الفصل الرابع

791 12 0
                                    


***

- ".... أنت مريض... وأنا أكرهك... "
أعادت هامسة بقوة...تنظر لعيونه الحمراء الجاحظة... الغضب من كلماتها وصل مداه...اقترب منها ضاغطًا على يديها بجانبي رأسها... وجهه قريبٌ جدا من وجهها ليقول بفحيح غاضب
- " لا يُهمني كرهك لي...أنتِ زوجتي...سأنالك.... سأعاشرك برضاك...أو غص...." سكت يُحدق بها بقوة...عيونها القوية والواثقة اخفتها عيونٌ أخرى خائفة وصورةُ أخرى تهاجمه...لجسدٍ مكدوم عارٍ.... يطلبُ منه أن يُثبت عفته... الكُحل الأسود رسم أخاديد على طول وجنتيها.
-" يا إلهي... "
همس وبشاعة لقطات تُعاد لذهنه لروحٍ مطفأة تطلب أن يُحررها ... تنفسه زاد صعوبة...وعيونٌ بُنية تطغى على أخرى مائلة للزرقة...وكلاهما كانتا تحملان من البراءة الكثير...ما ذنبها؟؟ ...سؤال تبادر في أبعد نقطة من عقله...تلك التي مازال القليل من التعقل يُسيطر عليها ولم تعرف بعد المد الهائج لغضبه... ابتعد لأبعد نقطة منها على السرير... ما الذي كاد أن يفعله؟؟ ...أمسك برأسه الذي يكاد ينفجر من الآلام...ما الذي يحدث معك معاذ؟؟...إلى أي مسخٍ تحولت؟؟... كيف تركتها تُخرجك عن طورك؟؟..." يا إلهي رحمتك" همس وهو ينهض مسرعا نحو الحمام يستفرغ...
(ما الذي حدث؟)
همست وعيونها عليه...لقد رأت تحوله السريع، أي ذكرى بشعة هاجمته ليتحول فجأة لصورة نقيض تلك التي كان بها معها.... جلست تنظر إليه، وغصبا عنها كانت الشفقة تجاهه تُغلف قلبها، لتُسكِّن آلامها ولو قليلا... نهضت مُتحاملةً على ظهرها واقتربت منه، لتضع يدها وسط ظهره...الذي سكن وهو يتعرف على لمستها...
-" أنا آسفة لم أقصد... " كانت تتأسف.... لشيء لم تقترفه، لكنها لم تكذب...هي لا تكرهه...هي تُحبه لكن تصرفاته تجعلها تتخبط في مشاعر لا تستطيع تفسيرها... بين عشقها له واشمئزازها من اعتبارها اخرى... ابعد ظهره بعنف عن ملمس يدها... ثم التفت ينظر إلى ها...
كم كره نظرتها المشفقة عليه...وقبل أن يقول أي شيء ولو كان جارحا يُبعد به نظرات الشفقة عن عيونها...تعالت دقات على الباب...وصوت والدته يصلهما من خلفه:
- " معاذ افتح الباب.... ما الذي يحدث ؟؟.... معاذ؟؟...ما بها سارة...؟؟"

رفعا رأسيهما ينظران للباب بصدمة...ثم لنفسيهما...لم تكن صدمتهما من الجرأة في ازعاج خلوة زوجين بعد منتصف الليل... بل الصدمة في كونها والدته...ذلك الطيف الذي بالكاد يلمحانه...

