الفصل الحادي عشر

77 4 0
                                    

الفصل الحادي عشر

بعض الاطفال تلهو هنا وهناك، ورجل كبير يجلس على كرسيه يتابعهم وفي يده الجريدة، وصوت العامل في المقهى يملأ المكان، وبعض الشباب يجلسون سويا وصوت ضحكهم الصافي يعلو، والمباني رغم تهالكها إلا أن من ينظر لها يشعر بالسكينة والهدوء، في إحدى الشقق الصغيرة كانت تعد الطعام مع والدتها وسط جو يملأه المرح، انتهت مع دق والدها على باب المنزل فركضت تفتح له واردفت وهي تقبل خده:
_ حبيب قلبي وحشتني
ضحك والدها واردف قائلًا:
_ يلا يا نصابة
همست نهى وهي تغمز له:
_ خايف قرة عينك تسمعني وتغير
_ يلا يا بت هاتي الاكل معايا وخفي نصب شوية
اردفت بها والدتها وهي تخرج من المطبخ فذهبت نهى تجلب باقي الطعام وهي تشاكس والدتها ظل جو المرح يحيط بهم حتى اردف والدها قائلًا:
_ دكتور مدحت طلب ايدك يا نهى
تركت نهى الملعقة واردفت بصدمة:
_ نعم
تحدثت والدتها بفرحة وهي تخاطب والدها:
_ بجد والله دكتور مدحت مدير المستشفى
_ ايوه هو
ثم نظر لأبنته واردف قائلًا:
_ اي رأيك يا بنتي
_ لا مش موافقة يا بابا
نظرت لها والدتها بدهشة واردفت قائلة:
_ مش موافقة ده أي أنتِ تطولي واحد زي دكتور مدحت
واردف والدها قائلا:
_ ليه يا بنتي ده دكتور مدحت أخلاقه عالية وشخص محترم غير أنه هيصونك
_ بس ده راجل كبير ده أصغر من حضرتك بكام سنة يعني في سن أبويا
نظرت لها والدتها واردفت بإقناع:
_ فرق السن مش عيب ادام هيصونك ويحافظ عليكِ
_ لا يا امي مش موافقة عن إذنكم
ودلفت نهى غرفتها، والتي تبدو بسيطة الشكل بها فراش يتوسطها ومكتب صغير في ركن بها عليه بعض الكتب والروايات الخاصة بها، بالإضافة إلى تلك الرسومات المعلقة على الحائط والتي كانت هي من خطها ورسمها، استلقت على الفراش تنظر للسقف بشرود ووضعت يدها على قلبها لا تعلم لِمَا تشعر بتلك الغصة به، شردت وهي تتذكر نظرات مدحت لها عندما رأته منذ يومين....
قبل يومين
كانت ذاهبة لشراء بعض الملابس عندما مرت على والدها في المشفى الذي يعمل به وأثناء ركضها كالمعتاد اصطدمت بأحدهم فارتدت للخلف فلف هو يده هو خصرها، نظر لها بتفحص فشعرت كأن اصابعه تغرز في خصرها تحدثت نهى:
_ ينفع تسبني
ابتعد عنها مدحت فعدلت ملابسها وهي تشعر بنظراته تخترقها نظرت له وكادت ترحل إلا أنه ابتسم واردف قائلًا:
_ مدحت الاسيوطي صاحب المستشفى
ابتسمت بتوتر واردفت قائلة:
_ اه أهلاً يا فندم عن إذنك
ورحلت سريعًا من أمامه وبعدما ابتعدت قليلا نظرت خلفها وجدته ينظر لها وقد أرهبتها نظراته تلك ولا تعلم لماذا؟
عودة
تنهدت نهى بقوة وهي تحاول طمئنت نفسها قائلة أنها رفضته وانتهى الأمر...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عم الظلام الغرفة إلا من ضوء القمر الذي ظهر واضحًا من شرفة الغرفة، القمر والنجوم الذي لمعت في السماء ومن حولها بعض السحب مشهد بديع تخفق له القلوب، ومن يرى مشهد احتضانه لها كأنها ابنته يظن أن النجوم والقمر يشاهدونهم بابتسامة، كان أسامة يسند رقبته على ظهر الفراش وهو مغمض العينين وأمل
نائمة متشبثة به كالطفل المتشبث بوالدته، استيقظ أسامة يشعر بثقل على صدره، ابتسم برفق عندما وجدها تغط في النوم هكذا، أخذ يتأمل ملامحها والتي سلط على ضوء القمر فأصبحت أجمل بكثير، ابتسم بحب لم يشعر به سوى معها فقط، ووضعها على الفراش بحنان أب على أبنته وخوف صديق على صديقته وهيام عاشق تملك الحب قلبه، خرج من الغرفة وجلس أمام والدته والتي نظرت له قليلًا ثم تحدثت قائلة:
_ ممكن افهم اللي بتعمله ده آخره أي
_ هعالجها
_ وبعد ما تعالجها هتعمل أي
نظر أسامة لوالدته وهو يفهم ما ترمي إليه فاردف قائلا:
_ بصي يا أمي أنا أول حاجه هعملها هعرض أمل على الطب الشرعي تمام عشان أقدر اطلقها من المريض ده وبعدها هكتب كتابي عليها لأن تعلق أمل بيا هيزيد
ثم أخذ نفس عميق واكمل:
_ وتعلقي بيها زاد نوبة الفزع هعالجها وهحسسها بالأمان لحد ما ترجع كويسة تاني
_ بص يا أبني انا مش هقولك حاجه اللي أنت عايزه أعمله بس الراجل ده مش هيطلق ولو طلقها مش هيسيبك كده
ثم جذبت ورقة بجانبها واعطتها له وهي تقول:
_ افتكرته جواب من أخويا ففتحته
نظر أسامة بالورقة وقرأ ما دون بها:
_ برافو فاكر إنك كده كسبت تبقى غلطان وحتى لو خدت أمل فهي مجرد لعبة بتسلى بيها وهاخدها تاني  وأنا وقتها مش هرحمك
كور أسامة الورقة بين يديه بغضب فأردفت والدته:
_ كل اللي هقوله خد بالك من نفسك يا أبني ومن أمل كمان
ضغط على يديه وتحدث بغضب وعصبية وقلبه بِهِ بعض الخوف ليس على نفسه بل عليها وهمس بغضب:
_ والله ما هسيبه هخليه يتمنى الموت ومش هياخده والله بحق كل دمعة نزلت منها لهندمه
وحين عمَّ الصبح اصطحب أسامة أمل واتجه إلى وجهته، جلس وهي بجواره أمام الشرطي الذي تحدث قائلا:
_ أسامة هنحتاج ناخدها للفحص
ارتجفت يدها بيده فنظر لها وابتسم بهدوء ثم نظر لصديقه واردف قائلا:
_ هشام انا مش هعرضها لكده
_ يعني أي
_ يعني ببساطة أنا دكتور وعملتلها فحص
ثم أخرج أسامة ورق من حقيبته وأعطاه له واردف قائلا:
_ تقدر توثق الورق ده ونكمل القضية أنا مش هينفع أعرضها على الطب الشرعي
فأماء هشام بتفهم وهو يرى ارتجاف أمل وهي تنظر له بخوف، رق قلبه لها وهو يشعر بالشفقة والحزن فاردف قائلا:
_ هتكسب القضية وهتطلقها منه ده أكيد
ابتسم أسامة بمجاملة واردف قائلًا وهو يقف وأمل تمسك بيده:
_ إن شاء الله، يلا عن أذنك
وخرج من المكان متجهًا إلى سيارته، أدخل أمل وركب هو الآخر فابتسم واردف قائلا:
_ ناكل أي بقى
نظرت له أمل بحيرة واردفت قائلة:
_ مم.. مفيش.. غغ.. غير.. عع.. عيش.. ناكله
_ لا في أكل تاني كتير
عقدت حاجبيها بدهشة واردفت قائلة:
_ لل.. لا
أمسك أسامة يدها واردف قائلا:
_ معايا هنعمل كل حاجه
وحرك السيارة متجهًا إلى أحد المطاعم، ظل يطعمها وهو يرى سعادتها عندما تتذوق شيء جديد، خرجا من المطعم، وبدأ يسير وهو يمسك بيدها على كرنيش النيل والذي كان فارغًا لا يوجد به أحد فالوقت مازال مبكرًا، مما جعلها تسير معه وهي لا تشعر بالخوف يكفي أنه معها، وقف أسامة امامها وهو يسمك بيديها
الاثنين واردف قائلًا:
_ مبسوطة
_ اا.. اه
ابتسم أسامة وهو ينظر لها بحب فأردفت أمل:
_ أأ.. أنا..بب.. بحبك.. أأ.. أوي
اتسعت ابتسامة أسامة أكثر فضمها إليه واردف قائلًا:
_ وأنا بموت فيكِ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حل المساء وفي ذلك الحي الشعبي، كانت تأخذ الغرفة ذهابًا وإيابًا بتوتر، فوالدها منذ أن جاء من العمل وهالة الحزن تحيط به ثم جلس يتحدث مع والدتها، سمعت والدتها تناديها فخرجت من غرفتها سريعا واردفت نهى قائلة:
_ نعم يا ماما

