الفصل السابع عشر

53 3 0
                                    

الفصل السابع عشر
يبدو أن أحدهم قرر التخلي عن خوفه هو الآخر، وأن القلب أصبح له سلطان على العقل، ارتدى ملابسه وهبط من غرفته الصغيرة متجهًا صوب منزل من سكنت روحه، عازمًا على محادثة أهلها ومعرفة ماذا حل بها لما لا تأتي لزيارتهم؟ ولما لا يذهبون هم لها؟، خاصة وهو يرى والدها والذي زاده الحزن فوق العمر عمر ووالدتها التي تهبط دموعها دوما وهي تشتري
أي شيء، منذ ثلاثة أشهر وهو في غرفته يذهب لعمله صباحًا ويعود يحبس نفسه بها يرسم ملامحها التي حفظها عن ظهر قلب ويكتب ما يعج بقلبه، وقف أمام باب شقتهم ثم أخد نفس عميق وبدأ يدق الباب، فتحت والدة نهى بلهفة انطفت فور أن رأته فهي كانت تتمنى لو كانت ابنتها، تنحنح الشاب بحرج واردف قائلًا:
_ هو استاذ علي مش موجود
_ لا جوه اتفضل
وافسحت له الطريق فدلف للمنزل بحرج، كانت تلك هي المرة الأول التي يزورهم بها وتخيل أنهم لن يعرفوه ولِمَا قد يعرفوه فهو ليس سوى جار يجلس بمفرده دائمًا، أصابت عينيه صورتها صورت من هواها القلب، كتم شريف أنفاسه للحظات، خرج والد نهى من الغرفة فنهض الشاب وكاد يعرف نفسه، إلا أن علي اردف قائلا:
_ أهلا يا شريف يا أبني خطوة عزيزة
نظر إليه شريف بدهشة واردف قائلًا:
_ هو حضرتك تعرفني
_ طبعا يا أبني مفيش حد ميعرفكش ولا يعرف أبوك الله يرحمه ده كفاية سيرتكم الطيبة
_ ربنا يكرمك يا عمي ده من زوق حضرتك
وجلسا يتحدثان في مواضيع عدة، وشريف يحاول إيجاد طريقة لسؤاله عن نهى أبنته، وملكة قلبه، حاول الحديث فكانت الكلمات تحبس في جوفه، دق الجرس واتجهت والدة نهى تفتح الباب وحين أوشك شريف على الحديث وجدها تصيح باسم أبنتها، نهض فزعًا هو والد نهى وجداها ملقاه أرضًا فصاح شريف باسمها بفزع وخوف وهو يحملها من الأرض سريعًا بين أحضانه، وضعها على الأريكة يحاول إفاقتها، نزف قلبه وآن بألم وهو يرى معالم وجهها الباهتة غاب عن من حوله لدقائق وهو يتأملها ووضع يده على خدها المتورم وفي داخله حزن وغضب كان يتوعد لمن فعل هذا بالكثير، عاد لواقعه على صياح أبيها على جارتهم الطبيبة، فحملها ووضعها على الفراش بغرفتها كاد ينصرف إلى أنه تصنم مكانه وهو يستمع إلى همسها باسمه شلت أطرافه فقد ظن أنها لا تعرفه مطلقًا ولا حتى اسمه، نظر لها وجد معالم وجهها منكمشة بألم وهي تغمض عينيها بقوة كأنها تحاول الفرار من وحش ما، كان يستمع لاسمه من بين آنينها وعندما اقترب منها دلف والدها ومعه الطبيبة فخرج هو إلى الخارج، كان شريف يضرب الأرض بقدمه بخفوت وهو يشعر بقلبه يكاد ينفجر من سرعة دقاته القلقة والمضطربة، خرجت الطبيبة من الغرفة وتحدثت مع والد نهى بصوت منخفض، بينما كان شريف تنصهر روحه من القلق، لعن نفسه مرارًا وتكرارًا فلولا خوفه من رفض أهلها له لكان زوجها الآن، كاد يسأل والدها عنها إلا أن على سبقه واردف قائلًا:
_ معلش يا أبني الدنيا ملغبطة زي ما أنت شايف
_ لا ولا يهمك يا عمي ألف سلامة عليها
_ تسلم يا حبيبي معلش نكمل كلام مرة تانية
شعر شريف أن وجوده غير مرحب به فتنحنح بحرج واستأذن وخرج من المنزل، صعد إلى غرفته على سطح المنزل المقابل لمنزل نهى دلف وجلس يستند بظهره على الفراش تناول ورقة من الاوراق الملقاة أرضًا حوله ينظر لوجهها الذي خطه مئات المرات حتى أصبح يحفظ تفاصيل وجهها عن ظهر قلب شعر بأنين قلبه وهو يتذكر مشهد حبيبته فهمس شريف بعجز وهو ينظر للصورة بين يديه:
_ يانا يا قلبي بجد يا رتني كنت اتجوزتك كان كل ده محصلش ليكِ
ونظر لسقف الغرفة وهمس وهو يغمض عينيه:
_ اللهم لا رد لقضائك فالطف بها وأرح قلبي بقربها منه على سنة رسولك وبحلالك الطيب
وظل مغمض العينين في قلبه يقين بربه ورجاء له أن يستجيب لدعائه..
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نظر صديق مدحت له وقد كان مدحت يشرب الخمر بغضب وعينين مشتعلين لا يصدق هروبها منه هكذا وبهذه البساطة كانت كلما اقتربت منه إحدى الفتيات تتهادى في خطواتها وتتدلل عليه يجذبها من شعرها ويسبها بألعن الالفاظ فتبتعد سريعا وهي تبكي بألم، اردف صديقه وهو يستحي من الكأس بيده:
_ مكنتش بت اللي تعمل فيك كده
نظر له مدحت واردف بغضب عارم:
_ دي هربت مني أنت متخيل
ثم رمى الكأس من يده بغضب فتهشم لأجزاء واستكمل:
_ حتت عيلة زي دي هربت مني بس ورحمة أمي لاجبها واندمها على اليوم اللي اتولدت فيه
_ مش ملاحظ أنك نسيت امل فين وعدك إنك هتندمها
اردف بها صديقه متجاهلًا غضبه على نهى فهو لا يعني له شيء في النهاية، اردف مدحت بغضب مضاعف بعدما ذكره بها وبما فعله أسامة:
_ لسه والله لاوريها
التوى فم صديقه باستهزاء واردف قائلًا:
_ ده خلعها منك بقاله تلت شهور
ثم احتسى من كأسه ببرود واردف قائلًا:
_ وأسامة وأمل اتجوزوا
صاح مدحت بغضب:
_ ايه اتجوزوا يعني اتعالجت
حرك صديقه بالإيجاب واردف قائلًا:
_ والله يا دوك هما كتبوا الكتاب النهارده وعلى حسب ما الواد قالي أمل بقت فل والضحكة منورة وشها
قبض مدحت على كفيه واردف بشر وخبث كخبث الذئاب:
_ يبقى هنجيبها تاني بقى لحسن وحشتني أوي
نظر له صديقه بعدم تصديق واردف قائلًا:
_ هترجعها بجد
تعالت ضحكات مدحت واردف قائلًا:
_ هرجعها  ومش بس كده هخدها من حضنه عشان يتعلم ميدخلش فحاجة تخصني
ابتسم صديقه ونظر أمامه بشرود يشوبه انتصار وكأنه بتعذيبها يفوز وما مدحت إلا وسيلة يحركها وربما هما الاثنان يفوزان بتعذيبها وكلاهما يرى الآخر وسيلة لذلك..

ضحية مرض"مكتملة" Where stories live. Discover now