بتخبطٍ لبس جلبابه...ورمى عباءة نسوية لسارة...وعندما تأكد أن عريها لم يعد ظاهرا...اتجه للباب يفتحه، ليتقابل مع ارتباك والدته...وغضب زوجة عمه...ثم نظرات رضى من فدوى.... أعاد نظراته باتجاه والدته فقد جذبته تأتأتها وهي تسأل عن سارة... التي ظهرت خلفه... تستند عليه بحميمية...وجرأة أجبرتها عليه آلامها...كانت تتشبث بقوة بظهره المُتشنج...نحتْ خجلها بعيدا و هي ترى تغير نظرات فدوى لأخرى غاضبة....ناقمة....وغيورة...وهذا أسعدها جدا...انغرزت أكثر أسفل كتفه و بردة فعلٍ كان يُحيط كتفها و قد علم أنها بالكاد تستطيع موازنة نفسها...بحميمية شهقت لما كان يضغط برفقٍ على أسفل ظهرها المُتألم...كان بعيدا ومشاعره السابقة تختفي بمجرد أن استندت عليه و كأنه مكانها الأزلي حيث تنتمي....لتهمس بصوتٍ جذاب...لآذانه بدا كذلك...بدا مُختلفا عن ذلك الذي كانت تُقاتله به في الداخل:
- " آسفة خالتي... ظهري يؤلمني بشدة ولم أستطع أن أنام... " لتستطرد واضعةً يدها على معدته بدلال أنثى ... وخبثها " لا تهتمي ...فمُعاذ يهتم بي جيدًا...آسفة على الإزعاج مرةً أخرى."
نظراتهن تمر بين ملامحه التي استرخت فجأة بانتشاء وملامحها المُغوية...هيئتها المُبعثرة...شفاهها المتورمة...وكدمات التملك التي تُزين جيدها والتي حاولت اخفاءها دون أن تستطيع...العباءة التقليدية الحمراء التي تُناقض بشرة عُنُقها... لتُظهرها بيضاء شفافةً تُزينها الكدمات...تنذر عن ليلة بحمرتها ...مُتوهجة بين عاشقين ... ربما براءة والدته لم تتركها ترى ما تُحاول سارة توصيله لهن... بل لها ...للتي تكرهها بدون سبب يُذكر.
- " هل أنت بخير؟! "
سألتها والدته وهي تدلف قليلا للغرفة...تُقابلها وكأن ولدها غير موجودٍ... تنظر إليها بنظرات تعرفها جيدا سارة...وكأنها تُخبرها أن تتحدث الآن...أو تصمت للأبد... لأن صمتها الآن لن يجلب لها إلا تنازلات كثيرة قادمة...كانت ترجوها أن تتحدث...أن تُخبرها أنه قاسٍ وجلف...لكن ما لا تُدركه حماتها...أو ما تعرفه جيدا وتناسته الآن...أنهما نالتا نفس التربية...زوجك...ثم زوجك ثم زوجك....
- " نعم خالتي... شكراً "
دنت منها تُقبل أعلى كتفها.... مُبتعدة عن أصابع معاذ التي تلتمسها بطريقة أعاثت التخبط في حواسها...لتمرر حماتها يدها بسرعة على شعرها بحنية وتبتعد خارجة... أعادا أنظارهما حيث مليكة وخلفها فدوى بشعرها الأسود الطويل وشفاهها الرقيقة المزمومة بغضب... والتي ضربت رجلها أرضًا وقد أعياها التظاهر بالبرود:
- " دع الفتاة ترتاح يا معاذ...ظهرها يؤلمها... شغفك يستطيع أن ينتظر أياما أخرى "
احمرت سارة لتتراجع للوراء من جرأة مليكة...لكن مُعاذ تمسك بها بحميمية أكثر وأصابعه تستريح حول استدارة وركها...ينظر بهدوء لزوجة عمه التي استطردت بجرأة أكثر " ثم...ليس بالضرورة أن تأتي هي إليك... تستطيع أن تتنازل قليلا وتذهب إليها أنتَ دون أن تُحرك ظهرها...."
- " أمييي...." صاحت فدوى بقوة...مع شهقة سارة التي ابتسم لها مُعاذ...وهو يعلم سببها.
لتغمز مليكة لمعاذ المُبتسم وبجانبه سارة الفاغرة فاهها تنظر إليه ولدناءته...لتُنزل عيونها عنه ومليكة تقترب وتمرر يدها على وجنته...ثم تستدير مغادرة وهمسات فدوى تصلهما:
- " يكفيك فقط أن تدخلي وتُعلميهما الأوضاع الصحيحة التي لن تؤلم سيادتها..."
لتُجيبها مليكة بضحكة...ما زاد من نقمة ابنتها...لم تنتظر سارة لتسمع المزيد بل هربت داخلة للغرفة...وشفقتها السابقة عليه تحولت لغضبٍ هادر...وقفت تنظر لتقدمه يديها على خصرها تستعد للانقضاض عليه إن لزمها الأمر.
- " أرى أنكِ مُستعدة للجولة الثانية...خذي...." قال وهو يقدم لها مُسكنا..." سيجعل الألم يختفي قليلا... وبعد..." نظر للساعة الرقمية قرب السرير " ساعة والنصف سنذهب للمدينة...."... بأصابع مرتعشة كانت تأخذ الحبة من كفه...لتتماس مخلقةً تيارا بينهما...نظرا في عيون بعضهما... لتبتعد عن مرمى عيونه وسؤاله يصلها
-" ما كان كل ذلك التمثيل سارة؟؟"
حدقت به لثواني...لتجلس بهدوء ...
-" أخبرني أولا لماذا كنت وقحا...و ...و."
