البداية ..

1.2K 39 14
                                    

في مكان ما من هذا العالم ...
تركض بخطى سعيده مسرعة تسابق الريح تلتمع السعادة في عينيها، يتراقص الامل امامها.. تشرق اجمل ابتسامه من شفتيها .. حياة .. فتاه في بدايه طريق الأحلام تطمح للوصول إلى مكان جاهدت للحصول عليه.. وهاهي اليوم تحصد ثمار التعب و السهر و الاجتهاد ..
تراءى لها اخوها سمير وهو يحمل اكياس البقاله يهم الدخول إلى المنزل، صاحت بصوت يملئه الحماس " سمير " التفت اليها متفاجئ، أبتسم ..
_ مابك يا مجنونه، افزعتني .. كانت قد وصلت إليه راكضه، قفزت عليه تحضنه بسعاده مما ادى إلى رجعوه الى الوراء. كاد يسقط لولا تثبته لقدميه و توازن بذراعيه التي لا تزال تحمل اكياس البقاله .. حياة بصوت يملئه السعادة و الامل :
_ لقد حصلت على مجموع كبير يأهلني الدخول إلى التخصص الذي طالما حلمت به و في افضل الجامعات !.. تقفز فرحا ويعلو على صوتها الناعم ضحكات أخرجت من في المنزل..
تقف والدتها عند عتبه الباب الداخلي للبيت دامعه العينين وابتسامه فخوره رسمت على ملامحها الحنونه.. نادت بصوتها الذي يفيض حبا وعطفا :
_ حياة، ابنتي .. فتحت ذراعيها تدعو صغيرتها لترتمي في جنتها .. ركضت حياة لتلبيه النداء مع إطلاق سراح لبعض دمعات كانت تترقب النزول من اطراف العين :
_ امي، لقد نجحت ! تحقق حلمي، سأصبح طبيبه نفسيه .. خرجت من حضن والدتها تمسح تلك الدمعات بطرف اصبعها لتقابلها ابتسامه الأم الحنون قائله :
_ مبارك لك يا ابنتي، هذا ما يجنيه المجتهدون .. تحدثها بصوتها الهادئ الطيب وتمسح بيديها الحنونتين على وجهها و ما تبقى من دموعها وتمسد فوق شعرها : ابنتي الجميلة، أنا فخوره بك ..
تنهدت الأم مضيفه : الحمدلله الذي اطال بعمري لأراك انت واخوك تحققون ما تمنيتم وتصلون لأعلى المراتب .. في تلك اللحظه هتف سمير بحنق مازحا وهو يدخل بينهما يشير لما يحمل بيديه :
_لا يزال هناك حلم اتمنى تحقيقه وهو إدخال هذه الأكياس إلى الداخل .. ضحكت الأم وابنتها ودخلتا خلفه تحتضن أحدهما الأخرى .
حياة : امي أين سما ؟ الم تستيقظ بعد ؟
_ اجل، أظن ذلك. كنت سأقوم بأيقاظها قبل مجيئك العاصف !
ضحكت حياة على مزحه والدتها، قالت وهي تهم بالذهاب إلى غرفه سما :
_ حسنا سأذهب إليها أنا اذن .
_ لتأتوا بسرعه فسابداء بتحضير الفطور .. حياة وهي تهرول إلى لداخل بصوت مرتفع ليصل إلى والدتها :
_ حااضرر .
في ذلك الوقت.. تجلس سما على أريكه صغيره ذات قماش مطرز بالورد بجانب الشباك الذي يطل على الجهة الأخرى من المنزل.. تراقب سربا من طيور البط وهم يسبحون في نهر قريتهم الهادئه.. يقطع النهر جاريا المساحه الخضراء الشاسعه، تتناثر هنا وهناك مجموعات من أشجار الفاكهة المتنوعه على أرض عشبيه خضراء جميلة تنتشر بينها ورود موسميه صغيره بالوان مختلفه.. قطع تأملها دخول حياة الصاخب وهي تفتح باب الغرفه بسرعه وتصيح بنفس الوقت :
_ سماا .. انتفضت سما شاهقه وهي تضع يدها على صدرها مغمضه العينين :
_ اه حيااة ! موتي سيكون على يديك يوما ما، كدت أصاب بسكته قلبيه .. قهقهت حياة وهي تقترب منها تحتضنها وتقبل أعلى رأسها :
_ اعذريني سما فهذه هي أنا (زوبعه) كما كان يطلق على المرحوم ابي، لكن اليوم اضيفي لها الحمااس والسعادة ..
قالتها وهي تقفز مكانها مصفقة بيديها..
سما ضاحكه على جنون ابنة عمتها :
_ ماذا حدث لكل هذا الحماس ؟
_ لقد حصلت على مجموع يأهلني لتحقيق حلم حياتي سأدرس الطب النفسي، سأدخل احسن الجامعات و أذهب إلى المدينه اخيرا.. وبعدها سأحقق حلمي بمقابله الدكتور توفيق راضي افضل واشهر الأطباء النفسيين على الإطلاق وسأكون احد تلاميذه، سأتدرب في مصحته الخاصه، أنها عياده تأهيليه حتى اكون اكثر دقه .. تتحدث بسرعه وحماس وهي تدور حول نفسها غير منتبه لملامح سما التي ظهر عليها الحزن .. اكملت بنفس الحماس : لا اصدق سما، أشعر اني سأطير من فرط سعادتي أشعر بأن .. قطعت كلامها وذبلت ابتسامتها بعد ما تبينت الحزن الواضح الذي ارتسم على وجهه سما الجميل وخاصة تلك الدمعه التي ركضت هاربه على خدها غير آبه لمحاولات صاحبتها لامساكها ..
