الفصل الثامن

655 12 0
                                    

فُتح الباب الخشبي الضخم مُصدرا صريراً كصرخةِ حيوانٍ جريحٍ، لتظهر سارة خلفه...بمجرد ان لمحته حتى وارت عيونها المحمرة من كثرة البُكاء...صمتٌ طويل ساد بينهما ...لم يعرف ماذا يقول ليكسره... لينطق بأول شئٍ تبادر لذهنه:
" أين والدتكِ ؟.." همس وهو ينوي ان يدلف للداخل...لكنها وقفت امام الباب الخشبي الثقيل تسد الفراغ بينه وبين الحائط، تمنعه من الولوج...سكت وهي لم تُجبه، رؤيته تجعلها ترغب بالبكاء اكثر، الغصة جعلتها فاقدة للنطق...وضع يديه داخل جيبي جلبابه...يتمايل على كعبه للأمام و الخلف ليستطرد بخفوتٍ وقد سئم من السكون السائد بينهما " أنظري سارة...انا آسف...لقد فقدتُ أعصابي و انت تدعين على ورد...ان كانت فدوى أغضبتكِ فلا تحشري والدة وريد في الأمر" أجابته بهمسٍ بالكاد وصله:
" أتعرف الفرق بيني و بينك يا شيخ..." أغلق عيونه بقوة...و قد عادت تلك الحواجز لترتفع بينهما " أنا لا يحق لي الغضب...بينما أنت يحق لك أكثر..."
" سارة انا..." قاطعته بحدة.. يُناقضُ ضُعفها وهي تتشبثُ بالباب:
" اذهب ...أنا لن أعود لذلك المنزل... الذي لم ألقَ به سوى الإهانات ... لأنكم تعلمون أن لا سند لي في هذه الحياة، لا أب و لا أخ يُهددك ان جعلتني أبكي...فلتعرف أنك جعلتني ابكي حتى توقفت عن العد..." استجمعت شتات نفسها لتهمس بنبرةٍ تحمل الانكسار جعلته يلعن نفسه و فدوى... و كل الظروف التي أدت لهذا " فقط اذهب مُعاذ..لا أريد ان تعود والدتي لتجدك هنا.."
أغلقت الباب لتستند عليه تبكي بحرقة...و هي تعلم أن خلفه كان يقف مُسمرا يسمعها ... فقلبها يُدرك أنه قريب، من دقاته التي تكاد تنفلتُ من عقالها...

.........

لهفة والدتها خبت وهي تلمحُ سارة تبكي بقوة...لتتجه نحوها بتساؤل...غير مُستوعبة لما يحدث... ومنذ قليل تمشي رافعةً رأسها واحدى الجارات تُخبرها أن ابنتها حضرت لبيتها و بعدها أتى  زوجها خلفها...الزهو تملكها ونظرات النسوة الجالسات كالعادة في مجلسهن بعد العشاء...يتسامرن قليلا قبل الدخول لبيوتهن...و كأن الليل بهدوءه الفرصة الوحيدة ليستمتعن  بعيدا عن الأشغال التي تبتدئ في لحظة انبلاج الصباح.
" سارة ماذا يحدث؟؟ ...أين زوجكِ؟"
لكن ابنتها لم تُجبها...بل زاد نحيبها ضاغطةً على صدرها...جهة فُؤادها...لم تعلم ان فراققه صعبٌ لهذه الدرجة...!!
" سارة بالله عليكِ ابنتي ...أخبريني ما الذي يحدث؟" همست والدتها بلوعة و هي تقترب منها بتوجس لتجلس بجانبها تحضُنها بقوة... وسارة لا تستطيع التوقف عن البكاء... وكأن دموعها ستُخرجه من كل خليةٍ تُكونها...وقد عشش داخلها كسرطانٍ لعين!

" أنا لم أعد أريده يا أمي...أريد ان أنساه...أرجوكِ أمي ساعديني...قلبي يُؤلمني وبشدة " مجرد نطقها لتلك الكلمات كان موجعا....قاتلا!
أبعدتها والدتها بعُنفٍ جعل سارة تنظر اليها من المُفاجأة وهي تستغرب تصرف والدتها... التي وقفت بعصبية و ما تخشاه يقع..!!
" انهضِ لبيتك سارة...عودي لزوجك...و قبلي قدمه إن لزم الأمر لكن يجب أن تعودي..." قالت والدتها ببرود وهي تقف فوق رأسها
-" أمي...!!؟؟" همست سارة بعدم تصديق.." ما هذا الذي تقولينه ...أنا لن أعود لذلك المنزل الذي..." أمسكت والدتها بعضدها تجعلها تقف رغم ضُعف رجليها... لتقول بوعيد:
-" أيتها الغبية...هل هناك من تأتيه النعمة و يلفظها... من مثلك في كل القرية هاا ؟؟... كلهن بلا اسثناء يبحثن فقط عن نظرة الرضى من عيونه و لا يجدنها... "
-" أمي هو لا يُريدني...هو يكرهني...أرجوكِ أمي " تتخبط سارة في محاولة لفهم كلمات والظتها دون ان تستطيع.
-" يا إلهي ... بماذا ابتليتني...أيتها الغبية الرجل كالطفل...دلعيه و سيوف يُدلعكِ... كوني مُطيعة و سوف يرضى عنكِ...هل تعتقدين ان الزواج سهل...أُقسم لو لم أكن عاقلة و صبورة مع والدكِ لم أكن لأُنجبكِ..." عيون سارة على والدتها... لا تُصدق أن أمانها الوحيد قد سُحق... لتستطرد والدتها بمكرٍ و قد استشعرت ليونة سارة " إسمعي من أمكِ يا بُنيتي...معاذ سيد الرجال...بطرقةِ أصبع سيجد أخرى أجمل منكِ...و أصغر حتى ... و لن تكون أحسن من غيرها من النساء... اسمعي مني يا سارة... أنتِ الخاسرة إن طلقكِ... ماذا ستستفيدين ؟؟ ستكونين موصومة بعارٍ و ستفنين عُمرك وحيدة...و في أفضل الأحوال سيتزوجكِ عجوزٌ بضعفِ عمر والدكِ..." اقتربت منها لتتغير نبرتها لحنية " استهدئي بالله... واذهبي لزوجكِ تزيني و أظهري فتنتكِ له...كون كعجينةٍ بين يديه... يُشكلكِ كيفما يشاء... و عندما تُرزقين بأطفاله ... و تربطينه بهم سيأتي دوره ليكون طوع بنانك... هكذا هم الرجال...تنازلي لتربحي...اما إن تعاملتِ معهم بعنادٍ لن تصلي لأي مكان...و ستقولين أمي قالت "
أبعدت سارة يد والدتها المُحيطة بكتفيها... لتنهض بتمرد... وهي تصيح بغضب... مُجرد تخيل نفسها جاريةً بين يديه يجعلها تغلي...
-" أنا لن أذهب لذلك المنزل مُجددا...لا أريد...كرهتُ الزواج و ما يأتي من وراءه..."

جرح وشم الروح! ملاك علي.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن