الفصل الاول

276 6 3
                                    

الفصل الأول
ليس الظاهر كالباطن، فليس كل ما هو جملًا من الخارج جميل من الداخل...
في مكان كهذا كان ينبغي أن يكون كالجنة بالنسبة لها، وأن تكون الحياة في أبهى صورها، غرفة واسعة جدرانها مزينة بالصور الرائعة، والأثاث بها أفضل ما يكون، ولكن رغم كل هذا كانت تحيط بها الظلمة والصمت الذي يحل بها عقب انتهاء صراخها كل مرة، فكان السواد هو آخر ما رأته قبل أن تغيب عن الوعي كَكلِ مرة، ابتعد عنها وهو يبتسم بتلذذ قبل أن يتحدث قائلًا:
_ أنتِ  بتتعبيني بس باستمتع أوي
وخرج من الغرفة تاركًا اياها رأسها، وجسدها بأكمله ينزف، وهي غارقة في الظلام عله يكون نجدتها..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بينما مكان آخر رغم وقوعه في أحد الأحياء البسيطة التي تمتلئ شوارعها بالباعة الجائلين، ويعلو صوتهم هنا، وهناك، وكل منهم يعرض بضاعته، ورغم رائحة الطعام التي تفوح من المطاعم الشعبية التي تملأ الشارع، إلا أنه كان هناك ما يطغي على كل هذا إلا وهو الأمان، والحب الذي انتشر بينهم، وقف على باب منزله يقبل رأس والدته قبل أن يردف قائلًا:
_ ادعيلي يا أمي اتقبل في الشغل ده
ورحل ودعواتها تلاحقه، وهو يدعو ربه بكل يسر، وقبل أن يصل إلى وجهته كان هناك أحد آخر يدلف المشفى في هيبة وغرور، فابتعد كل من بالمشفى من أمامه كالمعتاد فالجميع هنا يخشاه، أما هو كان يبتسم بثقة وهو يشعر كأنه ملك والبشر عبيده، دلف مكتبه وتناول هاتفه دون عدة أرقام حتى أجاب المتصل فاردف قائلًا:
_ شوفي البت دي خلي حد يفوقها
وأغلق دون أن يستمع للرد، وهو يسند ظهره
على الكرسي باسترخاء كأنه لم يفعل شيء، دقائق ودق الباب فسمح للطارق بالدخول والذي لم يكن سوى تلك الممرضة الخاصة به دلفت تسير بهدوء ثم تحدثت قائلة:
_ دكتور أسامة بره، الدكتور اللي جاي يقدم على التعين
_ خليه يدخل
خرجت من الغرفة تسمح له بالدخول، فدلف للداخل بعدما تنفس بعمق، وجد ذلك الذي يدعى مدحت صاحب المشفى يستند على الكرسي، وهو يغلق عينيه، وعلى شفتيه ابتسامة لا يعلم لِما لم يحبها؛ ولكنه لم يهتم تنحنح بصوت مرتفع يجذب انتباهه، فاعتدل مدحت في جلسته وتحدث بتعجرف:
_ الممرضة قالت لي جاي عشان التعين فين ورقك
لم يحب أسامة لهجته ولكنه تمالك نفسه وأعطاه الورق وتحدث قائلًا:
_ أنا أسامة أحمد 26 سنة خريج كلية طب دفعة السنة دي اشتغلت أثناء الدراسة فعدة مستشفيات تحت تدريب الأطباء
نظر مدحت له وللورق بتمحيص ثم اردف قائلًا:
_ تمام تقدر تستلم الشغل هنا شهر تحت التدريب لما نشوف هنعينك ولالا
ضغط أسامة على يديه غيظًا من أسلوبه الفظ؛ ولكنه تمالك نفسه مجددًا واردف قائلًا:
_ تمام استلم الشغل امتى؟
_ دلوقتي اتفضل
قالها وهو يشير على الباب فخرج أسامة وهو يسبه داخل نفسه؛ ولكن ماذا يفعل هو بحاجة لهذا العمل لذا مجبر على تحمل ذلك الفظ

كانت ملقاه أرضًا، والدماء قد جف على جسدها، والأرض من حولها، وقفت الخادمة أمامها ودموعها تهبط بغزارة على تلك المسكينة اقتربت منها تحاول افاقتها وهي تمسح الدماء من على وجهها وباقي انحاء جسدها..
_ أمل... أمل
بكت أكثر عندما وجدتها لا تستجيب لها فرفعت رأسها تضمها لصدرها وظلت تحاول إفاقتها حتى وجدتها ترمش بعينيها ثم تأوهت بألم، فحاولت ضمها إليها إلا أنها صرخت بقوة فابتعدت عنها سريعًا، وضعت أمل يدها على رأسها، وهي تشعر بالألم يتغلل أنحاء جسدها ظلت بضع ثوانٍ لا تعرف ماذا حدث، نظرت لجسدها لتجد ملابسها ممزقة وآثر الضرب واضح على جسدها، فشهقت، وبكت بعنف بعدما زاد الألم أكثر، اقتربت منها الخادمة تضمها إليها برفق، وهي تخشى أن تضغط على
جزء من جسدها فتألمها أكثر، بدأت أمل تتحدث من بين بكاءها بصوت متقطع:
_ ب..بيوجع..ا..أوي
بكت سماح واردفت قائلة:
_ معلش يا بنتي ربنا على الظالم
عادت أمل تتحدث بصعوبة من بين شهقاتها:
_اا.. أنا.. مم.. مش... عع.. عملت... حاجه.. ووو... والله... ههوو
وعجزت عن إكمال حديثها وقد زاد بكاءها مع صراخها من كثرة الألم، فنهضت سماح تمسح عنها الدماء وتضمد جروح جسدها وصراخ أمل المتألم يزداد مع بكاءها، ولم تكد تجلسها على الفراش حتى اردفت أمل بفزع:
_ لل.. لا..مم..مش.. تت.. تخليني.. هه.. هنا.. هه.. هيجي..وو.. هيضربني.. خديني.. مم.. من. هنا
وظل جسدها ينتفض بعنف فاقتربت منها سماح وتحدثت ودموعها لا تقف عن الهبوط:
_ حاضر يا عيوني تعالي
واصطحبتها إلى الغرفة الأخرى، وهي تعلم أن هذا لن ينقذها من بين براثينه فهو إن أراد أذيتها لن يمنعه أحد، وكان هذا ما حدث عندما حل المساء ودلف إلى الغرفة ببرود معتاد، فوجدها فارغة اتجه إلى الغرفة الأخرى وهو على يقين أنها هناك، بينما هي كانت تنام ووجهها منكمش بألم، وهي تأن، ورغم أنها كانت تنام إلا أنها كانت تراه في أحلامها أيضًا، كانت ترى صورًا مختلطة له ولتعذيبه لها حتى اختلط هذا بصورة شخص لم تعرف هيئته كان يقترب منها وهو يبتسم؛ ولكن لم تكد تمسك يده حتى جاء ذلك البغيض ليجذبها من خصلات شعرها بعنف، استيقظت وهي تلهث بعنف ودموعها تهبط بصمت نظرت جواراها فوجدته يقف يطالعها
بتلك النظرات التي تجعل الرعب يدب بأنحاء جسدها..
_ صباح النور
نظرت له أمل برعب، فاقترب منها بهدوء، قد بدأ جسدها بالارتجاف، وهي تزحف للخلف حتى اصطدم ظهرها بالحائط فضمت ركبتيها لصدرها وتحدثت أمامه لأول مرة منذ أشهر:
_ مم.. معملتش.. حح.. حاجة
_ ما أنا عارف مش بتعملي
وضحك ثم اردف قائلًا:
_ وده اللي بحبه مبتعرفيش تقاومي
جذبها مدحت من شعرها فصرخت بقوة، وضع يده على فمها مقربًا فمه من رقبتها يهمس بفحيح:
_ صوتك يا قمر صوتك
ثم تركها بعنف فاصطدم رأسها بالحائط فضغطت على شفتيها وهي تغمض عينيها بقوة تمنع صرخة متألمة من الخروج، أما عنه ابتسم وخرج من الغرفة كأن شيء لم يكن، همست أمل والحروف تخرج من بين شفتيها بتقطع مصحوبة بآنين:
_ يي.. يا.. رر.. رب
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
استلقى على الأريكة بإهمال، وهو يشعر بالإرهاق بعد ملازمة المرضى اليوم بأكمله، والتعامل مع مديره الفظ، اقتربت والدته واردفت قائلة:
_عملت أي يا حبيبي
ابتسم أسامة بتعب واردف قائلًا:
_ والله يا أمي تعبت وصاحب الشغل بني ادم مغرور بس الحمدلله على كل شيء
_ معلش يا حبيبي استحمل
قالتها وهي تربت على ظهره وتبتسم بحنان اعتاده منها فقبل اسامة يدها بابتسامه واردف قائلًا:
_ عشانك والله يا ست الكل يلا هروح أنام
_ مش هتاكل؟
_ لا مش قادر تصبحِ على خير
ابتسمت والدته بحنان واردفت قائلة:
_ وأنت من أهل الخير
دلف أسامة إلى غرفته، وبدل ملابسه ثم تسطح على الفراش وما هي إلا دقائق وكان يغط في نوم عميق تغلله حلم يراه للمرة الثانية، كان يقف على شاطئ بحر، ويرى فتاة تقف على بعد منه تبتسم له مما جعل قلبه يهيم بابتسامتها إلا أنه كان يرى في عينيها ألم، كانت تقترب منه، وهو يقترب أيضًا حتى صارا على قرب من بعضهم
أمسك يدها ليجدها تتشبث بِه كأنه وسيلة نجاتها، وفجأة استمع لصوت جهوري يصيح، فوجدها تبكي وامسكت يده، وقالت كلمة واحدة:
_ انقذني
وظلت ترددها حتى اختفت شيئًا فشيء، استيقظ من حلمه وجبينه يتعرق بشدة نهض وجلس على الفراش وهو يشعر كأنه كان واقعًا وليس حلمًا، رفع يده التي امسكتها، فوجد آثار اصابعها وهي تضغط على يده، تشتت عقله أكثر فسند رأسه
بإرهاق وتحدث أسامة بهمس:
_ يا رب اهديني

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
متنسوش تعملو ڤوت وكومنت برأيكم ♡

ضحية مرض"مكتملة" Where stories live. Discover now