حياة بدهشه وصوت خافت وهي تتقدم ناحيه سما تمسك يديها تجلس قربها :
_ سما، حبيبتي ما بك ؟! أنا اعتذر أن كان في كلامي شيئ احزنك .. احتضنتها بسرعه وربتت على ظهرها .. ابعدتها سما عنها بهدوء وقالت بخجلها المعتاد و صوتها الرقيق وهي تمسح دموعها :
_ اعتذر منك حياة لم اقصد اطفاء شعله حماسك واحزانك لكن .. تلعثمت واخفضت رأسها تحارب دموعا احتشدت على باب عينيها .. سحبت شهيقا تسكت به عبراتها ورفعت عينيها لوجه حياة ابنة عمتها وصديقتها الوحيده في هذه الدنيا بنظره اعتذار بعد أن رسمت بسمه على شفتيها المرتعشه، مدت يديها تمسك كف صديقتها المستقرة على حجرها، تنهدت بعمق ترى نظرتها الحنونه التي اكتسبتها من عمتها الغاليه.. حتى ابتسامتها الدافئه ولمستها الرحيمه، فقد كانت نسخه عن والدتها شكلا ومضمونا .. استمر كلام العيون بينهما لحظات.. فكلاهما تفهمان بعضهما جدا .. تعرف حياة بما يجول في عقل سما و تدرك كم المخاوف وتضارب المشاعر واهتزاز الثقه الذي فيها .. لذا بادرت بالكلام :
_ اسمعيني سما، لن تكوني وحيده ابدا سأكون معك دائما و أهاتفك يوميا.. سنتحدث قبل النوم كما اعتدنا نفعل كل ليله، نثرثر كثيرا لغايه مجيئ امي لتوبخنا .. ابتسمت سما تحت دموعها .. اكملت حياه مبتسمه تداعب شعر عزيزتها الرقيقه : سآتي لاقضي كل العطل هنا.. اعدك بأنك لن تشعري بغيابي. أعرف أن الأمر صعب، صدقيني انه صعب علي أنا أيضا، ليس سهلا ابدا أن ابتعد عن منزلي واهلي وقريتي، لكنها سنه الحياة عزيزتي.. انت أيضا بعد ثلاثه سنوات من الآن ستنتقلين من هنا عندما يحين موعد دخولك الجامعة، ف لكل منا حياة عليه أن يعيشها و طموحات لنصل إليها، وهذا لا يعني أننا سنفترق لكن سننتقل فقط لمسكن آخر وسيبقى بيننا الكثير والكثير يربطنا ببعضنا.. اواصرنا ليست ضعيفه وليست مؤقته.. نحن عائله..
كان صوتها هادئا رقيقا ينساب بنعومه لمسمع سما يبلسم قلبها ويطمئن روحها .. ردت بصوت متحشرج :
_ أنا أعرف، لكنني سأشتاق لك، وعمتي أيضا ستبقى وحيده خصوصا بعد سفر سمير هو الاخر.. يعني، سنبقى لوحدنا.. لا أعرف كيف سأعوضها غيابكما..
تنهدت حياة تفكر بكلام سما.. فسمير الذي أنهى دراسته الجامعيه قبل خمسة أعوام وحصوله على تقدير امتياز بمجال تخصصه في الهندسة الميكانيكيه قد اتيحت له فرصه ذهيبه لاكمال دراساته العليا في إحدى أرقى واحسن الجامعات في الخارج، مع اتاحه فرصه عمل بنفس الجامعة.. كان مترددا لقبول هذا العرض من اجل والدته، استصعب تركها والفتاتين لوحدهم، لكن بعد إصرار السيده منيره والدته على اغتنام هذه الفرصه وافق واكمل اوراقه وكافه اموره ولم يبقى على سفره الا بضعه أسابيع.. و ها هي حياة الآن ستتركهم هي الأخرى بعد أشهر قليله للالتحاق بجامعتها.
بعد تفكير تنهدت وهي تنظر بداخل عيني سما :
_ اسمعيني سما، انت و امي لن تكونا لوحدكما.. سمير وانا سنكون على اتصال دائم بكم، وانا سأكون هنا معكم كل ما تسنت لي الفرصه.. طبعا الأمر اصعب بالنسبه لأخي فزياراته ستكون سنويه بالتأكيد لانه خارج البلاد لكن انا سأكون في المدينه المجاوره، يعني خلال ساعتين ونصف فقط اكون هنا لذلك زيارتي لكم ستكون شهريه .. قالتها مبتسمه ..
ابتسمت سما بدورها معلقة :
_ أجل، مثل القمر، تطلين بوجهك علينا كل شهر ..
ضحكت الفتاتين بمرح اعقبها احتضان سما لحياة حضنا اخويا قويا ترجمت به كل ما تحمله بقلبها لصديقتها واختها و رفيقتها الوحيده في هذه الدنيا ..

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) Where stories live. Discover now