الفصل الرابع عشر

631 7 0
                                    

-" أنا فقط أريدُ أن أختفي..."
همست سارة وهي تتوسدُ كتف جميلة بعد نصف ساعة من النواح الشديد... تُحدقُ أمامها في السجادة البنية اللون التي فُرشت أمام المغاسل...تقف عليها أرجلُ النسوة...أحست بنفسها بنفس قيمتها...وكأنها شماعة يُعلقُ بها مُعاذ كل سخطه...ضحكت والغصة مازالت تستحكمُ حنجرتها...
- " كان يناديني ب " نحلتي" ..." همست بشرود...كادت جميلة أن تسألها عمن تقصد...لكن سارة جعلتها تبتلعُ سؤالها وهي تستطرد بنفس الشرود" دائما يقول لي أن طيبة قلبي كالعسل على قلبه...أن جمالي داخلي...كنسمة الربيع الأولى...وكحرارة شمسِ الصيف...وجمال أول ورقة الخريف..."
سكتت والدموع تمنعها من الاسترسال...بينما تُمرر أصبعها على السوار" الكارتييه" من الذهب الأصفر بماساتٍ بيضاء تزينه...ليكون شكلا شاذًّا للاعتراف بأقصى التطرف في الحب...لكنه كان يخنقها "سوار الحب" هذا الذي كان يقبعُ مفتاحه في أحد جيوب خانِقها...يجعل مشاعرها مشوشة!

لتحترم جميلة دموعها وتصمت أيضًا...في هذه اللحظة كل ما تحتاجه هو صدرٌ رحب يتلقّفُ أحزانها...وستجده عندها...لأنها في أحدِ الأيام...كانت تجلسُ وحيدة في الظلام تبحثُ عن هذا الصدرِ ولم تجده...في ذلك البرد الذي تسلل لقلبها ليجعله قاسيًا...قويًّا...أقسمت أنها لن تضعُف مجددا...ولن تترك المشاعر تُعميها عن الواقع...وسارة لم تكن إلا نسخة قديمة عنها.

وهذا يستفزها...ليُحيي كل سخطها القديم.

صمتٌ طويل امتد لتشخر سارة تكسره هامسةً بنبرةٍ تحملُ الفقد:
"اليوم الذي مات به...جزء مني دُفن معه...في ذلك اليوم وسط زعيق النسوة ولطمهن...عرفتُ أنني وحيدة...أن سندي قد ذهب دون رجعة!..."
سكتت تتذكر أول فجرٍ بعد فقده...وصوتُ آخر يرتفعُ مُذكرًا بأن الصلاةُ خيرٌ من النوم...جعلها ترفع يديها للأعلى...وتدعو له رغمَ الغصة التي تمنعها من النطق...لكن الله أعلمُ ما بالقلوب!!

كالآن تمامًا...تُريدُ ان تفتح عيونها وتجد نفسها في قريتها...حيثُ تشعر أنها أقرب لنفسها...!

عندما تنغرزُ رجلها في التربة الحمراء.
عندما تخدشها إحدى أغصان شجرة اللوز.
أو عندما تتشقق يديها بفعل برودة المياه.
كلها تُشعرها أنها حية...!!
عكس الآن...حيثُ روحها يُلف حولها الكفن...وهي تلفظ آخر أنفاسها!
-" أشتاقُ إلى النحلة...جدا جدا"
همست وهي تُبعدُ جسدها عن حضن جميلة...لتستند للمرآة خلفها...تُحدقُ بشفقة في وجهها...الذي كان يعكسُ تعب روحها!

تصلب جسدُ جميلة وهي تسمعُ همسةَ سارة عن الفقد...الذي تعرفه جميلة كراحة يدها!
عن موتِ والدتها...التي كان غيابها أكثر من حضورها في حياتها...ثم خالها!

ذلك الرجل الذي عوض حنان الأب والأم في حياتها، الذي تفتقده أكثر من أي شخصٍ آخر في حياتها...تتذكر أيام الدراسة التي كان يسمعُ بها صاغرًا تقريع المديرة بصدرٍ رحبٍ لكل شغبٍ تقوم به...كان المأوى لها...الذي بموته اعتقدت انها ودعت الأمان...!!

جرح وشم الروح! ملاك علي.Where stories live. Discover now