قاطعها وهو يُكمل عنها الجملة بكل سهولة
-" أتلمس مفاتنكِ؟ ...لا شيء مُجرد استغلال الفرص...إحدى مزايا كوني زوجكِ...وأجاريكِ في تمثيليتك" اجابها ببساطة ليستطرد بعدم اهتمام ..."والآن أخبريني عن الدراما الهابطة التي ألفتيها هناك ..."
المُواجهة في عيونها خبت فجأة...عيونه عليها بتركيز...كيف أخفضت رأسها تُحدق للأسفل بخجل وكأنه تخشى ان يقرأ تعابيرها... أو ربما هي من يخشى قراءة تعابيره...أصابعها تنكمش بتوتر على لحاف السرير لتقول:
-" أنا أعلم أنني فاشلة...في الكثير من الأمور...دراستي التي لم أستطع ان أعتب خارج الخامس الابتدائي... فاشلة في كسبي لاحترام الفتيات لأنني غبية وبلهاء... ولم أكن الولد الذي تمناه دائما والدي رغم انه لم يصرح به... لكن رغم كل شيء كنتُ أعد نفسي انني عندما أتزوج سأبرهن لكل الناس أنني لستُ فاشلة كزوجة...سأجعل زوجي يُحبني... وأطفالي سيكونون أذكياء ...سيدرسون جيدا ...و...." رفعت عيونها باتجاهه لتقول برجاء و سرعة و ملامحها تتقلص " أرجوك لا تُخبر أحدا بما يحدث بيننا...أنا لا أريد ان يعلم أي شخص حتى لو كانت والدتي...لأنني أعلم أن من حسرتها ستذهب لإحدى الجارات باحثةً عمن يُطمئنن بالها أن كل شيء سيكون بخير...و ابنتها لن تعود للمنزل منبوذة... دون ان تدري أن الخبر قد انتشر قبل حتى ان تخطو خارجة من منزلها..."
-" ما يحدث بيننا هنا ...سيبقى هنا..." همس وقد صدمته باعترافها... لتستطرد مُقاطعة اياه تدعي القوة.
-" أنا قادرة على مُجابهتك...انت لا تُعاملني كندٍّ ضعيف...لكنني لن أستطيع مُجابهة النسوة الحقودات اللاتي يتلذذن باحتقاري في المجالس...فقط لأنك اخترتني كخادمة لابنك ...وليس احدى بناتهن...لهذا...ما يحدث هنا ...فليبقى هنا..."
اقترب منها... ليجلس أمامها ممسكا بيدها
-" أنتِ زوجتي سارة...لن أدع أحدا يُصيبكِ بمكروه..." لم تستطع إلا أن تنظر إليه ولسانها يهمس (ومن سيحمينِ منكَ أنت؟؟؟ )...استطرد مُشفقا " أنا آسف عما حدث سابقا ...لن يتكرر... انتِ حرة بجسدكِ ان كانت طلباتي كثيرة عليكِ أنت معفية منها..." جسدها المتشنج تراخى ...وهذا أجج داخله ...لكنه استطرد " أنا سريع الغضب...وأنفعل لأتفه الأسباب...الأمر زاد سوءًا بعد موت ورد " أبعدت  يدها عن يده...ليُكمل مُحدقا في عيونها  " وبما أننا نتكلم بصراحة...من حقك أن تعرفي أن لا أنثى ستحتل مكانتها...هذا ليس تقليلا منكِ سارة...بل العيبُ في أنا...لأنني لم أستطع تخطيها للآن...ان كنتِ سترضين بالقليل مني فأنا مُوافق...لكن لا تتأملي بكلي، لأنني رجلٌ لامرأة وحيدة...و أنت تعرفين أنها لم تعد موجودة.."
-" وأنا لن أرضى بالقليل معاذ... ولا أريد الفُتات فقط...فأنا أستحق أكثر... شكرا لأنك أخبرتني عن مكانتي جيدا وجعلتني لا أتأمل أكثر في المستقبل... وبعد الذي حدث منذ قليل لا أظنني أريد أية علاقة مهما كانت معك...فبالأخير وريد السبب في زواجك مني...لنترك الأمر على ما هو عليه... "
نهضت من على السرير ...عيونه عليها وشعور مرير استيقظ فجأة داخله... كان ينتظر منها أن تقترب منه كما فعلت منذ قليل وتهمس له بانها راضية...وخاضعة!
صوتها أخرجه غصبا من الهالة التي كانت تلفه...وخيالاته الجامحة تُجاهها وهو يُقدم لها القليل فقط من نفسه...الفُتات فقط بينما هي تُقدم له كلها...جسدها وروحها!
-" في الواقع حتى لو كنتَ متوفرا بكاملك لا أظنني سأرضى بك...بعد الآن"
الصدمة في ملامحه جعلتها تُريد ان تركل نفسها...
(ما الذي دهاها لتتفوه بتلك الجملة)
لكن الراحة التي استشعرتها داخلها جعلتها لا تُنفذ اقتراحها السابق...فنوعا ما المرأة المُهانة داخلها تمطت بسرور وهي تُعاود النوم براحة وابتسامة رضى وانتقام تحتل ملامحها... استيقظت على تحليل مشاعرها على نظراته الناقمة...فليس كل مرة " الشيخ" الوسيم يُنغز كبرياؤه ومن طرف من؟؟ ...من قروية بسذاجتها!
-" سأذهب لأتوضأ..." همست وهي تهرب من نظراته... فلو النظرات تقتل ... كانت أردتها نظراته قتيلة أمامه.

جرح وشم الروح! ملاك علي.Where stories live. Discover now