الفصل الثاني و الخمسون

138 10 11
                                    

الوطن، ليس شرطا أن يكون ارضا كبيرة.. فقد يكون مساحة صغيرة جدا.. حدودها كتفين..
..غسان كنفاني..

داعبت انفها رائحة القهوة المخصوصة لتتنشط فورا مستقبلاتها العصبية.. فأعطت ايعازا لجفنيها للافراج عن الزمرد المتأهب لرؤية صاحب القهوة.. ابتسمت بينما تتمطى بدلع تحدثه بصوتها النعسان..
_ صباح مبارك مولاي..
.. جلس إلى جانبها على حافة السرير وهو يبعد الغطاء عنها بهدوء ليفح اريجها العطر يشع جسدها الغض دفئا و ترافة خلبت لبه.. رد بصوته الدافئ هامسا أمام شفتيها..
_ صباح الجمال، اميرتي الحسناء..
.. اغمضت عينيها حين مال عليها بجذعه يضمها برفق، تلمست بيديها خصره من الجانبين برقة تتأوه بنعومة و دلال أثناء تقبيله لرقبتها ببطئ شديد فهمت من خلاله نيته على التمادي، فهمست ببحة صوت فاقمت اشتعاله..
_ ما اجمله من صباح، حين يبداء في احضانك..
.. رفع نفسه عنها قليلاً بعثرها بأنفاسه المتهدجة المنصبة فوق وجهها المتوهج.. ينبض قلبها سريعا لا تعرف من ماذا بالضبط، هل هو من تأثير حضنه ام من قبلاته ام عينيه الفاحمتين المدققتين بها.. وجهه الحاد قريب جدا من وجهها يطالعها من الأعلى دون أن يرمش تتحرك لؤلؤتيه السوداء فوق معانيها التي يموت فيها لتموت هي خجلا.. أمر جديد يحدث معها بعد عودتها لأدم لا تفهم سببه، فهي لا تستحي منه بل تميل إلى قلة الأدب معه أساسا.. يربكها قربه الحميمي وتذوب من رهبة سطوته، استسلمت مكرهة اخيرا أمام رجولته العظيمة التي افقدتها جرئتها الفجة في مثل تلك المواقف، و استبدلت بنوع محبب من الخضوع.. تستقبل منه لهفته و رغبته و حبه، تماشيه و تبادله، تضيف على الأجواء نغمات ناعمة شديدة الاغراء تصدرها كهمسات حيية تزيد وتيرة جنونه بها.. بكل تلقائية تشاركه الغرام بمطارحة عشقية لا تكون الغلبة فيها للاقوى، بل للانبل و الاصدق.. حنان، رفق، دفئ، لين، يغلفها بين اضلاع مربع طباعه الحميدة برجولة فريدة و نبل اخلاق ارغم طبيعة الانثى بأبهى صورة بالتجلي اخيرا متقشر عنها صلادة غلاف القوة الواهي.. فهي معه مجرد حياة.. امرأة قوية بذات حديدية صارمة لاتخشى الوقوف أمام أعتى العواصف.. شامخة الجبين عالية الذقن وكم تليق بها الانفة..
صورة الانوثة المطلقة و الحقيقية.. و ليس بغريب على رجل كأدم من ابراز و سقل تلك المنحوتة الربانية لمعرفته و تقديسيه لكيانها و كينونتها.. مع بعض هما في اوقاتهم الخاصة رجل و امرأة، يين و يانغ، ادم و حياة.. كل ما يقدمه لها هذا الرجل يمعن بأزدياد لمعانها، يدعم نجاحها بحياتها العملية مما فاقم نجاحاتها و عللا طموحاتها، يأثارها دائما على نفسه و يهبها كل ما يستطيع من ماله و وقته و اهتمامه و الاكثر عطائا حبه.. اكثر الناس عطفا و تفهما، بل هو و عن جدارة ملك ملوك التفهم..
