الفصل الخامس والعشرين

544 5 0
                                    


…..
"جنا" نطق وهو يُحيطها بينما هي تتشبثُ به بقوة وتُعيد الكلمة الوحيدة التي لا تملُّ من تكرارها "عيد...عيد" اختصارا لاسم "سعيد"
-"جنا" أعاد هامسًا بينما يُحسُ بإبرةٍ تخترق جلد كتفه، ثم بتشوشٍ...رغم مقاومته الا انه غابَ عن الوعي!

(صوتُ خطواته في تلك الأرض الموحلة تتردد في ذلك الشارع المهجور، لتؤنس وحدته وتزيد رهبته، بينما اللفة بين ذراعيه يحميها كلعبةٍ حصل عليها في ذكرى ميلاده، كان في سن اللُّعب...وليس في سن يُطلب منه أن يتخلص من طفلة، استند بتعبٍ على الشجرة الضخمة، يُحاول التقاط أنفاسه وعيونه على عتبة المنزل الأبيض المضاءة بخفوت من المصباح المعلق كفانوس من العلية...هو يعرف صاحبته جيدًا، من الناجيات من بطشِ رجال خاله. في تلك الليلة من الليالي التي يلوذ بها في الحديقة للنوم في هذا المكان الذي تُقتلُ فيه الروح شيئا فشيئا، كان يسمع خشخشة خطواتٍ على العشب اليابس، وعندما وجه نظراته نحو الصوت كان يلمحها، قبل أن يفقد تركيزه اثر صراخ الرجال أن احداهن قد اختفت...نظر باتجاهها لتشير له بالصمت.
-" سعيد هل رأيت احداهن تتسلل لهذه المنطقة"
-" لماذا لا تغربُ عن وجهي انت وكلابك وتدعني أنام، لا أريد ان أرى أحدكم هنا طوال الليل؟"
قال بصوتٍ يُحاول أن يتصنع به الرجولة، والرجل كان يرجع على عقبيه...فهو بمثابة ابن الزعيم، وكلمته مسموعة...ابتسم لها وهي تسترخي في مخبأها...طوال الليل كان ينظر اليها حتى نامت عيونه، وعندما ايقظته أشعة الشمس، كانت قد اختفت.
كان من المواقف القليلة التي تُشعره بالفخر كإنسان وكطفل.

منذ اللحظة التي وضع اللفة على عتبة الباب ليفتح الرجل ويحضنها لقلبه، ودعها دون أن يغفل عنها...كان يكبر ويكبر معه الوعد أنه سيعود...ذلك الوعد الذي قطعه لزمردية العينين.

هو الآن في مكانٍ مظلم، "ميريام" تظهر له بشعرها الأحمر الطويل جدا...كانت تبتعد، حاول أن يُناديها ويُخبرها أن "جنا" بخير...صوته كان ثقيلا وهو يُحاول أن يُخرجه...فتحت الباب، لتدخل شمس ساطعة كادت ان تؤدي عيونه، التفت حوله كان في ذلك الكوخ المهترئ..."ميريام" صرخ بقوة، لتلتفت نحوه، لم تكن هي كانت "سراب"...وهي تحملُ طفلا صغيرا انها "جنا"، كانتا تبتعدان وهو تُحيطه السلاسل...لا يستطيع التنفس...)
مهلا..."ميريام" ماتت، و"جنا" أصبحت كبيرة...وهي كانت معه، تُعانقه قبل ان يغيب عن الوعي...انه يهذي...فقط يهذي...يجب أن يفتح عيونه!
صورتها تُصبحُ ضبابية بينما يُعاد الباب اغلاقه، ليبقى وحيدا في الظلام، أنينه كل ما تلتقطه أُذناه.
(ميريام، جنا...سرااااب)
كان يصرخ، وهو يعلمُ أن كل ما يحدثُ معه مُجرد كابوسٍ مرعب سيستيقظُ منه، هو متأكد جدا أن "ميريام" ماتت، "جنا" كبرت، و"سراب" في مأمن...ربما سيفتحُ عيونه فتستقبله عيونها وهي بين ذراعيه!
ازداد جسده تشنجاً وهو يخشى جدا أن يفتحَهما ليجد أن كل شيءٍ مجرد "سراب" أنسجه عقله، أنه مازال سعيدًا، ينعي موت "ميريام" ويتشوق لرؤية "جنا"، بينما لا وجود لعقابٍ ولا سراب!

جرح وشم الروح! ملاك علي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن