الفصل السابع و الاربعون

225 13 47
                                    

الحب الحقيقي ليس لاولئك الذين يشبهوننا، بل لاولئك الذين يكملوننا..
ثمة نقص فينا لا يعوضه الا شخص واحد، جوع لا يسده الا شخص واحد، عطش لا يرويه الا شخص واحد..
ثمة شخص تبدو دونه ناقصا مهما حاولت أن تتظاهر بتمامك.. دونه تبدو كالاحجية..
صورة ينقصها قطعة واحدة صغيرة لتكتمل و تغدو احيانا تلك القطعة اهم من بقية الصورة..
{ ادهم شرقاوي، كتاب حديث الصباح }

الساعة الثانية بعد منتصف الليل..
استيقظت سعاد على رنين هاتفها النقال، ترفرف بأجفانها بسرعة لتعتاد على ظلمة الغرفة و تستوعب وقت الاتصال، بعد أن استغربت المتصل.. رقم هاتف الخط الارضي لبيت الهام.. نهضت سريعا بينما ترد بقلق..
_ نعم، الهام، هل هذه انت ؟
.. منصتة بتركيز يتسلل الى مسمعها صوت انفاس سريعة زادت من حدة قلقها، قطبت جبينها تستمع بأمعان لصوت مرتعش ناعم شديد الانخفاض، بالكاد ميزت صاحبة الصوت..
_ لمى، هل هذه انت عزيزتي؟

_ أجل خالتي، أنها انا، لمى..
.. بصوت خائف خافت اجابت ابنة الهام الكبرى ذات الاثني عشر عاما.. دفعت سعاد الغطاء عنها و نطت من سريرها بهلع، هتفت بلهفة..
_ ماذا حدث لمى ؟! هل انت بخير حبيبتي ؟! هل اصابكم مكروه ؟! أين امك و شقيقاتك ؟! انتن بخير ؟!
.. اجابت الفتاة المستحية بسرعة لتهدئ من خوف خالتها بصوت أخفت اشبه بالهمس..
_ كلنا بخير، اطمئني.. اعتذر لانني اتصلت بهذا الوقت و افزعتك، لكنني لم أجد غير الآن لأستطيع التحدث معك.. حتى تأكدت من نوم امي العميق تسللت إلى المطبخ و سحبت الهاتف معي.. خالتي، أحتاج مساعدتك..
.. تنفست سعاد ببعض الراحة وهي تغمض عينيها، اجابت لمى واضعة يدها على صدرها كأنها تخفف عن قلبها المنتفض..
_ لا عليك لمى، المهم أنكم جميعا بخير.. أخبريني، مابك حبيبتي ؟!
.. بخجل و حرج ردت..
_ رزق ابي بطفل قبل أيام.. ثارت امي و اهتاجت حينما سمعت بالخبر.. كسرت كل البيت على رؤؤسنا و..
.. تحشرج صوت البنت، اكملت ولم تخفي حزنها و بكائها..
_ و حبست داليا في غرفة المكتب لانها طلبت منها أن نزور ابي لنلتقي بأخينا الصغير.. فقدت عقلها تماماً يا خالتي، كانت تصرخ بنا كأنها تكرهنا.. أنا خائفة جدا خالتي سعاد، أريد الذهاب الى ابي.. لقد حرجت علينا ان نأتي بسيرته أو حتى التفكير برؤيته..
.. متوسعة عينيها.. لم تتمكن من تصديق أو استيعاب ما قصته عليها الطفلة الخائفة.. تستنجد بها من امها.. أي وجع هذا ! اعاد انتباهها صوت لمى..
_ خفت على جدتي أن تمرض لو اني اتصلت بها، لذلك وجدت من الأفضل أن اتصل بك انت.. اسفة..

_ احسنت عزيزتي.. انت ذكية جدا، تفكيرك صائب امي ستحزن و تمرض، ثم أنا صديقتك، صح ؟!
.. ابتسمت الفتاة و شعرت بالثقة، و الامان..
_ صح..

_ اذن لا تعتذري.. اذهبي الى فراشك الآن و اعدك أنني سأتصرف.. سأكون عندك غدا صباحاً لمى، نامي براحة و انتبهي لاخواتك..
.. أغلقت سعاد الخط تتوهج من الغضب.. يعمل عقلها بجميع الاتجاهات، تخبر نفسها بضرورة انقاذ الصغيرات من الهام التي جنت تماماً قبل أن تفسد حياتهم، بتخريبها لطفولتهم.. قسوة و أوامر، كل شيء معها صعب، مزعج، متعب.. حياة عسكرية فرضتها على بناتها و تربية صارمه طافحة بالاغلاط تمارسها عليهم.. تعلمهم التعالي و تدرسهم الغطرسة.. تنقش بأرواحهم النقية تعاليم الكره، تغذيهم بالخوف و تملئ نفوسهم البريئة بالجحود.. تريد تجميد قلوبهم الدافئة لجعلهم نسخا مصغرة منها، باردة و بليدة.. و لم تكتف بذلك، بل بداءت تتمادى بطغيانها و ترغب بأبعادهم عن ابيهم.. تعرف سعاد جيدا سبب هذا القرار الصارم و تفهم ما وراء ذلك الانهيار.. بعد أن قتلت حبها في قلب داوود، و دفعت بعنجهيتها تمسكه بها، اختار أن يكمل حياته مع امرأة ربما ليست اجمل منها، لكنها تحترمه، تجله، تستمع اليه حين يتكلم لا تنهره أو تهزء به، تبتسم في وجهه بعد يوم متعب لا تعبس و تتذمر من تأخره الغير مقصود عدة دقائق عن موعد الغداء المقدس.. امرأة تتفاخر أنها زوجته لا بمكانتها الاجتماعية السخيفة.. امرأة اذا تعصب تتهيبه، لا تناطحه.. وان اخطأ تعاونه لا تعايره.. امرأة لا تقلل منه، و تعامله بحب.. تشعره انه مهم، لا تستقل به.. تمده بالدفئ، لا بالتجاهل.. تراه رجل، فيراها هو انثى..
بعد انجاب داوود الان من زوجته، يأست قطعا من عودته.. ادركت أنها لن تتقبل وجوده مجددا و ضاعت توقعاتها برغبته لاعادة المياه إلى مجاريها بينهم.. صور لها غرورها منقطع النظير انه مهما لف، سيعود.. لن تغنيه حسناوات العالم عن سحنتها الكئيبة.. لن يتذوق طعم الهناء المغموس بالازدراء الا في وجوده معها.. حتى زواجه ظنت انه لن يكتمل، و سوف يرجع صاغرا، متوسلا، مستسلما لكل مساوؤها وشروطها اللامنطقية، فقط لتمن عليه و تقبل أن يعود كشيء ثانوي في حياتها !! لتسقط كل تطلعاتها تكسر لها ناصية استبدادها.. فلقد اغنته عائلته الجديدة عنها، وعن سطحيتها و فراغ عقلها.. سعيد هو بأبنه، اذن لتحرق قلبه ببناته.. بكل جبروت قررت، و بمنتهى الحقارة و القسوة نفذت.. لكن لا، لن تسمح لها بهدم أحلام الصغيرات و تحطيم حقهم بالسعادة.. ستمنعها، و تحاربها، حتى لو اضطرت لاستخدام القوة أو الاستعانة بالقانون ! لن يثبط من عزيمتها شيء، حتى وان كان موعد زفافها الذي يفصلها عنه أسبوع واحد فقط..

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) Where stories live. Discover now