ابتسم لعينيها الحييتين الهاربتين و ختم جولته التفقدية في منجم الزمرد خاصتها بقبلة خفيفة فوق شفتيها الطريتين الباسمتين.. تكلم بينما يجذبها إلى صدره يساعدها على النهوض محوطا ظهرها بذراعه، لتبقى اسيرة احضانه، وهذا أجمل ما على قلبها..
_ حضرت لك القهوة..
.. مشيرا بيده للمنضدة بجانب السرير.. التفتت برأسها لتنتعش اكثر من منظر الدخان المتصاعد من الكوب.. اعادت عينيها إليه تشكره، و تمازحه..
_ شكرا سموك.. لم تكن تحتاج لرشوة، فأميرتك رهن اشارتك دائما !!
.. همست بدلال يفقده صوابه، لكنه تجلد و رد على تلميحها بمشاكسة..
_ اعرف، لكنني اريدها نشيطة.. فهنالك أمر مهم علينا الاتفاق عليه سويا..
.. بينما يمد يده من تحت قميص نومها القصير، قشعرها متلمسا فخذها تعبث اصابعه ببطئ مجنون بكل ما في طريقها صعودا حتى استقرت كفه فوق جلد بطنها المتقلصة من سخونة اللمسة و الصوت.. فتحت عينيها تلهث بعد أن استوعبت قاصفا قصده بحرارة اللحظة !! ضحك بمرح حين عبست ملامحها و هتفت بحنق..
_ في احلامك !!!! لن تخدعني كما المرة السابقة.. لن أنجب المزيد من الأطفال يا ادم.. احمد و شهد و انت، عدد كاف لأوجاع الرأس !!
.. ازدادت ضحكاته لتهتز معه بعد أن ضمها إليه اكثر فأنكمشت فيه تمرمغ رأسها في صدره مغمضة العينين باسمة هانئة و لسان حالها يردد متضرعا لله أن لايحرمها من وجوده و دفئه.. همهم مازحا..
_ انظري إلى شكلنا في المرآة، نبدو كالكوالا !!
.. فتحت عينيها تطالع صورتهما المنعكسة على مرآة دولاب الملابس على الجانب المقابل من السرير و ابتسمت بأتساع على المنظر.. يحتويها كلها بين ذراعيه يظهر منها من تحت كتفه و جلسته الجانبيه عينيها المدورة و القليل من شعرها و ذراعيها الحليبين فقط محيطان بجذعه، بينما ضاع باقي جسمها الصغير بين ساقيه أحداهما على الأرض و الأخرى مطوية فوق الفراش ملتصقة هي تماماً بجسمه العريض لتبدو ككومة من القماش الأبيض مطعم بخيوط بندقية و حجري زمرد.. ربما كان تشبيهه اقرب، كالكوالا الصغير المتشبث بجسد أمه الضخم.. لكنها لن توافقه بالطبع، لن تكون حياة اذا فعلت.. ستضيف لمستها الساخرة حتما..
_ كلا.. نبدو أقرب للكنغر، فالام تحمل صغيرها في كيس ببطنها.. يظهر رأسه و ذراعيه فقط، مثلي تماماً..
.. مط شفتيه متقابلة عيونهم في المرآة، خاطبها متهكما..
_ خلقت لتعترضي !!
.. ضحكت ورفعت رأسها الجميل اليه مسندة ذقنها على صدره.. سألته بطريقة طفولية..
_ أين سأتخذنا اليوم ؟
.. تنهد مملوء صدره بحبها و اجابها مبتسم وهو يمسح على شعرها بلطف..
_ اختاري انت، أيام العطل انت الرئيسة و أنا سائقك الخاص..
_ اذن، ما رأيك لو نسافر ؟ اشتقت لهمسة و الأولاد.. سنعتذر عن اجتماعنا مساءا مع الاصحاب و نذهب لنقضي يومي العطلة هناك.. اشتقت إلى بيتنا..
.. وافق فورا على الطلب ليأخذها بعدها في رحلة غرامية طالت قليلاً حتى تلاشى دخان القهوة..

حكاية حياة.. الجزء الأول من سلسلة ( لنا في الحياة.. حياة ) Where stories live. Discover now