقُ في تقاسيمه المليئة بالكدمات...دون ان يشير لها...!
هذا أسعده حقًّا...فلا يُريد أن يُخبره أن السبب ابن أخيه...لأنه تغزل بامرأة جميلة صُدِفَ انها زوجته...حدق في تقاسيم حمزة اللطيفة...وهو يُفكر انه ربما إن أخبره بسبب الكدمات...هذا القناع سيتحول إلى آخر غاضب ويُكمل ما بدأه معاذ.
" تفضل..." أشار حمزة للمدخل ليتبعه عامر...وملامحه تسترخي فالمكان كان آسرًا للروح...كيف الجدران الطينية الحمراء الذي تُعطي للمنزل هالة القدم...تتمازج مع فسيفساء الزليج الذي يُغطي أغلب الجدران الداخلية للمنزل...!!
" السلام عليكم"
عاد من أفكاره التي أخذته إلى أول يومٍ في هذه القرية... على صوتٍ خافتٍ ليُبعد عيونه عن اللمنظر البهيج لأشجار اللوز التي بدأت تأخذُ حلةً بيضاء بمزيجٍ من البنفسجي...
" عليكم السلام تيفاوت"
أجابها وهو يبتسمُ لها...ظلال الكدمات كان قد اختفى تقريبًا...أخذت جانبه تنظر لنفس المنظر الذي لم يكن يأسرها...هي ابنة المدينة، تطربها أبواق السيارات، همهمات الناس...وتعشقُ الازدحام...تُحب أن تتسابق مع الوقت كي تصل في الوقت المُحدد...القرية بالنسبة لها تجلبُ الكسل خصوصا لشخصٍ مرفهٍ مثلها...لا تضطر للعمل في الحقول لتحصد، ولا لعلفِ الماشية وبيع حليبها او لحمها في السوقِ الأسبوعي...ربما لو كانت تعيشُ هنا كانت ستتأقلم...لكنها ليست كذلك...ولن تتأقلم!
" منظرٌ مبهر..."
غمغم عامر...لن ينكر أنه أحس براحة وهو يستنشق هواء القرية المُحمل برائحة التربة والأعشاب...لم يذكر متى أحس بالشمس قريبة جدا إليه بهذه الطريقة...ولا الهواء بنقاوة هواء القرية...هو الذي عاش أغلب سنيه في مدينة الضباب، كلما زاد ثراؤك يزداد العلو الذي يقعُ به مكتبك...وكأنهم يهربون عن الناطحات السحاب التي تُغطي عليهم أشعة الشمس...كان التنافس لا يرحم...!!
رفعت رأسها تنظرُ باتجاهه...دون ان تستطيع إخفاء نظرة الإعجاب من عيونها...منذ الوهلة التي لمحته به...ضربات قلبها تسارعت...وكأن قلبها كان ينتظرُ قدومه...لتصخب دقاته!
هربت بعيونها...لتقول تُجلي حنجرتها من المشاعر التي بدأت تأسرُها بمجرد أن تكون قريبةً منه:
" دعوة العم حمزة كانت في محلها..."
أجابها هامسًا بامتنان لحمزة الذي أجبره على البقاء في القرية حتى يعود الشيخ...دون أن يعلم...أن عودة الشيخ رهينةٌ بمغادرته هو:
" كنتُ فعلا أحتاجها..."
أحست بنبرته تحملُ غصة...أرادت أن تسأله بشدة عن سببها...لكنها لم تستطع...لتقول:
" بعد أقل من أسبوعين...ستبدأ الاحتفالات بالعام الجديد...ستستمتعُ جدًا"
" انا متأكد من ذلك."
أجابها وهو يُحدقُ بها...ملامحها الجميلة، الغمازتين في خذيها...وعيونها البندقية...قبل أن يلتفت وزعيقٌ حاد يصل من خلفهما.
" ألا تخجل؟؟...أنت لستَ في بلادك حيثُ تستطيع التحدث للنساء بدون رقيب...ألا احترام لسكان هذا البيت او للقرية؟؟؟...ثم ما الذي ما زلتَ تفعلهُ هنا...ألا يجدرُ بك أن تذهب لتدفع بطلبي للطلاق في المدينة...أي مُحامٍ أحمق أنت"
وقد كانت فدوى...المرأة التي يُفترضُ به أن يجعلها تتطلق...لكن كل ما يتبادر لذهنه في كل لحظةٍ يلتقي بها...ان يُعيدها لزوجها...دون ان تستطيع منه الفكاك...كانت تجعله يغضب وهو النادر جدا ان يُستفز...هي الوحيدة تقريبًا التي تجعلُ دماؤه تُضخ بقوة في شرايينه ساخنة...ورغبة أن يُسكتَ ذلك الفم الذي لا يعرفُ سوى اخراج كلماتٍ مسمومة كروحها!
أراد أن يتجه نحوها...ويصفعها!!!
تنفس بعمقٍ وهو يُواليها ظهره...بينما تيفاوت تتجه نحوها تجذبُ ذراعها بعيدًا...فإن سمعها أحدهم...ستكون فضيحةً!
..........

جرح وشم الروح! ملاك علي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن