الفصل الثالث والعشرين

493 8 0
                                    


....
أقنعوها أن الحياة لم تكتمل يوما برجل.
وأخبروه أن الأنثى ليست هي الحياة.

هي تعرفُ ذلك جيدا...لكن من يُقنعها أن الظلام سينقشع وقد رأت الموت بين عينيها...كيف تعود وتثق أنها آمنة.
تشبثت به بقوة رغم أنينه المُعترض على طريقة ضمها له...لكنه رغم سنه الصغيرة يُدركُ أن لا مكان آمن كحضن والدته...عقله الصغير لم يستوعب حجم الرعب الذي عاشه ذلك اليوم، بكاؤه الذي أذى حنجرته لم يجعل قلب والده يحن عليه وهو يحمله مُدليا رأسه نحو الأسفل نحو المجهول الذي لم يستطع عقله الصغير استيعابه...هو لا يُريد ان يتذكر...هو فقط طفلٌ لا يجب أن يكون قد عاش كل تلك الآلام من شخصٍ تجري دماؤه في عروقه.
-" أنا هنا"
همست فدوى تضمه إليها أكثر دون أن تهتم لبوله الذي ينسب ساخنا بين قماش ملابسها لفخذيها...بينما تشعرُ بقشعريرة الرعب تعود إليه...هي أكثر من يفهم شعور وليدها...أوليس طفلها؟
قطعة منها التي لن يملأ مكانها شيء...هي أكثر من يعرفُ الشعور بالعجز والموت وهي ترى نظرات ابنها الأخيرة يستنجدها...لكن الحقير زوجها كان يُهدد كل من اقترب أن يُلقي به نحو الأسفل...حيثُ الأشجار تُخفي أسفلها صخورٌ مسننة.
-" أتوسلُ إليك أن تُطلق صراحه...خذني أنا مكانه" كانت تترجاه...منحنية للأسفل، تعرفُ أنه يتملكه غرورٌ كلما انحنت صاغرةً أمامه..."هو صغير لن يحتمل"
أطلق ضحكةً شريرة وهو ينظر إليها من علوٍ...بينما انطلقت ضحكات زميله الذي لطالما سكن المقابر ولطالما شوهد بشعره الأشعث الطويل يطوف بين المنازل طالبا للأكل، لكن عيونه في تلك اللحظة لم تكن مثيرةً للشفقة...بل كانت توحي بالتلذذ بآلامها...بل زادت لمعانا ومُعاذ يقف ساندا لها...بينما الصدمة تُلجمه.
-" مُعاذ...ابني..." همست فدوى بألم...ليبتسم لها بمواساة لم تصل لعيونه...تحولت نظراته نحو المشهد أمامه.
-" الشيخ هنا...يا مرحبا"
قال هشام باستهزاء...وهو يُشير برأسه نحو صديقه الذي لم يُشاركه الاستمتاع هذه المرة...بل كانت عيونه مُركزة على معاذ.
-" ما الذي تُحاول اثباته يا هشام؟" سأل مُعاذ بنبرة ثابتة...وكأن صراخ الطفل لا يعنيه..."لو كنتَ تُريدُ إلقاء ابنك لم تكن لتنتظر كل هذه المدة"
كان يستفزه...وهذا ما جعل أعصاب فدوى تنفلتُ...لكن معاذ حدق بها بنظرات تحمل الوعد ان ابنها سيكون بخير.
-" أنتَ لا تُريدُ أن تكون آخر صورة لابنك ...اباه يريدُ قتله أليس كذلك؟"
اهتزت حدقتا عيني هشام وهو يُحدقُ بابنه الذي سكت فجأة وكأنه عرف أن منقذه قد حضر...بهدوء كان يرفعه هشام باتجاه قلبه ويحضنه بشدة...تنفست الصدور راحة لكن همسة هشام بددت تلك الراحة وهو يقول بعزمٍ:
-" أنت على حق...لكنني لا أريده أيضًا أن يعيش مع ام فاسقة كتلك المرأة...التي تتفنن بخيانتي كلما سنحت لها الفرصة"
قاطعته فدوى بصوتٍ مخنوقٍ من البكاء:
-" هذا ليس صحيحا...أقسم لم أخنك يوما"
-" أصمتي..." قاطعها وهو يرمي أمامها مجموعة صور...لم تهتم بالنظر إليها، لكن النسيم دفع بها قريبا منها...غصبًا عنها كانت تنظرُ لدليل ادانتها... لرجل يقترب منها بشدة حتى يُخيل أنه سيُقبلها...مُمسكا بفكها بقوة...تذكُرُ تلك اللحظة جيدا عندما التقت به على إثر الحلي الذي كان السبب في تصدع الأمور بين معاذ وسارة...كان غاضبا وهي كذلك.
-" أريدُ أن أراكِ الآن...بعد عشر دقائق خلف الاسطبل...سأنتظركِ هناك"
كان يهتفُ من خلال الهاتف قبل أن يُغلقه...نبرته غاضبة وقد علمت بما حدث معه عندما وجد معاذ سارة معه...تعرفُ أن ما أقدمت عليه سيجعلُ حياتها جحيما ان عرف انها العقلُ المُدبر له...لهذا كان عليها الرضوخ لأمر عامر.
أحاطت رأسها بإيزارها الأسود تُداري شعرها الأسود الطويل، الذي تماوج على ظهرها بطريقةٍ برية...ليتمايل مع ضربات رجلها على الأرض الترابية الحمراء، مُخلفةً خلفها غبارا مُتصاعدا كفرسٍ جامحة أُطلق سراحها فجأة.
قلبها تسارعت دقاته وهي تلمحُ البوابة الخشبية العملاقة...تلك التي تُفتح مباشرة على الاسطبل ومكان تربية الماشية...تلفتت حولها يمنةً ويسرة تبحثُ عن عينٍ مراقبة...رغم انها تعرفُ أن بعد سهرة البارحة قلةٌ قليلة من سيستيقظُ في القرية...وهذا الجزء من الدار الكبيرة كان خاصا بعائلة "أمغار"، الفكرة الأخيرة جعلتها تخطو للداخل.

جرح وشم الروح! ملاك علي.Where stories live. Discover now