_ اقعدي عايزاكِ
جلست نهى أمامها وهي تشعر بقلبها يكاد يتوقف من شدة القلق فأردفت والدتها قائلة:
_ أبوكِ طردوه من الشغل
_ نعم ليه
_ أنتِ عارفه ليه المشكلة مش في كده المشكلة...
كادت تكمل إلا أن والد نهى اردف مقاطعًا إياها قائلًا وهو ينظر إلى أبنته:
_ فرحك أنتِ ومدحت كمان أسبوع
نظرت نهى له بصدمة واردفت قائلة:
_ نعم ازاي
_ ده اللي عندي ومش عايز أسمع كلمة أنا قولتلك اهو عشان تجهزي
وتركها ودلف إلى الغرفة نظرت لوالدتها بدموع
واردفت قائلة:
_ يعني أي هتجوز غصب عني؟
صمتت والدتها ونظرت أرضًا ودموعها تهبط فأردفت نهى بصوت مرتفع ودموع:
_ أنتِ ساكته ليه ها ردي عليا
ولكن لم تجد جواب فمسحت نهى دموعها بعنف واردفت قائلة:
_ تمام مش أنتم قررتوا حلو وأنا هنفذ
ودلفت إلى غرفتها تدفن وجهها في وسادتها تبكي بعنف حتى غطت في النوم...

ضحية مرض"مكتملة" Where stories live. Discover now